لم تلد الأم شاعرنا بجناحين، لكنها منحته خيالا محلقا، خيالا يصنع نصوصا لذيذة، ويلتقط مشاهد مدهشة بعد أن يدخلها مختبر خياله الفسيح.
لم يكن الشاعر بحاجة لجناحين ليجوب الآفاق، وليحلق بحرية في السماء، يفيه خيال خلاق ليجترح الجميل والممتع.
يقوم الشاعر بنقل مشاهد الواقع في بناء معماري سمته الأساس التركيز الشديد والتقتير اللغوي القوي والتكثيف بغاية فتح كوى أمام القارئ لبناء النص من جديد وفق آليات التأويل التي تمنح النص رحابته المرجوة. ينقل الشاعر المشاهد التي أثرت في وجدانه وذهنه لغاية جعل القارئ يشعر بالمتعة التي شعر بها أثناء نقلها لغة. والبين أن المبدع ينتقي كلماته بدقة لتكون اللبنات المناسبة في معمار نصه؛ نصوصه.
تخير المفردات القليلة يحمل ثقل الدلالات المتوالدة عن هذا التكثيف ما يجعل القارئ يستحث ذاكرته القرائية والمعرفية لأجل الإحاطة بهذا الكم من الدلالات المكبوتة في إطار رسم الكلمات والتي تتفجر كلما قاربها المتلقي بالقراءة ليعيش الدهشة في كنف جمالية تفاعله مع النص. ففي نص حكمة:
حكيمة شمس الظهيرة
وهي تساوي بين الظلال. ص9
نجد الشاعر قد وظف القليل من الكلمات للتعبير عن رؤيته للعالم، من خلال ملاحظاته لظواهر الطبيعة؛ ومنها الشمس لحظة الظهيرة، ففي هذه اللحظة الزمنية الهاربة يلتقط الدلالة العابرة لزمنيتها، حيث إن كل الظلال تتساوى، فلا فرق ولا تمييز.
هذا التقتير اللغوي الشديد نجده في العديد من النصوص، ومنها هذا النص:
نضج
شمس الغروب
فاكهة ناضجة. ص10.
فمن خلال مشاهداته لظواهر الطبيعة، ومتابعاته لتحولاتها، يقتنص المعبر والدال، ويقدم لنا المشهد وكأنه يرسمه بريشة فنان تشكيلي.
وكذل الشأن في نص "نضج" ص11
وما الإجاصة
إلا دمعة ناضجة.
فالتشابه بين طرفي المعادلة بين، فالمشبه والمشبه به من جنس الحجم، فالإجاصة دمعة كبيرة، تسقط من عين غالبا محزونة، رغم أن الذوق الحلو للإجاصة يدفع إلى اعتبار الدمعة تعبيرا عن فرح، لكن الشاعر، في تصوري، التقط الصورة وأراد جعلنا نشعر بجماليتها.
أما في نص "تقابل ص11
فنجان قهوة
جنب كاس عصير
المعادلة السوريالية.
فنجده يستحث ذاكرة المتلقي، ويحركها لاستعادة الصورة وإدراك أبعادها السوريالية، إذ ما الذي يدعة الفنجان ليجلس قرب العصير سوى الحب بين طرفين، أحدهما يتناول الفنجان، والثاني يطلب العصير، في تضاد يصهره الحب، وتذوبه العلاقة الحميمية بين الطرفين.
وفي النص الوارد بالصفحة 59، نجده يرصد الحركة من خلال سؤال يطرحه على عصفور، إذ يقول:
قل لي أيها العصفور
م شجرة سكنت؟ !
العصفور كثير الحركة متنقل باستمرار، يصنع عشه متى وجده آمنا.
وإذا كان الشاعر قد جعلنا نشعر بحركة العصفور، فإنه في نص "رهافة" يسعى إلى جعلنا نشعر بالصوت، حيث إن سقوط الورقة صاحبه اهتزاز مشاعره معبرا بذلك عن مشاعره الرهيفة تجاه مظاهر الطبيعة، يقول:
سقطت ورقة من شجرة
صدقوني
لقد هزني ذوي ارتطامها
على الأرض !؟ ص19.
والشاعر واع بأهمية التكثيف والتقير اللغوي؛ إذ يقول في إحدى مقالاته عن هذا البعد: لا شك أن كل كاتب يعي بذكاء تام ما يريد إيصاله إلى قارئه، لكن تخونه أحيانا أساليبه وعدته في استلهام الواقع ومحايثة قضاياه كي يحوله إلى مادة إبداعية، بمعنى أن قضايا الواقع غزيرة ومتناثرة ومتشظية، والمبدع الذكي هو من يقتنص أهم تفاصيلها بما يخدم حجم رؤيته، إذ يعمد إلى تكثيف الواقع عبر تكثيف الكتابة مستعينا في ذلك بطرق وآليات تسعفه في تجنب اللف والدوران، حتى لا يسقط في مطبات الكتابة التقريرية الفضفاضة، لذلك نجد أن الكتاب الناجحين يلجأون إلى توظيف عناصر إيحائية وترميزية على مستوى الشخوص والأمكنة والأزمنة واللغة المشفرة المكثفة التي تعتمد على بعض تقنيات الحذف والتناص والتشذير ... لتقديم الدلالات المشبعة التي تليق بالقارئ المعاصر الذي تربى في ظل عالم قائم على الاختزال والايماء والإيماض...
وثيرا ما نجد الشاعر يقتنص المشاهد الحبلى بالمفارقات، كما في نصه "وفاء" ص18، الذي يقول فيه:
اسالي عني طوار الرصيف
ثيابي الملطخة برشاش السيارات...
م كنت حريصا على الوردة
خلف ظهري.
فقد اعتمدا على التنافر بين عناصر الصورة، حتى ليبدو للمتلقي أن طرفي الصورة متضادان من جهة الأثر الفني. وهذا التضاد من أهم العناصر المولدة لدينامية الصورة؛ لأنه يولّد الحيوية، ويجسد التعارض بين القوى البشرية والواقع. كما أن صور التقابل والتنافر والتضاد يميزها الصراع بين نزعتي؛ نزعة الإبقاء على الوردة نقية، ونزعة ترك ملابسه تعرض للتلوث حماية للوردة من الرذاذ، وذلك بغاية إظهار مدى حبه، وتفانيه في الإبقاء على الجمال بعيدا عن الأوساخ...
واختيار الشاعر النصوص الشعرية القصيرة والمكثفة نابع من إدراكه أن "ما يعلق في أذهاننا ووجداننا سوى فكرة واحدة عميقة، أو لحظة إنسانية نبيلة، أما التفاصيل الأخرى فهي تتلاشى لكونها مجرد موتيفات تعين المتلقي لفهم موقف إبداعي كهذا، تماما مثلما علقت بذاكرتنا نصوص، نعم نصوص على قلة مفرداتها، كالأمثال والحكم التي تناسى الجميع ملابسات قصصها، والشذرات وأقوال العظماء والفلاسفة والأدباء والخطباء..."
تشتمل المجموعة على الكثير من القصائد المتنوعة ثيمة وأسلوبا، جاءت في ست ملفات، لكل ملف عنوانه الخاص ومحوره الاساس؛ وهذه العناوين هي كالتالي: مشاهد ومحض شاعر ومثل وقع قدميك وأرقام، ورياح وعصافير ونيران. وأغلب نصوصها هي عبارة عن قصائد قصيرة مركزة ومكثفة، تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية ولها ختام مدهش مفتوح...
نصوص لها تميزها الخاص؛ وعالمها وحركة نموها؛ ومنطق بنائها.
وقد نوع في الأساليب الشعرية التي وظفها في التعبير عن رؤيته الشعرية، إذ تميزت بجملة خصائص، كالإيجاز والتكثيف والإدهاش والمفارقة والمفاجأة،فجاء قصائده لتعبر عن طموح الشاعر في قولؿ ما يريد قوله بأقصر الطرقؽ، مشحونة بالذات الشاعرة.
عن منشورات الموجة الثقافية صدرت للشاعر سعيد السوقايلي مجموعته "لم تلدني أمي بجناحين" في بعتها الأولى سنة 2020، وتمتد على مساحة 69 صفحة.
لم يكن الشاعر بحاجة لجناحين ليجوب الآفاق، وليحلق بحرية في السماء، يفيه خيال خلاق ليجترح الجميل والممتع.
يقوم الشاعر بنقل مشاهد الواقع في بناء معماري سمته الأساس التركيز الشديد والتقتير اللغوي القوي والتكثيف بغاية فتح كوى أمام القارئ لبناء النص من جديد وفق آليات التأويل التي تمنح النص رحابته المرجوة. ينقل الشاعر المشاهد التي أثرت في وجدانه وذهنه لغاية جعل القارئ يشعر بالمتعة التي شعر بها أثناء نقلها لغة. والبين أن المبدع ينتقي كلماته بدقة لتكون اللبنات المناسبة في معمار نصه؛ نصوصه.
تخير المفردات القليلة يحمل ثقل الدلالات المتوالدة عن هذا التكثيف ما يجعل القارئ يستحث ذاكرته القرائية والمعرفية لأجل الإحاطة بهذا الكم من الدلالات المكبوتة في إطار رسم الكلمات والتي تتفجر كلما قاربها المتلقي بالقراءة ليعيش الدهشة في كنف جمالية تفاعله مع النص. ففي نص حكمة:
حكيمة شمس الظهيرة
وهي تساوي بين الظلال. ص9
نجد الشاعر قد وظف القليل من الكلمات للتعبير عن رؤيته للعالم، من خلال ملاحظاته لظواهر الطبيعة؛ ومنها الشمس لحظة الظهيرة، ففي هذه اللحظة الزمنية الهاربة يلتقط الدلالة العابرة لزمنيتها، حيث إن كل الظلال تتساوى، فلا فرق ولا تمييز.
هذا التقتير اللغوي الشديد نجده في العديد من النصوص، ومنها هذا النص:
نضج
شمس الغروب
فاكهة ناضجة. ص10.
فمن خلال مشاهداته لظواهر الطبيعة، ومتابعاته لتحولاتها، يقتنص المعبر والدال، ويقدم لنا المشهد وكأنه يرسمه بريشة فنان تشكيلي.
وكذل الشأن في نص "نضج" ص11
وما الإجاصة
إلا دمعة ناضجة.
فالتشابه بين طرفي المعادلة بين، فالمشبه والمشبه به من جنس الحجم، فالإجاصة دمعة كبيرة، تسقط من عين غالبا محزونة، رغم أن الذوق الحلو للإجاصة يدفع إلى اعتبار الدمعة تعبيرا عن فرح، لكن الشاعر، في تصوري، التقط الصورة وأراد جعلنا نشعر بجماليتها.
أما في نص "تقابل ص11
فنجان قهوة
جنب كاس عصير
المعادلة السوريالية.
فنجده يستحث ذاكرة المتلقي، ويحركها لاستعادة الصورة وإدراك أبعادها السوريالية، إذ ما الذي يدعة الفنجان ليجلس قرب العصير سوى الحب بين طرفين، أحدهما يتناول الفنجان، والثاني يطلب العصير، في تضاد يصهره الحب، وتذوبه العلاقة الحميمية بين الطرفين.
وفي النص الوارد بالصفحة 59، نجده يرصد الحركة من خلال سؤال يطرحه على عصفور، إذ يقول:
قل لي أيها العصفور
م شجرة سكنت؟ !
العصفور كثير الحركة متنقل باستمرار، يصنع عشه متى وجده آمنا.
وإذا كان الشاعر قد جعلنا نشعر بحركة العصفور، فإنه في نص "رهافة" يسعى إلى جعلنا نشعر بالصوت، حيث إن سقوط الورقة صاحبه اهتزاز مشاعره معبرا بذلك عن مشاعره الرهيفة تجاه مظاهر الطبيعة، يقول:
سقطت ورقة من شجرة
صدقوني
لقد هزني ذوي ارتطامها
على الأرض !؟ ص19.
والشاعر واع بأهمية التكثيف والتقير اللغوي؛ إذ يقول في إحدى مقالاته عن هذا البعد: لا شك أن كل كاتب يعي بذكاء تام ما يريد إيصاله إلى قارئه، لكن تخونه أحيانا أساليبه وعدته في استلهام الواقع ومحايثة قضاياه كي يحوله إلى مادة إبداعية، بمعنى أن قضايا الواقع غزيرة ومتناثرة ومتشظية، والمبدع الذكي هو من يقتنص أهم تفاصيلها بما يخدم حجم رؤيته، إذ يعمد إلى تكثيف الواقع عبر تكثيف الكتابة مستعينا في ذلك بطرق وآليات تسعفه في تجنب اللف والدوران، حتى لا يسقط في مطبات الكتابة التقريرية الفضفاضة، لذلك نجد أن الكتاب الناجحين يلجأون إلى توظيف عناصر إيحائية وترميزية على مستوى الشخوص والأمكنة والأزمنة واللغة المشفرة المكثفة التي تعتمد على بعض تقنيات الحذف والتناص والتشذير ... لتقديم الدلالات المشبعة التي تليق بالقارئ المعاصر الذي تربى في ظل عالم قائم على الاختزال والايماء والإيماض...
وثيرا ما نجد الشاعر يقتنص المشاهد الحبلى بالمفارقات، كما في نصه "وفاء" ص18، الذي يقول فيه:
اسالي عني طوار الرصيف
ثيابي الملطخة برشاش السيارات...
م كنت حريصا على الوردة
خلف ظهري.
فقد اعتمدا على التنافر بين عناصر الصورة، حتى ليبدو للمتلقي أن طرفي الصورة متضادان من جهة الأثر الفني. وهذا التضاد من أهم العناصر المولدة لدينامية الصورة؛ لأنه يولّد الحيوية، ويجسد التعارض بين القوى البشرية والواقع. كما أن صور التقابل والتنافر والتضاد يميزها الصراع بين نزعتي؛ نزعة الإبقاء على الوردة نقية، ونزعة ترك ملابسه تعرض للتلوث حماية للوردة من الرذاذ، وذلك بغاية إظهار مدى حبه، وتفانيه في الإبقاء على الجمال بعيدا عن الأوساخ...
واختيار الشاعر النصوص الشعرية القصيرة والمكثفة نابع من إدراكه أن "ما يعلق في أذهاننا ووجداننا سوى فكرة واحدة عميقة، أو لحظة إنسانية نبيلة، أما التفاصيل الأخرى فهي تتلاشى لكونها مجرد موتيفات تعين المتلقي لفهم موقف إبداعي كهذا، تماما مثلما علقت بذاكرتنا نصوص، نعم نصوص على قلة مفرداتها، كالأمثال والحكم التي تناسى الجميع ملابسات قصصها، والشذرات وأقوال العظماء والفلاسفة والأدباء والخطباء..."
تشتمل المجموعة على الكثير من القصائد المتنوعة ثيمة وأسلوبا، جاءت في ست ملفات، لكل ملف عنوانه الخاص ومحوره الاساس؛ وهذه العناوين هي كالتالي: مشاهد ومحض شاعر ومثل وقع قدميك وأرقام، ورياح وعصافير ونيران. وأغلب نصوصها هي عبارة عن قصائد قصيرة مركزة ومكثفة، تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية ولها ختام مدهش مفتوح...
نصوص لها تميزها الخاص؛ وعالمها وحركة نموها؛ ومنطق بنائها.
وقد نوع في الأساليب الشعرية التي وظفها في التعبير عن رؤيته الشعرية، إذ تميزت بجملة خصائص، كالإيجاز والتكثيف والإدهاش والمفارقة والمفاجأة،فجاء قصائده لتعبر عن طموح الشاعر في قولؿ ما يريد قوله بأقصر الطرقؽ، مشحونة بالذات الشاعرة.
عن منشورات الموجة الثقافية صدرت للشاعر سعيد السوقايلي مجموعته "لم تلدني أمي بجناحين" في بعتها الأولى سنة 2020، وتمتد على مساحة 69 صفحة.