حفيظة الفارسي - الشاعر والهايكيست سامح درويش ضيف «مدارات».. المخرج السينمائي الذي غرق في بحار الشعر

في حلقة جديدة من برنامج «مدارات» الذي يعده الزميل والكاتب عبد الإله التهاني ويبث على أمواج الإذاعة الوطنية يومي السبت والثلاثاء، حل الشاعر والهايكيست المغربي ورئيس نادي «هايكو موروكو» سامح درويش ضيفا، في سفر ثقافي شد الرحال من مسقط الرأس «كفايت» ودهشة البدايات الشعرية، الى عوالم القصة والرواية قبل العودة إلى أحضان القصيدة، لكن بنكهة وعبق حدائق باشو هذه المرة، في تجربة تنحت لنفسها مسارا متفردا طالما سكنه هاجسُه منذ البداية وهو إيجاد صوته الخاص وبصمته الجينية الشعرية.من «هباء خاص» إلى «ألواح خنساسا»، أضاءت طريقه «القهقهات» تحرسها «خنافسه المضيئة» التي ترقص على إيقاع «شطحات الدرويش»ما يجعل القصائد تتسلق الروح «برشاقة أكروبات» قبل أن تسرق مفاتيحها لتفتح «مراتيج باب البحر».
في عودة الابن إلى حضنه الأول، بيته الشعري الأول، تذكر الشاعر سامح درويش من مارسوا سحرهم الخاص عليه وقادوه إلى لجة الكتاب والحرف، وكان أهمهم الكاتب والشاعر والرسام اللبناني جبران خليل جبران الذي كان له بالغ الأثر والتأثير على دخول الشاعر والروائي سامح درويش عالم الأدب والكتابة، فمعه اكتشف اللغة والصورة والجمال الأدبي، ما دفعه الى استكناه والغوص في عوالم القراءة التي سحبته في سن مبكرة إلى «نظرات» و»عبرات» لطفي المنفلوطي ، ومراجع أخرى وصلت حد اهتمامه بالكتب الصفراء، وصولا الى مرجع يعتبره الشاهر سامح درويش من أهم المراجع وأشهرها في فترة البدايات كتاب «ميزان الذهب في صناعة شعر العرب» لأحمد الهاشمي الذي أطل منه على بحور الشعر العربي، بل اعتبره على حد قوله كتابا من ذهب بالإضافة الى مراجع أخرى في وقت لم يكن الكتاب متاحا بالوفرة التي عليها اليوم.وعاد الشاعر والهايكيست سامح درويش الى بداية ميلاد الكاتب داخله، وبالضبط حين اختار الدخول من بوابة القصة القصيرة التي افتتح متونها بإصدار مجموعته القصصية الأولى «هباء خاص» قبل أن ينتقل إلى الرواية بعمله الروائي الأول « ألواح خنساسا» التي صدرت في 2004 رغم أن كتابتها كانت في قبل عشر سنوات أي في 1994 والتي فازت بجائزة ناجي نعمان الأدبية قبل أن ينتقل الى عوالم الشعر بإصدار ديوانه الأول «القهقهات».إن الانتقال الى الكتابة الشعرية لم يكن حسب سامح درويش إلا على مستوى تجربة النشر، فمشروعه الأدبي كما صرح، أساسه شعري خالص هو الذي انطلق منذ سن 14 في كتابة الشعر العمودي، قبل أن يكتب القصة القصيرة، وإن كان يعتبرها هذه المرحلة الشعرية وثيقة في مساره الأدبي لم تكن بالنضج التي كان يأمله لأنها كانت عبارة عن قصائد عمودية من مرحلة الحبو الأول، قبل أن يتوقف أمام سؤال: ماذا سأضيف كشاعر، وهل يمكن أن أجد طريقا خاصا بي ومتفردا عن الآخرين؟تطلبت الإجابة عن هذا السؤال من الشاعر درويش وقتا طويلا، قبل أن يتجه إلى كتابة القصة والرواية في نفس الوقت تقريبا، أي أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، حيث جمع نصوص «هباء خاص» التي نشرت متفرقة على صفحات الملحق الثقافي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» والتي لم يكن قد حدد لها لحظتها تجنيسا أو هوية إلا بعد أن جمعت في كتاب واحد، لتأتي بعدها رواية «ألوح خنساسا» التي كتبها على طريقة الملاحم القديمة ما تطلب منه قراءة الألواح القديمة لمدة سنتين، معتبرا هذه الرواية رواية شعرية، ومعترفا بأن هذا الشكل الملحمي من الروايات يمكن للرواية العربية أن تطوره بشكل أفضل.