ثمة نصوص شعرية حسانية ساخرة من بعض الجوانب المعنوية والأخلاقية السلبية كإخلاف الوعد ، فهذا شاعر يعاتب امرأة لانت له و أغدق عليها العطاء حتى أُفقر ، فتركته و لانت لغيره ممن لا يعتبره كفؤا له ، فسخر من صنيعها قائلا :
دلّيت لي لعراش *** ادَّيت اللي عندي
ساويْتيني بَاوَاش *** ناكَْصْ ماهُ كَْدّي
نلمس بين ثنايا البيت الأخير زفرة من زفرات الأسف و الحسرة التي اكتوى بها فؤاد الشاعر ، فكأنه قال : واحسرتاه ، لقد ساويتني بأحد بالأوباش ، و أخلفت وعدك ، وبئس الردفُ لاَ بعدَ نعم .
و في سياق السخرية من خُلف الوعد ، نلمس تشابه مضمون المقبوس الشعري الآتي مع قصة أشهر مُخلف للوعد في الأدب العربي ” عرقوب” الذي أضحى مضرب المثل في خلف الوعد حتى قيل : ” أخلف من عرقوب”.
قال الشاعر :
ذْكَر لي حمودي عَتــــــــــروس //// أزوزال مدسم حــَـــبوس
طبعُو مْن طَبْع شياه المُوس /////// العتروس عْگب حَوليــــــــة
الحولية عگبت معســـــــوس /////عليها ولات جديــــة
جدية عگبت فأغـــــــــــــــــيار /////أغيار عگب فأوگيـــة
لوگية عگبت راس هجـــــار //////كان الله وبقــــــــيَ!
لقد ظل الواعد يعد صاحبه كل مرة بعطية أدنى وأضعف مما وعده به من قبل الى أن وجد الشخص الموعود كل الوعود سرابا ، وكان الله شهيدا من قبل و من بعد! * كان الله و بقي*.
هذا النص الماتع الرائع الذي نقل بعبارات عذبة صورة من صور الكذب و إخلاف الوعد والمطل في إنفاذ الواعد ما وعد به صاحبه ، لا يقل جمالية من حيث إبقاؤه على أفق التوقع لدى المتلقي قائما الى عبارة الختم عن سخرية شاعر معاصر من وعود هيئة رسمية خيبت آماله و أخلفت ما وعدته به كما يظهر من عبارته الآتية :
و امنين اترْدّْ التّلْفاتْ*** تجبَر كُونْ أيْدَك والصحراء .
وهذا تعبير شائع كناية عن الخواء والهباء ، فمن لم يجد ما كان يطلبه أو يسعى إليه ، وعاد صفر اليدين كمن وجد يده بصحراء قاحلة * اجبر ايدو في الصحراء *. ونظرا للسخرية التي تضمنتها ” طلعة” الشاعر ” الري” من مطلعها الى نهايتها سنوردها مقطعا مقطعا:
“المصالحة والانصاف ***طلبُ منا شي من لَوصاف
و اربح من لوصاف الوصّاف ***و دلّينا بللي كّط اطر
واللي كان عليه الخلاف *** من تسكان اﮓرُون البﮓرَا
كَْلنا عنو لاهي يخفاف*** بالشَّيْلَ ولاَّ بالنترَ
و اعكَب ذ حقوق الانسان ***يعطينا خير اللي يطْرَ”
تبدأ السخرية الهادفة الى النقد من البيتين الأولين حيث استهجن الشاعر طلب هيئة المصالحة والإنصاف من المعنيين بملف جبر الضرر عددا من الصور الشخصية مما أدى الى تربُّح ” المصورين ” على حساب الضحايا و المعذبين الذين ذكر أنهم تأملوا خيرا من طي الملف والتخفيف من معاناتهم وانتظارهم الممل الشبيه بمسك قرون بقرة في بئر، ساخرا من تحويل الملف الى جهة أخرى حلت محل الهيئة ، ومستطردا بالقول:
“كَالو عن جاو الملفات *** الْ لعيون افمُجَلدات
أُدَخْلوا فالحاسوب واشكَاْلات ***أخبرهم فيه منصهرَ
اسمعن عن نيروبة جات *** أُجَبْرْت نيروبْ حْدَا صدْرا
أُعَكَْبُوها نيروبات اخْرَات *** أُهاذي علامات البُشْرَ!
