نمر سعدي شاعر من فلسطين، الأرض المحتلة، من " بسمة طبعون" شرقي مدينة حيفا مواليد سنة ١٩٧٧ّ.
نمر سعدي سجّل موقفاً من ثورات الربيع العربي، أعلى صوته مع الشعوب وضدّ الطغاة، لم يقرأ شعارات الطغاة، بل قرأ معاناة الإنسان، فوقف ضدّه المفتونون بالشعار والمنحازون للعنوان دون الإنسان.
في أرضنا المحتلة استقطابات سياسية حادّة فرضتها البيئة، ولم يتحرّر من سطوتها إلا القليلون، فالوقوف في وجه التيار شجاعة، اجترحها نمر سعدي فرموه بأحجار التناسي والخطيئة وحاكموه، أشاح عنه النقاد، وأعاروا انتباههم لمن هم دونه بكثير، وسلّطوا على أعمالهم الضوء.
في كواليس السياسة تطهى الأفكار، وتقدم للمريدين على أطباق الخطاب المنحاز دائماً لرؤيا معينة، مخالفتها كفر وهرطقة، في عرف الأحزاب السياسية.
للمقاومة سحرها ورنينها حتى لو كانت شعاراً ترتكب باسمه جميع الخطايا.
نمر سعدي شذّ عن القاعدة،قذف الطغاة بحجر، قدّم شهادته وهجا بشعره جرائمهم، وقدّم شهادته ضدّ النظام السوري وأشياعه وأولياءه، كاشفاً ما تحت هذه العباءة السوداء من ذنوب وخطايا، وهذه شهادته أقدّمها كاملة:
" الدماء تدق النوافذ"
في الشمالِ المدجَّجِ بالنارِ والغضبِ المشتعلْ
ليسَ في مصرَ أو تونسَ الكبرياءْ
في الشمالِ المدجَّجِ أعني سوريا.. شمالِ الدماءْ
يسحلونَ الصغارْ
يسحلونَ ملائكةً نائمينْ
وأسمعُ تكسيرَ أضلاعهم تحتَ دبَّابةِ الظالمينْ
في الشمالِ المفخَّخِ بالانتصارِ... ونارِ القُبلْ
الدماءُ تدقُّ النوافذَ دقَّاً عنيفاً
تدقُّ الهواءَ تدقُّ العيونَ تدقُّ السماءَ
وتغتصبُ الفرَحَ المكتملْ
في الشمالِ العصيِّ على ما يخطُّ الرصاصُ على أضلعِ الحالمينْ
والسياطُ على أوجهِ الناسِ...
ثلَّةُ شرٍّ من الخائنينْ
يقتلونَ الحياةَ بأوجِ الربيعِ وكاملِ فتنتها في الصغارْ
لا مغولٌ همو أو تتارْ
فلماذا إذنْ يزرعونَ الرصاصَ ويغتصبونَ الأمَلْ؟
الدماءُ تدقُّ النوافذَ أو شاشةَ التلفزيونِ عبرَ قناةِ الجزيرةِ
تلكَ التي لا تُراعي الأحاسيسَ لحظةَ تصويرها للجحيمِ...
اختنقتُ بدمعي... احترقتُ بعاري
وفي الشامِ شبِّيحةٌ وزبانيةٌ غامضونْ
يحرقونَ الرجالَ على مسمعِ الكاميراتِ ومرأى جميعِ الدُوَلْ
وشبِّيحةٌ يذبحونَ النساءَ كما يذبحونَ فراخَ الحجَلْ
وشبِّيحةٌ يطحنونَ عظامَ الضحايا التي نبتتْ في الشوارعِ
مثلَ سيوفِ القُرنفلِ...
شبِّيحةٌ دمُهم أسودُ اللونِ مثلُ العناكبِ
والعالمُ الحرُّ ينظرُ مثلَ الذي يتفرَّجُ في ساحةِ السينما
على فيلمِ رعبٍ قديمٍ قديمْ
بكلِّ حياديَّةٍ.. وبغيرِ فضولٍ وغيرِ خجلْ
وداعاً وداعاً لأرضِ الأملْ.
عريضة اتهام تقتضي المباشرة دون أن تتخلى عن الجمال،الجمال المؤلم كحد السكين،ليترك أثره جراحاً في الروح،تلقيك في قلب المعمعة،وتوقفك أمام السؤال الحاسم:في أي صفٍّ أنت؟ ما داموا:
يذبحون النساء كما يذبحون طيور الحجل!
يسمي الأشياء بأسمائها"شبيحة"
ليغمسك في الموقف،ويلقي بك في خضمه،دون أن يتخلى عن شاعريته.
حسم نمر موقفه من أول يوم،ووقف في صف الجماهير مع بزوغ شمس أول ثورة:تونس،ورثى أول شهدائها:البوعزيزي،هذه شهادته الأولى أقدمها كاملة أيضاً،لأفيه بعض الإنصاف،وأخطو به إلى دائرة الضوء:
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على رأسِ شعبي وشعبكَ في الساحةِ الضيِّقةْ
قُل لليلى التي صفعتْ يدُها الأفعوانيةُ الدمِ وجهَكَ أو روحَكَ المشرقةْ
اصفعي كيفَ شئتِ فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ ومالِ الحرامِ إلى المحرقةْ
(2)
أخي في الكفاحْ
طالعاً مثلَ قنديلِ خبزٍ من القمقمِ المتصدِّعِ ملءَ الصباحْ
من دخانِ مراراتِ أيامنا
من خساراتِ أحلامنا
ورمادِ رؤانا وآلامنا
طالعاً من دمِ الطاغيةْ
عارياً.. لابساً روحكَ الحافيةْ
حاضناً جمرةَ الهاويةْ
طازجاً مثلَ قنبلةِ الغازِ في حرمِ الجامعةْ
أخي في الدماءِ وفي القهرِ والفقرِ والغضبِ الحرِّ والنارِ والثورةِ الرائعةْ
قل لليلى التي قتلتكَ التي نهبتكَ التي صفعت يدُها الأفعوانيةُ الدمِ
وجهَكَ أو شمسَ فضَّتكَ المحرقةْ
اقتلي كيفَ شئتِ / انهبي كيفَ شئتِ / اصفعي كيفَ شئتِ
فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ إلى المشنقةْ
(3)
قُل لليلى وقُل لظلامِ نهارِ الطغاةِ الرهيبِ
وظلمِ الطغاةِ الذي لا يغيبُ هنا أو هناكَ عن الشعبِ
(لا بُدَّ أن يستجيبَ القدَرْ)
لحريَّةِ البشَرِ الطيِّبينَ أو البشَرِ الحالمينْ
بجرعةِ ماءٍ وكسرةِ خبزٍ وضحكِ حياةٍ وهمسِ قمَرْ
( ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسرْ)
أخي في الظلامِ وفي الظلمِ والحلمِ والعدَمِ المنتصرْ
أخي في ربيعِ الحياةِ وخصبِ الدمِ المنتظَرْ
(4)
أخي إنَّ ليلَ الخفافيشِ يخنقُ سوسنةَ الروحِ أو فُلَّ قرطاجَ
يخنقُ بوحَ السنونو الذي يسكنُ الأوردةْ
فتنهارُ فوقي حدائقُ عينيكِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
وتنهارُ فوقَ خطاياكِ أضلاعيَ / الأعمدةْ
الخفافيشُ تطلعُ من فجوةِ النومِ لي
والأفاعي تُسمِّمُ ماءَ الحنينِ إلى فمِ عاشقةٍ مُجهدةْ
آهِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
(5)
للدماءِ وللغازِ رائحةُ الياسمينِ الصباحيِّ
ذاكَ المشبَّعِ بالماءِ ملءَ أكفِّ النساءِ على شرفاتِ الندى
قالها ثائرٌ لأخيهِ..
أبٌ لابنهِ
شاعرٌ في خضَّمِ الشموسِ
فتى لجمالِ العروسِ
وأُمٌّ لطفلتها في السريرِ
فتاةٌ تُزيِّنُ آلامها بزُمرُّدةٍ.. وتعلِّقُ أحلامها فوقَ حبلِ الخريفِ
ملاكٌ يعُدُّ العشاءَ الأخيرَ..
هنا للهواءِ وللماءِ للكبرياءِ الأنوثيِّ رائحةُ الياسمينْ
(6)
أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على أُمِّ رأسي ورأسكَ في الساحةِ الضيَّقةْ
قُل لليلى التي اغتصبَتْ ياسمينَ الحياةِ المرصَّعَ بالدمِ في مقلتيكَ
وفُلَّ الصباحِ الأنيقَ على راحتينِ من الجمرِ
لن تهربي من دمي
فأمامَ ذنوبكِ ضيِّقةٌ هذهِ الأرضُ ضيِّقةٌ ضيِّقةْ
والسماواتُ مُغلقةٌ مُغلقةْ.
خطاب مباشر، كما يملي الموقف، مفعم بالشاعرية وحافلٌ بالصّور الشعريّة:
طازجٌ مثل قنبلة الغاز في حرم الجامعة.
يدحرج الشاعر قنابله بين أقدامنا ويهوي بمطارقه فوق رؤسنا، ليوقظ جوارحنا النائمة، ينزعنا من غفلتنا ويلقي بنا في حومة الوعي، ويدمجنا في حرارة الواقع:
عندما تنزل المطرقة
على أمّ رأسي وراسك
في الساحة الضيقة
أليست تلك رسالة الشعر، أوصلها الشاعر بنجاح؟
أما توظيف اسم ليلى فليس زلة شعرية بل تكريس للمفارقة وتأكيد للمخالفة، وفضح للخيانة التي تتوارى خلف الأسماء الجميلة، تزوير التاريخ والهوية، فهم منا وليسوا منا، يتسمون بأسمائنا ويضربوننا بسياط الغزاة.