لا يؤمن الشاعر سامح درويش بالحدود بين الأجناس الإبداعية ، مؤكدا أن الإبداع أرض شاسعة يمكن للإنسان أن يختار ما يراه قادرا على ترجمة أحاسيسه ورؤاه، ولهذا فانتقاله الى كتابة الشعر بديوانه الأول «القهقهات» جاء بعد أن وجد الإجابة عن السؤال الذي طرحه في مرحلة البدايات وهو ماهية الإضافة التي سيأتي بها، والكيفية التي يمكن بها أن يجد صوته الخاص وسط الأصوات الشعرية بالعالم، وماذا سيضيف للشعرية المغربية.إن الإجابة على عن هذه الأسئلة، هي ما دفعه الى اختيار النصوص الشعرية القصيرة التي تنبني على بلاغة شعرية تختلف عن البلاغة الشعرية التقليدية، وهو ما اشتغل عليه في ديوانه الأول «القهقهات» حيث جاءت نصوصه مكثفة وباختيارات جمالية مختلفة، مضيفا أن هذا الديوان كان الطريق التي قاده، دون أن يخطط، لسماء الهايكو وشموسه وأنهاره.يعتبر صاحب «ما أكثرني مع قطرات الندى أتقاطر» أن اتجاهه إلى كتابة شعر الهايكو جاء بعد اختمار فني تخلق في ديوانه الأول «القهقهات»، رغم أنه كتبه بدون خلفية ووعي بأنه يكتب الهايكو، لكن شروط الكتابة لما استوت بدأت تتجه نحو التكثيف والبساطة ما جعله يستيقظ فجأة وهو بين حدائق باشو ، وأن «عصافيره تحلق في الأعماق».هذا الانتقال لا يرى فيه الشاعر قفزا من مجال كتابي الى آخر، أو من نوع شعري عربي الى نوع آخر يراه البعض دخيلا، بل يعتبره صيرورة شعرية نابعة من مساره الخاص، ومنفتحة على شعر عالمي يكتب بجميع اللغات وموجود في كل شعريات العالم، مضيفا أن الهايكو ملك للإنسانية، وطقس جمالي إنساني يمكن أن يكون قنطرة للتفاعل بين شعريات العالم. وعن انتصاره لهذا النوع الشعري، يسوق الشاعر سامح درويش مجموعة من الخصائص التي ينفرد بها هذا اللون الشعري، وأولها قيامه على عنصر المشهدية والتكثيف والبساطة، وحياد الشاعر التي تختفي أناه وتتوحد مع الطبيعة لتصير جزءا منها عكس الأنا المتضخمة التي تحضر في النص الشعري العربي، معتبرا أن الهايكو هو تحييد لأنا الشاعر الذي يتفاعل بإنكار تام للذات.لا يعتبر مؤلف» المشهدية في الهايكو» بالاشتراك مع الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد، قصيدة الهايكو بديلا عن قصيدة النثر، لكنه يقر أنه يجد نفسه في قصيدة الهايكو العربي باعتبار أن الشعر العربي ينتمي إلى دائرة الفلسفة الجمالية الشرقية والتي هي أفق جمالي ننتمي إليه كعرب. هذا الإحساس بالانتماء هو ما جعله حريصا على ترسيخ وانتزاع الاعتراف دوليا بتجربة الهايكو العربي في العالم ، هذا الاعتراف التي يعضده اختيار المغرب، السنة المقبلة2021، لاحتضان ندوة الهايكو الدولية في إطار تعزيز وتقوية جبهة الديبلوماسية الثقافية.اللقاء تطرق أيضا الى تجربة الشاعر سامح درويش في المجال الجمعوي، وإلى المبادرات الثقافية التي قادها أو ساهم فيها بالجهة الشرقية ، وأهمها تجربة «الموكب الأدبي» التي انطلقت في 2013 بوجدة لتصبح ذات إشعاع وطني ودولي باستضافتها لشعراء وكتاب وفنانين يلتقون حول موضوع واحد تختاره الجمعية محورا لدورتها، وتصدر حوله عشرة كتب، بالإضافة الى تجسيد أثر بصري تشكيلي كل سنة.الشاعر الذي طرق باب القصة والرواية والشعر، اعترف في لحظة مكاشفة أنه أخطأ هدفه، لكونه كان يحلم بالإخراج السينمائي، مضيفا أن الشعر يمكنه أن يمنحنا حياة موازية، لكنه خارج الكتابة يعود إلى طينه الأول حالما بالسفر كتجل آخر للكتابة.وعن مشاريعه القادمة، صرح الشاعر سامح درويش أنه بصدد إصدار ديوان جديد، بالإضافة الى رواية كانت مشروعا لفكرة سابقة حول مغرب 1984، لكن ظروف الحجر وأجواءه أبت إلا أن تقتطع لنفسها جزءا من أحداثها.


حفيظة الفارسي
09/06/2020




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...