ذَ ما رَيْنَ فيهْ أُﮒّيات ***لَبْنَاكْ عْليهم منْصَرَّ
وْعْيَيْنَ منْ تلفونات ***أُعندك تعبئة يا الزّهْرَ”
في هذا المقطع الساخر يشبه الشاعر ضمناً وعود التعويض وجبر الضرر ، ومجيء المسؤولين محملين بالملفات الى العيون ب ” فزّات النيرب ” التي لا يرى لها أثر و لا فضل ، ويعبر بأسلوبه الساخر عن امتعاضه من الانتظار و تكاليف الاتصال بالمعنيين بالموضوع * وْعيين من تلفونات ***أُعندك تعبئة يا الزّهْرَ* .و سواء أكان ما صرح به الشاعر ههنا مطابقا للواقع أم لا ، فان لذة النص تجبر المتلقي على الحكم بجماليته وطرافة تعبيراته وصوره ، وأعذب الشعر أكذبه!.و القارئ لديوان هذا الشاعر الجميل الساخر لن يعدم لحظات ظحك تثيره كلماته الساخرة الناقدة لكثير من مكامن الخلل في مناح متعددة من مناحي الحياة السياسية والاجتماعية بالصحراء ، فبلُغَة ساحرة وساخرة يشبه بطاقات الإنعاش التي تقدمها الدولة لبعض الفئات بحالة إحالة المعدم المريض على غرفة ” الإنعاش”:
لنعاش ألا هو لنعاش *** ما مُعدّل بيه المعاش
بينما يسخر من ضمور بعض الجمعيات التي عقدت عليها آمال عريضة ، و أُنبتت في البداية نباتا حسنا ثم ما لبثت أن ذهبت الأيام بنورها وجلالها :
أُعاكب زين النبات الْوَاوْ**يانَ حسْبَ ذاك اللي شفْتْ
ما شفنَ مسلَ يتقوّاو *** بيها واللا مسْلَ تْلفت
نظرهم كَْد اللي واساو *** جَزَّار و يْتْعَشّ باللّْفتْ!
و يبدي الشاعر بأسلوبه اللطيف الظريف تبرمّه من المشاركة في التصويت في الانتخابات مستخفا بتهافت الأحزاب السياسية على دغدغة عواطف المواطنين أيام المشمش المحدودة مفضلا ” زرْكَ” على العرّاد:
“لحزاب اتبان انطرحت ماط ***المحافظ والمشدد
واتكدم للترشيح انباط *** أُشوف العين أخير من الرد
كامت دفّاع احيَط مياط*** لْسْنتها والتعبير اكّرد
غير الرّْجْلي ماه محتاط *** من تزَبُّوت أولاد أحمد
وآنَ بعد افْهَذا اللي فَاتْ *** ماني لاهي عنكم نجحد
زاركَْ عرّادي بكْليْماتْ *** وْلاَ ني زاركّْ تيْتْ عْلَ حدْ “
لقد ختم الطلعة ختما لطيفا موجها اهتمامه الى “ عرّاده” : إياك أعني واسمعي يا جارة! ، وقد أجاد الشاعر التحذير من عدم الاحتياط منبها من لا يأخذ حذره من الخائضين في “النطاح ” الانتخابي من مصير ” أولاد أحمد”. و من المفيد الإشارة في هذا المقام الى سخرية شعراء آخرين من فساد الذمم في الانتخابات ومن ترشح من لا يصلح للمهمات والمسؤوليات ، ومن ذلك قول أحد الشعراء :
اترشَّحْ ذا الخلق أُ مُصيبْ *** واتْرشَّحْ ياسر ما يصلح
أُ لاَ باقي يكُون الذّيبْ *** شحَاني ما فات اتْرشّحْ.
_________________
تنويه : المقال مقتطف من دراستنا المنشورة بمجلة ” ثقافة الصحراء ” ، العدد 1 .
شارك هذا الموضوع:
دلّيت لي لعراش *** ادَّيت اللي عندي
ساويْتيني بَاوَاش *** ناكَْصْ ماهُ كَْدّي
نلمس بين ثنايا البيت الأخير زفرة من زفرات الأسف و الحسرة التي اكتوى بها فؤاد الشاعر ، فكأنه قال : واحسرتاه ، لقد ساويتني بأحد بالأوباش ، و أخلفت وعدك ، وبئس الردفُ لاَ بعدَ نعم .
و في سياق السخرية من خُلف الوعد ، نلمس تشابه مضمون المقبوس الشعري الآتي مع قصة أشهر مُخلف للوعد في الأدب العربي ” عرقوب” الذي أضحى مضرب المثل في خلف الوعد حتى قيل : ” أخلف من عرقوب”.
قال الشاعر :
ذْكَر لي حمودي عَتــــــــــروس //// أزوزال مدسم حــَـــبوس
طبعُو مْن طَبْع شياه المُوس /////// العتروس عْگب حَوليــــــــة
الحولية عگبت معســـــــوس /////عليها ولات جديــــة
جدية عگبت فأغـــــــــــــــــيار /////أغيار عگب فأوگيـــة
لوگية عگبت راس هجـــــار //////كان الله وبقــــــــيَ!
لقد ظل الواعد يعد صاحبه كل مرة بعطية أدنى وأضعف مما وعده به من قبل الى أن وجد الشخص الموعود كل الوعود سرابا ، وكان الله شهيدا من قبل و من بعد! * كان الله و بقي*.
هذا النص الماتع الرائع الذي نقل بعبارات عذبة صورة من صور الكذب و إخلاف الوعد والمطل في إنفاذ الواعد ما وعد به صاحبه ، لا يقل جمالية من حيث إبقاؤه على أفق التوقع لدى المتلقي قائما الى عبارة الختم عن سخرية شاعر معاصر من وعود هيئة رسمية خيبت آماله و أخلفت ما وعدته به كما يظهر من عبارته الآتية :
و امنين اترْدّْ التّلْفاتْ*** تجبَر كُونْ أيْدَك والصحراء .
وهذا تعبير شائع كناية عن الخواء والهباء ، فمن لم يجد ما كان يطلبه أو يسعى إليه ، وعاد صفر اليدين كمن وجد يده بصحراء قاحلة * اجبر ايدو في الصحراء *. ونظرا للسخرية التي تضمنتها ” طلعة” الشاعر ” الري” من مطلعها الى نهايتها سنوردها مقطعا مقطعا:
“المصالحة والانصاف ***طلبُ منا شي من لَوصاف
و اربح من لوصاف الوصّاف ***و دلّينا بللي كّط اطر
واللي كان عليه الخلاف *** من تسكان اﮓرُون البﮓرَا
كَْلنا عنو لاهي يخفاف*** بالشَّيْلَ ولاَّ بالنترَ
و اعكَب ذ حقوق الانسان ***يعطينا خير اللي يطْرَ”
تبدأ السخرية الهادفة الى النقد من البيتين الأولين حيث استهجن الشاعر طلب هيئة المصالحة والإنصاف من المعنيين بملف جبر الضرر عددا من الصور الشخصية مما أدى الى تربُّح ” المصورين ” على حساب الضحايا و المعذبين الذين ذكر أنهم تأملوا خيرا من طي الملف والتخفيف من معاناتهم وانتظارهم الممل الشبيه بمسك قرون بقرة في بئر، ساخرا من تحويل الملف الى جهة أخرى حلت محل الهيئة ، ومستطردا بالقول:
“كَالو عن جاو الملفات *** الْ لعيون افمُجَلدات
أُدَخْلوا فالحاسوب واشكَاْلات ***أخبرهم فيه منصهرَ
اسمعن عن نيروبة جات *** أُجَبْرْت نيروبْ حْدَا صدْرا
أُعَكَْبُوها نيروبات اخْرَات *** أُهاذي علامات البُشْرَ!
