في ديوانه «رجفة المقامات» الصادر مؤخرا عن دار الأدهم، يقدم الشاعر محمد الشحات رؤية شعرية جديدة لأحوال العاشق والمغترب والمنتشى والباحث عن الحق، من خلال استدعاء فكرة المقامات التي لها أكثر من مدلول في اللغة والثقافة التراثية، فهى أولا تحمل شحنة صوفية مستقرة في الأذهان، يرتقى من خلالها الصوفى روحيا إلى أن يصل لدرجة التوحد والتماهى مع الذات العليا وهى أيضا مرتبطة بالموسيقى، فالمقامات الموسيقية هي الميزان الأساسى لضبط الإيقاع والإحساس بالتناغم بين الجمل الموسيقية وبعضها البعض، وهى علم مستقل بذاته، له عشاقه ومريدوه، والمقامات معروفة في التراث باعتبارها نوعا من الكتابة النثرية التي تصف أحوال الناس وطرائفهم وغرائبهم، وهى فن نثرى مميز منذ بديع الزمان الهمذانى مرورا بمحمد المويلحى وانتهاء ببيرم التونسى وغيرهم ممن كتبوا هذا النوع من الأدب وبرعوا فيه.
يلجأ الكاتب إذن إلى نوع من المخاتلة تتمثل في اتساع الدلالة لتنطبق على أكثر من معنى وتعطى القارئ أكثر من إيحاء، بحيث يجعله يقظا ومستعدا لاستيعاب المعنى الحقيقى المراد من المقامات هنا، وأظنها تتجاوز المعانى والدلالات السابقة كلها، ليؤسس الكاتب لنوع مختلف يتعلق بالدلالة الروحية للمقامات أو المقامات الروحية الكامنة في عمق النفس البشرية، يتضح ذلك من التنوع في القصيدة الأولى التي يحمل العنوان اسمها إذ يقول الشاعر: «سأظل أبحث / في متاهات المقام / وأرتوى/ حتى يظن الخلق / أنى ما ارتويت / فأعود من حيث انطلقت». تصدير القصيدة بهذا المقطع المبدئى يشير إلى دائرة مفرغة يخلقها الكاتب لنفسه وللقارئ ويستمرؤها، بحيث تصبح تلك الدائرة بمثابة حالة خاصة تلازمه وتجعله خال من اليقين.
ثم يعدد الشاعر المقامات التي يقصدها وهى: «هذا مقام الوجد / فاهدأ حين تدخله» و«هذا مقام العشق / إن عاندته / ستتوه إن لم تنتق الكلمات / إن لم ترتق الدرجات» و«هذا مقام الخوف / فاحذر حين تدخله» ويتابع «هذا مقام النادمين / فرُح له / واجلس على أعتابه» ثم: «هذا مقام العارفين / فإن عرفت / فدع معارفك القديمة / والتقط من نور قلبك / نفحة تمضى بها». ثم يأتى مقام الواصلين ومقام الحزن ومقام النازفين ومقام الخائفين، وهو يختلف هنا عن مقام الخوف، فهو في الأخيرة يؤنسن المقام، يمنحه صفة وهيئة بشرية، وفى النهاية: «هذا مقامك / فاستعد / من كل ما يدنيك / واسكن هدأة الأعضاء.... واغسل ضلوعك / وانتبه / من نشوة لا تنتهى».
كأن القصيدة تحمل تصاعدا موسيقيا بتصاعد المقامات أو الحالات الروحية التي يرصدها الشاعر، إلى أن يصل في النهاية إلى ذروة أعد لها مسبقا وهى شخصنة المقام ليصبح مقام شخص معين. ربما الشاعر، ربما القارئ، ربما شخص آخر لم يحل بعد إلا أن هذه الذروة تعتبر تلخيصا ودمجا لكل المقامات السابقة في حالة بشرية واحدة. تتداعى هواجس الروح في الديوان في أكثر من موضع، من بينها القصيدة الثانية التي تحمل عنوان «كونية الروح» والتى يتناول فيها الشاعر لغزا أبديا يتمثل في هوية الروح وطبيعتها وحضورها في اليقظة والحلم، بل ووضعها بعد الموت وإمكانية أن تكون الروح دوّارة أو مراوغة، كيف تكون الروح حميمية أو متخلية عن صاحبها ببساطة. وبعيدا عن المنحى الروحى، تبدو العوامل المادية المتعلقة بحضور الفرد وذكرياته وأحلامه وأبعاد ملامحه وما تمثله بالنسبة للفرد وبالنسبة للآخرين، من الصور المؤثرة والمعبرة عن الخريطة النفسية للشاعر وما يختلج في نفسه من صراع بين الروح والجسد. ومنها قصيدة «البحث عن ملامحى» التي يقول فيها الشاعر: «لا تستقيم ملامحى / قطر / من الدمعات يهبط / حين يغمرنى فأطفو / فتردنى طفلا يقاوم ضعفه / ويظل يبحث/ عن ملامحه التي تاهت هناك / في دورة / لا تنتهى». تبدو حالة النوستالجيا غالبة على الكثير من قصائد الديوان، كما تبدأ الأسئلة الكبيرة ـ مثل الحديث عن الوطن وعن الاغتراب ـ في الاختفاء تدريجيا لصالح الهواجس والمشاعر الذاتية المتعلقة بنزيف الروح، ويلعب الإيقاع دورا محوريا في الانتقال بين الصور الشعرية بسلاسة وخفة، ليصبح النص كله مفتوحا للمتلقى عبر فجوات زمنية، يتعلق بها الشاعر ويفتح لها مسام القصائد لتتنفس وتعود للحياة من جديد. الديوان يمثل طفرة في الصور والتراكيب اللغوية، وإن كانت امتدادا طبيعيا لتجربة الشاعر الذي ينتمى لجيل السبعينيات في الشعر المصرى، إلا أن الديوان يحمل العديد من المفارقات والأسئلة ذات الطابع الفلسفى والصوفى والروحى، تختلف كثيرا عن الطابع الذاتى أو المادى الذي كان مسيطرا بشكل كبير على دواوينه السابقة، خاصة ديوان «سيعود من بلد بعيد» وديوان «ترنيمات شاعر قبل الرحيل» بالإضافة إلى دواوينه الأولى «عندما تدخلين دمى» و«كثيرة هزائمى» لكنه في هذا الديوان الأخير يطرق فضاء جديدا على مستوى التصوير الفنى أو الموسيقى أو الكشف الروحى.
يلجأ الكاتب إذن إلى نوع من المخاتلة تتمثل في اتساع الدلالة لتنطبق على أكثر من معنى وتعطى القارئ أكثر من إيحاء، بحيث يجعله يقظا ومستعدا لاستيعاب المعنى الحقيقى المراد من المقامات هنا، وأظنها تتجاوز المعانى والدلالات السابقة كلها، ليؤسس الكاتب لنوع مختلف يتعلق بالدلالة الروحية للمقامات أو المقامات الروحية الكامنة في عمق النفس البشرية، يتضح ذلك من التنوع في القصيدة الأولى التي يحمل العنوان اسمها إذ يقول الشاعر: «سأظل أبحث / في متاهات المقام / وأرتوى/ حتى يظن الخلق / أنى ما ارتويت / فأعود من حيث انطلقت». تصدير القصيدة بهذا المقطع المبدئى يشير إلى دائرة مفرغة يخلقها الكاتب لنفسه وللقارئ ويستمرؤها، بحيث تصبح تلك الدائرة بمثابة حالة خاصة تلازمه وتجعله خال من اليقين.
ثم يعدد الشاعر المقامات التي يقصدها وهى: «هذا مقام الوجد / فاهدأ حين تدخله» و«هذا مقام العشق / إن عاندته / ستتوه إن لم تنتق الكلمات / إن لم ترتق الدرجات» و«هذا مقام الخوف / فاحذر حين تدخله» ويتابع «هذا مقام النادمين / فرُح له / واجلس على أعتابه» ثم: «هذا مقام العارفين / فإن عرفت / فدع معارفك القديمة / والتقط من نور قلبك / نفحة تمضى بها». ثم يأتى مقام الواصلين ومقام الحزن ومقام النازفين ومقام الخائفين، وهو يختلف هنا عن مقام الخوف، فهو في الأخيرة يؤنسن المقام، يمنحه صفة وهيئة بشرية، وفى النهاية: «هذا مقامك / فاستعد / من كل ما يدنيك / واسكن هدأة الأعضاء.... واغسل ضلوعك / وانتبه / من نشوة لا تنتهى».
كأن القصيدة تحمل تصاعدا موسيقيا بتصاعد المقامات أو الحالات الروحية التي يرصدها الشاعر، إلى أن يصل في النهاية إلى ذروة أعد لها مسبقا وهى شخصنة المقام ليصبح مقام شخص معين. ربما الشاعر، ربما القارئ، ربما شخص آخر لم يحل بعد إلا أن هذه الذروة تعتبر تلخيصا ودمجا لكل المقامات السابقة في حالة بشرية واحدة. تتداعى هواجس الروح في الديوان في أكثر من موضع، من بينها القصيدة الثانية التي تحمل عنوان «كونية الروح» والتى يتناول فيها الشاعر لغزا أبديا يتمثل في هوية الروح وطبيعتها وحضورها في اليقظة والحلم، بل ووضعها بعد الموت وإمكانية أن تكون الروح دوّارة أو مراوغة، كيف تكون الروح حميمية أو متخلية عن صاحبها ببساطة. وبعيدا عن المنحى الروحى، تبدو العوامل المادية المتعلقة بحضور الفرد وذكرياته وأحلامه وأبعاد ملامحه وما تمثله بالنسبة للفرد وبالنسبة للآخرين، من الصور المؤثرة والمعبرة عن الخريطة النفسية للشاعر وما يختلج في نفسه من صراع بين الروح والجسد. ومنها قصيدة «البحث عن ملامحى» التي يقول فيها الشاعر: «لا تستقيم ملامحى / قطر / من الدمعات يهبط / حين يغمرنى فأطفو / فتردنى طفلا يقاوم ضعفه / ويظل يبحث/ عن ملامحه التي تاهت هناك / في دورة / لا تنتهى». تبدو حالة النوستالجيا غالبة على الكثير من قصائد الديوان، كما تبدأ الأسئلة الكبيرة ـ مثل الحديث عن الوطن وعن الاغتراب ـ في الاختفاء تدريجيا لصالح الهواجس والمشاعر الذاتية المتعلقة بنزيف الروح، ويلعب الإيقاع دورا محوريا في الانتقال بين الصور الشعرية بسلاسة وخفة، ليصبح النص كله مفتوحا للمتلقى عبر فجوات زمنية، يتعلق بها الشاعر ويفتح لها مسام القصائد لتتنفس وتعود للحياة من جديد. الديوان يمثل طفرة في الصور والتراكيب اللغوية، وإن كانت امتدادا طبيعيا لتجربة الشاعر الذي ينتمى لجيل السبعينيات في الشعر المصرى، إلا أن الديوان يحمل العديد من المفارقات والأسئلة ذات الطابع الفلسفى والصوفى والروحى، تختلف كثيرا عن الطابع الذاتى أو المادى الذي كان مسيطرا بشكل كبير على دواوينه السابقة، خاصة ديوان «سيعود من بلد بعيد» وديوان «ترنيمات شاعر قبل الرحيل» بالإضافة إلى دواوينه الأولى «عندما تدخلين دمى» و«كثيرة هزائمى» لكنه في هذا الديوان الأخير يطرق فضاء جديدا على مستوى التصوير الفنى أو الموسيقى أو الكشف الروحى.