جلس الحاجب الوسيم خلف مكتب الوزير على الكرسيّ الهزّاز .. أسند ظهره إلى الخلف و مدّ رجليه إلى الأمام .٫ سرح بذهنه في عوالم أخرى .. كم هي غريبة هذه الدّنيا .. هو يحمل نفس الاسم و اللّقب اللذين يحملهما الوزير . كان ذلك مصدر حرج لهما معا لكنّ الوزير تمسك ببقائه حاجبا خاصّا له لما اتّصف به من أمانة و لباقة في الحديث و خاصة لثقافته العالية.
تذكّر الحاجب ما بينه و بين الوزير من مواطن تشابه ، فكلاهما يملك مؤهّلات علميّة عالية ، و كلاهما عانى سنوات طويلة من البطالة قبل ما اصطلح النّاس على تسميته بالثّورة .. حتّى أسماء الأماكن الّتي ينتمي إليها كلّ واحد منهما، كان فيها أيضا شيء من التّشابه : الحاجب أصيل مدينة سيدي بوزيد و الوزير أصيل مدينة سيدي بو سعيد .الأغرب من ذلك أنهما وقع تعيينهما في نفس اليوم .
تذكر ما حصل له يومها حين دخل الوزارة بوسامته و حسن مظهره .. كيف استقبله الموظّفون و رؤساء المصالح و المديرون . كان الجميع يظنّ أنّه هو الوزير . كان يدرك في قرارة نفسه أنّه جدير بذلك المنصب .. تذكّر سنوات نضاله في الجامعة و ما تعرّض له من مضايقات .. تذكّر سنوات نضاله عبر الجمعيّات و في الصّحف اليوميّة ، تذكّر أيضا أنّ ثمّ تعيينه حاجبا ولم يكن قد شارك في أيّة مناظرة في هذا الخصوص ،لكنّه قبل الوظيفة نظرا لظروفه الاجتماعية و الماديّة التي كانت كانت قاسية. لكن ما الفائدة في تذكّر كلّ هذا . هو الآن حاجب في مكتب الوزير، و الوزير يحسن معاملته و يميّزه عن سائر الموظّفين بمن فيهم الإطارات العليا.عموما .. الكلّ هنا يحترمه كما لو كان وزيرا.
طال شرود الحاجب ، و فجأة انتصب واقفا .. لقد اقترب موعد قدوم الموظّفين و خشي أن يدخل عليه الوزير و هو جالس في مكتبه، لكنّ المحظور قد حصل بالفعل.ارتبك الحاجب و راح يعتذر للوزير عن وجوده خلف مكتبه ، لكنّ الغريب أنّ الوزير لم يكن منفعلا بقدرما كان يبدو عليه نوع من التّأثر و خاطب الحاجب قائلا :
تفضّل سيّدي الوزير بالجلوس في مكتبك .
و جلس هوعلى الكرسيّ الموجود أمام المكتب الفخم أو المعدّ أساسا لاستقبال مساعديه و ضيوفه، و أخرج من ملف كان في يده أوراقا ، وضعها على المكتب ،و الحاجب ما يزال مسمّرا في مكانه من وقع المفاجأة و غرابة ما يحصل .
قال الوزير للحاجب :
- تفضّل سيّدي الوزير بالاطّلاع على الأوراق الّتي أمامك٫
ازداد ارتباك الحاجب و حيرته في نفس الوقت ، و انتقل من وراء المكتب ليقف أمام الوزير الّذي ما يزال جالسا على المقعد الجانبيّ ، لكنّ الوزير وقف وقفة توحي باحترام المرؤوس لرئيسه ثمّ قال :
أرجوك سيّدي الوزير أن تتفضّل بالاطّلاع على الأوراق الموضوعة على مكتب سيادتك ٫
ازدادت رهبة الحاجب و حيرته من تصرّف الوزير و بادره بتجديد الاعتذار عن وجوده خلف مكتبه أثناء غيابه ، و راح يشرح له أنّه كان بصدد نفض الغبار العالق بمكتبه، لكنّ الوزير قاطعه قائلا :
أرجوك سيدي الوزير أن تتفضّل بقراءة الأوراق و ستفهم كلّ شيء.
لم يجد الحاجب بدّا من قراءة الأوراق .. كتب على الورقة الأولى تعيين السيّد سعيد العريان وزيرا عوضا عن السيّد سعيد العريان (نفس الاسم و اللّقب طبعا)، و كتب في الثّانية : تعيين السيّد سعيد العريان حاجبا عوضا عن السيّد سعيد العريان، و كتب في الثّالثة : مطلب نقلة من وزارة كذا إلى وزارة كذا في رتبة حاجب.
ازداد اضطراب الحاجب و حيرته .. لم يفهم شيئا ممّا يحصل أمام عينيه. عندها تدخّل الوزير ليشرح للحاجب أنّه بسبب تشابه الأسماء بينهما ، كان قد حصل خلط بين الملفّين ، فعيّن الوزير حاجبا و الحاجب وزيرا، و أنّ هذه الأوراق جاءت لتصحيح الخطإ الّذي حصلسابقا، و عليه فإنّه يطلب نقله من هذه الوزارة إلى مصلحة أخرى في وزارة أخرى.
لم يستوعب الحاجب ما حصل و سقط مغشيّا عليه.و عندما أفاق كان الوزير يصرخ في وجهه :
أنت مرفوض بسبب النّوم في مكتب الوزير.
محمد الصالح الغريسي
تونس 14/05/2016