نص مسرحي
* ( هدية لكل نساء العالم )شخوص العمل:
1- الرجل .
2- المرأة.
الفصل الأول - المشهد الأول
مشهد استهلالي حركي صامت
جدران زجاجية على جانبي المسرح وقطعة قماش بيضاء وأخرى حمراء ممتدتان بشكل طولي من أعلى عمق فضاء المسرح وحتى منتصف المسرح كأنهما ممتدتان من السماء, وسط قطعة القماش تظهر بعد ثواني من فتح ستار المسرح كتلة غير مرئية تتحرك بشكل فوضوي كأنها الطلق لدى المرأة الحامل حتى يخيل للمتلقي أنه جالس لمشاهدة ولادة طفل, يصاحبها أصوات صراخ وتأوهات مضخمة بالصوت وإنارة حمراء وبيضاء على شكل دوائر تتصارع على خشبة المسرح, يعلو صوت الصراخ والتأوهات والموسيقى الجنائزية العسكرية الصاخبة وحركة الكتلة داخل قطعة القماش تزداد بشكل صراع, يخرج من أطراف الكتلة تحت قطعة القماش يد وتارة أخرى قدم وتعاد الكرة مرتين, في الأولى يد وقدم رجل, وفي المرة الثانية يد وقدم امرأة, تزداد الحركة مع سرعة الصراخ والموسيقى وتنتهي مع صرخة عالية وإطفاء أنوار المسرح مع خروج رجل وامرأة من على يسار ويمين قطعة القماش على طريقة القذف المصاحب بصراخهما, وهما يجران القطعتان بتعاقب فيكون طرف اللون الأبيض بيد المرأة وطرف اللون الأحمر بيد الرجل, (صمت إطفاء الأنوار تماما), يرتديان ملابس باليه ملساء بلون البشرة يخيل للمتلقي إنهما عراة .
(أنوار المسرح تضاء ) الرجل والمرأة بلباس أسود على جانبي المسرح وكلاهما يقبض بقوة على طرفي قطعة القماش ذاتها, موسيقى رومانسية ينجذبان ويمدان يداهما للآخر ويرقصان على أنغام الموسيقى فيذوبان ببعضهما البعض ليعطيان انطباع وإقناع تام للمتلقي إنهما حبيبان حقيقيان يصل حد تلمس أجزاء أجسامهما البعض والوصول لحركة قريبة جدا من التقبيل دون أن يحققانها, كل ذلك دون أن يصلان لمناطق ومساحة ما تركا من طرفي القماش على جانبي المسرح, موسيقى ورقص صاخب يدفع فيها الرجل المرأة إلى يسار المسرح حيث قطعة قماشه, تتحسس المرأة قطعته الحمراء فيستفز الرجل ويثور, موسيقى صراع يتبادلان فيه تبادل الأماكن ما بين يمين ويسار المسرح وكان المرأة تحاول الإفلات منه, موسيقى جنائزية يمسك بالفتاة ويدور بها من رأسها بالمسرح ويلف على رقبتها قطعة القماش الحمراء والبيضاء ويشنقها مع ضربة موسيقية (إطفاء أنوار المسرح ) .
المشهد الثاني
المنظر/ جدران زجاجية على جانبي المسرح وقطعة قماش بيضاء وأخرى حمراء ممتدتان بشكل طولي من أعلى عمق فضاء المسرح وحتى منتصف المسرح كأنهما من السماء, وسط المسرح كرسي فارغ متهرئ, وامرأة قلقة تجول وسط المسرح طولا وعرضا والى جانب المسرح شخص جالس على مكتب وبجانبه رزم أوراق وكل ما يكتب ورقه يمزقها ويرميها وسط المسرح حتى يتكدس بجانبه الكثير من الورق على شكل كومة كبيرة .
الرجل : (جالس أمام رزمة ورق يكتب ويمزق الورق ويخاطب نفسه بصوت عال خلال تمزيقه للورقة ) … خطأ….خطأ…..خطأ…
المرأة : ( وهي تجول حائرة ) الصحيح أن تكون خطأ لتعرف الصواب .
الرجل : ( وهو يرمي ما يكتبه على أرض المسرح ) .. خطأ….خطأ…..خطأ…
المرأة : الأخطاء ليست خطايا ونحن لسنا أنبياء .
