ا.د. عادل الاسطة - أنا والجامعة - 12 - البعثة : ألمانيا ثانية DAAD

لم أحصل على بعثة الDAAD في العام 1986 وصرفت ذهني عن التفكير في إكمال الدكتوراه وواصلت حياتي .
في ذلك العام عدت أحرر الصفحة الثقافية في جريدة " الشعب " المقدسية التي انقطعت عن تحريرها بعد العام 1982 ، ولكن صلتي بالقاص أكرم هنية رئيس تحرير الجريدة لم تنقطع ، ولم أنقطع عن الكتابة والنشر في جريدة " الشعب " وجريدة " الفجر " عدا أنني واصلت العمل الثقافي مع بعض التنظيمات اليسارية .
كانت الجبهة الديمقراطية تنشط ثقافيا وأخذت تصدر مجلة فصلية تحت مسميات مختلفة مثل " العمل الثقافي " و" لجان العمل الثقافي " وما شابه ، وكنت أساهم في تحريرها مع القاص سامي الكيلاني والسيد ربحي العاروري ، وننفق وقتا في إعداد المواد ومراجعتها والنظر في صلاحيتها - من وجهة نظرنا المتواضعة في حينه - ثم الإسهام في طباعة المجلة وتوزيعها .
صرت أزور القدس كل أسبوع تقريبا لكي أشرف على صفحة " الشعب الثقافي " التي تصدر عادة يوم الخميس ، وعلى صفحة أدبية للشباب تصدر كل يوم ثلاثاء . أستلم بريد الصفحتين من رئيس التحرير وأنظر فيه وأختار ما أراه مناسبا وأكتب زاوية أسبوعية أناقش فيها فكرة ثقافية .
في أثناء ترددي على مكاتب الجريدة كنت غالبا ما أعرج على مكتب رئيس التحرير نتحدث قليلا في قضايا ثقافية ثم أتركه وأذهب إلى مكتب التحرير واقرأ المواد وأرتبها .
في إحدى المرات فاجأني السيد أكرم هنية بخبر لافت . قال لي إن مستشرقة ألمانية جاءت إلى مكاتب الجريدة وسألت عني ، وأخبرني أنها تنتظرني اليوم ظهرا في مكتب وكالة أبو عرفة للنشر والتوزيع .
في مكتب وكالة أبو عرفة للنشر والتوزيع وجدت صديقا (؟!!) لي بصحبة السيدة الألمانية وقد عرفها حين كانت تدرس في الجامعة الأردنية .
الصديق (؟!!) هو ابراهيم أبو هشهش والسيدة الألمانية هي البروفيسورة ( انجليكا نويفرت ) .
كانت السيدة ( نويفرت ) ، كما عرفت ، منتدبة من مؤسسة ال DAAD الألمانية وكلمتها مسموعة ، فهي ترشح للمؤسسة من تتوسم فيهم خيرا من الطلاب ، وقد زكت خليل الشيخ وآخرين ، ووعدت ابراهيم أبو هشهش ببعثة حصل عليها في العام 1986 ولكنه لظروف شخصية لم يتمكن في ذلك العام من السفر . ولما كنت ألتقي به ، بين حين وحين ، في القدس ، فقد أخبرته أنني ترشحت للدراسة في ألمانيا ولكنني أخفقت في الحصول على المنحة لعدم وجود مشرف .
كانت العلاقة بين ابراهيم و ( انجليكا نويفرت ) علاقة متميزة ، وقد أخبرها بما حدث معي ، فجاءت تسأل عني .
في اللقاء مع السيدة ( نويفرت ) الذي انتهى بزيارة بيتها في البلدة القديمة ، فقد كان أولادها يقيمون في القدس ، أخبرتني أنها تعمل على مشروع جمع الشعر الفلسطيني ، وأنها معنية بي لكي أساعدها أنا وابراهيم ، ووعدتني بالحصول على المنحة ، وقالت لي :
- اطمئن وهييء نفسك للسفر .
كانت السيدة ( نويفرت ) تعمل في جامعة ( بامبرغ ) مع السيدة ( فيلاندت ) وقد أخبرتها بأنني راسلت زميلتها ولكنها لم ترد على رسالتي ولم توافق على الإشراف على موضوعي " رمز المسيح في الشعر الفلسطيني " وعرفت من السيدة ( نويفرت ) أن الموضوع لم يرق لزميلتها فاطلاعها على الموضوع قليل ، وعرفت أن صلب اهتمام ( فيلاندت ) في كتاب الأستاذية كان يتركز على صورة الغربي في الرواية العربية والمسرح العربي .
سألتني ( نويفرت ) عن موضوع آخر ، فاقترحت عليها أن أكتب عن اليهود في الأدب العربي ، وقد راق الموضوع لها ولزميلتها فوافقت على كتابة موافقة لمؤسسة ال DAAD ، وهكذا حصلت على منحة الدكتوراه .
خلال العام 1987 بدأت أتعلم اللغة الألمانية بطريقة فردية وبحضور دورات صارت تعقدها لجنة أصدقاء جامعة النجاح الوطنية التي كان مقرها بالقرب من مباني الجامعة القديمة ، وأخذت سيدة ألمانية ، متزوجة من صيدلي فلسطيني نابلسي الأصل ، تعلمنا اللغة ، وبدأت رحلة الاستعداد للسفر .
في هذه السنوات كنت نشيطا نقاببا ، فقد انتخبت مرتين في الهيئة الإدارية للنقابة ممثلا لجهة يسارية .
عندما حصلت على المنحة فكرت مطولا في السفر . كانت العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الأردني بدأت تتأزم ، وأسفرت عن طرد الشهيد خليل الوزير ، بل وأسفرت عن إشعار أبو عمار بأنه شخص غير مرغوب فيه في الأردن ، وكان على النقابة أن تتخذ موقفا مؤيدا لمنظمة التحرير الفلسطينية ، فجل أعضاء هيئتها الإدارية من حركة فتح ومن فصائل يسارية في منظمة التحرير ، وهذا جعل أعضاء الهيئة الإدارية موضع استفهام من النظام الأردني الذي ضيق على أنصار م.ت. ف . وأخذ يسائل من يسافر منهم عبر الأردن .
في تلك الأيام أراد أحد إخوتي أن يسافر إلى الخليج وكان عليه أن يصدر جواز سفر ، وأمام مبنى فندق أبو رسول التقى بالدكتور أديب الخطيب الذي كان خارجا لتوه من المبنى وكان رئيس الهيئة الإدارية للنقابة .
كان أخي يعرف الدكتور أديب وكان الدكتور يعرف أخي ولما سلما على بعضهما أخبر الدكتور أخي بأنه سئل عن أعضاء الهيئة الإدارية وسئل أيضا عني ، ولهذا آثرت ، مثل آخرين غيري ، اختصار الطريق وقررت السفر عن طريق مطار اللد ، فاللد بلدنا والمطار مطارنا قبل أن يكون مطار بن غوريون . لقد كان اسم المطار ، قبل تأسيس الدولة الإسرائيلية ، " مطار اللد " ، فما المانع من السفر منه؟
ومع ذلك فلم يكن الأمر سهلا ، وربما تجدر كتابة حكاية أبو حيدر المختار . وقد يسأل سائل :
- ولكن ما صلة الجامعة بكل ما جرى ؟
ببساطة أجيب :
- لم يكن للجامعة أي دور في الحصول على المنحة ، فالجامعة لم تسهم ، حتى اليوم ، في إرسال أي عضو هيئة تدريس من قسم اللغة العربية لإكمال دراساته العليا والعودة إلى رأس عمله ، ومعظم أعضاء هيئة التدريس في القسم أتموا دراساتهم على نفقتهم الخاصة ، وقد ظل أحد زملائي يحمل البكالوريوس مدة خمسة عشر عاما دون أن تساعده الجامعة على إكمال دراسته ، ولم يواصل تعليمه إلا بعد أن افتتح برنامج الماجستير في الجامعة ، وفيما بعد حصل على الدكتوراه من السودان بالانتساب وعلى نفقته الخاصة .
هنا آتي على خطوة إيجابية سنتها إدارة الجامعة تتمثل في تعيين أوائل الأقسام مساعدي بحث وتدريس لابتعاثهم حتى يكملوا تحصيلهم العلمي ويعودوا إلى الجامعة أعضاء هيئة تدريس فيها ، وهو ما تحقق بنجاح إلا في قسم اللغة العربية ، فالزميلة نجية الحمود التي عينت مساعد بحث وتدريس في القسم ، وكانت الأولى والأخيرة التي تعينت عانت الأمرين في إكمال دراستها وواصلت تعليمها على نفقتها وحين حصلت على شهاداتها لم تعين في القسم .
إن قسم اللغة العربية يبدو قسما فائضا عن الحاجة على ما يبدو وهذا ما سوف أكتب عنه حين آتي على تدريس مساق " اللغة العربية " ومقارنة تدريسه بتدريس مسافات " اللغة الانجليزية " .
ولعل في الكتابة عما جرى مع " أبو حيدر " ما يعزز أن جهد الحصول على البعثة كان جهدا فرديا بامتياز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...