“ لك يا منازل في القلوب منازل
أقفرت أنت وهن منك أواهل”
المتنبي
أقول: ولا غالب إلا الله..
وأمشي في جنازة المفتاح الأندلسي إلى البحر، الشمس تتحجب غازية في الغمام، حر الصيف يتداخل في دُجنة الشتاء، الكورنيش مربعات النجمة الأندلسية الثمانية، الميناء حوض بلا موج، النوارس تعوم في بقع النفط
أسقِط المفتاح الأندلسي إلى البحر، يغرق بين علب 7 آبْ.
أقول: ولا غالب إلا الله
كتب عليّ أنا الحفيد الثاني بعد التسعين لحسين لبن أبي رضوان المنفي من غرناطة إلى طرابلس، إغراق المفتاح الأندلسي بعد خمسمائة عام وعامين عجاف..
على يساري حط عصفور قصب، غرد شيئاً ما، وطار
على يميني يحوم نورس صغير..
على مسافة متر يخفق غرنوق أعجف، أبيض الرأس، أسود البدن باتجاه المنار الجديد..
السفينة طليلطة راسية بجوار سيدي الشعاب، من البحر خرجت حمامة سريعة، عبرت بوقار، أتابعها تسف إلى فندق غرناطة القديم..
أرسم أضلاع مثلث حاد الزاوية بين مكان المفتاح، وفندق غرناطة، وسيدي الشعاب.
أقول: ولا غالب إلا الله
هذه دلائل المفتاح الأندلسي..
وأمشي في ذكر الحاضر: تتجسد سوسن الأندلسي، بعينيها الياقوتيتين، بشفتيها الشهديتين تغمغم:
– هل ستحضر حفل زفافي ؟
– لا هوايتي حضور الجنائز..
أقول: ولا غالب إلا الله..
وكانت سوسن الأندلسي، امرأة مسوّقة حتى تباع لوحاتي، نكوّن ثروة، نتزوج، ونهاجر إلى إسبانيا..
ويوم السفر، كنت سأقول، هذا هو مفتاح المنزل المفارق في حي البيازين..
ولا غالب إلا الله..
تعرفت على المنزل في رحلاتي الغرناطية المتواترة، تقودني روح أندلسية مهذبة عبر أزقة المدينة العربية القديمة، بين أطلال المسجد وربوة الغجر، بداية “كاريودي سان أغوسطين”.
ولا غالب إلا الله..
وخارفه على الواجهة مستطيل زليج أبيض، وأربع كلمات وردية: ولا غالب إلا الله.
ولا غالب إلا الله..
يتقبل القبلة بعريشة العنب، ومن على سطحه ترى قلعة القصبة، وحمراء غرناطة على تل السيكة، وجنات العريف على سفح ربضة الشمس، وفي الخلفية جبل شلير الساج “سيرا نيفادا”، معمم بالثلج في لقطة شاملة عبر مجرة نهر حداره..
ولا غالب إلا الله..
رسمت المشهد بالألوان الشرهة في لوحات انطباعية وصورته بالأبيض والأسود والأوان، والسوبر 8 ملم.
تفجأني موجة منعشة.. أتلفت، موجة تتلاشى، وموجة تنتشر..
ينبعث مجرى نهر حداره الشحيح صاخباً كما كان في زمن إسبانيا الإسلامية، يتلألأ تحت قمر غرناطة الطالع بين جنات العريف وقصر الحمراء، ومن حفافي النهر تجيء سوسن في زي من حرير غرناطة معرّج باليالي والنهاري..
أقول: .. ولا غالب إلا الله..
بلاد الأسبان ليست بلادي..
وأمشي ، أمر بمتنزهين، عشاق يتهامسون، طفل وطفلة يلهوان بطيارة ورق لا تحلق، عازف ربابة نصف أعمى، في ملابس فلاح مصري يروي بلكنة صعيدية مميزة تغريبة بني هلال، أضع في يده ربع دينار، وأعبر الطريق إلى البحيرة الصناعية الغائرة تحت قلعة السراي الحمراء، أجلس على المدرج الإسمنتي، تتقاطع اللقطات سريعاً مع تموجات البحيرة، وتدربجاً على جدران القلعة:
معركة غرناطة الأخيرة، جدي حسين بن أبي رضوان يحارب الأسبان نهاية القرن الخامس عشر..
في الجحيم، يقبع توريبيو موغروفيرو، رئيس محكمة التفتيش في غرناطة..
تحت المطر، قطار يغادر محطة غرناطة، أنواره الخلفية الحمراء تتوارى في منعطفات أول الليل..
تحت المطر، سوسن تدير لي نصف وجهها، أدير بها نصف وجهي..
تحت الثلج، لافتة زفرة المسلم الأخيرة فوق ربوة الدموع العربية في غرناطة..
EI ULTIMO SUPIRODELMORO
تحت النجوم، سوسن بعينيها المشربتين حباً حتى مشعر الرموش، بشفتيها الهاطلتين قبلاً حتى الآن المستمر، تندس إلى حقيبة نومي..
صوت الحاسوب:
نسافر الآن في موجة منطلقة إلى الفضاء بسرعة أقل من سرعة الضوء، بواحد على عشرين ألفاً بعد عامين نعود إلى الأرض، نجد أن كوكبنا قد زاد سنة بمائتي عام..
أقول: يالها رحلة..
وحين نعود: تباع اللوحات، ينتشل المفتاح الغارق، ونهاجر..
رضوان أبوشويشة -
موجة حب إلى غرناطة.. قصة قصيرة
أقفرت أنت وهن منك أواهل”
المتنبي
أقول: ولا غالب إلا الله..
وأمشي في جنازة المفتاح الأندلسي إلى البحر، الشمس تتحجب غازية في الغمام، حر الصيف يتداخل في دُجنة الشتاء، الكورنيش مربعات النجمة الأندلسية الثمانية، الميناء حوض بلا موج، النوارس تعوم في بقع النفط
أسقِط المفتاح الأندلسي إلى البحر، يغرق بين علب 7 آبْ.
أقول: ولا غالب إلا الله
كتب عليّ أنا الحفيد الثاني بعد التسعين لحسين لبن أبي رضوان المنفي من غرناطة إلى طرابلس، إغراق المفتاح الأندلسي بعد خمسمائة عام وعامين عجاف..
على يساري حط عصفور قصب، غرد شيئاً ما، وطار
على يميني يحوم نورس صغير..
على مسافة متر يخفق غرنوق أعجف، أبيض الرأس، أسود البدن باتجاه المنار الجديد..
السفينة طليلطة راسية بجوار سيدي الشعاب، من البحر خرجت حمامة سريعة، عبرت بوقار، أتابعها تسف إلى فندق غرناطة القديم..
أرسم أضلاع مثلث حاد الزاوية بين مكان المفتاح، وفندق غرناطة، وسيدي الشعاب.
أقول: ولا غالب إلا الله
هذه دلائل المفتاح الأندلسي..
وأمشي في ذكر الحاضر: تتجسد سوسن الأندلسي، بعينيها الياقوتيتين، بشفتيها الشهديتين تغمغم:
– هل ستحضر حفل زفافي ؟
– لا هوايتي حضور الجنائز..
أقول: ولا غالب إلا الله..
وكانت سوسن الأندلسي، امرأة مسوّقة حتى تباع لوحاتي، نكوّن ثروة، نتزوج، ونهاجر إلى إسبانيا..
ويوم السفر، كنت سأقول، هذا هو مفتاح المنزل المفارق في حي البيازين..
ولا غالب إلا الله..
تعرفت على المنزل في رحلاتي الغرناطية المتواترة، تقودني روح أندلسية مهذبة عبر أزقة المدينة العربية القديمة، بين أطلال المسجد وربوة الغجر، بداية “كاريودي سان أغوسطين”.
ولا غالب إلا الله..
وخارفه على الواجهة مستطيل زليج أبيض، وأربع كلمات وردية: ولا غالب إلا الله.
ولا غالب إلا الله..
يتقبل القبلة بعريشة العنب، ومن على سطحه ترى قلعة القصبة، وحمراء غرناطة على تل السيكة، وجنات العريف على سفح ربضة الشمس، وفي الخلفية جبل شلير الساج “سيرا نيفادا”، معمم بالثلج في لقطة شاملة عبر مجرة نهر حداره..
ولا غالب إلا الله..
رسمت المشهد بالألوان الشرهة في لوحات انطباعية وصورته بالأبيض والأسود والأوان، والسوبر 8 ملم.
تفجأني موجة منعشة.. أتلفت، موجة تتلاشى، وموجة تنتشر..
ينبعث مجرى نهر حداره الشحيح صاخباً كما كان في زمن إسبانيا الإسلامية، يتلألأ تحت قمر غرناطة الطالع بين جنات العريف وقصر الحمراء، ومن حفافي النهر تجيء سوسن في زي من حرير غرناطة معرّج باليالي والنهاري..
أقول: .. ولا غالب إلا الله..
بلاد الأسبان ليست بلادي..
وأمشي ، أمر بمتنزهين، عشاق يتهامسون، طفل وطفلة يلهوان بطيارة ورق لا تحلق، عازف ربابة نصف أعمى، في ملابس فلاح مصري يروي بلكنة صعيدية مميزة تغريبة بني هلال، أضع في يده ربع دينار، وأعبر الطريق إلى البحيرة الصناعية الغائرة تحت قلعة السراي الحمراء، أجلس على المدرج الإسمنتي، تتقاطع اللقطات سريعاً مع تموجات البحيرة، وتدربجاً على جدران القلعة:
معركة غرناطة الأخيرة، جدي حسين بن أبي رضوان يحارب الأسبان نهاية القرن الخامس عشر..
في الجحيم، يقبع توريبيو موغروفيرو، رئيس محكمة التفتيش في غرناطة..
تحت المطر، قطار يغادر محطة غرناطة، أنواره الخلفية الحمراء تتوارى في منعطفات أول الليل..
تحت المطر، سوسن تدير لي نصف وجهها، أدير بها نصف وجهي..
تحت الثلج، لافتة زفرة المسلم الأخيرة فوق ربوة الدموع العربية في غرناطة..
EI ULTIMO SUPIRODELMORO
تحت النجوم، سوسن بعينيها المشربتين حباً حتى مشعر الرموش، بشفتيها الهاطلتين قبلاً حتى الآن المستمر، تندس إلى حقيبة نومي..
صوت الحاسوب:
نسافر الآن في موجة منطلقة إلى الفضاء بسرعة أقل من سرعة الضوء، بواحد على عشرين ألفاً بعد عامين نعود إلى الأرض، نجد أن كوكبنا قد زاد سنة بمائتي عام..
أقول: يالها رحلة..
وحين نعود: تباع اللوحات، ينتشل المفتاح الغارق، ونهاجر..
رضوان أبوشويشة -
موجة حب إلى غرناطة.. قصة قصيرة