الرجل: .. خطأ….خطأ…..خطأ…
المرأة : إن لم تعرف الخطأ فلن تميز الصواب أبدا.
الرجل : .. خطأ….خطأ…..خطأ…
المرأه : (بغضب ) .. خطأ….خطأ…..خطأ…هو أن لا تعرف الخطأ …
الرجل: (ينهض وهو يحمل طرف قطعة القماش الحمراء ويلفها على يده كأنها سوط ) .. خطأ….خطأ…..أن يكون الصواب مقرونا بالخطأ فسواد أفعاله يغتال بياض حسناته.
المرأة : ( تلتقط طرف قطعة القماش الحمراء) الفعل أن أبقى انتظر قدومه والحسنة أن يعود.
الرجل: ( يلف القماش عليها كأنه يشنقها ) فعلك ينتظر من ؟؟
المرأة : ( تحاول الإفلات من قطعة القماش بشكل دوران حتى تصل إلى جانب المسرح ) انتظره منذ أن مل الناس قدوم غودوا .
الرجل: ( يتبادل معها مكان الوقوف على طريقة الجري البطيء وهو يضحك بهستيرية ) لن يأتي…………….فعلك أقبح من عذرك ..
المرأة : ( تتحدث للجمهور وهي تتقدم عليهم ) هو إن عاد ………..فسيعيد لي كل شيء ..لا نريد منه سوى فعل وصوت في صنع القرار.
الرجل : ( يضحك وهو يتلمس قطعة القماش البيضاء ) ..لن يجيء ..انتظرته الملايين على هذا التل …لكنه لم يعد .(يضحك بهستيرية ) .. لكنه لم يعد.
المرأة : ( وهي تجثو على ركبتيها وتجمع الأوراق من الأرض كأنها تتحسسها) الملايين خذلهم الصبر …….الصبر…..( تقف وترمي الأوراق في سماء المسرح ) أما صبري فطويل …….( تركض حتى تصل لحزم الأوراق على المكتب وتلتقطها وتضعها على صدرها ) لا أريد منه سوى حقوقي ..
الرجل: (يضحك وهو يعتلي الكرسي ويمد رأسه ويضع يده اليمنى على حاجبيه كأنه يسترق النظر ) الحقوق لا تأتي بالانتظار…….. لا تأتي بالانتظار…..( ينزل من الكرسي ويحاول قنص المرأة فتركض منه ) الحقوق تنتزع ………..بالنار …..بالدخان…بالبنادق.
المرأة: ( تحاول الإفلات منه ) هذا قانون الدم.
الرجل: ( يجلس على الكرسي ويضع ساقه اليمنى على ساقه اليسرى في إشارة إلى سلطة الدين ) بل منطق العقل ……….والقوة.
المرأة: ( تتلمس قطعة القماش البيضاء) العقل ……لا يحكم بالقوة..بل يحكم بالمنطق …بال……….
الرجل : (مقاطعا وهو جالس على الكرسي )والمنطق يقول ………..( ينهض من الكرسي ويحاول اقتناص المرأة) أنكن جواري..
المرأة: ( تحاول الإفلات منه ) إنها عبودية… أنت مرتد …
الرجل : ( وهو يتراجع إلى الوراء قليلا ) لا ردة في أن يكون الرجل سيد المرأة …و…..و….(يتدارك همجيته ويمسك بحزمة الورق على المكتب ) ….والمرأة جارية للرجل …بل الردة ( يحمل قطعة القماش ويلفها على يده كأنها سوط) أن نكون كلانا في زمن واحد.
المرأة: ( تحاول التمايل في المسرح للإقناع ) الشمس خليلة القمر………..( بحزم له ) من يعجز منهم عن تبديد الظلمة …يستريح ..
الرجل : ( وهو جالس متبخترا على كرسي المكتب ) القمر يجبر الشمس على الاحتراق كل يوم …
المرأة: ( بصوت عال تنهره) كفى… فكر الدم… يستبيح كل شيء( تضع رأسها في حجرها جانب المسرح)
الرجل : ( يضحك بهستيرية ويعتلي الكرسي وبصوت عال يصيح ) من يشك بسيادتي على الكون؟؟؟ .. …..ها من يشك ؟؟؟؟؟ ….( ينزل ويقترب منها محاولا اغتصابها ) لي الحق أن أستبيح كل شيء حتى الرغبة.
