لا يزال عيسو غير قادر على فهم درس الولد الشجاع في كتاب القراءة حتى بعد خمسين عامًا أعقبت الدرس؛ كلها قراءة متواصلة، لقد استوعب هيغل وبرتراند راسل وكارل ماركس لكنه ما زال يفكر فيما تعلمه، وما زال يتذكره عن أطفال القرية الذين صاروا يلعبون في الحقول بعيدًا عن الطريق. «الأطفال يلعبون».. صورة مدهشة لم يستوعبها عيسو، كيف يكون اللعب متقبلًا وأمرًا جيدًا كما يبدو في الكتاب، ولكنه كان لدى المعلمين الذين يعلمون الدرس نفسه عملًا بشعًا، يتلقى الأطفال بسببه عقوبات قاسية! والأهل أيضًا كانوا يعتبرونه جريمة!.. كيف كان الأستاذ يعلمهم الدرس الذي يثني على اللعب أو يتقبله، وهو يعاقبهم على الفعل نفسه؟ وبما أن عيسو كان يأخذ الكتاب بجدية، ويتلقى من المعلم بقبول، ويسمع لأهله باحترام؛ ولأن اللعب كان مغويًا ولا يمكن مقاومته فقد كان يلعب ويشعر في الوقت نفسه بالخطيئة وتعذيب الضمير، ظل اللعب والضحك خطيئة يمارسها عندما ينسى أو يضعف أو يستدرج، ثم يحاسب نفسه عليها بقسوة! ويا للخسارة، فعندما اكتشف المعلمون والأهل، واكتشف عيسو أيضًا أن اللعب والمرح شي
التلاميذ الذين غامروا بالابتسام ظلت مغامرتهم قصة تروى على مدار العقود، ولم يكن للمصير الذي واجهوه علاقة بدرس «الولد الشجاع». جاء الولد، ووقف باسمًا أمام الطبيب، وقال عنه الطبيب: هذا ولد شجاع. ظل عيسو حائرًا أمام كلمة «باسمًا»؛ لم يعرف معناها. كتاب القراءة الذي قرأه كله مرات عدة في أول يوم استلمه من المدرسة، كما قرأ كتب إخوانه الكبار في الإعدادية، وحفظ كثيرًا من قصائدها وما زال يحفظها حتى اليوم؛ ومجلة العربي التي كان يقرؤها خلسة مغامرًا بما يمكن أن يتلقاه من عقاب.. كل ذلك لم يسعفه في معرفة معنى «باسمًا». كيف سيعرف كلمة غير مستخدمة؟ كم جلدة تلقى التلاميذ بسبب الابتسام؟ كم إهانة وشتيمة ظلت ملتصقة بهم لم تمحها السنوات الخمسون بسبب الابتسام؟ اليوم، ما يحيره ويدعوه إلى التوقف طويلًا للتأمل والتفسير، كيف كان الأساتذة «يسلخون» التلاميذ بسبب الابتسام، ثم يقرؤون لهم درس القراءة، ويشرحون لهم بصدق وإخلاص فائضين عن الولد الشجاع الباسم! هو الأستاذ نفسه لمح حسن يضحك، وكان الموقف يسمح للأولاد بأن يتهامسوا ويبتسموا، فقد كان منشغلًا عن التلاميذ ومكبًّا يقرأ أو يكتب شيئًا (يظن عيسو أنه كان يعد خطته المنهجية: صفحات مسطرة طوليًّا وعموديًّا، تشرح الأهداف والوسائل للدروس، وما سيفعله الأستاذ لتحقيق الأهداف. قرأها كلها مرة في غفلة من الأستاذ). لكنه رفع رأسه فجأة ورأى حسن يضحك، «لماذا تضحك يا ابن الـ… تعال هنا منشان أسلخ بدنك» هو لم يضحك، ولكنه ابتسم. كان هناك أولاد كثيرون وأساتذة أيضًا اسمهم بسام وباسم، لكنه لم يعرف معناها،… لعلها أشياء مثل فاكهة المانجا! ولما كبر عيسو صار بلا إدراك واضح، يقوم بالإرهاب نفسه ضد من يقدر عليه كلما رآه يضحك، ويصرخ فيه بكل ما يقدر عليه من غضب: الضحك بدون سبب قلة أدب.
تنازل عيسو عن كبريائه، وهمس سائلًا الصديق الذي كان يجلس بجواره ما معنى باسمًا؟ قال له: ضاحكًا. وازدادت حيرته؛ لماذا يشجعنا الكتاب على الابتسام؟ «حتى عندما كبرنا قليلًا وقرأنا قصيدة إيليا أبو ماضي «ابتسم»، ومقالة أحمد أمين عن الابتسام والتفاؤل، بقيا (الابتسام والتفاؤل) ممارسات جرمية، نمارسها بالسر، ونضحّي لأجلها بعقوبات يجب أن تكون رادعة».
في حصة الرياضة يلعب الأطفال؛ يصبح اللعب واجبًا قاسيًا مثل حصة الإملاء والعلوم، ويتعرض عيسو للتوبيخ؛ لأنه في الملعب مثل «العمود»، لا يضر ولا ينفع. ولكنه تعلم فيما بعد، بسبب فشله في اللعب، درسًا جميلًا من أجمل ما تعلَّم في الحياة.
ففي المدينة التي كان يدرس فيها في الجامعة، كانت ممارسة كرة القدم فرض عين (تقريبًا) في أيام العطل وفي الرحلات،.. كان يجلس وحده والشباب يلعبون، وفي إحدى المرات، انخرط الشباب جميعهم في لعب الكرة، وبقي عيسو وشادي ابن السنوات الأربع جالسين وحدهما يتحدثان، تعلم عيسو من شادي درسًا مفيدًا وجميلًا يتذكره دائمًا. فقد بدأ النهار يرحل. كانت الشمس تغرق في البحر، والقمر يطلّ متسللًا من وراء الجبال. سأل عيسو شادي: لماذا تغيب الشمس في الليل ويأتي القمر؟ قال: الشمس لا تسمح لها أمها بالبقاء حتى الليل، فتذهب إلى بيتها، والقمر تسمح له أمه بالخروج في الليل! ولا يزال عيسو مدينًا لشادي بهذا التفسير الجميل والعميق لحركة الكون والليل والنهار.
التلاميذ الذين غامروا بالابتسام ظلت مغامرتهم قصة تروى على مدار العقود، ولم يكن للمصير الذي واجهوه علاقة بدرس «الولد الشجاع». جاء الولد، ووقف باسمًا أمام الطبيب، وقال عنه الطبيب: هذا ولد شجاع. ظل عيسو حائرًا أمام كلمة «باسمًا»؛ لم يعرف معناها. كتاب القراءة الذي قرأه كله مرات عدة في أول يوم استلمه من المدرسة، كما قرأ كتب إخوانه الكبار في الإعدادية، وحفظ كثيرًا من قصائدها وما زال يحفظها حتى اليوم؛ ومجلة العربي التي كان يقرؤها خلسة مغامرًا بما يمكن أن يتلقاه من عقاب.. كل ذلك لم يسعفه في معرفة معنى «باسمًا». كيف سيعرف كلمة غير مستخدمة؟ كم جلدة تلقى التلاميذ بسبب الابتسام؟ كم إهانة وشتيمة ظلت ملتصقة بهم لم تمحها السنوات الخمسون بسبب الابتسام؟ اليوم، ما يحيره ويدعوه إلى التوقف طويلًا للتأمل والتفسير، كيف كان الأساتذة «يسلخون» التلاميذ بسبب الابتسام، ثم يقرؤون لهم درس القراءة، ويشرحون لهم بصدق وإخلاص فائضين عن الولد الشجاع الباسم! هو الأستاذ نفسه لمح حسن يضحك، وكان الموقف يسمح للأولاد بأن يتهامسوا ويبتسموا، فقد كان منشغلًا عن التلاميذ ومكبًّا يقرأ أو يكتب شيئًا (يظن عيسو أنه كان يعد خطته المنهجية: صفحات مسطرة طوليًّا وعموديًّا، تشرح الأهداف والوسائل للدروس، وما سيفعله الأستاذ لتحقيق الأهداف. قرأها كلها مرة في غفلة من الأستاذ). لكنه رفع رأسه فجأة ورأى حسن يضحك، «لماذا تضحك يا ابن الـ… تعال هنا منشان أسلخ بدنك» هو لم يضحك، ولكنه ابتسم. كان هناك أولاد كثيرون وأساتذة أيضًا اسمهم بسام وباسم، لكنه لم يعرف معناها،… لعلها أشياء مثل فاكهة المانجا! ولما كبر عيسو صار بلا إدراك واضح، يقوم بالإرهاب نفسه ضد من يقدر عليه كلما رآه يضحك، ويصرخ فيه بكل ما يقدر عليه من غضب: الضحك بدون سبب قلة أدب.
تنازل عيسو عن كبريائه، وهمس سائلًا الصديق الذي كان يجلس بجواره ما معنى باسمًا؟ قال له: ضاحكًا. وازدادت حيرته؛ لماذا يشجعنا الكتاب على الابتسام؟ «حتى عندما كبرنا قليلًا وقرأنا قصيدة إيليا أبو ماضي «ابتسم»، ومقالة أحمد أمين عن الابتسام والتفاؤل، بقيا (الابتسام والتفاؤل) ممارسات جرمية، نمارسها بالسر، ونضحّي لأجلها بعقوبات يجب أن تكون رادعة».
في حصة الرياضة يلعب الأطفال؛ يصبح اللعب واجبًا قاسيًا مثل حصة الإملاء والعلوم، ويتعرض عيسو للتوبيخ؛ لأنه في الملعب مثل «العمود»، لا يضر ولا ينفع. ولكنه تعلم فيما بعد، بسبب فشله في اللعب، درسًا جميلًا من أجمل ما تعلَّم في الحياة.
ففي المدينة التي كان يدرس فيها في الجامعة، كانت ممارسة كرة القدم فرض عين (تقريبًا) في أيام العطل وفي الرحلات،.. كان يجلس وحده والشباب يلعبون، وفي إحدى المرات، انخرط الشباب جميعهم في لعب الكرة، وبقي عيسو وشادي ابن السنوات الأربع جالسين وحدهما يتحدثان، تعلم عيسو من شادي درسًا مفيدًا وجميلًا يتذكره دائمًا. فقد بدأ النهار يرحل. كانت الشمس تغرق في البحر، والقمر يطلّ متسللًا من وراء الجبال. سأل عيسو شادي: لماذا تغيب الشمس في الليل ويأتي القمر؟ قال: الشمس لا تسمح لها أمها بالبقاء حتى الليل، فتذهب إلى بيتها، والقمر تسمح له أمه بالخروج في الليل! ولا يزال عيسو مدينًا لشادي بهذا التفسير الجميل والعميق لحركة الكون والليل والنهار.