خارج أرض الأحياء، المشغولين بتفاصيل يومهم المضجرة، يسير موكبٌ صغير بأفرادهِ وهواجسه: قافلة متمهلة، باتجاه مجهول..
عن هذا الموكب المرسوم برؤية استشراقية، كتبتُ في تسعينيات الحصر والقهر، عن شطر من أشطار الصحراء المحيطة ببصرياثا. تسربت القافلةُ من لوحة للرسام الفرنسي جان ليون جيروم (١٨٢٤- ١٩٠٤) معروضةٍ في جاليري بلندن العام ١٩٨٢ لتطوف حول العالم: سحر، غموض، استكشاف.. وإنها تدخل نطاقنا الحيوي، اليوم، مثل فيروس سريع التكيف والانشطار..
في اللوحة الاستشراقية ثلاثةُ أعرابٍ ملثمين، يمتطون الخيول، تحني الآمادُ المبسوطة هاماتِهم، فيخلو كل رأسٍ إلى خاطره. فارسانِ متجاوران في المقدمة، يسند أحدُهما رمحاً طويلاً إلى كتفه، يتبعهما ثالثٌ مشتمل بطيلسان أحمر يغطي رأسَه وجسمَه ويتهدل على جانبي فرسهِ. الاثنان المتقدمان بدويان ضئيلان، تتنافر ألوان أرديتهما الزاهية مع اتساع الصحراء وشحوبها؛ نتحول عنهما لتأمل الفارس الأحمر الغامض الهوية، الذي يزداد استغراقاً وانتحاءً في سيره.
إن فراسة البدويّ نوع من الحدس النقي، اليقينُ بلا برهان، والدَرَبة التي صقلتها الوحدةُ والمسافة. وباستعارةٍ من هذه الفراسة، وبمقدار صفحةٍ منها، سنفسّر غموضَ هذه القافلة. فقد يكون الفارس الأحمر هو الرسام المسيحي (جيروم) نفسه، مدسوساً بين الأعراب؛ وقد نفسّر خروجَ الأعراب معه نكوصاً من غزوة فاشلة، أو هرباً من جائحة كاسحة، دهمَت المدنَ القريبة، وشرّدت أهلَها.
لا سبيل لابنِ الجزيرة العربية العذراء، الذي مرّت القافلةُ بمدنهِ الناشئة، إلا الاستيقاظ المبكر، ومراقبة المسيرة المتمهلة التي مرّت بدياره الآمنة، وخلّفت وراءها وباءً كاسحاً. كانت الآثار التي تركتها القافلة تطوّق عنقَ وجوده الأبيض كسلسلة طوّقت، من قبل، أعناقَ مئاتِ العبيد في قرون الاستكشاف والاستعمار..
ثمة تناغمٌ آسِر، يشمل عصرينِ متباعدين، ويعيد للأذهان ظلالَ صورةٍ فلتَت من متحف الأزمنة الغابرة.
عن هذا الموكب المرسوم برؤية استشراقية، كتبتُ في تسعينيات الحصر والقهر، عن شطر من أشطار الصحراء المحيطة ببصرياثا. تسربت القافلةُ من لوحة للرسام الفرنسي جان ليون جيروم (١٨٢٤- ١٩٠٤) معروضةٍ في جاليري بلندن العام ١٩٨٢ لتطوف حول العالم: سحر، غموض، استكشاف.. وإنها تدخل نطاقنا الحيوي، اليوم، مثل فيروس سريع التكيف والانشطار..
في اللوحة الاستشراقية ثلاثةُ أعرابٍ ملثمين، يمتطون الخيول، تحني الآمادُ المبسوطة هاماتِهم، فيخلو كل رأسٍ إلى خاطره. فارسانِ متجاوران في المقدمة، يسند أحدُهما رمحاً طويلاً إلى كتفه، يتبعهما ثالثٌ مشتمل بطيلسان أحمر يغطي رأسَه وجسمَه ويتهدل على جانبي فرسهِ. الاثنان المتقدمان بدويان ضئيلان، تتنافر ألوان أرديتهما الزاهية مع اتساع الصحراء وشحوبها؛ نتحول عنهما لتأمل الفارس الأحمر الغامض الهوية، الذي يزداد استغراقاً وانتحاءً في سيره.
إن فراسة البدويّ نوع من الحدس النقي، اليقينُ بلا برهان، والدَرَبة التي صقلتها الوحدةُ والمسافة. وباستعارةٍ من هذه الفراسة، وبمقدار صفحةٍ منها، سنفسّر غموضَ هذه القافلة. فقد يكون الفارس الأحمر هو الرسام المسيحي (جيروم) نفسه، مدسوساً بين الأعراب؛ وقد نفسّر خروجَ الأعراب معه نكوصاً من غزوة فاشلة، أو هرباً من جائحة كاسحة، دهمَت المدنَ القريبة، وشرّدت أهلَها.
لا سبيل لابنِ الجزيرة العربية العذراء، الذي مرّت القافلةُ بمدنهِ الناشئة، إلا الاستيقاظ المبكر، ومراقبة المسيرة المتمهلة التي مرّت بدياره الآمنة، وخلّفت وراءها وباءً كاسحاً. كانت الآثار التي تركتها القافلة تطوّق عنقَ وجوده الأبيض كسلسلة طوّقت، من قبل، أعناقَ مئاتِ العبيد في قرون الاستكشاف والاستعمار..
ثمة تناغمٌ آسِر، يشمل عصرينِ متباعدين، ويعيد للأذهان ظلالَ صورةٍ فلتَت من متحف الأزمنة الغابرة.