نكبر وتكبر معنا المسؤوليات والأهداف والهموم، تبلعنا الحياة في بطنها وتمضغنا بين العقبة والأخرى. تشغلنا بتقلصاتها وينتهي بِنَا المطاف إلى الطحن بين الدراسة والشغل ودفع الفواتير والمتطلّبات الاجتماعية والمعاناة المادية والمرض والعديد من النقط المتتالية في قائمة طويلة لا تنتهي إلا مع انتهاء العمر. نفقد أرواحنا في زحمة الدنيا وننسى تغذيتها بالتفاصيل الجميلة.
إذا تأملنا في طريقة عيشنا سنجد أنها كلها عبارة عن اختيارات. فضوضاء الحياة لا تعرف الهدوء، تُعيّشنا ما لذّ وطاب من الأحداث السّارة والضّارة، تختارها لنا ولكن نحن من نختار كيفية التعامل معها، ونختار من أي زاوية سنراها . نختار بين رؤية الجزء الممتلئ من الكوب وبين التركيز عَلى الجزء الفارغ، نختار بين تقدير ما نملك وبين السعي وراء ما يملكه الأخرون، نختار بين التفاؤل وبين التشاؤم، نختار بين التشبث بالأمل وبين الاستسلام لليأس. نَحْن من نقرر أن نعيش سعداء في كل يوم ولو بتفاصيل صغيرة في غياب الأحداث الكبيرة.
إنّ التفاصيل يا أصدقاء تُخلَق ولا تُصادف. فالإنسان مثلا يصنع سعادته من خلال إضافات بسيطة إلى يومه الحافل؛ يختار أن يبدأ يومه بابتسامة في وجه من يعرفه ومن لا يعرفه، ابتسامة للسماء والشجر والطيور، ابتسامة تنعكس عليه وتبتسم منه وله. يُسعد بها نفسه وتمتدّ السعادة إلى العالم من حوله. الإنسان يحرص على إمساك المصعد لمن خلفه، يُلقي عليهم السلام ويتمنى لهم يوماً سعيداً قبل أن يخطو خارج المصعد. فيُسعد بلباقته نفسه والناس. الإنسان يلتقط قمامة مرمية على الأرض في وسط الممر ويرميها في سلّة المهملات، فيمطي الأذى عن الطريق ويكسب أجر صدقة ويسعد قلبه بسلوك يجعله يشعر بالرضا عن نفسه. الإنسان يشرب قهوته في كوبه المفضّل ويتأمّل الطبيعة من وراء نافذته ويسرح في تفاصيلها بعيدا عن ضغط اليوم. يقول لزميله أن القميص الذي يرتديه يليق به. يترفّع عن الردّ على تعليق مسئ لم يرقه. يتجاهل موجات السلبية ويختار أن ينشر الإيجابية على نفسه وعلى محيطه.
يستطيع الإنسان إسعاد نفسه من خلال أعمال يقوم بها يوميا ويصنّفها ضمن الروتين. فمن يصلّي خمس مرات يمكنه أن يستشعر السعادة خمس مرات في الْيَوْمَ إذا أدى صلاته كما يجب، في وقتها وعلى أصولها، يرضي بذلك نفسه ويشحن روحه ويكسب رضا ربه. ومن يحرص على شراء شيء بسيط كقطعة شوكولاتة لنفسه وهو يشتري أغراض بيته فهو بذلك يسعد نفسه ويداعب إحساسها. ومن وهو يقود سيّارته، يقف للمارّة العابرين ويصبر إلى أن يعبر الرجل المسنّ ذو العكّاز البطيء، يستشعر عمله الجميل ويُشجَّع نفسه على القيام بأشياء مماثلة. يبتسم لنفسه أمام المرآة وهو يفرش أسنانه ويخبرها بصوت مسموع أنها كانت رائعة اليوم وأنها ستكون أروع غداً. الإنسان السعيد يجعل كل ما يفعله يكون لنفسه أولًا قبل أي أحد أخر. يشتغل على نفسه ويجعلها المصدر الأساسي لسعادته بغض النظر عما يُحيط بها، يختار قيادة يومه كما يحلو له رغم انحرافات الواجهة.
السعادة تُضاعف في الاحتفال بالمناسبات. الإنسان السعيد ينتقي أحبّ اللباس إليه في يوم العيد، يرتديه ويُغيّر روتين الحياة اليومية بلمسة بسيطة. يُحضّر حلويات ومأكولات لا يقدر على تحضريها كل يوم، يوزع بالونات ملونة على أطفال الحي، يقبّل يد الجارة المسنّة، يصل الرّحم مع العم والجد والخالة. الإنسان السعيد يتذكر أنّ صديقه كان قد أشار إلى أنه يرغب في ساعة معيّنة فيشتريها له هدية بمناسبة عيد ميلاده، فيفرحان معاً بتبادل الحب والاهتمام من خلال تفاصيل. يُفاجئ شريك حياته بباقة ورد من الورد المفضّل لديه ويُنهيان يومهما الذي حوّلته التفاصيل إلى مناسبة لطيفة معاً ويعيشان من المشاعر ما يُقربهما من بعض أكثر فأكثر. يحرص على الحضور إلى الأنشطة المدرسية التي تشارك فيها ابنته، فيشبع طفولتها المندفعة بالحُب ويسترجع معها طفولته المنسية بين السنوات.
الإنسان السعيد يُداوم على زيارة أمّه، يقبل رأسها ويسعد قلبها بكلام معبّر، يتذكر أنها تُحب الإجاص فيشتري لها كيس. تصرف بسيط لكنّه ذو أثرين عظيمين على الطرفين: طرف يرسل الحب وأخر يستقبله ويتسرب الباقي على شكل سعادة تدفئ المكان. الإنسان السعيد يتذكّر موعد طبيب أبيه ويتصل كي يطمئن عليه ويتأكد عليه أن يتناول دواءه في وقته. يبعث رسالة إلى أخته المشغولة بين بيتها وأولادها يسأل فيها عن حالها، يذكّرها أنه موجود في حياتها. يمكنني الاستمرار في عدّ مثل هذه التفاصيل إلى الأبد لأنها كثيرة بقدر حاجتنا إلى السعادة في حياتنا من خلالها.
لا أنكر أنّ كل هذه التفاصيل ستضل تفاصيل صغيرة لا يستطيع الإنسان مواكبتها في وسط زحمة الحياة الكبيرة، لكن حقيقة أنّنا نقوم بها دائماً بشكل أو بأخر دون أن نستشعر قيمتها وتأثيرها الإيجابي علينا أمرٌ يُضايقني ويستفزني إلى حد الكتابة عنه ومشاركته مع الناس من أجل عالم أفضل. كنت أعتقد أن السعادة هدف بعيد ومعقّد يشمل معايير ويستوجب طريقة معينة، طريقة مثالية يكون فيها كل شيء في مكانه، وكنت أنتظر الظروف أن تُسعدني ويا لضياع وقتي في الانتظار!
لقد علّمتني التجارب أن أبحث عمّا أريد بنفسي وفي نفسي ولنفسي أوّلا، علّمتني أنّ العالم سيتغيّر إذا أنا تغيّرت. لا أقدر على تغيير العالم ولكني أقدر على تغيير منظوري للعالم بما في ذلك نظرتي للسعادة. جعلتني التجارب أكوّن لها معنى آخر: أبسط وأجمل وأكثر مرونة. بدأت أرى الجمال في كل شيء وأفرح به، أهتمّ بالتفاصيل وأقدّرها، وأعبّر عن مشاعري أكثر، أقول "أحبك" و"طاب يومك" و"تبدين متألقة" أكثر فأكثر، أنتبه للقمر عندما يكتمل وأختار نجمتي المفضلة وأنا أمشي ليلاً. أبحث عن الجمال بين الغيوم وأتذكر التسبيح وقت الرعد. صرت أعيش السعادة في اليوم ألف مرة فقط بالتفاصيل. وأنشر السعادة والإيجابية من أجل قلبي وباقي القلوب التي تكاد تتشظى حزنا من تفشّي السلبية والبغض والحروب والأمراض النفسية.