المرأة: ( تحاول الإفلات منه ) استباحة كل شيء… يعني استباحة التاريخ … وتعطيله…
الرجل : (يضحك بصوت عال ) التاريخ!!!!!!!!!! (يضحك وينثر الأوراق التي على مكتبه في فضاء المسرح) نحن ….نحن معشر الرجال من نكتب التاريخ…
المرأة : ( تحاول بلهفة جمع ما يسقط منه من أوراق ) ماذا ستكتب ……ماذا ستكتب ….أيها السيد النبيل…( تنهض كالمسبية المتعبة) تكتب عن سوطك الذي ما فارق ظهورنا؟؟ ..( وتمثل حركة ضرب السوط ) أم بسجنك الذي اغتال كل أحلامنا؟؟ …(تحاول فتح مقدمه أعلى ثوبها وبثانيه تلتفت إلى الوراء وتصمت ومن ثم تعاود الكلام ) أم بحبلك هذا؟؟(تشير لزاوية فيها مشنقة متخفية أسفل قطعة القماش البيضاء) الذي شنقت فيه العقول وما تبقى من الأحلام …أم تكتب عن استباحتك لرغباتنا وهتكك حرمنا …
الرجل : ( وهو يقف بصوت جهوري كأنه ناعي) هذا هو قدرنا ……….أن نكون نحن معشر الرجال ( يشير لصدره وللجمهور) من نسير كل شيء هنا ………حتى القضاء والقدر..
المرأة : ( تلوذ بقطعة القماش البيضاء) إرادة السماء أقوى من نزواتك …وعلم بأن لا رجولة في زمن الخوف…و زمن العنف ..
الرجل: (يضحك) نزواتي!!! ……. ( وهو يتجول كفاتح وقائد معركة طول وعرض المسرح ) من سنين ونحن نحكم العالم ….بالسوط والسيف والمقصلة … (يقترب منها محاولا اغتصابها ) من سنين وأنتن يا معشر النساء وسيلة لإرضاء رغباتنا … وشهواتنا… ( تحاول الإفلات منه ) وحينما تخذلنا الأقدار … ترفضن أبنائكن لأنهم لا يدرون أموالا..
المرأة : ( تتلمس خشبة المسرح ) من سنين وهذه الخشبة لا تحيى إلا بنا نحن الاثنين ..
الرجل : (يضحك) هراء …هذا جنون .. : (يضحك) أنتن مجرد كومبارس..جنود شطرنج.
المرأة : ( بشجاعة وهي تحاول اغتصابه ) لو لم نكن نصفيين ..لما توحدنا برغبة مجنونه لتخرج أنت للحياة.
الرجل : ( بصوت خافت) أحيانا يجبر المرء (يعلو صوته ) في قبول أرذل الحلول من أجل البقاء.
المرأة : (بصوت عال) بل قل من أجل أن تستمر الحياة ..
الرجل : ( يحاول الإمساك بها ) إن كان الفضل في بقاء الرجل أنتن ..فسأحطم هذا القانون ( تحاول الإفلات منه ) وأمزق كل الحلول النبيلة منها والرذيلة..
المرأة : ( تقف بإذعان وطاعة) تريد أن توقف الحياة ؟؟؟
الرجل : ( بعنجهية وصوت عال ) لا بل ستستمر …….( يشير لنفسه وللجمهور) لكن بنا نحن معشر ألا رغبات وألا شهوات..
المرأة : ( بصوت حزين) وهل يقاوم القمر بلا شمس.
الرجل : ( بتأكد وصوت عال ) يستطيع المرء أن يحيا بلا كلام فالإشارات تكفيه .
المرأة: ( تحاول إرضاءه ) والحب ؟؟
الرجل : ( يضحك بهستيرية مغرورة) )الحب مقصلة الكبرياء والكرامة ….(يترجل) فلا زلت أذكر ذلك المحارب الذي عشق تلك الحورية التي فتحت عينيها للتو لتلمس الحب ..(موسيقى رومانسية) خمس سنوات مرت وهو يقف في نهاية الزقاق أو أوله عله يرى طرف من جيدها أو خصلته من شعرها المتطاير (بكلمات مسرعة) أو أن يقتنص الفرصة السانحة ليعبر سور الصين فاتحا ..(صمت) ذهب إلى مقدمة الشجعان وهو يترنم (يغني) (بلادي …بلادي ..بلادي لك حبي وفؤادي …بلاد….) (صوت انفجارات وقصف عسكري ويسقط الرجل على الأرض كأنه مصاب ) غاب عن الوعي ورحل سارية لعلم ممدد على هيئة نهر حزين …(يستدرك عصبيته ويشير للمرأة )..أما حوريته اختصرت الخمس سنين بأربعين يوم وأحبت غيره ….فأي حب هذا الذي لا يصمد بوجه الرغبة ويكون عنوانا للوفاء ؟؟!!….
المرأة: لكل قاعدة شواذ ….الوفاء يحتاج لقلب امرأة وجسد رجل ..ومن أسست للكيد بعين السماء هي من تطهرت بماء الحب وأحالته لعشق وهيام وحظيت بقلب نبي …ومن خلق ملاكا هو عراب الشياطين …فالحب ليس رغبة مجنونة أو لحظات ماجنة…الحب يعني الطهارة ولحظات حقيقة خارج حدود التيه …ولا نختصر نحن بحبيبة …فإن كانت ذاكرتك قد ثقبت من فرط شواذ ..فإن ذاكرتي لازالت تضج بعبق الوفاء لأم هنا فقدت ابنها في رحى الانهزامات أو تلك التي ذبحوا أمامها بسكين الفتنة وراحت تصل الليل بالنهار بكاء ونحيبا (تجلس تتقمص دور المرأة العراقية وهي تولول شعر شعبي ), أو أخت فقدت ما لم يأتي به حب أو أي قران أخ لن تلده أم لها بعد ..في ليلة ظلماء افتقد اغتيل فيها البدر وحضر الكره قمرا, فأي حضور يعوض ذلك الغياب …فأي رغبة يختزل فيها حضورنا …الرغبة لا دين لها ولا جنس مثلما الكره لا وطن له ولا سماء.
الرجل : لا دين للنساء ولا وطن …فغيابكن يعني الحضور….
المرأة : ( وهي تحمل قطعة القماش الحمراء من أرض المسرح ) ستوقف التاريخ …ولن يستمر من دوننا.
الرجل : ( بصوت عال ) أريده أن يستريح .
المرأة : ( بصوت خافت) ألا يكفي ما فعلت ؟؟
الرجل : ( وهو يتمايل وسط المسرح) لم أفعل شيء بعد .
المرأة : ( تحاول إقناعه ) وحقوقنا التي اغتصبتها ؟؟ ( بصوت عال وهي تتحدث للجمهور) ألسنا نحن نصف الكون ؟؟؟……….فلما تريدون قتلنا على مقصلة التنكيل والفكر الجاهلي .
الرجل : (يخرج من بين كتبه دستور البلاد) خليلتي بالفراش ..( يضحك) بالفراش فقط .. بعيدة عن الحكم والدولة .
المرأة : ( وهي تقف يسار المسرح نصف دائري ) حقي هو أن أشاطرك الدين والسياسة ( تحاول الإمساك به ) مثلما أشاطرك الحب والرغبة.
الرجل : ( يحاول الإفلات منها ) فصل المرأة عن الدولة ..مطلب شرعي قبل أن يكون وضعي.
المرأة : ( بصوت خافت ) إنها ردة .
الرجل : ( بصوت عال ) الردة أن نأمن كيدكن .
المرأة : ( بصوت عال ) تعاليم السماء لابد أن تفهم كلها لا أجزاء.
الرجل : ( بصوت خافت ) تعاليم السماء أكدت عن إن كيدكن كيد عظيم وإن المال والبنون ………فقط لا غير ……….زينة الحياة.
المرأة : ( بصوت عال) والجنة تحت أي أقدام ؟؟ .. ولا تقل لهم أف…..
الرجل : ( بصوت عال ) السماء تريد …. والناس تريد… وأنا أريد ما لا يريدون.
المرأة: ( بصوت خافت ) أتريد اغتيالنا ؟؟
الرجل : ( بصوت عال ) أريد أن أدخل التاريخ وحدي من دونك..
المرأة : ( بصوت خافت ) أتريد أن تدخله عنوه؟؟
الرجل : ( وهو يأخذ منها القماش الأحمر عنوة) لا بل بأعواد المشانق.
