يعد العمل هو النشاط المميز للجنس البشرى والذى ينفرد به عن سائر الكائنات، ولما كان الفن فى صورة من صور تعريفه يمثل أحد أشكال العمل الإنسانى وتجلياته. ولذا فإن حياة الإنسان إذا كانت قد ارتبطت منذ البدء بالعمل، فهى بشكل آخر قد ارتبطت بممارسة الإنسان للفن(1).
فلقد ارتبط الحس الجمالى بالإنسان وتطور مع تطوره، وكان وثيق الصلة بالعمل، ذلك النشاط الإنسانى المميز، وقد كان "انفصال الإنسان عن العالم الحيوانى وتميزه غير ممكن إلا فى مجتمع، وإننا ندين للعمل الاجتماعى بإحساسنا الجمالى. فالإنسان فى إبداعه الشروط المادية لوجوده، وتطويعه للطبيعة وجعلها إنسانية، وإذ يزيد رحابة أشكال الحياة الاجتماعية ويغيّرها فإنه يصبر نفسه أكثر فأكثر(2).
ولكن من الجدير بالذكر أن "دارون" قد أورد فى كتابه الشهير "أصل الأنواع" مجموعة من الوقائع التى تثبت أن "حس الجمال يلعب دورا لا يخلو من أهمية فى حياة الحيوانات. والحال أنه فى مقدور المرء، إن شاء، أن يستنتج من تلك الوقائع أن أصل حس الجمال يجب أن يفسر بالبيولوجيا. وأن ربط تطور هذا الحس لدى الكائنات البشرية باقتصاد المجتمعات التى يعيشون فى كنفها، وبهذا الاقتصاد وحده، أمر غير مقبول، وينم عن قدر من ضيق التفكير"(3).
فقد رأى "دارون" أن الجمال ليس حسًّا أو شعورا قاصرا على الجنس البشرى، وإنما يبدأ مع الحيوانات الدنيا. "ودارون" فى هذا يرتكز على مادية بيولوجية ولعل ما يجعل نظريته الجمالية ذات أهمية، هو ذلك التأثير الواسع والمطرد لنظريته فى البيولوجيا والتى كانت ثورة قلبت عالم البيولوجيا رأسا على عقب ووسمت العلم الحديث بميسمها سواء كان علما طبيعيا أو إنسانيا. فقد حاولت معظم العلوم بعد ظهور نظرية "دارون Darwin" أن تتكامل معها، وأن تتسق مع منطقها، وأن تستعير منهجها، وفى أسوا الظروف كانت رد فعل ضدها خاصة لدى اللاهوتين ومفكرى المثالية.
يكتب "دارون" فى أصل الأنواع:
"حس الجمال، يقال أن هذا الحس خاص بالإنسان.. ولكن حين نرى طيرا ذكرا ينشر بزهو ريشه البهيج وألوانه الأخاذة أمام الأنثى، بينما لا تقوم الطيور الأخرى، الأقل حظًّا منه، بأى عرض من ذلك القبيل، يتعذر علينا ألا نقر بأن الإناث تعجب بجمال الذكور. وأن النساء فى جميع البلدان يتجملن بذلك الريش، فلا مجال للمماراة إذن فى جمال تلك الزينة. إن العصافير التى تعرف باسم (الضريسى) وبعض العصافير الأخرى تصف بقدر كبير من الذوق أشياء براقة لتزين بها أعشاشها وأماكن اجتماعها وفى هذا برهان مؤكد على أنها تشعر، ولا بد بقدر من المتعة فى تأمل تلك الأشياء، وكذلك الحال فيما يتعلق بتغريد الطيور. فالألحان العذبة التى يصدح بها كثير من ذكور العصافير خلال فصل الحب تحظى بكل تأكيد بإعجاب الإناث. ولو كانت الإناث عاجزة عن تقدير الألوان الرائعة والزينات وأصوات الذكور، لكان ذهب هباء الغناء وكل الاهتمام اللذين يتحمل مشقتها الذكور لعرض مفاتنهم أمام الإناث، وهذا ما لا يمكن التسليم به. وأنه ليعسر علينا، كما أظن، أن نفسر البهجة التى تدخلها بعض الألوان وبعض الأصوات المتناغمة بقدر ما يعسر علينا تفسير المتعة التى توفرها لنا بعض الأطعمة والروائح… ومهما يكن من أمر … فمن المؤكد أن الإنسان وكثيرا من الحيوانات تهوى الألوان نفسها، والأشكال البهيجة نفسها والأصوات نفسها"(4) بل وقد أضاف دارون "بأن الشعور الجمالى Aesthetic Feeling ليس قاصرا على الإنسان والحيوانات الدنيا معا. فالحرشفيات – Chlamydosauria لديها القدرة على تذوق الجمال، وإناث الطيور تستحسن الألوان الزاهية والأصوات الجميلة والصافية لدى ذكورها"(5).
وهكذا فإن دارون يرى أن الحرشفيات والحيوانات بمختلف أنواعها تحس بالجمال وتتذوقه كالإنسان تماما، بل ويغلب على مشاربها الاتفاق مع المشارب البشرية، فالطائر أو أى حيوان يتمتع بذوق جمالى رائع وإلا ما كان مبررا أن ينشر الطاووس ريشه ومفاتنه أمام أنثاه، وإلا كان ذهب مع الريح – على حد قول "تشارلز دارون" – ذلك الغناء الطروب، بل وفوق ذلك فإن الجمال لم يخلق لكى يشبع مشاعر الإنسان الجمالية ورغباته، ولم تكن له صلة البتة بالإنسان، ذلك أن كثيرا من الموضوعات الجمالية قد ظهرت قبل الإنسان بوقت طويل وفقا لنظرية التطور.
"فالطبيعة لم تبدع الزهور لكى تهب الإنسان منظرا بديعا ولكن لكى تثير انتباه الحشرات التى تعمل على تكاثرها (أى الزهور). وبكلمات أخرى فقد ظهرت الزهور على الأرض مبكرة عن ظهور العيون الإنسانية والطبيعة لم تنتج المحارات الجميلة، وشجرة الميلاد، والتوت البرى، وغيرها من أجل الإنسان، فهى كأى شئ حى كل ما يهمها فوق كل اعتبار هو توالدها الذاتى Self Reproduction (6).
إن "داروين" الذى أكد على استقلال الجمال عن الإنسان، بل على سبق الموضوع الجمالى عليه إنما يرد على الجمال المثالى الذى يحاول البرهنة على تخلق الجمال الذاتى فى الإنسان إذ يعتبر الجميل "تجلٍّ محض لماهية الإنسان الروحية Man’s Spiritual Essence"(7).
ولكن إذا كان الإنسان لا يستطيع إنكار ميله نحو جمال الطبيعة فهل يمكن أن يكون الجمال موضوعيا أيضا، أى فى استقلال تام عنه؟
يكتب "فيكتور رومانينكو Victor Romaneniko":
"لابد أن تكون تلك الصفات والخصائص والسمات الخاصة، وقيم الحياة المعاصرة التى ندعوها قيمًا جمالية Aesthetic Values وجدت قبل الإنسان وفى استقلال تام عنه وقبل أن يتعلم الإنسان كيفية استيعابها، ويضع مقياسا خاصا بها ويسميها، ويعيد إنتاجها بوعى وقصد من أجل هدف اجتماعى محدد"(8).
إن ما يود أن يؤكد عليه "رومانينكو" هو الموضوعية المطلقة للقيم الجمالية، وكون الجمال لا علاقة له بالذات الإنسانية، وإن هذا يأتى متسقًا مع نسق "دارون" التطورى الذى يرى أن النباتات وجدت قبل الحيوانات، وبالتالى قبل الإنسان – أعلى الحيوانات – بأزمنة سحيقة. ولذا فما هو المبرر الذى على أساسه نقول بأن الجمال إنسانى، إذا كانت الأشياء الجميلة قد وجدت قبل الإنسان بأزمنة بعيدة؟
تُرى هل على يكون "دارون" ورومانينكو" قد أصابا لب الحقيقة بهذا، أم أن الجمال وثيق الصلة بالإنسان، وبعيد كل البعد عن عالم الحيوانات الدنيا؟!
يقول "إيفان استاخوف Ivan Astakhov": إن "دارون" لم يكن يعى الحقيقة التى ترى أنه إلى جانب قوانين الطبيعة توجد قوانين تاريخية اجتماعية Socio Historical Laws وإلى جانب المشاعر الحيوانية توجد مشاعر إنسانية صرفة(9).
بل ويؤكد بأن "دارون" لم يكن يسوق عبارته عن تذوق الحيوانات للجمال عرضا وإنما أكد ذلك عندما قال أيضا: "وعلى نفس المنوال بأن لدى الحيوانات المختلفة إحساس ما بالجمال، رغم أن إعجابها ينصب على موضوعات متباينة"(10).
وهكذا بينما يدافع "رمانينكو" عن رأى "دارون" نجد أن "إيفان استاخوف" ينْبرى للرد عليه، والذى لا نظن أنه إلا مردد لآراء "بليخانوف" الذى بدأ بالرد على وجهة نظر "دارون" فى محاولته لتأسيس "علم جمال علمى" على حد تعبيره.
فإذا كانت البيولوجيا لا تفسر لنا رؤيتنا الجمالية – على حد قول "بليخانوف" – فإنها لأشد عجزا عن أن تفسر لنا تطورها التاريخى، وإن كان هذا يعارض رأى "دارون" الذى يكتب"ليس حس الجمال فيما يختص بالجمال لدى المرأة عند العروق المختلفة، ويتماثل حتى عند الأمم المنحدرة من عرق واحد، وإذا بنينا حكمنا بالاستناد إلى بشاعة الزينة التى تعجب بها أكثر المتوحشين، والموسيقى التى لا تقل عنها فظاظة، فقد يجوز لنا أن نستنتج أن الملكات الجمالية لدى المتوحشين لم تبلغ درجة التطور لدى بعض الحيوانات كالطيور مثلا"(11).
ويستشهد للرد على "دارون" بجزء من نفس الفقرة أيضا "إيفان استاخوف" ويضيف "بليخانوف" باقتباسه لنص من الطبعة الإنجليزية الأولى (لأصل الأنواع): "بيد أن تلك الأحاسيس، أى الجمالية، ترتبط عند الإنسان المتمدين ارتباطا وثيقا بأفكار معقدة ومجموعة من الخواطر". ويعلق "بليخانوف" على ذلك بقوله: إنها تردّنا من علم الحياة إلى علم الاجتماع، كما أنه إذا كان الذوق الجمالى لدى الأمم المنحدرة من عرق واحد – كما يرى "دارون" متباينا، فمن الواضح أن البحث عن أساس بيولوجى له يعتبر دون جدوى(12).
ويقول "استاخوف" : مؤكدا نفس الرأى : وما ينبغى أن نلاحظه هو أن هذا الرأى لا يمكن أن يكون صائبا ومتسقا مع مبادىء المنهج العلمى التاريخى، أو مع نظرية التطور التى أنجزها دارون نفسه"(13).
فمما لا شك فيه أنه وفقا لنظرية "دارون" فى التطور يجب أن يكون حس الإنسان البدائى Primitive Man الجمالى أرقى من حس أى من الحيوانات، فإذا كانت موسيقى الإنسان البدائى بشعة تثير النفور. فهذا لا يعنى أن إحساسات البدائيين – على حد قول إيفان استاخوف- أقل تطورا من الحيوانات الدنيا، وإنما ذلك يعنى أن هذه الاحساسات لم تقطع شوطا بعيدا فى التطور لدى البدائيين، فى حين تفتقر إليه الحيوانات كل الافتقار.
ويقدم "بليخانوف" مثالا، من أجل توضيح هذه الفكرة، فيكتب:
"من المعلوم أن جلود الحيوانات ومخالبها، وأنيابها تلعب دورا بالغ الأهمية فى حلىّ الشعوب البدائية. فكيف نفسر ذلك؟
أبتركيب خطوط تلك الأشياء وألوانها؟
كلا إن القضية هنا غير ذلك تماما، فحين يتحلّى المتوحش بجلد نمر ومخالبه وأسنانه، أو بجلد ثور برى ماهر وقرونه، فإنه يرى فى هذه الحلى آية مهارته الخاصة وقوّته الذاتية. فماهر من تغلب على خصم ماهر، وقوى من يجندل خصما شديد البأس. ولربما خالطت ذلك بعض الخرافات والمعتقدات الباطلة.
يقول "سكولكرافت": "إن قبائل الهنود الحمر التى تعيش فى غرب أمريكا الشمالية تثمن أكثر ما تثمن من الحلى المصنوعة من مخالب الدب الأشهب، وهو أضرى الوحوش فى غرب أمريكا الشمالية التى يتصارع وإياها ويؤمن المحارب الهندى الأحمر أن شراسة الدب الأشهب وضرواته تنتقلان إلى من يتحلى بمخالبه، وهكذا يستخدم الدب الأشهب كما يلاحظ "سكولكرافت" حلية وتعويذة فى آن معا"(14).
والأمر الذى له دلالته هو أن "دارون" نفسه لم يعتبر تفسيره لطبيعة الإحساس الجمالى تفسيرا مقنعا، أو تفسيرا مانعا جامعا، فهو يقدم الملاحظة الآتية، فى كتابه أصل الأنواع The Origin of Species.
"إن الكيفية التى وجد عليها الإحساس الجمالى فى صورة بسيطة. تلك التى تعنى تقديم نوع من البهجة عبر ألوان معينة، وأشكال أو أصوات قد تطورت بداية فى عقل الإنسان والحيوانات الدنيا هى موضوع شديد الالتباس"(15).
إن هذا يوضح إلى أى مدى يمكن أن نمضى مع "دارون" فى تصوره – خاصة إذا كان تصورا نظريا صرفا – وإن كان "دارون" قد أخطأ هنا فإن "بليخانوف" يرى أنه لا تعارض بين (الدارونية) فى العلوم البيولوجية وبين المادية التاريخية فى العلوم الاجتماعية بل إنهما متكاملتان، فقط يختلفان فى المجال، إذ يكتب:
"لا يمكن لأعمالنا أن تقوم مقام ما أنجزه "الدراونيون" لنا، كما أنه لا يمكن لأروع اكتشافات الدارونية أن تقوم مقام أعمالنا، فأقصى ما تستطيعه هو أن تمهد السبيل لنا مثلما تمهد الفيزياء السبيل للكيمياء دون أن تقلل أعمال الفيزيائيين من أعمال الكيمائيين"(16).
إن "تشارلز دارون" يقدم نظرية فى الجمال ترتكز على البيولوجيا مؤكدة على أمرين هما جدّ مترابطين، فموضوعية الجمال، أى استقلاله عن الإنسان، استقلالا يصل إلى حد أن جمال الطبيعة الموجودة قبل الإنسان وفقا لنظرية التطور، أمر جد مقبول، فالزهور والطيور والحيوانات الجميلة الصوت أو الصورة إنما وجدت قبل مجىء الجنس البشرى إلى الحياة بأزمنة بعيدة، أما الأمر الثانى، وهو المعضلة التى حاول "استاخوف" وكذلك "بليخانوف" حلّها وهى أن الحيوانات تتذوق الجمال.
وإذا كان "دارون" قد وضع نظريته على أسس بيولوجية فإن الردّ عليها من قبل هذين المفكرين يكون على أسس اجتماعية الجمال وبالتالى إنسانيته. إن الزهور، وجمال الطبيعة وفقا للدارونية – والتى لا ينكرها "بليخانوف" نفسه وإنما يجعل مجالها مختلفا عن مجاله – قد وجدت قبل الإنسان، ما فى ذلك من شك. ولكن الرؤيا الجمالية والحس الجمالى، هل يحكمهما الوجود الإنسانى؟ هل هو الذى يشرطهما، أم أنهما مطلقان منه يحلقان بعيدا عنه؟
إنها معضلة أخرى يطرحها "دارون" والمعارضون لأفكاره، وقد كانت تناقضات "دارون" ذاته وما يمكن أن يقدمه "بليخانوف" من أفكار وردود تمثل جانبا أساسيا من الردود على "دارون" فى ذلك، أى نظريته البيولوجية.
إن الحس الجمالى مقعد ولا يمكن الوصول إلى تفسير له بسهولة، فإذا كانت الأسس التى تقوم عليها نظرية "دارون" بيولوجية بحتة – فلماذا يختلف الحس الجمالى لدى الأمم المنحدرة من عرق واحد؟
لابد إذنْ من وجود سبب آخر، ولعله يكون سببا إنسانيا واجتماعيا بحكم أن الإنسان كائن اجتماعى.
كذلك يكتب "بليحانوف" : "لدى قبيلة "باثوكا" فى "الزامبير" الأعلى يعتبر الرجل الذى لم تخلع قواطع فكه الأعلى قبيحا.
فما منشأ هذا التصور عن الجمال؟
لقد تكوّن هو أيضا نتيجة لترابط أفكار معقدة، ويجد تفسيره فى رغبة "الباثوكا" فى محاكاة الحيوانات المجترة. قد يبدو لنا ذلك عسير الفهم، لكن دهشتنا ستقلّ حين نعلم أن تلك القبيلة تقوم بتربية الأبقار والثيران، وأن هذه الحيوانات (مؤلهة) تقريبا فى تلك البلاد والجميل فى هذه الحالة أيضا هو الثمين، والمدركات الجمالية تتولد عن نسق مغاير من الأفكار"(17).
إن الجمال ينشأ عن بناء معقد، فالحياة الاجتماعية مرتبطة بطقوس دينية، وعادات، وتقاليد معقدة وهى التى تقرر ما هو جميل، وأن هذا هو الذى يدفع النساء فى عديد من الشعوب الإفريقية إلى الدأب من أجل زيادة عدد الحلقات الحديدية فى الأيدى والأرجل ولا ريب فى أن ذلك مرهق جدا – على حد قول "بليخانوف" – ولكن ما السبب؟ أن الحديد لدى هذه القبائل أثمن المعادن ولذلك فإن زيادة عدد الحلقات يوحى بزيادة الثراء.وإذن "فالواضح أن المسألة هنا ليست جمال الحلقات بل مسألة فكرة الثراء المقترنة بها"(18). بل وأكثر من ذلك، فنحن نجد أن الزنجيات الثريات" تنْتعلن أخفافًا تقضى الزيادة فى التظرف والخيلاء ولا تتسع للقدم كلها مما يجعل السير وئيدا وعسيرا، والسير يكون أشد إغراء فى نظر هن بقدر ما يكون كسولا متعثرا"(19).
إن هذا يفسر لنا سلوك الزنجيات الفقيرات اللواتى يعملن، فهن لا ينتعلن ذلك النوع من الأحذية، وإن سيرهن عادى طبيعى، ولا يتأتى لهن أن يسيرن سير الثريات المدللات فالثَّريات المدللات وقتهن بلا ثمن نظرا لا نعتاقهن من ضرورة العمل. فالجمال هنا وثيق الصلة بالطبقة الاجتماعية، كما فيؤكد، "بليخانوف". وقد أورد عددا وفيرا من الأمثلة التى تؤيد فرضيته هذه. فهو يرى أنه إذا كان الإنسان المتمدين المدرك لكونه مخلوقا أعلى ينفر من مقارنته بالحيوانات الأدنى، إلا أن تلك المقارنة يدأب عليها ويغالى فيها الإنسان البدائى، وإذ توجد شعوب تضفر شعرها على نحو يجعله أشبه بالقرون، وذلك لأن هذا النزوع إلى التشبه ومحاكاة الحيوانات وثيق الصلة بالمعتقدات الدينية، فإننا "لن نفهم هؤلاء الناس إلا حين نعزم على النظر إليهم على أنهم نتاج حياة القنص. فالشطر الأعظم من تجربتهم يرتبط بعالم الحيوان، وعلى هذه التجربة يقوم تصورهم عن العالم وهذا ما يفسر لماذا يقتبسون نماذجهم الجمالية، برتابة عنيدة. من العالم الحيوانى. ويمكن القول أن فنهم الغنى إلى حد متوحش، يقوم بتمامه على حياة القنص"(20).
يقول "إرنست غروس" : "إن النماذج التريينية، التى تقتبسها القبائل القانصة من الطبيعة تؤخذ من الأشكال الحيوانية أو الإنسانية وحدها دون سواها.إنها إذن الأشكال التى لها عندها أكبر قدر من الفائدة العملية. ويترك القناص بالقبائل البدائية للنساء أمر قطف النباتات على اعتبار أن هذه المهمة من نوع أدنى، ولا يوليها أى اهتمام، مع أنها ضرورية هى الأخرى لحياته وهذا ما يفسر لنا لماذا لا نلقى فى فنه التزيينى أدنى أثر من نماذج مقتبسة من مملكة النباتات، بينما تكثر هذه النماذج فى الفن الزخرفى للشعوب المتمدينة، وحين تحل نماذج مقتبسة من مملكة النباتات محل الزخارف المأخوذة عن مملكة الحيوانات، ينبغى أن نرى فى ذلك إشارة إلى حدوث أعظم تقدم فى تاريخ الحضارة، نعنى أن القنص قد أخْلى الساح للزراعة"(21).
إنّ الفن بهذه الطريقة يعكس أهم المؤثرات فى الحياة الاجتماعية، ويعكس بالضرورة وفقا لذلك حالة القوة الإنتاجية، ففن المجتمع البدائى المعتمد على القنص يقوم على أساس هذا الشرط من التطور البشرى، كما يرى "غروس"، ولم يكن ممكنا أن يعبر الجسر إلى المملكة النباتية دون أن يتخلى عن أصله القديم (القنص) لصالح الزراعة. وأن هذا يعبر بأعلى صوره عن علاقة وثيقة بين الفن والحياة الاجتماعية، وبالتالى يرد ضمنا على النظرية البيولوجية.
لقد توصلنا، وفقا لاستنتجات "بليخانوف" وأمثلته الكثيرة التى اقتبسنا بعضا منها إلى أن الفن فى المجتمعات الإنسانية، لا يعتمد على العرق الذى ينحدر منه الشعب الذى يمارس التذوق الجمالى أو الفن. بل يعتمد بالضرورة على حالة القوى الإنتاجية وبالتالى على الأوضاع الاجتماعية. وأن البيولوجيا تخلى السبيل إلى علم الاجتماع. لكى يبدأ بدراسة الفن فى صلته بالحياة الاجتماعية بل ولقد أكد "كارل ماركس". وفرديك انجلز على أن العمل هو مفتاح التاريخ البشرى فالناس إنما يشكلون تحت تأثير العمل وهم النتاج الذاتى لهذا العمل، ويرى "ماركس" "أن إثراء الشعور الإنسانى والقدرات المختلفة الوثيقة الصلة به قد تطورت تحت أشكال العمل المتباينة"(22).
وقد تكونت أعضاء الحس فى الإنسان، وكذلك المشاعر الإنسانية نتيجة لتطور العمل، فلكل الحيوانات عيون "ولكن الإنسان فحسب يمكن أن يحس الجمال بموضوع ما. وجميع الحيوانات لديها أعضاء سمعية، ولكن الإنسان فحسب هو الذى لديه الأذن الموسيقية. فتكون أعضاء الحس الخارجية إنما هو نتيجة لكل التاريخ العضوى للعالم، بينما تكون المشاعر الروحية هو نتاج لتاريخ العمل"(23).
فالإنسان المعاصر يبدو كأعلى مرحلة من مراحل التطور البشرى، وهو بذلك يكون حاصلا على ما لم يحصل عليه أسلافه، فهو يتغنى بالشعر والموسيقى، ويعرف الرقص والتصوير والسينما وغيرها من الفنون.
وقد أوضح "استاخوف" لماذا يدهش بعض الباحثين – على سبيل المثال "ريناش" و "بليخانوف" لأنه لا يوجد فى الإنسان البدائى ما يجعله يعبر عن حب للطبيعة، قائلا : "إن البحث عن حب الطبيعة فى العالم الروحى لدى الإنسان البدائى Primitive Man لا جدوى منه، بسبب بسيط هو أن الشعور لم يكن قد ظهر بعد. وهؤلاء الذين يواصلون البحث أناس يرفضون الإقلاع عن مفهوم مختلف، وهو المفهوم الذى يرى فى الإنسان البدائى إنسانا له وجود بكامل التطور الروحى للإنسان الآن"(24).
وقد أوضح "ماركس" وانجلز فى الأدب والفن" أن تشكيل الحواس الخمس هو من عمل التاريخ كلّه للعالم حتى الآن"(25).
"فليست الحواس مجرد ثقوب فى الجسم من خلالها تصب الاحساسات، فهى أولا وقبل فكل شىء أفعال للطبيعة تقع على الجسم، وهى أيضا أوجه نشاط للجسم نفسه تشتمل على تآزر العينين والأذنين والجلد واليدين واللمس، واستخدام الأشياء لتغييرها "وهذا ما رآه" سيدنى فنكلشتين"(26) بعد أن قرر أن للفن البدائى (شكلين): شكل خاص بالنفع والشكل الآخر للفن هو شكل الطقوس القائمة على العقائد السحرية، وقد ظهر هذا الشكل أيضا فى العصر الحجرى القديم للسيطرة على قوة الطبيعة. وهى محاولة قامت على أساس الاعتقاد بأن محاكاة هذه القوى إنما تمنح الإنسان قوة للتغلب عليها"(27).
إن الفن فى المجتمع البدائى يرتبط ارتباطا مباشرا بالعمل – من حيث هو عمل – والذى يكون النسيج الكلى للحياة الاجتماعية. فليست الطقوس السحرية جزءا من تنظيم حياة القبيلة فحسب، بل تباشر حتى الحرف الفنية على أساس اجتماعى أيضا، والأمر كما كتب "جوردن تشيلد" : "تقاليد الحرفة المهنية ليست تقاليد فردية بل تقاليد جمعية، وإن خبرة جميع أعضاء الجماعة وحكمتهم يتم بلورتها فى شكل موحد"(28).
إن موضوع الفن هو (الإنسان)، وفهمنا للفن البدائى على أنه مجرد أوانٍ أو أدوات وأسلحة موضوعة على رفّ فى متحف إنما يبعدنا كثيرا عن الحقيقة، وإلا لماذا يحرك الفن المشاعر تحريكا عميقا وهو منفصل عن الإنسان؟
أما فى المجتمع البدائى فقد كان "من المستحيل تحقيق العنصر الإنسانى تحقيقا كاملا فالعالم محوط بالغموض وكان التفكير فى الحيوانات يتم على أساس إنها "إنسية" أكثر من الإنسان كأن يتم التفكير فى الأشجار والنباتات والأرض والشمس والرياح والأمطار والأنهار على أنها أكثر إنسيّة من الإنسان وأنها تجسد الأرواح التى تفوق الواقع الإنسانى، وكان على الخطوات الأولى فى المعرفة أن تكون لها السيطرة الكاملة على مواد الطبيعة الفيزيائية وفرض التشابه الإنسانى على القوى الطبيعية"(29).
ولقد كان على الإنسان أن يخطو خطوة أوسع، وهى الكشف عن التقنية، وعن وسائل جديدة يستطيع أن يفرض بها سيطرته على الطبيعة حتى يصبح عمله أكثر إنسانية. فتطوير العمل تطوير للإنسان: "فالإنسان نتاج العمل، والجمال نتاج للعمل الإنسانى. والحيوان يشكل الأشياء وفقا لمعيار واحتياج النوع الذى ينتمى إليه، بينما يعرف الإنسان كيف ينتج وفقا لمعايير كل نوع؛ ويعرف كيف يطبّق فى أى مكان المعيار الخاص بكل موضوع، ولذا فإن الإنسان يشكل الأشياء تبعا لقوانين الجمال"(30).
ولقد أوضح "سيدنى فنكلشتين" بأن المشكلة هنا هى أن الحس الجمالى فى المجتمع البدائى كان مرتبطا بأصول طقسية واجتماعية، هى بالضرورة شديدة التخلف إذا قورنت بشروط الإنسان المتمدين، ولعل هذا هو سر الغموض فى التذوق للنشازات الصوتية وارتباط الإنسان بالمملكة الحيوانية بعيدا عن أنسنة العالم الطبيعى، وعن المملكة النباتية شديدة الثراء بالموضوع الجميل.
ولعله يتضح إذا كان "دارون" يرى أن الجمال موضوعى فى الطبيعة ومستقل عن الإنسان ووجد قبل أن يوجد، وزاد على ذلك بقوله باستمتاع الحيوانات بالجمال وتذوقها له، فإن الرد الذى وجهه له "بليحانوف" حول التناقض الصارخ الذى وقع فيه "دارون" عندما رأى أن البدائيين يكادون لا يرقون فى تذوقهم للجمال إلى تذوق الحرشفيات، والطيور كذلك فى ربطه الجمال بالواقع الاجتماعى – أى "بليخانوف" – يصبح ناقصا، دون أن يكمله "استاخوف" الذى دفع المسألة إلى أبعد من ذلك مناقضا رأى "بليخانوف" حيث رأى أن نسبة خصائص روحية للبدائى أمر لا جدوى من ورائه "فالبنسبة للإنسان البدائى، الذى بدأ يكتسب الشعور بنفسه وبيئته – أى بالطبيعة - بالكاد لم تكن الطبيعة تبدو له كشىء جميل. وليس لنا أن نتوقع منه ذلك. ولم يكن حب الطبيعة ذا بال فى تلك المرحلة بل ولا الافتتان بجمالها أيضا. وخليق بأولئك الذين يرون فى عدم التعلق بالطبيعة نقصا روحيا فى الإنسان البدائى أن يكرسوا جهودهم أولا إلى العيوب والنقائض التى تدخل مناهجهم المطبقة فى دراساتهم لما قبل التاريخ"(31).
ولعل هذا يفسر أكثر، أو يلقى الضوء، على رأى "بليخانوف" الذى يرى الجمال منسوبا للتطور الاجتماعى ولحالة الإنسان وللقوى الإنتاجية، ويضيف بأن ذلك نتيجة لنسيج معقد من الأفكار تدخل فيها أمور دينية وطقسية، وغيرها. فإن البدائى لم يكن، ويستحيل أن يكون، قد رأى الجمال كما نراه الآن – أى كما يراه الإنسان المتحضر فى أعلى مراحل تطوره – فإن كان يدير ظهر للزهور، فذلك لأنه يرى ما هو أكثر فائدة منها بالنسبة له أو بمعنى أدق، ما يلعب دورا أخطر بالنسبة لحياته الروحية واليومية، فنحن الآن قد ننفر من "المرأة التى تمشى الهوينى كما يمشى الوجى الوحل – التى رآها الأعشى" أجمل النساء – أو من "الكعاب الرداح" لدى "الشريف الرضى"، وننصرف إلى مقاييس جمالية معاكسة ومضادة لها، ولكن ذلك إذا وضع فى شروطه الاجتماعية فإنه يكون مفهوما، فالمرأة الكسولة، المتبطرة عن العمل، البدينة، جميلة لدى الطبقات الغنية التى انفصلت عن ضرورة العمل، والتى ترى فى العمل مهنة من مهن العبيد، ولكنها أى هذه المرأة لن تكون جميلة لدى الطبقات التى تعمل وتكد، وتجد نهايتها فى التبطر والكسل. والمرأة من هذه الطبقات الكادحة تكون جميلة متى كانت عفية قوية تتمتع بالخفة والرشاقة والصحة الجيدة نتيجة للعمل (غير المضنى).
وقد كان فصل "كارل ماركس" : فى مسألة علاقة كل من الإنسان والحيوانات الأخرى بالعمل، وتفرد الإنسان بتشكيل الأشياء، وفقا لقوانين الجمال،إنما يد حض فكرة "دارون" عن تمتع الحيوانات بدرجة راقية من التذوق الجمالى، بل وربط (ماركس) لتطور الحواس بتطور العمل الاجتماعى إنما يؤكد فكرته. وقد أكد "إيفان أستاخوف" "أن الحيوانات ليس فى وسعها إبداع أى مفهومات جمالية، أو أى مفهومات من أى نوع آخر فجميع أنواع المفهومات تتعلق بمقولة المنطق المجرد Category of Abstract Logic يعبر عنها بالكلمات، وباللغة التى يعتبرها "بافلوف" Pavlov حقيقة النظام الإشارى الثانى Second Signal System الذى لا تمتلكه الحيوانات، فالشكل اللغوى للتفكير يمثل انتقال التفكير الحيوانى إلى الشعور الإنسانى Human Awareness"(32).
ولكن رغم هذا كله، لماذا ينشر الطائر الذكر (الطاووس) ريشه أمام أنثاه أو يناديها بصوت جميل (ذكر الحمام) مثلا؟
هل هذه مجرد إشارة غريزية؟ أم أن الطائر يملك حسا جماليا؟
لقد ربط "كارل ماركس"، العمل والفن معا، ذلك "أن الكائن السابق على الإنسان والذى أصبح فيما بعد إنسانًا إنما مكّنه من ذلك أن له عضو خاصا – هو اليد – يستطيع به أن يتناول الأشياء ويمسكها"(33).
وكذلك يقول "جوردون تشيلد" فى كتابه (قصة الأدوات): "إنّ الناس يستطيعون أن يصنعوا الأدوات لأن أقدامهم الأمامية تحولت إلى أيدى، ولأنهم يستطيعون أن يحددوا المسافات بدقة تامة. إذ ينظرون إلى الأشياء بعينين، ولأن لهم جهازا عصبيا مرهفا وعقلا مركبا يمكنهم من التحكم فى مركز اليد والذراع وتوجيه هذه الحركة وتصحيحها، وفقا لما تمليه الرؤية الدقيقة بالعينين، ولكن ليست هناك غريزة موروثة تمكن الناس من صنع الأدوات، واستخدامها، فذلك أمر ينبغى أن يتعلموه بخبرتهم – عن طريق التجربة والخطأ"(34).
وهكذا يتضح أن الفن وثيق الصلة بالحياة الإنسانية، وأن التذوق الجمالى قد تطور بتطور الإنسان وارتقى بارتقائه، وكان ذلك نتيجة للعمل الذى طور الإنسان والذى بدونه ما كان يمكن أن يحدث أى تطور يذكر.
وإذا كان الجمال نتيجة إنسانية، بمعنى أن التذوق الجمالى نتج عن طريق الإنسان وهذا ليس ضد أن الجمال موجود فى انفصال واستقلال عند الإنسان بدرجة ما، وذلك بمعنى أن الفن نتيجة للعمل؛ أى أن إبداع القيم الجمالية كان يتم جنبا إلى جنب مع اكتشاف الإنسان للعمل وتطوره وتطوير العمل للإنسان نفسه، وبالتالى فإن المعايير الجمالية إنما هى معايير إنسانية، لأن الجمال يقع تحت قائمة المفهومات، والتى بدورها تخضع للمنطق والذى هو بالضرورة – إنسانى.
أما كون الحيوان يستمتع بحس جمالى فذلك يعوزه الكثير من البرهان. وأما الصوت الجميل أو نشر الريش، لا يعدو أن يكون نداء غريزيا قريب الشبه بما وصل إليه "بافلوف" فى تجربته عن الكلب والجرس والطعام، بمعنى الارتباط الشرطى.
وهنا نخلص إلى أنه إذا كان الجمال الطبيعى قد وجد قبل الإنسان – وفقا لـ "دارون" فإنه على عكس ما وصل إليه "دارون" انتظر حتى يأتى الإنسان ليحكم بأنه جميل، وبأى درجة.
أو بالأحرى انتظر حتى يتطور الإنسان ويتطور معه الحكم الجمالى، ثم كان الإبداع الجمالى وهذا هو الأهم – بمعنى ما نراه الآن – فنا والذى كان لا بد أن يكون إنسانيا لأنه أولا يرتبط بالعمل وثانيا لأن العمل لابد أن يكون إنسانيا لأن الإنسان هو الكائن الذى يمتلك مخا Brain متطورا، وعقلا قادرا على الإبداع والتأمل.
هوامش
1- فيشر، أرنست: ضرورة الفن، ترجمة أسعد حليم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – القاهرة – 1971- 21.
2- Romanenko, Victor: The Beauty of Nature, Translated by: Bernard Isaace, In (Problems of Modern Aesthetics), Progress Publishers – 1st. --print--ing & Moscow1969, P. 126.
3- بليخانوف، ج: الفن والتصور المادى للتاريخ – ترجمة جورج طرابيشى – دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت – 1977 – ص63.
4- دارون، تشارلز: اصل الإنسان والاصطفاء النوعى، الترجمة الفرنسية، باريس 1881 ص98 عن: بليخانون، ج: المصدر السابق ص36،37.
5- Astakov, Ivan: The Relationship between An Object and Aesthetic Feeling– Translated by: Bragan Been, In (Problems of Progress Publishers), 1st. --print--ing – Moscow – 1969 P. 158.
6- Ibid.: p.p. 158 & 159.
7- Romanenko, Victor: The Beauty of Nature, Op. Cit., p.125.
8- Ibid.: P126.
9- Astakov, Ivan: Op. Cit., p.150.
10- Drawin, Charles: The Descent of Man London, 1875, P. 99 & See,: Astakov, Ivan: Op. Cit., p.159.
11- دارون، تشارلز: اصل الإنسان والاصطفاء النوعى، الترجمة الفرنسية، باريس 1881 ص98 وما بعدها، عن: بليخانوف، ج: الفن والتصوير المادى للتاريخ، مصدر سابق ص65.
12- عن: بليخانوف، ج: المصدر السابق ص65.
13- Astakov, Ivan: Op. Cit., p.159.
14- عن: بليخانوف، ج: المصدر السابق ص65.
15- Astakov, Ivan: Op. Cit., pp. 160, 161.
16- بليخانوف، ج: المصدر السابق ص68.
17- شرنيفورث، ج: "فى قلب إفريقيا 1868 – 1871، رحلات واكتشافات فى المناطق غير الوسطى، باريس 1875، م. ص 147، 148، عن : بليخانوف ج: مصدر سابق ص66.
18- المصدر السابق ، عن: بليخانوف: مصدر سابق - ص66.
19- بيرانجيه، ل.ج.ب.فيرو : أقوام سينيفا مبيا، باريس 1879، ص11، عن بليخانــوف، ج: مصدر سابق- 75.
20- فريزر، ج.: دراسة فى الاثنوغرافيا المقارنة، نقلها عن الإنجليزية أ. ديرو أ. فون غينيب: باريس 1798، ص39 وما يليها. وكذلك ج. شونيفورت، م. ص381، عن: بليخانوف: مصدر سابق – ص81.
21- غروس، أرنست: بداية الفن، فريبورنج ولا يبنزيغ 1894 ص 149، عن: بليخانوف: مصدر سابق – ص82.
22- Astakov, Ivan: Op. Cit., p.175.
23- Ibid: PP. 175 & 176.
24- Ibid: P. 176.
25- ماركس، كارل & انجلز، فردريك : الأدب والفن – نيويورك 1947 ص 16 عن فنكلشتين، سيدنى: الواقعية فى الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، مراجعة يحيى هويدى، الهيئة العامة للكتاب – القاهرة – 1972 – ص18.
26- فنكلشتين، سيدنى: الواقعية فى الفن- المصدر السابق – ص18.
27- المصدر السابق – ص20.
28- المصدر السابق ص28 والنص اقتبسه فنكلشتين من: تشيلد، ج: الإنسان يصنع نفسه – نيويورك 1951 ص81.
29- فنكلشتين، سيدنى: مصدر السابق – ص27.
30- Marx, Karl: Economic and Philosophic Manu-script-s of 1844, Moscow, P. 76. & See,: Astakov, I: Op. Cit., p.178
31- Astakov, I: Op. Cit., p.167.
32- Ibid: P. 160.
33- فيشر، ارنست: ضرورة الفن، مصدر سابق، ص22.
34- المصدر السابق – ص23.
فلقد ارتبط الحس الجمالى بالإنسان وتطور مع تطوره، وكان وثيق الصلة بالعمل، ذلك النشاط الإنسانى المميز، وقد كان "انفصال الإنسان عن العالم الحيوانى وتميزه غير ممكن إلا فى مجتمع، وإننا ندين للعمل الاجتماعى بإحساسنا الجمالى. فالإنسان فى إبداعه الشروط المادية لوجوده، وتطويعه للطبيعة وجعلها إنسانية، وإذ يزيد رحابة أشكال الحياة الاجتماعية ويغيّرها فإنه يصبر نفسه أكثر فأكثر(2).
ولكن من الجدير بالذكر أن "دارون" قد أورد فى كتابه الشهير "أصل الأنواع" مجموعة من الوقائع التى تثبت أن "حس الجمال يلعب دورا لا يخلو من أهمية فى حياة الحيوانات. والحال أنه فى مقدور المرء، إن شاء، أن يستنتج من تلك الوقائع أن أصل حس الجمال يجب أن يفسر بالبيولوجيا. وأن ربط تطور هذا الحس لدى الكائنات البشرية باقتصاد المجتمعات التى يعيشون فى كنفها، وبهذا الاقتصاد وحده، أمر غير مقبول، وينم عن قدر من ضيق التفكير"(3).
فقد رأى "دارون" أن الجمال ليس حسًّا أو شعورا قاصرا على الجنس البشرى، وإنما يبدأ مع الحيوانات الدنيا. "ودارون" فى هذا يرتكز على مادية بيولوجية ولعل ما يجعل نظريته الجمالية ذات أهمية، هو ذلك التأثير الواسع والمطرد لنظريته فى البيولوجيا والتى كانت ثورة قلبت عالم البيولوجيا رأسا على عقب ووسمت العلم الحديث بميسمها سواء كان علما طبيعيا أو إنسانيا. فقد حاولت معظم العلوم بعد ظهور نظرية "دارون Darwin" أن تتكامل معها، وأن تتسق مع منطقها، وأن تستعير منهجها، وفى أسوا الظروف كانت رد فعل ضدها خاصة لدى اللاهوتين ومفكرى المثالية.
يكتب "دارون" فى أصل الأنواع:
"حس الجمال، يقال أن هذا الحس خاص بالإنسان.. ولكن حين نرى طيرا ذكرا ينشر بزهو ريشه البهيج وألوانه الأخاذة أمام الأنثى، بينما لا تقوم الطيور الأخرى، الأقل حظًّا منه، بأى عرض من ذلك القبيل، يتعذر علينا ألا نقر بأن الإناث تعجب بجمال الذكور. وأن النساء فى جميع البلدان يتجملن بذلك الريش، فلا مجال للمماراة إذن فى جمال تلك الزينة. إن العصافير التى تعرف باسم (الضريسى) وبعض العصافير الأخرى تصف بقدر كبير من الذوق أشياء براقة لتزين بها أعشاشها وأماكن اجتماعها وفى هذا برهان مؤكد على أنها تشعر، ولا بد بقدر من المتعة فى تأمل تلك الأشياء، وكذلك الحال فيما يتعلق بتغريد الطيور. فالألحان العذبة التى يصدح بها كثير من ذكور العصافير خلال فصل الحب تحظى بكل تأكيد بإعجاب الإناث. ولو كانت الإناث عاجزة عن تقدير الألوان الرائعة والزينات وأصوات الذكور، لكان ذهب هباء الغناء وكل الاهتمام اللذين يتحمل مشقتها الذكور لعرض مفاتنهم أمام الإناث، وهذا ما لا يمكن التسليم به. وأنه ليعسر علينا، كما أظن، أن نفسر البهجة التى تدخلها بعض الألوان وبعض الأصوات المتناغمة بقدر ما يعسر علينا تفسير المتعة التى توفرها لنا بعض الأطعمة والروائح… ومهما يكن من أمر … فمن المؤكد أن الإنسان وكثيرا من الحيوانات تهوى الألوان نفسها، والأشكال البهيجة نفسها والأصوات نفسها"(4) بل وقد أضاف دارون "بأن الشعور الجمالى Aesthetic Feeling ليس قاصرا على الإنسان والحيوانات الدنيا معا. فالحرشفيات – Chlamydosauria لديها القدرة على تذوق الجمال، وإناث الطيور تستحسن الألوان الزاهية والأصوات الجميلة والصافية لدى ذكورها"(5).
وهكذا فإن دارون يرى أن الحرشفيات والحيوانات بمختلف أنواعها تحس بالجمال وتتذوقه كالإنسان تماما، بل ويغلب على مشاربها الاتفاق مع المشارب البشرية، فالطائر أو أى حيوان يتمتع بذوق جمالى رائع وإلا ما كان مبررا أن ينشر الطاووس ريشه ومفاتنه أمام أنثاه، وإلا كان ذهب مع الريح – على حد قول "تشارلز دارون" – ذلك الغناء الطروب، بل وفوق ذلك فإن الجمال لم يخلق لكى يشبع مشاعر الإنسان الجمالية ورغباته، ولم تكن له صلة البتة بالإنسان، ذلك أن كثيرا من الموضوعات الجمالية قد ظهرت قبل الإنسان بوقت طويل وفقا لنظرية التطور.
"فالطبيعة لم تبدع الزهور لكى تهب الإنسان منظرا بديعا ولكن لكى تثير انتباه الحشرات التى تعمل على تكاثرها (أى الزهور). وبكلمات أخرى فقد ظهرت الزهور على الأرض مبكرة عن ظهور العيون الإنسانية والطبيعة لم تنتج المحارات الجميلة، وشجرة الميلاد، والتوت البرى، وغيرها من أجل الإنسان، فهى كأى شئ حى كل ما يهمها فوق كل اعتبار هو توالدها الذاتى Self Reproduction (6).
إن "داروين" الذى أكد على استقلال الجمال عن الإنسان، بل على سبق الموضوع الجمالى عليه إنما يرد على الجمال المثالى الذى يحاول البرهنة على تخلق الجمال الذاتى فى الإنسان إذ يعتبر الجميل "تجلٍّ محض لماهية الإنسان الروحية Man’s Spiritual Essence"(7).
ولكن إذا كان الإنسان لا يستطيع إنكار ميله نحو جمال الطبيعة فهل يمكن أن يكون الجمال موضوعيا أيضا، أى فى استقلال تام عنه؟
يكتب "فيكتور رومانينكو Victor Romaneniko":
"لابد أن تكون تلك الصفات والخصائص والسمات الخاصة، وقيم الحياة المعاصرة التى ندعوها قيمًا جمالية Aesthetic Values وجدت قبل الإنسان وفى استقلال تام عنه وقبل أن يتعلم الإنسان كيفية استيعابها، ويضع مقياسا خاصا بها ويسميها، ويعيد إنتاجها بوعى وقصد من أجل هدف اجتماعى محدد"(8).
إن ما يود أن يؤكد عليه "رومانينكو" هو الموضوعية المطلقة للقيم الجمالية، وكون الجمال لا علاقة له بالذات الإنسانية، وإن هذا يأتى متسقًا مع نسق "دارون" التطورى الذى يرى أن النباتات وجدت قبل الحيوانات، وبالتالى قبل الإنسان – أعلى الحيوانات – بأزمنة سحيقة. ولذا فما هو المبرر الذى على أساسه نقول بأن الجمال إنسانى، إذا كانت الأشياء الجميلة قد وجدت قبل الإنسان بأزمنة بعيدة؟
تُرى هل على يكون "دارون" ورومانينكو" قد أصابا لب الحقيقة بهذا، أم أن الجمال وثيق الصلة بالإنسان، وبعيد كل البعد عن عالم الحيوانات الدنيا؟!
يقول "إيفان استاخوف Ivan Astakhov": إن "دارون" لم يكن يعى الحقيقة التى ترى أنه إلى جانب قوانين الطبيعة توجد قوانين تاريخية اجتماعية Socio Historical Laws وإلى جانب المشاعر الحيوانية توجد مشاعر إنسانية صرفة(9).
بل ويؤكد بأن "دارون" لم يكن يسوق عبارته عن تذوق الحيوانات للجمال عرضا وإنما أكد ذلك عندما قال أيضا: "وعلى نفس المنوال بأن لدى الحيوانات المختلفة إحساس ما بالجمال، رغم أن إعجابها ينصب على موضوعات متباينة"(10).
وهكذا بينما يدافع "رمانينكو" عن رأى "دارون" نجد أن "إيفان استاخوف" ينْبرى للرد عليه، والذى لا نظن أنه إلا مردد لآراء "بليخانوف" الذى بدأ بالرد على وجهة نظر "دارون" فى محاولته لتأسيس "علم جمال علمى" على حد تعبيره.
فإذا كانت البيولوجيا لا تفسر لنا رؤيتنا الجمالية – على حد قول "بليخانوف" – فإنها لأشد عجزا عن أن تفسر لنا تطورها التاريخى، وإن كان هذا يعارض رأى "دارون" الذى يكتب"ليس حس الجمال فيما يختص بالجمال لدى المرأة عند العروق المختلفة، ويتماثل حتى عند الأمم المنحدرة من عرق واحد، وإذا بنينا حكمنا بالاستناد إلى بشاعة الزينة التى تعجب بها أكثر المتوحشين، والموسيقى التى لا تقل عنها فظاظة، فقد يجوز لنا أن نستنتج أن الملكات الجمالية لدى المتوحشين لم تبلغ درجة التطور لدى بعض الحيوانات كالطيور مثلا"(11).
ويستشهد للرد على "دارون" بجزء من نفس الفقرة أيضا "إيفان استاخوف" ويضيف "بليخانوف" باقتباسه لنص من الطبعة الإنجليزية الأولى (لأصل الأنواع): "بيد أن تلك الأحاسيس، أى الجمالية، ترتبط عند الإنسان المتمدين ارتباطا وثيقا بأفكار معقدة ومجموعة من الخواطر". ويعلق "بليخانوف" على ذلك بقوله: إنها تردّنا من علم الحياة إلى علم الاجتماع، كما أنه إذا كان الذوق الجمالى لدى الأمم المنحدرة من عرق واحد – كما يرى "دارون" متباينا، فمن الواضح أن البحث عن أساس بيولوجى له يعتبر دون جدوى(12).
ويقول "استاخوف" : مؤكدا نفس الرأى : وما ينبغى أن نلاحظه هو أن هذا الرأى لا يمكن أن يكون صائبا ومتسقا مع مبادىء المنهج العلمى التاريخى، أو مع نظرية التطور التى أنجزها دارون نفسه"(13).
فمما لا شك فيه أنه وفقا لنظرية "دارون" فى التطور يجب أن يكون حس الإنسان البدائى Primitive Man الجمالى أرقى من حس أى من الحيوانات، فإذا كانت موسيقى الإنسان البدائى بشعة تثير النفور. فهذا لا يعنى أن إحساسات البدائيين – على حد قول إيفان استاخوف- أقل تطورا من الحيوانات الدنيا، وإنما ذلك يعنى أن هذه الاحساسات لم تقطع شوطا بعيدا فى التطور لدى البدائيين، فى حين تفتقر إليه الحيوانات كل الافتقار.
ويقدم "بليخانوف" مثالا، من أجل توضيح هذه الفكرة، فيكتب:
"من المعلوم أن جلود الحيوانات ومخالبها، وأنيابها تلعب دورا بالغ الأهمية فى حلىّ الشعوب البدائية. فكيف نفسر ذلك؟
أبتركيب خطوط تلك الأشياء وألوانها؟
كلا إن القضية هنا غير ذلك تماما، فحين يتحلّى المتوحش بجلد نمر ومخالبه وأسنانه، أو بجلد ثور برى ماهر وقرونه، فإنه يرى فى هذه الحلى آية مهارته الخاصة وقوّته الذاتية. فماهر من تغلب على خصم ماهر، وقوى من يجندل خصما شديد البأس. ولربما خالطت ذلك بعض الخرافات والمعتقدات الباطلة.
يقول "سكولكرافت": "إن قبائل الهنود الحمر التى تعيش فى غرب أمريكا الشمالية تثمن أكثر ما تثمن من الحلى المصنوعة من مخالب الدب الأشهب، وهو أضرى الوحوش فى غرب أمريكا الشمالية التى يتصارع وإياها ويؤمن المحارب الهندى الأحمر أن شراسة الدب الأشهب وضرواته تنتقلان إلى من يتحلى بمخالبه، وهكذا يستخدم الدب الأشهب كما يلاحظ "سكولكرافت" حلية وتعويذة فى آن معا"(14).
والأمر الذى له دلالته هو أن "دارون" نفسه لم يعتبر تفسيره لطبيعة الإحساس الجمالى تفسيرا مقنعا، أو تفسيرا مانعا جامعا، فهو يقدم الملاحظة الآتية، فى كتابه أصل الأنواع The Origin of Species.
"إن الكيفية التى وجد عليها الإحساس الجمالى فى صورة بسيطة. تلك التى تعنى تقديم نوع من البهجة عبر ألوان معينة، وأشكال أو أصوات قد تطورت بداية فى عقل الإنسان والحيوانات الدنيا هى موضوع شديد الالتباس"(15).
إن هذا يوضح إلى أى مدى يمكن أن نمضى مع "دارون" فى تصوره – خاصة إذا كان تصورا نظريا صرفا – وإن كان "دارون" قد أخطأ هنا فإن "بليخانوف" يرى أنه لا تعارض بين (الدارونية) فى العلوم البيولوجية وبين المادية التاريخية فى العلوم الاجتماعية بل إنهما متكاملتان، فقط يختلفان فى المجال، إذ يكتب:
"لا يمكن لأعمالنا أن تقوم مقام ما أنجزه "الدراونيون" لنا، كما أنه لا يمكن لأروع اكتشافات الدارونية أن تقوم مقام أعمالنا، فأقصى ما تستطيعه هو أن تمهد السبيل لنا مثلما تمهد الفيزياء السبيل للكيمياء دون أن تقلل أعمال الفيزيائيين من أعمال الكيمائيين"(16).
إن "تشارلز دارون" يقدم نظرية فى الجمال ترتكز على البيولوجيا مؤكدة على أمرين هما جدّ مترابطين، فموضوعية الجمال، أى استقلاله عن الإنسان، استقلالا يصل إلى حد أن جمال الطبيعة الموجودة قبل الإنسان وفقا لنظرية التطور، أمر جد مقبول، فالزهور والطيور والحيوانات الجميلة الصوت أو الصورة إنما وجدت قبل مجىء الجنس البشرى إلى الحياة بأزمنة بعيدة، أما الأمر الثانى، وهو المعضلة التى حاول "استاخوف" وكذلك "بليخانوف" حلّها وهى أن الحيوانات تتذوق الجمال.
وإذا كان "دارون" قد وضع نظريته على أسس بيولوجية فإن الردّ عليها من قبل هذين المفكرين يكون على أسس اجتماعية الجمال وبالتالى إنسانيته. إن الزهور، وجمال الطبيعة وفقا للدارونية – والتى لا ينكرها "بليخانوف" نفسه وإنما يجعل مجالها مختلفا عن مجاله – قد وجدت قبل الإنسان، ما فى ذلك من شك. ولكن الرؤيا الجمالية والحس الجمالى، هل يحكمهما الوجود الإنسانى؟ هل هو الذى يشرطهما، أم أنهما مطلقان منه يحلقان بعيدا عنه؟
إنها معضلة أخرى يطرحها "دارون" والمعارضون لأفكاره، وقد كانت تناقضات "دارون" ذاته وما يمكن أن يقدمه "بليخانوف" من أفكار وردود تمثل جانبا أساسيا من الردود على "دارون" فى ذلك، أى نظريته البيولوجية.
إن الحس الجمالى مقعد ولا يمكن الوصول إلى تفسير له بسهولة، فإذا كانت الأسس التى تقوم عليها نظرية "دارون" بيولوجية بحتة – فلماذا يختلف الحس الجمالى لدى الأمم المنحدرة من عرق واحد؟
لابد إذنْ من وجود سبب آخر، ولعله يكون سببا إنسانيا واجتماعيا بحكم أن الإنسان كائن اجتماعى.
كذلك يكتب "بليحانوف" : "لدى قبيلة "باثوكا" فى "الزامبير" الأعلى يعتبر الرجل الذى لم تخلع قواطع فكه الأعلى قبيحا.
فما منشأ هذا التصور عن الجمال؟
لقد تكوّن هو أيضا نتيجة لترابط أفكار معقدة، ويجد تفسيره فى رغبة "الباثوكا" فى محاكاة الحيوانات المجترة. قد يبدو لنا ذلك عسير الفهم، لكن دهشتنا ستقلّ حين نعلم أن تلك القبيلة تقوم بتربية الأبقار والثيران، وأن هذه الحيوانات (مؤلهة) تقريبا فى تلك البلاد والجميل فى هذه الحالة أيضا هو الثمين، والمدركات الجمالية تتولد عن نسق مغاير من الأفكار"(17).
إن الجمال ينشأ عن بناء معقد، فالحياة الاجتماعية مرتبطة بطقوس دينية، وعادات، وتقاليد معقدة وهى التى تقرر ما هو جميل، وأن هذا هو الذى يدفع النساء فى عديد من الشعوب الإفريقية إلى الدأب من أجل زيادة عدد الحلقات الحديدية فى الأيدى والأرجل ولا ريب فى أن ذلك مرهق جدا – على حد قول "بليخانوف" – ولكن ما السبب؟ أن الحديد لدى هذه القبائل أثمن المعادن ولذلك فإن زيادة عدد الحلقات يوحى بزيادة الثراء.وإذن "فالواضح أن المسألة هنا ليست جمال الحلقات بل مسألة فكرة الثراء المقترنة بها"(18). بل وأكثر من ذلك، فنحن نجد أن الزنجيات الثريات" تنْتعلن أخفافًا تقضى الزيادة فى التظرف والخيلاء ولا تتسع للقدم كلها مما يجعل السير وئيدا وعسيرا، والسير يكون أشد إغراء فى نظر هن بقدر ما يكون كسولا متعثرا"(19).
إن هذا يفسر لنا سلوك الزنجيات الفقيرات اللواتى يعملن، فهن لا ينتعلن ذلك النوع من الأحذية، وإن سيرهن عادى طبيعى، ولا يتأتى لهن أن يسيرن سير الثريات المدللات فالثَّريات المدللات وقتهن بلا ثمن نظرا لا نعتاقهن من ضرورة العمل. فالجمال هنا وثيق الصلة بالطبقة الاجتماعية، كما فيؤكد، "بليخانوف". وقد أورد عددا وفيرا من الأمثلة التى تؤيد فرضيته هذه. فهو يرى أنه إذا كان الإنسان المتمدين المدرك لكونه مخلوقا أعلى ينفر من مقارنته بالحيوانات الأدنى، إلا أن تلك المقارنة يدأب عليها ويغالى فيها الإنسان البدائى، وإذ توجد شعوب تضفر شعرها على نحو يجعله أشبه بالقرون، وذلك لأن هذا النزوع إلى التشبه ومحاكاة الحيوانات وثيق الصلة بالمعتقدات الدينية، فإننا "لن نفهم هؤلاء الناس إلا حين نعزم على النظر إليهم على أنهم نتاج حياة القنص. فالشطر الأعظم من تجربتهم يرتبط بعالم الحيوان، وعلى هذه التجربة يقوم تصورهم عن العالم وهذا ما يفسر لماذا يقتبسون نماذجهم الجمالية، برتابة عنيدة. من العالم الحيوانى. ويمكن القول أن فنهم الغنى إلى حد متوحش، يقوم بتمامه على حياة القنص"(20).
يقول "إرنست غروس" : "إن النماذج التريينية، التى تقتبسها القبائل القانصة من الطبيعة تؤخذ من الأشكال الحيوانية أو الإنسانية وحدها دون سواها.إنها إذن الأشكال التى لها عندها أكبر قدر من الفائدة العملية. ويترك القناص بالقبائل البدائية للنساء أمر قطف النباتات على اعتبار أن هذه المهمة من نوع أدنى، ولا يوليها أى اهتمام، مع أنها ضرورية هى الأخرى لحياته وهذا ما يفسر لنا لماذا لا نلقى فى فنه التزيينى أدنى أثر من نماذج مقتبسة من مملكة النباتات، بينما تكثر هذه النماذج فى الفن الزخرفى للشعوب المتمدينة، وحين تحل نماذج مقتبسة من مملكة النباتات محل الزخارف المأخوذة عن مملكة الحيوانات، ينبغى أن نرى فى ذلك إشارة إلى حدوث أعظم تقدم فى تاريخ الحضارة، نعنى أن القنص قد أخْلى الساح للزراعة"(21).
إنّ الفن بهذه الطريقة يعكس أهم المؤثرات فى الحياة الاجتماعية، ويعكس بالضرورة وفقا لذلك حالة القوة الإنتاجية، ففن المجتمع البدائى المعتمد على القنص يقوم على أساس هذا الشرط من التطور البشرى، كما يرى "غروس"، ولم يكن ممكنا أن يعبر الجسر إلى المملكة النباتية دون أن يتخلى عن أصله القديم (القنص) لصالح الزراعة. وأن هذا يعبر بأعلى صوره عن علاقة وثيقة بين الفن والحياة الاجتماعية، وبالتالى يرد ضمنا على النظرية البيولوجية.
لقد توصلنا، وفقا لاستنتجات "بليخانوف" وأمثلته الكثيرة التى اقتبسنا بعضا منها إلى أن الفن فى المجتمعات الإنسانية، لا يعتمد على العرق الذى ينحدر منه الشعب الذى يمارس التذوق الجمالى أو الفن. بل يعتمد بالضرورة على حالة القوى الإنتاجية وبالتالى على الأوضاع الاجتماعية. وأن البيولوجيا تخلى السبيل إلى علم الاجتماع. لكى يبدأ بدراسة الفن فى صلته بالحياة الاجتماعية بل ولقد أكد "كارل ماركس". وفرديك انجلز على أن العمل هو مفتاح التاريخ البشرى فالناس إنما يشكلون تحت تأثير العمل وهم النتاج الذاتى لهذا العمل، ويرى "ماركس" "أن إثراء الشعور الإنسانى والقدرات المختلفة الوثيقة الصلة به قد تطورت تحت أشكال العمل المتباينة"(22).
وقد تكونت أعضاء الحس فى الإنسان، وكذلك المشاعر الإنسانية نتيجة لتطور العمل، فلكل الحيوانات عيون "ولكن الإنسان فحسب يمكن أن يحس الجمال بموضوع ما. وجميع الحيوانات لديها أعضاء سمعية، ولكن الإنسان فحسب هو الذى لديه الأذن الموسيقية. فتكون أعضاء الحس الخارجية إنما هو نتيجة لكل التاريخ العضوى للعالم، بينما تكون المشاعر الروحية هو نتاج لتاريخ العمل"(23).
فالإنسان المعاصر يبدو كأعلى مرحلة من مراحل التطور البشرى، وهو بذلك يكون حاصلا على ما لم يحصل عليه أسلافه، فهو يتغنى بالشعر والموسيقى، ويعرف الرقص والتصوير والسينما وغيرها من الفنون.
وقد أوضح "استاخوف" لماذا يدهش بعض الباحثين – على سبيل المثال "ريناش" و "بليخانوف" لأنه لا يوجد فى الإنسان البدائى ما يجعله يعبر عن حب للطبيعة، قائلا : "إن البحث عن حب الطبيعة فى العالم الروحى لدى الإنسان البدائى Primitive Man لا جدوى منه، بسبب بسيط هو أن الشعور لم يكن قد ظهر بعد. وهؤلاء الذين يواصلون البحث أناس يرفضون الإقلاع عن مفهوم مختلف، وهو المفهوم الذى يرى فى الإنسان البدائى إنسانا له وجود بكامل التطور الروحى للإنسان الآن"(24).
وقد أوضح "ماركس" وانجلز فى الأدب والفن" أن تشكيل الحواس الخمس هو من عمل التاريخ كلّه للعالم حتى الآن"(25).
"فليست الحواس مجرد ثقوب فى الجسم من خلالها تصب الاحساسات، فهى أولا وقبل فكل شىء أفعال للطبيعة تقع على الجسم، وهى أيضا أوجه نشاط للجسم نفسه تشتمل على تآزر العينين والأذنين والجلد واليدين واللمس، واستخدام الأشياء لتغييرها "وهذا ما رآه" سيدنى فنكلشتين"(26) بعد أن قرر أن للفن البدائى (شكلين): شكل خاص بالنفع والشكل الآخر للفن هو شكل الطقوس القائمة على العقائد السحرية، وقد ظهر هذا الشكل أيضا فى العصر الحجرى القديم للسيطرة على قوة الطبيعة. وهى محاولة قامت على أساس الاعتقاد بأن محاكاة هذه القوى إنما تمنح الإنسان قوة للتغلب عليها"(27).
إن الفن فى المجتمع البدائى يرتبط ارتباطا مباشرا بالعمل – من حيث هو عمل – والذى يكون النسيج الكلى للحياة الاجتماعية. فليست الطقوس السحرية جزءا من تنظيم حياة القبيلة فحسب، بل تباشر حتى الحرف الفنية على أساس اجتماعى أيضا، والأمر كما كتب "جوردن تشيلد" : "تقاليد الحرفة المهنية ليست تقاليد فردية بل تقاليد جمعية، وإن خبرة جميع أعضاء الجماعة وحكمتهم يتم بلورتها فى شكل موحد"(28).
إن موضوع الفن هو (الإنسان)، وفهمنا للفن البدائى على أنه مجرد أوانٍ أو أدوات وأسلحة موضوعة على رفّ فى متحف إنما يبعدنا كثيرا عن الحقيقة، وإلا لماذا يحرك الفن المشاعر تحريكا عميقا وهو منفصل عن الإنسان؟
أما فى المجتمع البدائى فقد كان "من المستحيل تحقيق العنصر الإنسانى تحقيقا كاملا فالعالم محوط بالغموض وكان التفكير فى الحيوانات يتم على أساس إنها "إنسية" أكثر من الإنسان كأن يتم التفكير فى الأشجار والنباتات والأرض والشمس والرياح والأمطار والأنهار على أنها أكثر إنسيّة من الإنسان وأنها تجسد الأرواح التى تفوق الواقع الإنسانى، وكان على الخطوات الأولى فى المعرفة أن تكون لها السيطرة الكاملة على مواد الطبيعة الفيزيائية وفرض التشابه الإنسانى على القوى الطبيعية"(29).
ولقد كان على الإنسان أن يخطو خطوة أوسع، وهى الكشف عن التقنية، وعن وسائل جديدة يستطيع أن يفرض بها سيطرته على الطبيعة حتى يصبح عمله أكثر إنسانية. فتطوير العمل تطوير للإنسان: "فالإنسان نتاج العمل، والجمال نتاج للعمل الإنسانى. والحيوان يشكل الأشياء وفقا لمعيار واحتياج النوع الذى ينتمى إليه، بينما يعرف الإنسان كيف ينتج وفقا لمعايير كل نوع؛ ويعرف كيف يطبّق فى أى مكان المعيار الخاص بكل موضوع، ولذا فإن الإنسان يشكل الأشياء تبعا لقوانين الجمال"(30).
ولقد أوضح "سيدنى فنكلشتين" بأن المشكلة هنا هى أن الحس الجمالى فى المجتمع البدائى كان مرتبطا بأصول طقسية واجتماعية، هى بالضرورة شديدة التخلف إذا قورنت بشروط الإنسان المتمدين، ولعل هذا هو سر الغموض فى التذوق للنشازات الصوتية وارتباط الإنسان بالمملكة الحيوانية بعيدا عن أنسنة العالم الطبيعى، وعن المملكة النباتية شديدة الثراء بالموضوع الجميل.
ولعله يتضح إذا كان "دارون" يرى أن الجمال موضوعى فى الطبيعة ومستقل عن الإنسان ووجد قبل أن يوجد، وزاد على ذلك بقوله باستمتاع الحيوانات بالجمال وتذوقها له، فإن الرد الذى وجهه له "بليحانوف" حول التناقض الصارخ الذى وقع فيه "دارون" عندما رأى أن البدائيين يكادون لا يرقون فى تذوقهم للجمال إلى تذوق الحرشفيات، والطيور كذلك فى ربطه الجمال بالواقع الاجتماعى – أى "بليخانوف" – يصبح ناقصا، دون أن يكمله "استاخوف" الذى دفع المسألة إلى أبعد من ذلك مناقضا رأى "بليخانوف" حيث رأى أن نسبة خصائص روحية للبدائى أمر لا جدوى من ورائه "فالبنسبة للإنسان البدائى، الذى بدأ يكتسب الشعور بنفسه وبيئته – أى بالطبيعة - بالكاد لم تكن الطبيعة تبدو له كشىء جميل. وليس لنا أن نتوقع منه ذلك. ولم يكن حب الطبيعة ذا بال فى تلك المرحلة بل ولا الافتتان بجمالها أيضا. وخليق بأولئك الذين يرون فى عدم التعلق بالطبيعة نقصا روحيا فى الإنسان البدائى أن يكرسوا جهودهم أولا إلى العيوب والنقائض التى تدخل مناهجهم المطبقة فى دراساتهم لما قبل التاريخ"(31).
ولعل هذا يفسر أكثر، أو يلقى الضوء، على رأى "بليخانوف" الذى يرى الجمال منسوبا للتطور الاجتماعى ولحالة الإنسان وللقوى الإنتاجية، ويضيف بأن ذلك نتيجة لنسيج معقد من الأفكار تدخل فيها أمور دينية وطقسية، وغيرها. فإن البدائى لم يكن، ويستحيل أن يكون، قد رأى الجمال كما نراه الآن – أى كما يراه الإنسان المتحضر فى أعلى مراحل تطوره – فإن كان يدير ظهر للزهور، فذلك لأنه يرى ما هو أكثر فائدة منها بالنسبة له أو بمعنى أدق، ما يلعب دورا أخطر بالنسبة لحياته الروحية واليومية، فنحن الآن قد ننفر من "المرأة التى تمشى الهوينى كما يمشى الوجى الوحل – التى رآها الأعشى" أجمل النساء – أو من "الكعاب الرداح" لدى "الشريف الرضى"، وننصرف إلى مقاييس جمالية معاكسة ومضادة لها، ولكن ذلك إذا وضع فى شروطه الاجتماعية فإنه يكون مفهوما، فالمرأة الكسولة، المتبطرة عن العمل، البدينة، جميلة لدى الطبقات الغنية التى انفصلت عن ضرورة العمل، والتى ترى فى العمل مهنة من مهن العبيد، ولكنها أى هذه المرأة لن تكون جميلة لدى الطبقات التى تعمل وتكد، وتجد نهايتها فى التبطر والكسل. والمرأة من هذه الطبقات الكادحة تكون جميلة متى كانت عفية قوية تتمتع بالخفة والرشاقة والصحة الجيدة نتيجة للعمل (غير المضنى).
وقد كان فصل "كارل ماركس" : فى مسألة علاقة كل من الإنسان والحيوانات الأخرى بالعمل، وتفرد الإنسان بتشكيل الأشياء، وفقا لقوانين الجمال،إنما يد حض فكرة "دارون" عن تمتع الحيوانات بدرجة راقية من التذوق الجمالى، بل وربط (ماركس) لتطور الحواس بتطور العمل الاجتماعى إنما يؤكد فكرته. وقد أكد "إيفان أستاخوف" "أن الحيوانات ليس فى وسعها إبداع أى مفهومات جمالية، أو أى مفهومات من أى نوع آخر فجميع أنواع المفهومات تتعلق بمقولة المنطق المجرد Category of Abstract Logic يعبر عنها بالكلمات، وباللغة التى يعتبرها "بافلوف" Pavlov حقيقة النظام الإشارى الثانى Second Signal System الذى لا تمتلكه الحيوانات، فالشكل اللغوى للتفكير يمثل انتقال التفكير الحيوانى إلى الشعور الإنسانى Human Awareness"(32).
ولكن رغم هذا كله، لماذا ينشر الطائر الذكر (الطاووس) ريشه أمام أنثاه أو يناديها بصوت جميل (ذكر الحمام) مثلا؟
هل هذه مجرد إشارة غريزية؟ أم أن الطائر يملك حسا جماليا؟
لقد ربط "كارل ماركس"، العمل والفن معا، ذلك "أن الكائن السابق على الإنسان والذى أصبح فيما بعد إنسانًا إنما مكّنه من ذلك أن له عضو خاصا – هو اليد – يستطيع به أن يتناول الأشياء ويمسكها"(33).
وكذلك يقول "جوردون تشيلد" فى كتابه (قصة الأدوات): "إنّ الناس يستطيعون أن يصنعوا الأدوات لأن أقدامهم الأمامية تحولت إلى أيدى، ولأنهم يستطيعون أن يحددوا المسافات بدقة تامة. إذ ينظرون إلى الأشياء بعينين، ولأن لهم جهازا عصبيا مرهفا وعقلا مركبا يمكنهم من التحكم فى مركز اليد والذراع وتوجيه هذه الحركة وتصحيحها، وفقا لما تمليه الرؤية الدقيقة بالعينين، ولكن ليست هناك غريزة موروثة تمكن الناس من صنع الأدوات، واستخدامها، فذلك أمر ينبغى أن يتعلموه بخبرتهم – عن طريق التجربة والخطأ"(34).
وهكذا يتضح أن الفن وثيق الصلة بالحياة الإنسانية، وأن التذوق الجمالى قد تطور بتطور الإنسان وارتقى بارتقائه، وكان ذلك نتيجة للعمل الذى طور الإنسان والذى بدونه ما كان يمكن أن يحدث أى تطور يذكر.
وإذا كان الجمال نتيجة إنسانية، بمعنى أن التذوق الجمالى نتج عن طريق الإنسان وهذا ليس ضد أن الجمال موجود فى انفصال واستقلال عند الإنسان بدرجة ما، وذلك بمعنى أن الفن نتيجة للعمل؛ أى أن إبداع القيم الجمالية كان يتم جنبا إلى جنب مع اكتشاف الإنسان للعمل وتطوره وتطوير العمل للإنسان نفسه، وبالتالى فإن المعايير الجمالية إنما هى معايير إنسانية، لأن الجمال يقع تحت قائمة المفهومات، والتى بدورها تخضع للمنطق والذى هو بالضرورة – إنسانى.
أما كون الحيوان يستمتع بحس جمالى فذلك يعوزه الكثير من البرهان. وأما الصوت الجميل أو نشر الريش، لا يعدو أن يكون نداء غريزيا قريب الشبه بما وصل إليه "بافلوف" فى تجربته عن الكلب والجرس والطعام، بمعنى الارتباط الشرطى.
وهنا نخلص إلى أنه إذا كان الجمال الطبيعى قد وجد قبل الإنسان – وفقا لـ "دارون" فإنه على عكس ما وصل إليه "دارون" انتظر حتى يأتى الإنسان ليحكم بأنه جميل، وبأى درجة.
أو بالأحرى انتظر حتى يتطور الإنسان ويتطور معه الحكم الجمالى، ثم كان الإبداع الجمالى وهذا هو الأهم – بمعنى ما نراه الآن – فنا والذى كان لا بد أن يكون إنسانيا لأنه أولا يرتبط بالعمل وثانيا لأن العمل لابد أن يكون إنسانيا لأن الإنسان هو الكائن الذى يمتلك مخا Brain متطورا، وعقلا قادرا على الإبداع والتأمل.
هوامش
1- فيشر، أرنست: ضرورة الفن، ترجمة أسعد حليم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – القاهرة – 1971- 21.
2- Romanenko, Victor: The Beauty of Nature, Translated by: Bernard Isaace, In (Problems of Modern Aesthetics), Progress Publishers – 1st. --print--ing & Moscow1969, P. 126.
3- بليخانوف، ج: الفن والتصور المادى للتاريخ – ترجمة جورج طرابيشى – دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت – 1977 – ص63.
4- دارون، تشارلز: اصل الإنسان والاصطفاء النوعى، الترجمة الفرنسية، باريس 1881 ص98 عن: بليخانون، ج: المصدر السابق ص36،37.
5- Astakov, Ivan: The Relationship between An Object and Aesthetic Feeling– Translated by: Bragan Been, In (Problems of Progress Publishers), 1st. --print--ing – Moscow – 1969 P. 158.
6- Ibid.: p.p. 158 & 159.
7- Romanenko, Victor: The Beauty of Nature, Op. Cit., p.125.
8- Ibid.: P126.
9- Astakov, Ivan: Op. Cit., p.150.
10- Drawin, Charles: The Descent of Man London, 1875, P. 99 & See,: Astakov, Ivan: Op. Cit., p.159.
11- دارون، تشارلز: اصل الإنسان والاصطفاء النوعى، الترجمة الفرنسية، باريس 1881 ص98 وما بعدها، عن: بليخانوف، ج: الفن والتصوير المادى للتاريخ، مصدر سابق ص65.
12- عن: بليخانوف، ج: المصدر السابق ص65.
13- Astakov, Ivan: Op. Cit., p.159.
14- عن: بليخانوف، ج: المصدر السابق ص65.
15- Astakov, Ivan: Op. Cit., pp. 160, 161.
16- بليخانوف، ج: المصدر السابق ص68.
17- شرنيفورث، ج: "فى قلب إفريقيا 1868 – 1871، رحلات واكتشافات فى المناطق غير الوسطى، باريس 1875، م. ص 147، 148، عن : بليخانوف ج: مصدر سابق ص66.
18- المصدر السابق ، عن: بليخانوف: مصدر سابق - ص66.
19- بيرانجيه، ل.ج.ب.فيرو : أقوام سينيفا مبيا، باريس 1879، ص11، عن بليخانــوف، ج: مصدر سابق- 75.
20- فريزر، ج.: دراسة فى الاثنوغرافيا المقارنة، نقلها عن الإنجليزية أ. ديرو أ. فون غينيب: باريس 1798، ص39 وما يليها. وكذلك ج. شونيفورت، م. ص381، عن: بليخانوف: مصدر سابق – ص81.
21- غروس، أرنست: بداية الفن، فريبورنج ولا يبنزيغ 1894 ص 149، عن: بليخانوف: مصدر سابق – ص82.
22- Astakov, Ivan: Op. Cit., p.175.
23- Ibid: PP. 175 & 176.
24- Ibid: P. 176.
25- ماركس، كارل & انجلز، فردريك : الأدب والفن – نيويورك 1947 ص 16 عن فنكلشتين، سيدنى: الواقعية فى الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، مراجعة يحيى هويدى، الهيئة العامة للكتاب – القاهرة – 1972 – ص18.
26- فنكلشتين، سيدنى: الواقعية فى الفن- المصدر السابق – ص18.
27- المصدر السابق – ص20.
28- المصدر السابق ص28 والنص اقتبسه فنكلشتين من: تشيلد، ج: الإنسان يصنع نفسه – نيويورك 1951 ص81.
29- فنكلشتين، سيدنى: مصدر السابق – ص27.
30- Marx, Karl: Economic and Philosophic Manu-script-s of 1844, Moscow, P. 76. & See,: Astakov, I: Op. Cit., p.178
31- Astakov, I: Op. Cit., p.167.
32- Ibid: P. 160.
33- فيشر، ارنست: ضرورة الفن، مصدر سابق، ص22.
34- المصدر السابق – ص23.