غير متوقّع: تحذير سپويلر: أبو التحليل النفسي، لم يكن في عِداد كبار مؤيّدي فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين (في الأصل: أرض إسرائيل). بقلم ران أورنيم، ٢٣ أيلول ٢٠١٩.
حسنًا، يتّضح أن سيجموند فرويد لم يكُن نصيرًا للحُلم الصهيوني.
في الواقع، الطبيب الجيّد، عارض بشدّة إقامة دولة يهودية في فلسطين، ولم يتردّد البتّة في التعبير عن تحفظّه من هذه الفكرة؛ وقد قام بذلك بنحو بليغ وبشكل حادّ بما فيه الكفاية، في رسالة بعثها لرئيس مؤسّسة كيرن هيسّود في ڤيينا عام ١٩٣٠.
دعونا نعود لحظة إلى الوراء.
بدأت الأعمال العدائية ذاتَ يوم حارّ، في منتصف شهر آب سنة ١٩٢٩. لقد وصل الصراع الطويل بين العرب واليهود في فلسطين، حول مسألة ملكية منطقة البراق (حائط المبكى/ الحائط الغربي بالعبرية) والوصول إليه، إلى نقطة الغليان رسميا. في يوم الجمعة الموافق لـ ١٦ آب ١٩٢٩، اقتحمت جموع عربية، ألهبها المجلس الإسلامي الأعلى، منطقةَ البراق، وطردت مصلّين يهودًا، وحرقت نُسخًا من التوراة وغيرها من الكتب المقدّسة. كان الحدث بمثابة إشارة افتتاحية لموجة من العنف ٱجتاحت البلاد، وفي غضون أسبوع واحد فقط، أودت أعمال الشغب الفلسطينية التي وقعت عام ١٩٢٩، بحياة أكثرَ من ١٣٠ يهوديًا، وجرحت مئات آخرين في سلسلة من الأحداث في الخليل والقدس وتل أبيب وحيفا وصفد وحولده وبئير طوبيه.
وفي عام ١٩٣٠، بعد بضعة أشهر فقط من توقّف أعمال العنف، كانت كيرين هَيسود - وهي منظّمة لجمع الأموال أسّسها الكونغرس الصهيوني، تهدف إلى مساعدة اليهود لأجل الهجرة إلى فلسطين- وهي حملة علاقات عامّة لصالح "اليشوف" - نظام الاستيطان اليهودي في فلسطين. وقد بعثت المنظّمة رسائل إلى اليهود ذوي النفوذ في جميع أنحاء العالم، تطلب منهم نشر بيانات دعم لليهود الذين يعيشون في فلسطين. رسالة كهذه، بعثها حاييم كوپلر، رئيس فرع كيرين هيسود في ڤيينا، لسيجموند فرويد، أبي التحليل النفسي، وبالصدفة كان يهوديًا أيضًا.
يبدو أنّ فرويد تأخّر بعض الشيء في التفكير في الطلب؛ إنّه أجاب الدكتور كوپلر برسالة بعثها له في ٢٦ من شهر شباط عام ١٩٣٠، وكتبها بأسلوب رزين، فيه القليل من الانتقاد ولكنه مؤدَّب بشكل ملحوظ، حيث عرض بوضوح مواقفه إزاء الصهيونية والاستيطان اليهودي في فلسطين.
لم يكتفِ فرويد برفض طلب نشر بيان دعم عامّ، لكنّه أوضح جيدًا أيضًا، أنّ مِحنة يهود اليشوڤ (أي اليهود في فلسطين قبل ١٩٤٨) لم توقظ عنده، دعونا نقول، تأييدا.
كتب فرويد قائلاً: "لا يُمكنني أن أُلبّي طلبك. على أي شخص ينوي التأثير على الجماهير، أن يمنحهم شيئًا مثيرًا حماسيًا محرِّضا، وموقفي الواقعي العقلاني بخصوص الصهيونية لا يُتيح لي ذلك“.