المرأة : ( يتجاذبان الصراع على طرفي قطعة القماش) أعوادك لمن ؟؟
الرجل : لمعشر النسوة.
المرأة : الوحدة ستقتلك ..
الرجل : بل ستجعلني ملكا على كل شيء.
المرأة : (قبولا لرغبات الرجل ) علمونا كيف نطيع النهار ..الآن أفعل ما تشاء ( تسحب القماش فتصل إليه وجها لوجه)
الرجل : ( وهو يجلس على أحد جوانب المكتب) لا أريد منك سوى إعتلاء المقصلة لا نفذ فيك حكم الرجولة .
المرأة: (تعتلي منصة الإعدام ) ستعرف يوما بأنك من غيري لا تحيى أبدا… وقبولي بتنفيذ هذا الحكم هو تطبيقا لتعاليم السماء التي فهمتموها كأجزاء.
الرجل : (يضحك بهستيرية وغرور ويضع حبل المقصلة برقبة المرأة) بلغي السماء عني …………… بأني أنا من استباح حقوقك …….ومسحت كل قوانين العالم كي أدخل التاريخ بمفردي فاتحا.
المرأة : ( وهي تنتصب بشموخ) الفاتح يعني فتح صفحة ناصعة في التاريخ لا أن يستبح ويعلن عنوة نهاية التاريخ.
الرجل : (بعصبية) التاريخ لن ينتهي سيستمر لكن بنا ..نحن الرجال.
المرأة : لن يستمر سيختتم صفحاته بعد ثوان من اغتيالك للشمس.
الرجل : (يجر الحبل لإعدامها) شمس تستفز القمر بيقظتها لسنا بحاجة لها ..
(صمت وظلام)
المشهد الثالث
المنظر:
ذات المنظر في المشهد الأول إلا إنه يخلوا من المرأة , وتضاء أنوار المسرح مع أصوات موسيقية والرجل يظهر من خلف قطعة القماش الحمراء التي وضعت بدلا عن قطعة القماش البيضاء في المشهد الأول, يرقص على أنغام الموسيقى فرحا في المسرح فيتصارع كلما دخل حدود منطقة يسار المسرح مع شيء خفي وبحركات إيمائية تشده وتضع يديه على طريقة الرقص الغربي ويحاول جذب نفسه منها ويعود ليمين المسرح ويعاود الكرة متناسين بين لحظة وأخرى جذب المنطقة اليسرى فيدخل حدودها فيتكرر المشهد مرة أخرى, ومن ثم تهب أصوات ريح مخيفة تولد لديه شعور بوحدة قاتله وهو يلتفت لأربعة جدران من الزجاج وكلما يقف خلفها يرى المرأة خلفها فيكابر ولا يستطيع.
صوت المرأة : لن تدخل التاريخ ..
الرجل : (بهستيرية) سأدخله عنوه…… سأدخله عنوه …(صمت وريح مخيفة)
صوت المرأة : (من بعيد وفي هيئة صدى يتردد )….لن تدخل التاريخ…..
الرجل : ( صمت ) يا إلهي ما هذا الصمت الرهيب … أي وحدة قاتلة هذه (يمسك شفتيه) سأنسى الكلام..( يبحث في المسرح ) ما من أحد يكلمني؟..
(يذهب لمؤخرة المسرح) ما بال شعبي؟ .. ..أقصد رجالي؟ ..لم هم هائمون؟ ..حزينون؟ ..يلوذون في الفلوات بحثا؟!!!! ………..بحثا؟!!!….
(يهز رأسه رفضا للفكرة) .. لا…لا ..
( بصوت جهوري مكابر وهو يسقط في مقدمة المسرح) ….لا …هم رجال وسيتغلبون على رغباتهم..نعم سيتغلبون على رغباتهم …… بصوت خافت غير مقتنع بما يقول ) حتما سيتغلبون على رغباتهم……
(ينظر خلف الزجاج لرجاله فيدهش ويصاب بالذعر والهيجان لأنه يراهم وهم استبدلوا المرأة بالرجل ويعبر عن هذا بتعجبه وصرخاته وتأوهاته )هذا غير منطقي… الرغبة منبع المعاصي… الرغبة سلطان ماجن ..الرغبة ليل كافر يستبيح صمت الكون ويحيله إلى فوضى ماجنة …..
(يعود لوسط المسرح ليكلم الجمهور بمكابرة )الوحدة لم تؤثر علي …الوحدة…نعم …نعم ..لم تؤثر علي ….
(يستدرك هول المصيبة والذنب بقتل نصفه الآخر وهو لا يسمع غير صدى صوته ) يا إلهي …….. يا إلهي ……..لا أسمع سوى صدى صوتي ….
( يذهب صوب المكتب وحزم الورق فيقلب المكتب ) حتى التاريخ ما عاد يكتب شيئا……
( بصوت قائد عسكري مقهور)………… فلا بطولات أو أي فتوحات …قتل ..وانتصار…انهزام….وانكسار ….وحصاد الرؤوس في حصاد مستمر …التاريخ لا يكتب ؟؟!!…التاريخ لا يكتب ؟؟!!أو حياة توثق..
( يختنق فيحاول أن يتنفس) أو….أو… فسحة من الأمل لمواصلة الحياة ……
(يذهب مرة أخرى لمؤخرة المسرح وهو يتأمل بحزن ويهز برأسه ) الرغبة عذراء المعاصي …استبدلوا الرغبة بالنكبة …فضاع الغد …..
(يهز رأسه رفضا للفكرة) لم يستطيعوا التغلب على رغباتهم فاستبدلوها مقدمة الليل بمؤخرة النهار..(يصرخ بصوت عال ) استبدلوا المقدمة بالمؤخرة ..المقدمة بالمؤخرة .. و لا عذر إن دقت ساعة السؤال ….
( بصوت خافت وهو يسقط في مقدمة المسرح)…لا عذر أو أي شفاعة …أي شفاعة (يستدرك أكثر ويسقط أرضا على ركبتيه ) أنا السبب …..أنا السبب ….نعم أنا السبب ..
(يتخيل بهدوء) كنا اثنين ..نصفيين … نتقاسم كل شيء ..الدنيا ….الكلمة …الهمس …والرغبة ….(يستدرك هول ما صنع وبغضب على نفسه ) أعدمت نصفي فأمسيت وحدي…
(يتجول كالفاقد أحبته في فضاء المسرح باحثا) الصمت …….السكون اللذان يعمان المكان …(بهمس ) يشعراني بالكراهية من كل شيء.. …..(بصوت حزين ) مع من سأتشاجر …..ومع من سأتسامر .. مع من؟….مع من؟….(يسقط على الأرض وهو يبكي)…….(يستدرك) آه ………وجدتها …..سأرسل لأحد الحراس كي يسامرني ..
(يتوجه صوب الباب وسرعا ما يعود أدراجه مجددا) .. لا …لا……فصوته رجولي … وجلسته خشنة… (صمت وتفكير) ….
( يدور وسط المسرح وهو يضرب بسبابة يده اليمنى على جبهته ويضع يده اليسرى على ظهره ) نحن الحمقى كثر .. مغفلون نرى الدنيا بطرف عين فنعتقدها لنا وهي من تملكنا ونحن لسنا المالكون..نعلن فيها جبروت أعور..ونصدر فيها أحكام بلا محكمة …فنصحوا على هول الخديعة ونضل حمقى نكابر بأننا خدعنا….(يستدرك) الحل ؟……الحل؟؟…..ما هو الحل؟؟؟ ….
(يكلم الجمهور بجدية أكثر ) طال الانتظار… لقد خدعونا ……نعم خدعونا …..قالوا أن عطيل كان محقا بقتله لدزدمونه …
(يسأل الجمهور من غير اقتناع به) هل كان حقا محقا ؟؟….لا …. لم يكن محقا ….وأنا أيضا..لم أكن محقا بقوانين فحولتي الدموية .. ( يستدرك غرور جديد) لكن ……… حتما سأدخل التاريخ عنوة……
( يبحث ويفكر بصمت ) ها …..وجدتها …. سأرحل خلفها ..فكيف أتركها تتلذذ بنعم السماء… من غير أن أضايقها …… (يضحك بهستيرية مرة مكابرة).
(يعتلي نفس المقصلة وهو يردد ) سأمضى ورائها فلا وجود للوجود من دوننا (فيعدم نفسه ويتساقط زجاج الجداران وسط المسرح ) .
المشهد الرابع
المنظر:جدران بيضاء على شكل شراشف متطايرة على جانبي المسرح وقطعة قماش بيضاء ممتدة من السماء حتى مقدمة المسرح, ووسط المسرح نعش على شكل عربة نقل المرضى في المستوصفات وعليه جسد فتاة مغطاة بقماش أبيض عليه آثار دماء, وتجتاح المسرح بعد ثواني من فتح الستار موجة دخان يظهر من بينها الرجل تحت نعش المرأة وحال بروزه أكثر تخرج مجاميع على شكل ملائكة بيضاء لا يظهر منها ومن وجوها أي شيء تحاول محاصرته وهو يفلت منهم بالمراوغة .
الرجل : (يتفحص المكان وهو يراوغ الملائكة وبصوت عال يصرخ ) ليس الآن ….(تقف المجاميع بتمايل ونصف أجسادها العلوية صوب الرجل ) ليس الآن ..دعوني أرى تفاحتي لأخر مرة وبعدها ارجموني…..أو …أو…أرموني للأرض كأي غاو أو متمرد ..(يترجل شوقا) دعوني ألمس يديها وأقبل جبينها وثغرها الذي ما حرصت به عليه يوما …دعوني أنثر ثلج شوقي على قمة جبليها أو مزارع وديانها …دعوني أشهق بعطر أنفاسها وأترك شفتي تمتص رحيق أزهارها قبل أن يمر بها ليل التصحر ….دعوني أضع لعنة رأسي في حجر اشتياقها …(يبحث ) أين أنت ؟….(بصوت عال) أين أنت؟؟ يا من شحب وجه القمر وباع الليل ستر حلكته على دروب الانتظار بفقدك .. أين أنت يا ربيع عمري الذي شاخ وسقط بهتاف كوابيسي في ساحة غيابك المرير …(يبحث أكثر في جوانب المسرح) .. جئت خلفك لأن نهاري أصبح صمت وليلي أصبح ضجيج …جئت خلفك كي أعلن توبتي أمام من يعشق دون أن يرى ويحب دون أن يسال …(بصوت عال ) أين أنت يا عديلة الروح ونصفها الندي (يقف أمام النعش ويصدم مع موسيقى ويتحسسه ) تمطرين حزنا وثيابك البيضاء تعلن الحداد …أعترف لك بأني كنت أحمق حينما سرت خلف فحولتي الجرداء ..أني رجل أحيا بجسد و لا أحيا دون روح … الأمكنة موحشة … والكلمات بلا بلاغة … والفراش بارد …والقلب أغشي عليه وغاب عن الوعي ….(يكلمها وهو يحرك جسدها ) قولي شيئا ..تكلمي …فصمتك يشنقني …(يبكي ويسقط على ركبيه على الأرض) قولي شيئا ..قولي شيئا …
المرأة: (تنهض من نعشها وتقف أمامه وهي تتمايل) الاعتراف لا يكفي فات الآوان …والوعود لا تجدي في زمن بطولات الكلام … وحده الحب يكفي لكي يكون ميثاق عشق دائم.
الرجل : (فرح ويتطاير) يا قمرا يتدلى ..خذني نجوما تلمع في ظلك … خذيني عطرا يسكن وجنتيك …خذني عمرا يتساقط مشاعل ضوء تحت قدميك …..وعشقا يبدأ ولا ينتهي عند خافقيك …. (المرأة وهي تمسك بطرف قطعة القماش الأبيض المدمى بالجهة اليمنى والرجل يمسك بطرفه الآخر بالجهة اليسرى ومع كل كلمة يلفانه ويقتربان أكثر نحو بعضهما).
المرأة : والتاريخ ….؟؟!!
الرجل : نكبه سوية
المرأة : وسطوتك ….؟؟!!
الرجل : سوط في يديك
المرأة : وردتك ….؟؟!!
الرجل : هداية
المرأة : وغودوا ….؟؟!!
الرجل : عاد لينحني عشقا تحت ركبتيك (ينحي أمامها فتأخذ يديه ويرقصان معا )
النهاية
ملاحظة :
النص حائز على جائزة دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة العراقية لعام 2011 وقدم مايقارب 20 عرض له في دول ( المغرب - جزائر - مصر - تونس )