قال الضحى
الشمسُ منذ ولادتِها تعرفُ كيف ترسمُ الأشكالَ بدقةٍ بالغة،
وكيف تلونُها وتظلِّلُها،
وأيضًا كيف تمحوها،
فلمَّا لم يُدركْ العالمُ تلك الخطوطَ التي تقذفُها الشمسُ كلَّ صباحٍ ليتعلقَ بها ويرسمَ خرائطَهُ بدقةٍ بالغة،
لهذا رسمَ شيخُ قبيلتِنا وهو يتجولُ بعصاه
مستطيلًا وسطَ صحراءَ قاحلةٍ
قبلَ الغروبِ ارتكزَ على ركبتيهِ ودعا اللهَ
ثم غرسَ حول أضلاعِهِ شتلاتٍ من نخيل،
وفي الليلِ زعقَ في البريةِ
وزرعَ في ساحتِهِ بارودًا وقذائفَ،
وفي الصباحِ تشكلتْ وجوهُنا مستطيلةً من رمالٍ
إذا هبتْ ناحيتَها الريحُ؛
تبعثرتْ ملامحُنا في اتجاهِ البحر،
والمستطيلُ هو شكلٌ ثنائيُ الأبعادِ
كلُّ ضلعين متقابلين متساويين،
ومساحتُهُ حاصلُ ضربِ طولِهِ في عرضِه؛
لهذا تعاركتِ الأضلاعُ وانفجرَ البارودُ في زواياه.
قال الليلُ
الكواكبُ التي تجري
تنحني لها كلُّ الخطوطِ المستقيمةِ
ويتلاشى الأفقُ وقتما تشاءُ،
وتجري ككراتِ الدمِ في شرايين الكونِ
ودوائرُها لاتعرفُ الثبات،
لهذا مهدتْ جَدَّتي وهي تجري وراءَ الماعزِ
طريقًا على شكلِ دائرةٍ
وأقامتْ بيتًا مكعبًا من حطبٍ في مركزِها
إذا أخطأَ أحدُنا
يطوفُ من حولِه كلَّ مساء،
والدائرةُ هي خطٌ منحنٍ ومغلقٌ،
تبعدُ جميعُ نقاطِهِ عن نقطةِ ارتكازِها بعدًا ثابتًا،
وكلما تحركَ عقربُ الوقتِ
ضربتْ الشمسُ بأشعتِها على رؤسِنا،
والدائرةُ إذا هبتْ ناحيتَها عاصفةٌ
فارتْ بؤرتُها كتنورٍ ثائر.
قالت الريحُ
السحبُ وهي تمرُّ، ترسمُ على الأرضِ
حيواناتٍ ووجوهًا وطيورًا
تخترقُ الأضلاعَ بخفةٍ عاليةٍ
لاتعرفُ الخطوطَ ولا الزوايا،
بل تمرُّ من فوقِها وتضحكُ
والزمنُ بالنسبةِ لها كشهقةِ طائرٍ يرفرفُ
أو كنفخةِ هواءٍ عابرةٍ
لهذا رسمَ جَدي وهو يرمحُ بحصانِهِ
مربعًا كبيرًا بسنِّ سيفِهِ
على الجانبِ الآخرِ من صحراءِ القبيلةِ
بنى حولَ أضلاعِهِ مآذنَ وحصونًا
وأطلقَ في ساحتِهٌ كلابًا وذئابًا
ومن حولِهِ أغنامًا
كلما غزا بفرسِهِ جرتْ الشمسُ من خلفِهِ
والمربعُ القطرُ فيه من الزاويةِ إلى الزاويةِ المقابلةِ
كلما نفختْ فيه الريحُ
جرتْ الذئابُ للمآذنِ
والكلابُ للأسوارِ
واختبئتْ الأغنامُ في الحصون،
وجَدي وهو يسطرُ أضلاعَ المربعِ
نسيَ أن يربطَ التقاءَ القطرين بحبلٍ من مسد،
ولم يدركْ أن كلَّ الزوايا قائمةٌ
إلا إذا هزتْها الريحُ
أو تعاركتْ الكلابُ مع الذئابِ
أو غيرتْ الشمسُ مركزَ إشراقِها
قالت الصحراءُ
الرمالُ تنمو وتتمددُ
كلما صاحبتْها الريحُ
وقبلتْها الشمسُ
لهذا رسمتُ وأنا ألعبُ خطًا
يربطُ بين المستطيلِ والدائرةِ والمربعِ
وأنا ألهو شددتُ هذا الخطَ باتجاهِ البحرِ
وشددتُ أخرَ وعلقتُهُ حول رقبةِ حمارنِا
كلما قفزَ الحمارُ مختالًا برشاقتِهِ
تراختّ أضلاعُ المستطيلِ
واهتزتْ زوايا المربعِ
وتقوستّ الدائرةُ
ونبحتْ الكلابُ
وأكلتْ الذئابُ الغنمَ
وكلما جرى الحمارُ باتجاهِ البحرِ
رسمَ جهازُ القلبِ خطًا منكسرًا تارةً
ومذبذبًا ومتلاشيًا تارةً أخرى.
