مصطفى الحناني - فصل شتاء هذا العام..

فصل شتاء هذا العام
لن يأتي
والأرض بدأت تتبخر
كغيمة كل صباح
كامرأة حبلى في شهرها السابع
بالوهم
كمخروط مارد عجيب
يحفر بفكه الحاد
صخرة السماء الزرقاء ولا يشبع
........
جلباب أبي
لا تزال تحرسه فأرة كبيرة
داخل صندوق أمي الخشبي
الصندوق الباهت الذي نسيناه في بيتنا القديم
الفأرة كانت تعشق رائحة أبي
لذلك
سكنت جلبابه الصوفي
ولم تغادره أبدا
ها هي
تنام كل ليلة تحت إبط كم جلبابه
تتصفح كراسة ذاكرته / ها
كل ليلة
تخزن ما تريد منها
وتترك الباقي لأولادها الصغار
الشمس ظلت شاردة هي الأخرى
قبل نهاية فصل الريح بخطوتين
خيوطها - و على غير العادة -
تحولت رياحا
تماما كما الفأرة المتعلقة برائحة أبي
الفأرة التي تهشمت أسنانها
واحدة
تلو
واحدة
الوحدة قاتلة جدا أيها اليساريون
وأنا نومي تجمد على حافة صندوق
النوم
كالسقوط يقتات من فراغ الذاكرة
متران وخمسة وأربعون قدما
كانت كافية لأعود للوجود
على شكل غار
غار مليء برصاص حي ورصاص ميت
على حد رواية من كتبوا التاريخ
الحجر ببيتنا القديم
ظل متكثلا
يزيل عن رأسه الأعطاب القديمة
كان
يبني بيتا آخرا في المغيب
الأبواب كلها تجمعت في ركن قصي
كفرقة من المتسولين المنبوذين قرب بوابة جامع
الأبواب التي كانت ..
تعرف إنها قاب برهتين من الأفول
أفتح الصندوق في المنام
كي أشم رائحة والدي
أو بالأحرى تشمني الفأرة
لكن القفل مسدود
والمفتاح رحل مع الوالدة
اكتفي بالنظر لزجاج سيارة مارقة
أرى وجهي المالح فيه
ولا أراني
كجثة امتنعت عن الدخول في تابوت
أمدد ذراعيّ على شاكلة صليب مصلوب
و برجلاي أزيح التراب عن حواشي المقبرة
أخرج من المشهد بشارب دالي
وعلى رأسي طربوش شارلي شابلن
فأين أضعتُ عكازة اللغة يا نعوم ؟
يبدو إن الأبجدية ينقصها حرف واحد
الواحد هو :
أنا
أغير جلد القواميس
بفستان أنثى عاشقة
تنفذ اللغة من الكتب بجلدها
ويلقى القبض على شاعر دخل مخبزة
سألته بائعة الخبز :
هل لي أن أساعدك في شيء ..؟!
الشاعر الذي طأطأ رأسه إيجابا
قال :
أريد علبة فياغرى حمراء كوجنتيك ...!
انطلقت الصفارات في المحل
وفي البنايات المجاورة
الصفارة أونتبيوتكا التحرش
تقول بائعة هوى على هواها
حضر أصحاب الحال
أخذوا الشاعر ملفوفا في بورصة خبز
منذ أودعوه زنزانة الإنفراد
والفئران أولاد الفأرة الكبيرة
الفئران الذين عاشوا جميعهم تحت إبط جلباب أبي
يغنون ويرقصون
وكلما
أصابهم العرق و عطشوا ..!
شربوا من دمه جرعة مغموسة بخبز


مصطفى الحناني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى