ميسلون هادي - حكاية عواد الباز الذي إختار مصيره.. قصة قصيرة

ما خلا مقتنايته الكثيرة، ماذا يترك الإنسان خلفه بعد أن يفنى، وكيف وبأية طريقة يجب أن يتطابق كدحه مع الأثر الذي يتركه أو يستحقه؟ هذا السؤال ستلاحقه رواية (ذئب الله)*، وتثيره بين سطورها بطريقة خفية أو صريحة لكي تصل إلى ناتج القسمة الطويلة في نهاية المطاف.

تضيق الدنيا في عيون عواد الباز بعد خروجه من السجن، فيذهب إلى أبي ناصر كي ينجده، فيرد عليه بالقول:

– أبشر أبشر يا ولدي.

ثم يهيأ له الغداء ويطلب من أهل البيت أن يتركوه مع ضيفه الذي عاد بعد غياب طويل.. عواد الباز نشأ نشأة ذكورية تسلطية، فقتل أمه عن طريق رمية خاطئة من البندقية، وهو ما زال صغيراً، وأشادت جدته عصرية بتلك الجريمة التي حدثت عن طريق الخطأ، فتلك الأم الذلول كانت(دية عشائرية) لفصل قضية دم مع عشيرتها التي قتلت العم عواد الكبير، والذي سيتسمى حفيد عصرية باسمه. فيكون عواد الجديد بديلاً لعواد القديم ابنها الذي قتلته عشيرة الذلول.

ومن إصلاحية الأحداث إلى السجن يكتسب عواد الباز المزيد من الخبرات الإجرامية، وعندما يخرج من السجن تبدأ مسيرته التي ترسمها أهواء وشهوات شيطانية، فيسرق من اخته عشرين ديناراً، ويقامر بالمبلغ بطريقة شخص غشيم، فيكون ضحية لمحتلا ماكر محترف في وسط البلد.

يقول له أبو ناصر :

– عملنا ليس سهلاً يا ولدي، وربما لن تقدر عليه، إنه يحتاج لرجال قلوبهم من حديد.

– جربني وسترى.

– إن وقعت ووشيت بأحد ستموت ومن معك.

– جئت وأنا أعرف هذا كله يا والدي.

يغادر عواد الباز قرية سمر إلى أحدى قرى الشمال الغربي لمدينة عجلون، بعد أن أسّر أبو ناصر في اذنه بكلمة السر من أجل التواصل، ليعود بذلك عواد الباز إلى عالم السلاح وتجار السلاح.

من صباح اليوم التالي يبدأ عواد الباز مسيره اليومي باتجاه بيارات الغور، وفي المساء كان يحصي ما جمعه من غلال الخضار ويحاسب أصحابها، إلى أن فكر أن يقوم بضمان البيارات إلى حسابه الخاص. لقد نشأ أبوه صخر وجده وعمه في جو مماثل يقمعون الفلاحين ويستولون على حقوقهم بالعنف وقوة السلاح، فلماذا لا يكون مثلهم، بل يزيد عليهم من الشعر بيتاً في مطاردة النساء بدناءة والحصول عليهن بأية طريقة. هكذا بدأ عواد الثاني يطارد كل فتاة من فتيات الحصاد، وعلى وجه التحديد سارة ذات اللسان السليط الذي جعله يعود خائبا كلما اقترب منها أو من غيرها، إذ لم يعتق بدناءته حتى صغيرات السن من البنات. فلا يتدبر امره معها في النهاية كما هو الحال مع منال وأم فراس وغيرها. سيكون لسارة العمار فصل تتحدث فيه عن نفسها، كما هو الحال مع مليحة أرملة العليان التي أمرت الظروف أن تسكن في بيت طيني، ولا تملك الا ديكاً رومياً يسرقه عواد العم الشرير الذي يرث منه عواد الثاني الكثير من صفاته الإجرامية.. باقي شخوص الرواية سيتحدثون أيضاً بفصول خاصة بهم، وسيتعدد الرواة بحيث يسلّم كل فصل نفسه للفصل الاخر، ومن ثم نتعرف على الكثير من الاحداث التي طرأت على عواد الباز، وشخوص الرواية الذين يحيطون به، ومنهم جدته عصرية أم عواد الأول التي نشأت قوية صلبة كالرجال، وقسوة طباعها جعلتها تنتزع عواد الثاني من أمه الذلول لكي تربيه على التسلط والظلم وعقوق أمه. في فصل سارة العمار سنعرف أنها ارملة لرجل فدائي من زينة الرجال، كما تسميه، وقد استشهد في معركة الكرامة، واستبسل في الدفاع عن رفاقه، فتصف سارة شجاعته ونبله وإقدامه، و تمجد رفعة أخلاقه التي جعلتها تظل من بعده إمرأة حرة وفرساً حروناً على عواد الباز الذي تصفه بعنكبوت الخرابات، كما وتتصدى لكل محاولاته الرخيصة، حتى لم يعد يجرؤ على الاقتراب منها.. وكأن الروائي قدم من خلال اخلاصها لزوجها الشهيد المعادل الآخر لصورة الخراب التي عليها هذا الرجل الذي يتعامل مع قضية سلاح الفدائيين كتاجر جشع لا يعرف من الوطنية إلا ما تدر عليه من ارباح. هناك فصل اخر لعائشة التي تزوجها مرغماً وافترشها كما يفترش الذئب الخراف. هي ليست جميلة، غير أنها ستتحمل نزقه وتنجب له بنتاً وولداً هما عصرية وعادل، وستربط لنا عائشة بين ما حدث من خروج الفدائيين من بيروت، وبين ما أصابه من الهم والغم، ليس لاسباب وطنية، لا ريب، لكن لتكشف لنا أن سبب ذلك هو صفقات مشبوهة يسميها بأكياس السماد يعقدها مع جميع الاطراف المتحاربة في لبنان، ومن ثم فانه سيخسر كل ما وضعه من أموال في هذه الصفقة. مع تطور الاحداث السياسية يزداد هو شراهة وفساداً.

ثم يسجن مرة أخرى فيكون السجن هذه المرة جسراً إلى عالم الجماعات الاسلامية المتطرفة.. و من مفارقات هذا العالم إن عواد الباز سيخرج من السجن على يد اسلامي متنفذ كان ماركسياً فيما مضى. تستمر صفقات الأسلحة، ويستلم حقيبة مكتظة بالدولارات يسيل لها لعاب الطالبة الجامعية منال التي يشتريها بالذهب ويصبح عبدا لانوثتها، بينما يعود في القرية إلى طباعه البدوية، فيمارس سلطته وسطوته مع زوجته عائشة وابنته عصرية التي اصبحت على وشك التخرج في الجامعة….. وكلما زاد انغماسه في صفقات سلاح جديدة، تكون اسرائيل غير مستهدفة فيها، تزداد مطالبته لزوجته وابنته بالاحتشام، ويتعاظم شرهه لشراء البيوت والنساء، ووحدها زوجته عائشة لم تكن مرتاحة أو مطمئنة لهذا الرزق الوفير الذي جاءه فجأة، وسيدفع ثمنه باهظاً عندما ترتد عليه اعماله النكراء في نهاية المطاف. يهدي جهاد أبو حشيش روايته إلى الذين مشوا طريقهم إلى أنواتهم ولم يبدلوا.. وقد رسم مسار أحدهم بعناية وبصورة سينمائية مشوقة.. فكان يرتب الأصحاب والظروف من حوله لكي يجعله يتهيأ لاستقبال مصيره.

يضبّط الكامرا باتجاه منصة هذا الرجل المتلون الوصولي الشرير، ويثبّت الإنارة عليه بعد كل دوران من أجل التعريف بماضيه الذي قاده إلى هذا المصير.. إنها متناقضات اجتماعية وعقليات طاعنة في البداوة، وغير ذلك من الأمور التي قـــادت عواد الباز لأن يتحــــول من إنسان صالح إلى ذئب من ذئـــــــــــاب الشيطان.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى