تثقيف الذات
أول ما افتتحت الجامعة سعت إلى تثقيف موظفيها ، فحثتهم على مواصلة تعليمهم ، بخاصة ممن كانوا يعملون فيها وهي مدرسة ثانوية ومعهد إعداد معلمين . ولما كان قسم من أعضاء مجلس أمنائها مثقفين وكان توجههم توجها ليبراليا وغربيا ، مثل السيد حكمت المصري والمربية يسرى صلاح والدكتور شوكت زيد والمحامي موسى الجيوسي والشاعرة فدوى طوقان ، ولما كان رئيسا الجامعة الأولان درسا في جامعات أميركية ، فقد شجعوا على عقد دورات باللغة الانجليزية ؛ لأعضاء هيأة التدريس ممن يرغب ، وللموظفين الإداريين ، ولما كان هناك صلة بين الجامعة كهيأة علمية وبين مؤسسات انجليزية وأميركية علمية ، فقد عقد في صيف 1983 دورة لغة انجليزية لتطوير مستوى العاملين فيها ممن يرغبون في تطوير لغتهم وتنميتها .
أجرى القائمون على الدورة امتحانا لمعرفة مستوى المتقدمين حتى يبنوا على نتائج الامتحان .
كانت رغبتي في تعلم الإنجليزية شديدة ولكني لم أسع بعد التوجيهي لهذا ، علما بأنني حصلت في امتحانات التوجيهي على 273 من 300 - أكثر مما حصلت عليه في مادة اللغة العربية حيث حصلت على 231 من 300 . وهنا قد يسأل سائل :
- لماذا لم تتخصص أصلا في الأدب الإنجليزي؟
ولقد رغبت حقا في ذلك ولكن تجارب آخرين درسوا في الجامعة الأردنية في 1971 لم تشجعني ، فعلى الرغم من أنهم كانوا من الأوائل إلا أنهم لم يغمسوا زيتا في حينه مع طلبة مدارس الفرندز والفرير الذين تخصصوا في الأدب الإنجليزي .
في امتحان اللغة الإنجليزية حصلت على ما يقارب السبعين وهي العلامة التي حصل عليها بعض الموظفين من الجامعة ممن تخرجوا في قسم اللغة الانجليزية في الدفعة الأولى .
واظبت على تعلم اللغة وواصلت حضور محاضرات مع السيدة إنصاف عباس المحاضرة في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة لفترة ثم انقطعت لأسباب منها العبء التدريسي ، فقد كنت أدرس 18 ساعة أسبوعيا - أي ست ساعات إضافي فوق العبء التدريسي ، وهذا فوق الطاقة وعلى حساب الصحة الجسدية والذهنية ، كما أنني في فترة لاحقة أخذت أتعلم اللغة العبرية مع طلاب الجامعة مع معلمها غانم مزعل ، وحملت بذلك ثلاث بطيخات بيد واحدة ، ولهذا لم أفلح في إتقان أية لغة ، عدا أن إتقان أية لغة يتطلب أن تعيش بين أهلها وتخالطهم وتتكلم معهم بلغتهم .
هنا أتذكر قصة الأستاذ الجامعي المصري أحمد أمين وحكايته مع تعلم اللغة الانجليزية .
في سيرته الذاتية " حياتي " يأتي أحمد أمين على قصة تعلمه اللغة الانجليزية يوم كان أستاذا في الجامعة . لقد أراد تعلم اللغة الانجليزية فمن غير المعقول أن يكون أستاذا في الجامعة ، في القاهرة التي كان الأجانب يؤمونها ، ولا يتقن الإنجليزية ، وهكذا عقد العزم على تعلم اللغة ، وقد اتفق مع امرأة إنجليزية كبيرة تقيم في القاهرة على أن تعطيه حصصا خاصة مقابل مبلغ من المال ، وصار يتردد على بيتها حيث كانت تعطيه الحصص ، وقد واظب على التعلم ، ثم أخذ يشارك في مؤتمرات علمية تعقد خارج مصر ، ومرة أراد أن يلقي ورقته بالإنجليزية فتلعثم ولم يجد الحديث ، وهكذا قرر ألا يتحدث بغير العربية .
أعتقد أن مما يؤخذ على أعضاء هيأة التدريس في كثير من أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية ، وأنا منهم ، هو عدم إتقانهم للإنجليزية ، وهذا يقلل من فرصهم ؛ في التدريس في جامعات عالمية ، وفي القراءة بلغة أخرى ، وفي كتابة الأبحاث ونشرها . بل ويقلل من فرصهم في تبوؤ مراكز علمية مهمة حتى في جامعتهم ، إذا غضضنا النظر عن الولاء ، فالولاء في جامعاتنا مقدم كثيرا على الكفاءة . الجامعات العربية للأسف تريد ولاءات ولا تريد كفاءات .
فيما بعد صرنا إذا أردنا كتابة ملخص ما باللغة الانجليزية نستعين بأساتذة قسم اللغة الانجليزية لينظروا في سلامته أسلوبيا ، والطريف أن قسما كبيرا من هؤلاء صاروا يستعينون بنا لننظر في الملخصات التي يكتبونها بالعربية لأبحاثهم ، على قلة ما يكتبون .
مرة كتب الناقد الفلسطيني د. فيصل دراج عن الفرق بين تعلم الإنجليزية في النصف الأول من القرن العشرين وتعلمها الآن وقال كلاما صحيحا . كتب إن إتقان الإنجليزية قديما كان يعني أن تعرف ثقافة تلك اللغة وتسهم في المعرفة بنقلها أو بالتأليف بتلك اللغة ، وأما في عصرنا فقد افتقد إتقان اللغة الأجنبية تلك الميزة ، وهذا واضح جدا من خلال الإنتاج المعرفي لأساتذة أقسام اللغة الانجليزية ، ولكن إدارة جامعة النجاح الوطنية تفرط في أستاذ له عشرون كتابا ، ولا تفرط بدكاترة يتقنون الإنجليزية وليس لهم نتاج علمي يشار إليه ، وتلك طامة كبرى .
وللكتابة بقية يوم الجمعة القادم .
29 تشرين الثاني 2019
عادل الأسطة
أول ما افتتحت الجامعة سعت إلى تثقيف موظفيها ، فحثتهم على مواصلة تعليمهم ، بخاصة ممن كانوا يعملون فيها وهي مدرسة ثانوية ومعهد إعداد معلمين . ولما كان قسم من أعضاء مجلس أمنائها مثقفين وكان توجههم توجها ليبراليا وغربيا ، مثل السيد حكمت المصري والمربية يسرى صلاح والدكتور شوكت زيد والمحامي موسى الجيوسي والشاعرة فدوى طوقان ، ولما كان رئيسا الجامعة الأولان درسا في جامعات أميركية ، فقد شجعوا على عقد دورات باللغة الانجليزية ؛ لأعضاء هيأة التدريس ممن يرغب ، وللموظفين الإداريين ، ولما كان هناك صلة بين الجامعة كهيأة علمية وبين مؤسسات انجليزية وأميركية علمية ، فقد عقد في صيف 1983 دورة لغة انجليزية لتطوير مستوى العاملين فيها ممن يرغبون في تطوير لغتهم وتنميتها .
أجرى القائمون على الدورة امتحانا لمعرفة مستوى المتقدمين حتى يبنوا على نتائج الامتحان .
كانت رغبتي في تعلم الإنجليزية شديدة ولكني لم أسع بعد التوجيهي لهذا ، علما بأنني حصلت في امتحانات التوجيهي على 273 من 300 - أكثر مما حصلت عليه في مادة اللغة العربية حيث حصلت على 231 من 300 . وهنا قد يسأل سائل :
- لماذا لم تتخصص أصلا في الأدب الإنجليزي؟
ولقد رغبت حقا في ذلك ولكن تجارب آخرين درسوا في الجامعة الأردنية في 1971 لم تشجعني ، فعلى الرغم من أنهم كانوا من الأوائل إلا أنهم لم يغمسوا زيتا في حينه مع طلبة مدارس الفرندز والفرير الذين تخصصوا في الأدب الإنجليزي .
في امتحان اللغة الإنجليزية حصلت على ما يقارب السبعين وهي العلامة التي حصل عليها بعض الموظفين من الجامعة ممن تخرجوا في قسم اللغة الانجليزية في الدفعة الأولى .
واظبت على تعلم اللغة وواصلت حضور محاضرات مع السيدة إنصاف عباس المحاضرة في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة لفترة ثم انقطعت لأسباب منها العبء التدريسي ، فقد كنت أدرس 18 ساعة أسبوعيا - أي ست ساعات إضافي فوق العبء التدريسي ، وهذا فوق الطاقة وعلى حساب الصحة الجسدية والذهنية ، كما أنني في فترة لاحقة أخذت أتعلم اللغة العبرية مع طلاب الجامعة مع معلمها غانم مزعل ، وحملت بذلك ثلاث بطيخات بيد واحدة ، ولهذا لم أفلح في إتقان أية لغة ، عدا أن إتقان أية لغة يتطلب أن تعيش بين أهلها وتخالطهم وتتكلم معهم بلغتهم .
هنا أتذكر قصة الأستاذ الجامعي المصري أحمد أمين وحكايته مع تعلم اللغة الانجليزية .
في سيرته الذاتية " حياتي " يأتي أحمد أمين على قصة تعلمه اللغة الانجليزية يوم كان أستاذا في الجامعة . لقد أراد تعلم اللغة الانجليزية فمن غير المعقول أن يكون أستاذا في الجامعة ، في القاهرة التي كان الأجانب يؤمونها ، ولا يتقن الإنجليزية ، وهكذا عقد العزم على تعلم اللغة ، وقد اتفق مع امرأة إنجليزية كبيرة تقيم في القاهرة على أن تعطيه حصصا خاصة مقابل مبلغ من المال ، وصار يتردد على بيتها حيث كانت تعطيه الحصص ، وقد واظب على التعلم ، ثم أخذ يشارك في مؤتمرات علمية تعقد خارج مصر ، ومرة أراد أن يلقي ورقته بالإنجليزية فتلعثم ولم يجد الحديث ، وهكذا قرر ألا يتحدث بغير العربية .
أعتقد أن مما يؤخذ على أعضاء هيأة التدريس في كثير من أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية ، وأنا منهم ، هو عدم إتقانهم للإنجليزية ، وهذا يقلل من فرصهم ؛ في التدريس في جامعات عالمية ، وفي القراءة بلغة أخرى ، وفي كتابة الأبحاث ونشرها . بل ويقلل من فرصهم في تبوؤ مراكز علمية مهمة حتى في جامعتهم ، إذا غضضنا النظر عن الولاء ، فالولاء في جامعاتنا مقدم كثيرا على الكفاءة . الجامعات العربية للأسف تريد ولاءات ولا تريد كفاءات .
فيما بعد صرنا إذا أردنا كتابة ملخص ما باللغة الانجليزية نستعين بأساتذة قسم اللغة الانجليزية لينظروا في سلامته أسلوبيا ، والطريف أن قسما كبيرا من هؤلاء صاروا يستعينون بنا لننظر في الملخصات التي يكتبونها بالعربية لأبحاثهم ، على قلة ما يكتبون .
مرة كتب الناقد الفلسطيني د. فيصل دراج عن الفرق بين تعلم الإنجليزية في النصف الأول من القرن العشرين وتعلمها الآن وقال كلاما صحيحا . كتب إن إتقان الإنجليزية قديما كان يعني أن تعرف ثقافة تلك اللغة وتسهم في المعرفة بنقلها أو بالتأليف بتلك اللغة ، وأما في عصرنا فقد افتقد إتقان اللغة الأجنبية تلك الميزة ، وهذا واضح جدا من خلال الإنتاج المعرفي لأساتذة أقسام اللغة الانجليزية ، ولكن إدارة جامعة النجاح الوطنية تفرط في أستاذ له عشرون كتابا ، ولا تفرط بدكاترة يتقنون الإنجليزية وليس لهم نتاج علمي يشار إليه ، وتلك طامة كبرى .
وللكتابة بقية يوم الجمعة القادم .
29 تشرين الثاني 2019
عادل الأسطة