ذَ ما رَيْنَ فيهْ أُﮒّيات ***لَبْنَاكْ عْليهم منْصَرَّ
وْعْيَيْنَ منْ تلفونات ***أُعندك تعبئة يا الزّهْرَ”
في هذا المقطع الساخر يشبه الشاعر ضمناً وعود التعويض وجبر الضرر ، ومجيء المسؤولين محملين بالملفات الى العيون ب ” فزّات النيرب ” التي لا يرى لها أثر و لا فضل ، ويعبر بأسلوبه الساخر عن امتعاضه من الانتظار و تكاليف الاتصال بالمعنيين بالموضوع * وْعيين من تلفونات ***أُعندك تعبئة يا الزّهْرَ* .و سواء أكان ما صرح به الشاعر ههنا مطابقا للواقع أم لا ، فان لذة النص تجبر المتلقي على الحكم بجماليته وطرافة تعبيراته وصوره ، وأعذب الشعر أكذبه!.و القارئ لديوان هذا الشاعر الجميل الساخر لن يعدم لحظات ظحك تثيره كلماته الساخرة الناقدة لكثير من مكامن الخلل في مناح متعددة من مناحي الحياة السياسية والاجتماعية بالصحراء ، فبلُغَة ساحرة وساخرة يشبه بطاقات الإنعاش التي تقدمها الدولة لبعض الفئات بحالة إحالة المعدم المريض على غرفة ” الإنعاش”:
لنعاش ألا هو لنعاش *** ما مُعدّل بيه المعاش
بينما يسخر من ضمور بعض الجمعيات التي عقدت عليها آمال عريضة ، و أُنبتت في البداية نباتا حسنا ثم ما لبثت أن ذهبت الأيام بنورها وجلالها :
أُعاكب زين النبات الْوَاوْ**يانَ حسْبَ ذاك اللي شفْتْ
ما شفنَ مسلَ يتقوّاو *** بيها واللا مسْلَ تْلفت
نظرهم كَْد اللي واساو *** جَزَّار و يْتْعَشّ باللّْفتْ!
و يبدي الشاعر بأسلوبه اللطيف الظريف تبرمّه من المشاركة في التصويت في الانتخابات مستخفا بتهافت الأحزاب السياسية على دغدغة عواطف المواطنين أيام المشمش المحدودة مفضلا ” زرْكَ” على العرّاد:
“لحزاب اتبان انطرحت ماط ***المحافظ والمشدد
واتكدم للترشيح انباط *** أُشوف العين أخير من الرد
كامت دفّاع احيَط مياط*** لْسْنتها والتعبير اكّرد
غير الرّْجْلي ماه محتاط *** من تزَبُّوت أولاد أحمد
وآنَ بعد افْهَذا اللي فَاتْ *** ماني لاهي عنكم نجحد
زاركَْ عرّادي بكْليْماتْ *** وْلاَ ني زاركّْ تيْتْ عْلَ حدْ “
لقد ختم الطلعة ختما لطيفا موجها اهتمامه الى “ عرّاده” : إياك أعني واسمعي يا جارة! ، وقد أجاد الشاعر التحذير من عدم الاحتياط منبها من لا يأخذ حذره من الخائضين في “النطاح ” الانتخابي من مصير ” أولاد أحمد”. و من المفيد الإشارة في هذا المقام الى سخرية شعراء آخرين من فساد الذمم في الانتخابات ومن ترشح من لا يصلح للمهمات والمسؤوليات ، ومن ذلك قول أحد الشعراء :
اترشَّحْ ذا الخلق أُ مُصيبْ *** واتْرشَّحْ ياسر ما يصلح
أُ لاَ باقي يكُون الذّيبْ *** شحَاني ما فات اتْرشّحْ.
_________________
تنويه : المقال مقتطف من دراستنا المنشورة بمجلة ” ثقافة الصحراء ” ، العدد 1 .
شارك هذا الموضوع: