في ثالث انتخابات في أقلّ من خمس سنوات تشهدها بريطانيا، كان حزب المحافظين الحاكم يحتاج إلى 326 مقعدا للحصول على الأغلبية البرلمانية والبقاء في السلطة، لكن رئيس الوزراء بوريس جونسن الذي استلم مقاليد الحكم في ظروف صعبة قبل أشهر قليلة فقط استطاع أن يخطف كل الأنظار في يوم 12 ديسمبر/كانون الأول محققا فوزا ساحقا بلغ 364، وهو أكبر انتصار للمحافظين منذ سنة 1986! في المقابل، شهدت هذه الانتخابات هزيمة تاريخية شنيعة لحزب العمال المعارض بقيادة جيريمي كوربين. فما أسباب هذا التفوق العريض لبوريس جونسن على خصمه العنيد جيريمي كوربين؟ وما هي انعكاسات ذلك في بريطانيا وخارجها؟
إتمام البريكست
استلم بوريس جونسن منصب رئاسة الوزراء يوم 24 يوليو/تموز 2019 متعهدا بتحقيق البريكست بعدما عجزت رئيسة الوزراء السابقة تريزا مي عن ذلك وعجز البرلمان المنقسم بدوره عن حسم المسألة. فجاء بوريس متعهدا بتحقيق ذلك. إنه الهدف الذي ناضل لأجله من قبل وكان أحد الرجال المؤثرين الذين يعود إليهم الفضل في إجراء استفتاء يوليو/حزيران 2016. وهو الهدف الذي أكده مباشرة بعد استلامه السلطة خلفا لتريزا ماي التي لم ترض المحافظين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قال في خطاب في مقر حزب المحافظين احتفالا بانتصاره: "سيتمكن المحافظون الآن من إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" بوريس جونسون شيّد حملته الانتخابية هذه بشعار "دعونا نتم البريكست". وهو ما ردده بكل قوة وعزم في كل مناسبة مؤكدا ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد والتفرغ بعد ذلك للاستثمار والتنمية متعهدا بضخ أموال كبيرة لأجل التنمية والخدمات.
شخصية بوريس جونسون
فليس من شك في أنّ وجود بوريس جونسون على رأس حزب المحافظين هو ما ساهم في تحقيق هذا الانتصار التاريخي. فبوريس جونسون شخصية سياسية مؤثرة معروفة. وأنصار البريكست يشهدون له نضاله لأجل البريكست ودوره في تحقيق فوز التصويت بالخروج عام 2016. وتعترف الجماهير البريطانية بما حققه هذا الرجل من أهداف عند توليه منصب عمدة لندن حيث وعد "بخفض معدل القتل بنسبة 50٪"، وتمكن فعلا من تحقيق ذلك حيث انخفضت جريمة السكين انخفاضا معتبرا. ووعد ببناء 100000 منزلا تُعرض للبيع بأسعار معقولة، وحصل ذلك حيث تم بناء المزيد من المنازل... كل ذلك ساهم في تعزيز ثقة الجماهير به مقارنة بخصمه زعيم حزب العمال جيريمي كوربين. وهذا ما يقودها إلى الحديث عن أسباب تعثر المنافس جيريمي كوربين.
جيريمي كوربين
دخل جيريمي كوربين الحملة الانتخابية من غير شعبية مقارنة مع زعماء حزب العمال السابقين. قال إيان موراي، نائب حزب العمال، في تويتر إنه عندما طرق أبواب منازل البريطانيين للدعاية لحزب العمال فوجئ بخيبة أمل ما يعادل 11 ألف مواطن يوجهون اللوم إلى شخصية جيريمي كوربين. فما الذي جعل زعيم حزب العمال يفقده شعبيته إلى حد هزيمة من هذا القبيل؟
من أبرز أسباب ذلك دعمه السابق للحركة الجمهورية الأيرلندية وتأييده للجيش الجمهوري الإيرلندي المتمرد الذي كان يعارض الوجود البريطاني في إيرلندا الشمالية وكان يشن حربا وحشية على بريطانيا، ما ينظر إليه كثيرون في بريطانيا على أنه خيانة في حق المملكة المتحدة التي يريد أن يحكمها.
المشاعر المعادية للسامية
من أسباب عدم شعبية حزب العمال المشاعر أيضا ما تردد عبر وسائل الإعلام من مشاعر معادية للسامية داخل الحزب. وقد طغت مسألة معاداة السامية على الواجهة خلال الحملة الانتخابية وكانت تحديا عظيما لزعيم حزب العمال. وما زاد الطين بلة رفض جيريمي كوربين الاعتذار لليهود المقيمين في المملكة المتحدة ويقدر عددهم بنحو 300 ألف نسمة، يقطن غالبيتهم في أحياء شمال لندن. فعندما سئل في آخر مقابلة عما إذا كان سيعتذر لليهود نيابة عن حزبه، اكتفى بقول: "ما سأقوله هو التالي. أنا مصمم على بناء مجتمع آمن للناس من كل الأديان. لا أريد أن يشعر أي أحد بعدم الأمان في مجتمعنا وإنّ حكومتنا ستحمي كل فئات المجتمع". مع أن الجالية اليهودية في بريطانيا صغيرة إلا أن تأثيرها يعد كبيرا. ففي تدخل غير مسبوق في السياسة، قال الحاخام إفرايم ميرفيس إن كوربين لم يكن مناسبا لمنصب رئيس الوزراء مشيرا إلى استشراء سم جديد في كيان حزب العمال وهو معاداته للسامية. وها هو هذا "السم" الذي نشره العمال يساهم بالفعل في قتل حظوظ جيريمي كوربين وحزبه في الفوز بهذه الانتخابات.
عروض مغرية
لقد أطلق حزب العمال بيانه تحت شعار (حان وقت التغيير الحقيقي) وتضمن وعودا مغرية مثل توفير الرعاية المجانية لكبار السن، ورسوم التعليم الجامعي المجانية، وتوفير خدمة الانترنت الأسرع لكل المنازل مجانا وغيرها من العروض المكلفة التي أثارت أسئلة عن كيفية توفير الأموال اللازمة لتحقيق هذه المشاريع. لم تكن أجوبة جيريمي كوربين عن استفسارات الجماهير والإعلاميين بهذا الصدد مقنعة، ما جعل هذه العروض تبدو، خيالية خارج أي ميزانية معقولة، وهو ما هز ثقة الجماهير ببرنامج هذا الحزب.
غموض بشأن البريكست
لقد اختار حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين موقفا غامضا من البريكست محاولا إرضاء مؤيدي البقاء والخروج معا. هذا الغموض أفقد حزب العمال مصداقيته لدى أنصار البقاء الذين كانوا يأملون في قيام الحزب على الأقل بتأييد استفتاء ثان يمنحهم أملا في أن الحزب يقف بجانبهم. موقف الحزب الحيادي هذا أغضب مناصري البريكست الذين اعتبروه تجاهلا للمسار الديمقراطي ول 17.4 مليون ناخب بريطاني صوتوا لأجل خروج بريطانيا من الاتحاد في استفتاء 23 يونيو/حزيران 2016.
تأثير فوز المحافظين
ومهما كان، سيكون لفوز المحافظين الساحق في هذه الانتخابات انعكاسات عظيمة في كل النواحي.
اقتصاديا، بمجرد الإعلان عن فوز حزب المحافظين، سجّل الجنيه الاسترليني والأسهم ارتفاعا معتبرا في البورصات العالمية. فقد قفز الجنيه الاسترليني إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات ونصف أمام اليورو. وحقق الجنيه الاسترليني ارتفاعا قدره 2.1 ٪ ليعادل 1.34 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ مايو من العام الماضي.
سياسيا، هذا الفوز الساحق يمنح بوريس جونسون تفويضا لإتمام البريكست حيث سيتمتع بحرية كاملة وسيطرة مطلقة على مجلس العموم، ما يسمح له بتمرير صفقته في الأسابيع القليلة القادمة، وهو ما يعني حتما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2020 مثلما وعد. وسيمنحه هذا الفوز حرية أكبر للتفاوض مع الاتحاد الأوربي على أي صيغة يشاء للعلاقات المستقبلية.
وسيؤثر هذا الفوز في حزب العمال، أكبر أحزاب المعارضة، وسيرغمه على مراجعة أوراقه والتفكير في إعادة بناء حزب بوجه جديد وبرنامج جديد وزعامة جديدة مع ضرورة استقالة جيريمي كوربين، وهو ما لم ينكره زعيم هذا الحزب في أعقاب هذه الهزيمة حيث أكد أنه سينسحب بعد التشاور مع زملائه في الحزب وقبل أي استحقاق جديد، مضيفا: "من الواضح أن هذه الليلة مخيبة للآمال للغاية بالنسبة للحزب. لكني أريد أن أقول إننا قدمنا برنامجنا انتخابيا مليئا بالأمل".
هذا الفوز يعني أيضا نهاية حزب البريكست الذي يتزعمه نايجل فاراج حيث لن يبقى مبرر لوجود هذا الحزب في الساحة السياسية وهو الحزب الذي لم يفز بأي مقعد في هذه الانتخابات.
مولود بن زادي - طيور مهاجرة حرة بريطانيا
إتمام البريكست
استلم بوريس جونسن منصب رئاسة الوزراء يوم 24 يوليو/تموز 2019 متعهدا بتحقيق البريكست بعدما عجزت رئيسة الوزراء السابقة تريزا مي عن ذلك وعجز البرلمان المنقسم بدوره عن حسم المسألة. فجاء بوريس متعهدا بتحقيق ذلك. إنه الهدف الذي ناضل لأجله من قبل وكان أحد الرجال المؤثرين الذين يعود إليهم الفضل في إجراء استفتاء يوليو/حزيران 2016. وهو الهدف الذي أكده مباشرة بعد استلامه السلطة خلفا لتريزا ماي التي لم ترض المحافظين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قال في خطاب في مقر حزب المحافظين احتفالا بانتصاره: "سيتمكن المحافظون الآن من إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" بوريس جونسون شيّد حملته الانتخابية هذه بشعار "دعونا نتم البريكست". وهو ما ردده بكل قوة وعزم في كل مناسبة مؤكدا ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد والتفرغ بعد ذلك للاستثمار والتنمية متعهدا بضخ أموال كبيرة لأجل التنمية والخدمات.
شخصية بوريس جونسون
فليس من شك في أنّ وجود بوريس جونسون على رأس حزب المحافظين هو ما ساهم في تحقيق هذا الانتصار التاريخي. فبوريس جونسون شخصية سياسية مؤثرة معروفة. وأنصار البريكست يشهدون له نضاله لأجل البريكست ودوره في تحقيق فوز التصويت بالخروج عام 2016. وتعترف الجماهير البريطانية بما حققه هذا الرجل من أهداف عند توليه منصب عمدة لندن حيث وعد "بخفض معدل القتل بنسبة 50٪"، وتمكن فعلا من تحقيق ذلك حيث انخفضت جريمة السكين انخفاضا معتبرا. ووعد ببناء 100000 منزلا تُعرض للبيع بأسعار معقولة، وحصل ذلك حيث تم بناء المزيد من المنازل... كل ذلك ساهم في تعزيز ثقة الجماهير به مقارنة بخصمه زعيم حزب العمال جيريمي كوربين. وهذا ما يقودها إلى الحديث عن أسباب تعثر المنافس جيريمي كوربين.
جيريمي كوربين
دخل جيريمي كوربين الحملة الانتخابية من غير شعبية مقارنة مع زعماء حزب العمال السابقين. قال إيان موراي، نائب حزب العمال، في تويتر إنه عندما طرق أبواب منازل البريطانيين للدعاية لحزب العمال فوجئ بخيبة أمل ما يعادل 11 ألف مواطن يوجهون اللوم إلى شخصية جيريمي كوربين. فما الذي جعل زعيم حزب العمال يفقده شعبيته إلى حد هزيمة من هذا القبيل؟
من أبرز أسباب ذلك دعمه السابق للحركة الجمهورية الأيرلندية وتأييده للجيش الجمهوري الإيرلندي المتمرد الذي كان يعارض الوجود البريطاني في إيرلندا الشمالية وكان يشن حربا وحشية على بريطانيا، ما ينظر إليه كثيرون في بريطانيا على أنه خيانة في حق المملكة المتحدة التي يريد أن يحكمها.
المشاعر المعادية للسامية
من أسباب عدم شعبية حزب العمال المشاعر أيضا ما تردد عبر وسائل الإعلام من مشاعر معادية للسامية داخل الحزب. وقد طغت مسألة معاداة السامية على الواجهة خلال الحملة الانتخابية وكانت تحديا عظيما لزعيم حزب العمال. وما زاد الطين بلة رفض جيريمي كوربين الاعتذار لليهود المقيمين في المملكة المتحدة ويقدر عددهم بنحو 300 ألف نسمة، يقطن غالبيتهم في أحياء شمال لندن. فعندما سئل في آخر مقابلة عما إذا كان سيعتذر لليهود نيابة عن حزبه، اكتفى بقول: "ما سأقوله هو التالي. أنا مصمم على بناء مجتمع آمن للناس من كل الأديان. لا أريد أن يشعر أي أحد بعدم الأمان في مجتمعنا وإنّ حكومتنا ستحمي كل فئات المجتمع". مع أن الجالية اليهودية في بريطانيا صغيرة إلا أن تأثيرها يعد كبيرا. ففي تدخل غير مسبوق في السياسة، قال الحاخام إفرايم ميرفيس إن كوربين لم يكن مناسبا لمنصب رئيس الوزراء مشيرا إلى استشراء سم جديد في كيان حزب العمال وهو معاداته للسامية. وها هو هذا "السم" الذي نشره العمال يساهم بالفعل في قتل حظوظ جيريمي كوربين وحزبه في الفوز بهذه الانتخابات.
عروض مغرية
لقد أطلق حزب العمال بيانه تحت شعار (حان وقت التغيير الحقيقي) وتضمن وعودا مغرية مثل توفير الرعاية المجانية لكبار السن، ورسوم التعليم الجامعي المجانية، وتوفير خدمة الانترنت الأسرع لكل المنازل مجانا وغيرها من العروض المكلفة التي أثارت أسئلة عن كيفية توفير الأموال اللازمة لتحقيق هذه المشاريع. لم تكن أجوبة جيريمي كوربين عن استفسارات الجماهير والإعلاميين بهذا الصدد مقنعة، ما جعل هذه العروض تبدو، خيالية خارج أي ميزانية معقولة، وهو ما هز ثقة الجماهير ببرنامج هذا الحزب.
غموض بشأن البريكست
لقد اختار حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين موقفا غامضا من البريكست محاولا إرضاء مؤيدي البقاء والخروج معا. هذا الغموض أفقد حزب العمال مصداقيته لدى أنصار البقاء الذين كانوا يأملون في قيام الحزب على الأقل بتأييد استفتاء ثان يمنحهم أملا في أن الحزب يقف بجانبهم. موقف الحزب الحيادي هذا أغضب مناصري البريكست الذين اعتبروه تجاهلا للمسار الديمقراطي ول 17.4 مليون ناخب بريطاني صوتوا لأجل خروج بريطانيا من الاتحاد في استفتاء 23 يونيو/حزيران 2016.
تأثير فوز المحافظين
ومهما كان، سيكون لفوز المحافظين الساحق في هذه الانتخابات انعكاسات عظيمة في كل النواحي.
اقتصاديا، بمجرد الإعلان عن فوز حزب المحافظين، سجّل الجنيه الاسترليني والأسهم ارتفاعا معتبرا في البورصات العالمية. فقد قفز الجنيه الاسترليني إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات ونصف أمام اليورو. وحقق الجنيه الاسترليني ارتفاعا قدره 2.1 ٪ ليعادل 1.34 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ مايو من العام الماضي.
سياسيا، هذا الفوز الساحق يمنح بوريس جونسون تفويضا لإتمام البريكست حيث سيتمتع بحرية كاملة وسيطرة مطلقة على مجلس العموم، ما يسمح له بتمرير صفقته في الأسابيع القليلة القادمة، وهو ما يعني حتما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2020 مثلما وعد. وسيمنحه هذا الفوز حرية أكبر للتفاوض مع الاتحاد الأوربي على أي صيغة يشاء للعلاقات المستقبلية.
وسيؤثر هذا الفوز في حزب العمال، أكبر أحزاب المعارضة، وسيرغمه على مراجعة أوراقه والتفكير في إعادة بناء حزب بوجه جديد وبرنامج جديد وزعامة جديدة مع ضرورة استقالة جيريمي كوربين، وهو ما لم ينكره زعيم هذا الحزب في أعقاب هذه الهزيمة حيث أكد أنه سينسحب بعد التشاور مع زملائه في الحزب وقبل أي استحقاق جديد، مضيفا: "من الواضح أن هذه الليلة مخيبة للآمال للغاية بالنسبة للحزب. لكني أريد أن أقول إننا قدمنا برنامجنا انتخابيا مليئا بالأمل".
هذا الفوز يعني أيضا نهاية حزب البريكست الذي يتزعمه نايجل فاراج حيث لن يبقى مبرر لوجود هذا الحزب في الساحة السياسية وهو الحزب الذي لم يفز بأي مقعد في هذه الانتخابات.
مولود بن زادي - طيور مهاجرة حرة بريطانيا