محمد عكاشة
مصر
الشمسُ منذ ولادتِها تعرفُ كيف ترسمُ الأشكالَ بدقةٍ بالغة،
وكيف تلونُها وتظلِّلُها،
وأيضًا كيف تمحوها،
فلمَّا لم يُدركْ العالمُ تلك الخطوطَ التي تقذفُها الشمسُ كلَّ صباحٍ ليتعلقَ بها ويرسمَ خرائطَهُ بدقةٍ بالغة،
لهذا رسمَ شيخُ قبيلتِنا وهو يتجولُ بعصاه
مستطيلًا وسطَ صحراءَ قاحلةٍ
قبلَ الغروبِ ارتكزَ على ركبتيهِ ودعا اللهَ
ثم غرسَ حول أضلاعِهِ شتلاتٍ من نخيل،
وفي الليلِ زعقَ في البريةِ
وزرعَ في ساحتِهِ بارودًا وقذائفَ،
وفي الصباحِ تشكلتْ وجوهُنا مستطيلةً من رمالٍ
إذا هبتْ ناحيتَها الريحُ؛
تبعثرتْ ملامحُنا في اتجاهِ البحر،
والمستطيلُ هو شكلٌ ثنائيُ الأبعادِ
كلُّ ضلعين متقابلين متساويين،
ومساحتُهُ حاصلُ ضربِ طولِهِ في عرضِه؛
لهذا تعاركتِ الأضلاعُ وانفجرَ البارودُ في زواياه.
قال الليلُ
الكواكبُ التي تجري
تنحني لها كلُّ الخطوطِ المستقيمةِ
ويتلاشى الأفقُ وقتما تشاءُ،
وتجري ككراتِ الدمِ في شرايين الكونِ
ودوائرُها لاتعرفُ الثبات،
لهذا مهدتْ جَدَّتي وهي تجري وراءَ الماعزِ
طريقًا على شكلِ دائرةٍ
وأقامتْ بيتًا مكعبًا من حطبٍ في مركزِها
إذا أخطأَ أحدُنا
يطوفُ من حولِه كلَّ مساء،
والدائرةُ هي خطٌ منحنٍ ومغلقٌ،
تبعدُ جميعُ نقاطِهِ عن نقطةِ ارتكازِها بعدًا ثابتًا،
وكلما تحركَ عقربُ الوقتِ
ضربتْ الشمسُ بأشعتِها على رؤسِنا،
والدائرةُ إذا هبتْ ناحيتَها عاصفةٌ
فارتْ بؤرتُها كتنورٍ ثائر.
قالت الريحُ
السحبُ وهي تمرُّ، ترسمُ على الأرضِ
حيواناتٍ ووجوهًا وطيورًا
تخترقُ الأضلاعَ بخفةٍ عاليةٍ
لاتعرفُ الخطوطَ ولا الزوايا،
بل تمرُّ من فوقِها وتضحكُ
والزمنُ بالنسبةِ لها كشهقةِ طائرٍ يرفرفُ
أو كنفخةِ هواءٍ عابرةٍ
لهذا رسمَ جَدي وهو يرمحُ بحصانِهِ
مربعًا كبيرًا بسنِّ سيفِهِ
على الجانبِ الآخرِ من صحراءِ القبيلةِ
بنى حولَ أضلاعِهِ مآذنَ وحصونًا
وأطلقَ في ساحتِهٌ كلابًا وذئابًا
ومن حولِهِ أغنامًا
كلما غزا بفرسِهِ جرتْ الشمسُ من خلفِهِ
والمربعُ القطرُ فيه من الزاويةِ إلى الزاويةِ المقابلةِ
كلما نفختْ فيه الريحُ
جرتْ الذئابُ للمآذنِ
والكلابُ للأسوارِ
واختبئتْ الأغنامُ في الحصون،
وجَدي وهو يسطرُ أضلاعَ المربعِ
نسيَ أن يربطَ التقاءَ القطرين بحبلٍ من مسد،
ولم يدركْ أن كلَّ الزوايا قائمةٌ
إلا إذا هزتْها الريحُ
أو تعاركتْ الكلابُ مع الذئابِ
أو غيرتْ الشمسُ مركزَ إشراقِها
قالت الصحراءُ
الرمالُ تنمو وتتمددُ
كلما صاحبتْها الريحُ
وقبلتْها الشمسُ
لهذا رسمتُ وأنا ألعبُ خطًا
يربطُ بين المستطيلِ والدائرةِ والمربعِ
وأنا ألهو شددتُ هذا الخطَ باتجاهِ البحرِ
وشددتُ أخرَ وعلقتُهُ حول رقبةِ حمارنِا
كلما قفزَ الحمارُ مختالًا برشاقتِهِ
تراختّ أضلاعُ المستطيلِ
واهتزتْ زوايا المربعِ
وتقوستّ الدائرةُ
ونبحتْ الكلابُ
وأكلتْ الذئابُ الغنمَ
وكلما جرى الحمارُ باتجاهِ البحرِ
رسمَ جهازُ القلبِ خطًا منكسرًا تارةً
ومذبذبًا ومتلاشيًا تارةً أخرى.
محمد عكاشة
مصر