شرح فرويد أنّه، على الرغم من تعاطفه مع الأهداف الصهيونية في إقامة وطن لليهود، وعلى الرغم من الفخر الذي شعر به بتأسيس جامعة في القدس، إلا أنّه لا يفهم الحركة الصهيونية. لقد كان يعتقد أنّه لن تقوم دولة لليهود في فلسطين - وهذا الموقف، كما افترض، غير شعبي.
لا أعتقد أن فلسطين (في الأصل: پلشتينه) يمكن أن تُصبح ذات يوم دولة يهودية، أو أنّ العالمين المسيحي والإسلامي سيكونان يومًا ما مستعديْن لتسليم أماكنهم المقدّسة لرعاية اليهود. أعتقد أنّ إقامة وطن لليهود في منطقة ترزح/تئن تحت عبء التاريخ بمقدار أقلّ كانت أكثر حكمة. ولكنّني أعلم أنّ مثل هذه النظرة المنطقية لا يُمكنها أبدًا تحميس الجماهير وكسب دعم الأغنياء المالي".
فيما يتعلّق بالتعبير عن تأييد الروّاد العبريين الذين عانوا من الأحداث، أحسّ فرويد أن "تعصّب رجالنا، الذي لا أساس له، مسؤول إلى حدّ ما، عن عدم الثقة التي سادت أوساط العرب. إنّ قلبي لا يتعاطف أبدًا مع الالتصاق الخاطئ، الذي يحوّل قطعةً من جدار هيرودس [٧٣ ق.م. -٤ ق.م] إلى بقايا مقدّسة وطنية وهكذا تجرح شعور أبناء المكان".
أنهى فرويد رسالته بنفس المدى من التعاطف الذي بدأها به. الآن، قرِّر بنفسك في ما إذا كنتُ، بالنظر إلى وجهة نظري النقدية للغاية، أكون أنا الشخص المناسب للتطوّع في أن أكون مصدرَ عزاء وتشجيع لأشخاص ضُللوا وراء أمل غير مبرّر".
قرأ الدكتور كوپلر رسالة فرويد وفوجئ بمضمونها؛ خطّ/خربش بقلم رصاص في الزاوية العليا من الرسالة: "ممنوع كشفه/إراؤه للغرباء!" وحقًّا، لم تر الرسالة النور إلا بعد٦٠ عامًا.
عندما تناهى خبر الرسالة لمسامعه، طلب أبراهام شْڤَدْرون [د. أبراهام أ. شارون/شْڤَدْرون، ١٨٧٨-١٩٥٧] - ذو مجموعة المخطوطات الكبيرة المحفوظة في المكتبة الوطنية - من الدكتور كوپلر، إرسال المراسلة له ليضمّها لأرشيف المكتبة. وافق الدكتور كوپلر على إرسال الرسالة إليه للاطلاع عليها، لكنّه طلب منه إعادتها إليه - لأنّه إذا حُفظت الرسالة في المكتبة الوطنية، فإنّ محتواها يقينًا سيتسرّب إلى الفضاء العامّ.
"قد تكون رسالة فرويد حقيقية ودافئة، لكنّها لا تنفع أهدافنا"، كتب الدكتور كوپلر في نيسان عام ١٩٣٠ ردًا على شڤدرون. "حتى لو لم أتمكّن من مساعدة الكيرن كيمت في هذا الوقت، فإنّني أعتبر نفسي ملزمًا بعدم إلحاق الضرر بها".
يقال إنّه عند استعراض الأحداث الماضية تبدو كاملة، وباسم الإخلاص، على المرء أن يعترف بأن يهودًا آخرين من أوروبا الغربية عبّروا عن آراء مماثلة لتلك التي عبّ عنها فرويد. وهذا الأخير، بالطبع، لم يكن من الممكن أن يتنبّأ أبدًا بالفظائع التي كانت ستحلّ بالجالية اليهودية في أوروبا أثناء صعود الحزب النازي واندلاع المحرقة/الهولوكوست. إنّه لم يكن يعلم قطّ أي دور مهمّ كان لأولائك الروّاد/الطلائع في إقامة دولة إسرائيل. قد تكون وجهات نظره "غير شعبية"، لكنّه كان بالتأكيد قد وضع إصبعه على القضايا التي لا تزال تؤثّر على المجتمع الإسرائيلي اليوم.
המכתב ש"אסור להראותו לזרים": מה באמת חשב פרויד על הציונות?
حسنًا، يتّضح أن سيجموند فرويد لم يكُن نصيرًا للحُلم الصهيوني.
في الواقع، الطبيب الجيّد، عارض بشدّة إقامة دولة يهودية في فلسطين، ولم يتردّد البتّة في التعبير عن تحفظّه من هذه الفكرة؛ وقد قام بذلك بنحو بليغ وبشكل حادّ بما فيه الكفاية، في رسالة بعثها لرئيس مؤسّسة كيرن هيسّود في ڤيينا عام ١٩٣٠.
دعونا نعود لحظة إلى الوراء.
بدأت الأعمال العدائية ذاتَ يوم حارّ، في منتصف شهر آب سنة ١٩٢٩. لقد وصل الصراع الطويل بين العرب واليهود في فلسطين، حول مسألة ملكية منطقة البراق (حائط المبكى/ الحائط الغربي بالعبرية) والوصول إليه، إلى نقطة الغليان رسميا. في يوم الجمعة الموافق لـ ١٦ آب ١٩٢٩، اقتحمت جموع عربية، ألهبها المجلس الإسلامي الأعلى، منطقةَ البراق، وطردت مصلّين يهودًا، وحرقت نُسخًا من التوراة وغيرها من الكتب المقدّسة. كان الحدث بمثابة إشارة افتتاحية لموجة من العنف ٱجتاحت البلاد، وفي غضون أسبوع واحد فقط، أودت أعمال الشغب الفلسطينية التي وقعت عام ١٩٢٩، بحياة أكثرَ من ١٣٠ يهوديًا، وجرحت مئات آخرين في سلسلة من الأحداث في الخليل والقدس وتل أبيب وحيفا وصفد وحولده وبئير طوبيه.
وفي عام ١٩٣٠، بعد بضعة أشهر فقط من توقّف أعمال العنف، كانت كيرين هَيسود - وهي منظّمة لجمع الأموال أسّسها الكونغرس الصهيوني، تهدف إلى مساعدة اليهود لأجل الهجرة إلى فلسطين- وهي حملة علاقات عامّة لصالح "اليشوف" - نظام الاستيطان اليهودي في فلسطين. وقد بعثت المنظّمة رسائل إلى اليهود ذوي النفوذ في جميع أنحاء العالم، تطلب منهم نشر بيانات دعم لليهود الذين يعيشون في فلسطين. رسالة كهذه، بعثها حاييم كوپلر، رئيس فرع كيرين هيسود في ڤيينا، لسيجموند فرويد، أبي التحليل النفسي، وبالصدفة كان يهوديًا أيضًا.
يبدو أنّ فرويد تأخّر بعض الشيء في التفكير في الطلب؛ إنّه أجاب الدكتور كوپلر برسالة بعثها له في ٢٦ من شهر شباط عام ١٩٣٠، وكتبها بأسلوب رزين، فيه القليل من الانتقاد ولكنه مؤدَّب بشكل ملحوظ، حيث عرض بوضوح مواقفه إزاء الصهيونية والاستيطان اليهودي في فلسطين.
لم يكتفِ فرويد برفض طلب نشر بيان دعم عامّ، لكنّه أوضح جيدًا أيضًا، أنّ مِحنة يهود اليشوڤ (أي اليهود في فلسطين قبل ١٩٤٨) لم توقظ عنده، دعونا نقول، تأييدا.
كتب فرويد قائلاً: "لا يُمكنني أن أُلبّي طلبك. على أي شخص ينوي التأثير على الجماهير، أن يمنحهم شيئًا مثيرًا حماسيًا محرِّضا، وموقفي الواقعي العقلاني بخصوص الصهيونية لا يُتيح لي ذلك“.
شرح فرويد أنّه، على الرغم من تعاطفه مع الأهداف الصهيونية في إقامة وطن لليهود، وعلى الرغم من الفخر الذي شعر به بتأسيس جامعة في القدس، إلا أنّه لا يفهم الحركة الصهيونية. لقد كان يعتقد أنّه لن تقوم دولة لليهود في فلسطين - وهذا الموقف، كما افترض، غير شعبي.
لا أعتقد أن فلسطين (في الأصل: پلشتينه) يمكن أن تُصبح ذات يوم دولة يهودية، أو أنّ العالمين المسيحي والإسلامي سيكونان يومًا ما مستعديْن لتسليم أماكنهم المقدّسة لرعاية اليهود. أعتقد أنّ إقامة وطن لليهود في منطقة ترزح/تئن تحت عبء التاريخ بمقدار أقلّ كانت أكثر حكمة. ولكنّني أعلم أنّ مثل هذه النظرة المنطقية لا يُمكنها أبدًا تحميس الجماهير وكسب دعم الأغنياء المالي".
فيما يتعلّق بالتعبير عن تأييد الروّاد العبريين الذين عانوا من الأحداث، أحسّ فرويد أن "تعصّب رجالنا، الذي لا أساس له، مسؤول إلى حدّ ما، عن عدم الثقة التي سادت أوساط العرب. إنّ قلبي لا يتعاطف أبدًا مع الالتصاق الخاطئ، الذي يحوّل قطعةً من جدار هيرودس [٧٣ ق.م. -٤ ق.م] إلى بقايا مقدّسة وطنية وهكذا تجرح شعور أبناء المكان".
أنهى فرويد رسالته بنفس المدى من التعاطف الذي بدأها به. الآن، قرِّر بنفسك في ما إذا كنتُ، بالنظر إلى وجهة نظري النقدية للغاية، أكون أنا الشخص المناسب للتطوّع في أن أكون مصدرَ عزاء وتشجيع لأشخاص ضُللوا وراء أمل غير مبرّر".
قرأ الدكتور كوپلر رسالة فرويد وفوجئ بمضمونها؛ خطّ/خربش بقلم رصاص في الزاوية العليا من الرسالة: "ممنوع كشفه/إراؤه للغرباء!" وحقًّا، لم تر الرسالة النور إلا بعد٦٠ عامًا.
عندما تناهى خبر الرسالة لمسامعه، طلب أبراهام شْڤَدْرون [د. أبراهام أ. شارون/شْڤَدْرون، ١٨٧٨-١٩٥٧] - ذو مجموعة المخطوطات الكبيرة المحفوظة في المكتبة الوطنية - من الدكتور كوپلر، إرسال المراسلة له ليضمّها لأرشيف المكتبة. وافق الدكتور كوپلر على إرسال الرسالة إليه للاطلاع عليها، لكنّه طلب منه إعادتها إليه - لأنّه إذا حُفظت الرسالة في المكتبة الوطنية، فإنّ محتواها يقينًا سيتسرّب إلى الفضاء العامّ.
"قد تكون رسالة فرويد حقيقية ودافئة، لكنّها لا تنفع أهدافنا"، كتب الدكتور كوپلر في نيسان عام ١٩٣٠ ردًا على شڤدرون. "حتى لو لم أتمكّن من مساعدة الكيرن كيمت في هذا الوقت، فإنّني أعتبر نفسي ملزمًا بعدم إلحاق الضرر بها".
يقال إنّه عند استعراض الأحداث الماضية تبدو كاملة، وباسم الإخلاص، على المرء أن يعترف بأن يهودًا آخرين من أوروبا الغربية عبّروا عن آراء مماثلة لتلك التي عبّ عنها فرويد. وهذا الأخير، بالطبع، لم يكن من الممكن أن يتنبّأ أبدًا بالفظائع التي كانت ستحلّ بالجالية اليهودية في أوروبا أثناء صعود الحزب النازي واندلاع المحرقة/الهولوكوست. إنّه لم يكن يعلم قطّ أي دور مهمّ كان لأولائك الروّاد/الطلائع في إقامة دولة إسرائيل. قد تكون وجهات نظره "غير شعبية"، لكنّه كان بالتأكيد قد وضع إصبعه على القضايا التي لا تزال تؤثّر على المجتمع الإسرائيلي اليوم.
המכתב ש"אסור להראותו לזרים": מה באמת חשב פרויד על הציונות?