blogs.aljazeera.net
إذا تأملنا في طريقة عيشنا سنجد أنها كلها عبارة عن اختيارات. فضوضاء الحياة لا تعرف الهدوء، تُعيّشنا ما لذّ وطاب من الأحداث السّارة والضّارة، تختارها لنا ولكن نحن من نختار كيفية التعامل معها، ونختار من أي زاوية سنراها . نختار بين رؤية الجزء الممتلئ من الكوب وبين التركيز عَلى الجزء الفارغ، نختار بين تقدير ما نملك وبين السعي وراء ما يملكه الأخرون، نختار بين التفاؤل وبين التشاؤم، نختار بين التشبث بالأمل وبين الاستسلام لليأس. نَحْن من نقرر أن نعيش سعداء في كل يوم ولو بتفاصيل صغيرة في غياب الأحداث الكبيرة.
إنّ التفاصيل يا أصدقاء تُخلَق ولا تُصادف. فالإنسان مثلا يصنع سعادته من خلال إضافات بسيطة إلى يومه الحافل؛ يختار أن يبدأ يومه بابتسامة في وجه من يعرفه ومن لا يعرفه، ابتسامة للسماء والشجر والطيور، ابتسامة تنعكس عليه وتبتسم منه وله. يُسعد بها نفسه وتمتدّ السعادة إلى العالم من حوله. الإنسان يحرص على إمساك المصعد لمن خلفه، يُلقي عليهم السلام ويتمنى لهم يوماً سعيداً قبل أن يخطو خارج المصعد. فيُسعد بلباقته نفسه والناس. الإنسان يلتقط قمامة مرمية على الأرض في وسط الممر ويرميها في سلّة المهملات، فيمطي الأذى عن الطريق ويكسب أجر صدقة ويسعد قلبه بسلوك يجعله يشعر بالرضا عن نفسه. الإنسان يشرب قهوته في كوبه المفضّل ويتأمّل الطبيعة من وراء نافذته ويسرح في تفاصيلها بعيدا عن ضغط اليوم. يقول لزميله أن القميص الذي يرتديه يليق به. يترفّع عن الردّ على تعليق مسئ لم يرقه. يتجاهل موجات السلبية ويختار أن ينشر الإيجابية على نفسه وعلى محيطه.
يستطيع الإنسان إسعاد نفسه من خلال أعمال يقوم بها يوميا ويصنّفها ضمن الروتين. فمن يصلّي خمس مرات يمكنه أن يستشعر السعادة خمس مرات في الْيَوْمَ إذا أدى صلاته كما يجب، في وقتها وعلى أصولها، يرضي بذلك نفسه ويشحن روحه ويكسب رضا ربه. ومن يحرص على شراء شيء بسيط كقطعة شوكولاتة لنفسه وهو يشتري أغراض بيته فهو بذلك يسعد نفسه ويداعب إحساسها. ومن وهو يقود سيّارته، يقف للمارّة العابرين ويصبر إلى أن يعبر الرجل المسنّ ذو العكّاز البطيء، يستشعر عمله الجميل ويُشجَّع نفسه على القيام بأشياء مماثلة. يبتسم لنفسه أمام المرآة وهو يفرش أسنانه ويخبرها بصوت مسموع أنها كانت رائعة اليوم وأنها ستكون أروع غداً. الإنسان السعيد يجعل كل ما يفعله يكون لنفسه أولًا قبل أي أحد أخر. يشتغل على نفسه ويجعلها المصدر الأساسي لسعادته بغض النظر عما يُحيط بها، يختار قيادة يومه كما يحلو له رغم انحرافات الواجهة.
السعادة تُضاعف في الاحتفال بالمناسبات. الإنسان السعيد ينتقي أحبّ اللباس إليه في يوم العيد، يرتديه ويُغيّر روتين الحياة اليومية بلمسة بسيطة. يُحضّر حلويات ومأكولات لا يقدر على تحضريها كل يوم، يوزع بالونات ملونة على أطفال الحي، يقبّل يد الجارة المسنّة، يصل الرّحم مع العم والجد والخالة. الإنسان السعيد يتذكر أنّ صديقه كان قد أشار إلى أنه يرغب في ساعة معيّنة فيشتريها له هدية بمناسبة عيد ميلاده، فيفرحان معاً بتبادل الحب والاهتمام من خلال تفاصيل. يُفاجئ شريك حياته بباقة ورد من الورد المفضّل لديه ويُنهيان يومهما الذي حوّلته التفاصيل إلى مناسبة لطيفة معاً ويعيشان من المشاعر ما يُقربهما من بعض أكثر فأكثر. يحرص على الحضور إلى الأنشطة المدرسية التي تشارك فيها ابنته، فيشبع طفولتها المندفعة بالحُب ويسترجع معها طفولته المنسية بين السنوات.
الإنسان السعيد يُداوم على زيارة أمّه، يقبل رأسها ويسعد قلبها بكلام معبّر، يتذكر أنها تُحب الإجاص فيشتري لها كيس. تصرف بسيط لكنّه ذو أثرين عظيمين على الطرفين: طرف يرسل الحب وأخر يستقبله ويتسرب الباقي على شكل سعادة تدفئ المكان. الإنسان السعيد يتذكّر موعد طبيب أبيه ويتصل كي يطمئن عليه ويتأكد عليه أن يتناول دواءه في وقته. يبعث رسالة إلى أخته المشغولة بين بيتها وأولادها يسأل فيها عن حالها، يذكّرها أنه موجود في حياتها. يمكنني الاستمرار في عدّ مثل هذه التفاصيل إلى الأبد لأنها كثيرة بقدر حاجتنا إلى السعادة في حياتنا من خلالها.
لا أنكر أنّ كل هذه التفاصيل ستضل تفاصيل صغيرة لا يستطيع الإنسان مواكبتها في وسط زحمة الحياة الكبيرة، لكن حقيقة أنّنا نقوم بها دائماً بشكل أو بأخر دون أن نستشعر قيمتها وتأثيرها الإيجابي علينا أمرٌ يُضايقني ويستفزني إلى حد الكتابة عنه ومشاركته مع الناس من أجل عالم أفضل. كنت أعتقد أن السعادة هدف بعيد ومعقّد يشمل معايير ويستوجب طريقة معينة، طريقة مثالية يكون فيها كل شيء في مكانه، وكنت أنتظر الظروف أن تُسعدني ويا لضياع وقتي في الانتظار!
لقد علّمتني التجارب أن أبحث عمّا أريد بنفسي وفي نفسي ولنفسي أوّلا، علّمتني أنّ العالم سيتغيّر إذا أنا تغيّرت. لا أقدر على تغيير العالم ولكني أقدر على تغيير منظوري للعالم بما في ذلك نظرتي للسعادة. جعلتني التجارب أكوّن لها معنى آخر: أبسط وأجمل وأكثر مرونة. بدأت أرى الجمال في كل شيء وأفرح به، أهتمّ بالتفاصيل وأقدّرها، وأعبّر عن مشاعري أكثر، أقول "أحبك" و"طاب يومك" و"تبدين متألقة" أكثر فأكثر، أنتبه للقمر عندما يكتمل وأختار نجمتي المفضلة وأنا أمشي ليلاً. أبحث عن الجمال بين الغيوم وأتذكر التسبيح وقت الرعد. صرت أعيش السعادة في اليوم ألف مرة فقط بالتفاصيل. وأنشر السعادة والإيجابية من أجل قلبي وباقي القلوب التي تكاد تتشظى حزنا من تفشّي السلبية والبغض والحروب والأمراض النفسية.
لا تكن "أحمقا" وتنتظر السعادة لتأتيك!
الإنسان يصنع سعادته من خلال إضافات بسيطة ليومه الحافل؛ يختار بدأ يومه بابتسامة في وجه من يعرفه ومن لا يعرفه، ابتسامة للسماء والشجر والطيور، ابتسامة تنعكس عليه