في ديوانه أنسنة الذئب يطالعنا نمر بوجهه الآخر الرومانسي المغرق في الذاتية:
تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لشمسكِ
تمنَّيتُ لو كنتُ ظنَّاً جميلاً لحدسكِ
ماءً لأنهارِ نفسكِ
أنت التي لا أُسمِّي شذاها الصباحيَّ
أو فتنةَ المخملِ المتوحِّشِ فيها..
دمي كانَ ضوءاً خفيفاً شفيفاً لهجسكِ
روحي تعيشُ على قيدِ عينيكِ
قلبي على قيدِ حبِّكِ
قيدِ القصيدةِ والزعفرانِ النسائيِّ
أنتِ جميعُ النساءِ اللواتي أُحبُّ
نفح من نزار قباني ومحمود درويش،المرأة الوطن،التي لا يجهر باسمها،حتى لا تفقد سحرها، ويبقي على المسافة الفاصلة، تكتيك الغواية الشعرية، و على خطى الشعراء العاشقين ومع ذلك فله تفرّدٌ ولون حتى، لو علت أحياناً في ثنايا قصائده نبرة الإتهام.
نزار حسين راشد
نمر سعدي سجّل موقفاً من ثورات الربيع العربي، أعلى صوته مع الشعوب وضدّ الطغاة، لم يقرأ شعارات الطغاة، بل قرأ معاناة الإنسان، فوقف ضدّه المفتونون بالشعار والمنحازون للعنوان دون الإنسان.
في أرضنا المحتلة استقطابات سياسية حادّة فرضتها البيئة، ولم يتحرّر من سطوتها إلا القليلون، فالوقوف في وجه التيار شجاعة، اجترحها نمر سعدي فرموه بأحجار التناسي والخطيئة وحاكموه، أشاح عنه النقاد، وأعاروا انتباههم لمن هم دونه بكثير، وسلّطوا على أعمالهم الضوء.
في كواليس السياسة تطهى الأفكار، وتقدم للمريدين على أطباق الخطاب المنحاز دائماً لرؤيا معينة، مخالفتها كفر وهرطقة، في عرف الأحزاب السياسية.
للمقاومة سحرها ورنينها حتى لو كانت شعاراً ترتكب باسمه جميع الخطايا.
نمر سعدي شذّ عن القاعدة،قذف الطغاة بحجر، قدّم شهادته وهجا بشعره جرائمهم، وقدّم شهادته ضدّ النظام السوري وأشياعه وأولياءه، كاشفاً ما تحت هذه العباءة السوداء من ذنوب وخطايا، وهذه شهادته أقدّمها كاملة:
" الدماء تدق النوافذ"
في الشمالِ المدجَّجِ بالنارِ والغضبِ المشتعلْ
ليسَ في مصرَ أو تونسَ الكبرياءْ
في الشمالِ المدجَّجِ أعني سوريا.. شمالِ الدماءْ
يسحلونَ الصغارْ
يسحلونَ ملائكةً نائمينْ
وأسمعُ تكسيرَ أضلاعهم تحتَ دبَّابةِ الظالمينْ
في الشمالِ المفخَّخِ بالانتصارِ... ونارِ القُبلْ
الدماءُ تدقُّ النوافذَ دقَّاً عنيفاً
تدقُّ الهواءَ تدقُّ العيونَ تدقُّ السماءَ
وتغتصبُ الفرَحَ المكتملْ
في الشمالِ العصيِّ على ما يخطُّ الرصاصُ على أضلعِ الحالمينْ
والسياطُ على أوجهِ الناسِ...
ثلَّةُ شرٍّ من الخائنينْ
يقتلونَ الحياةَ بأوجِ الربيعِ وكاملِ فتنتها في الصغارْ
لا مغولٌ همو أو تتارْ
فلماذا إذنْ يزرعونَ الرصاصَ ويغتصبونَ الأمَلْ؟
الدماءُ تدقُّ النوافذَ أو شاشةَ التلفزيونِ عبرَ قناةِ الجزيرةِ
تلكَ التي لا تُراعي الأحاسيسَ لحظةَ تصويرها للجحيمِ...
اختنقتُ بدمعي... احترقتُ بعاري
وفي الشامِ شبِّيحةٌ وزبانيةٌ غامضونْ
يحرقونَ الرجالَ على مسمعِ الكاميراتِ ومرأى جميعِ الدُوَلْ
وشبِّيحةٌ يذبحونَ النساءَ كما يذبحونَ فراخَ الحجَلْ
وشبِّيحةٌ يطحنونَ عظامَ الضحايا التي نبتتْ في الشوارعِ
مثلَ سيوفِ القُرنفلِ...
شبِّيحةٌ دمُهم أسودُ اللونِ مثلُ العناكبِ
والعالمُ الحرُّ ينظرُ مثلَ الذي يتفرَّجُ في ساحةِ السينما
على فيلمِ رعبٍ قديمٍ قديمْ
بكلِّ حياديَّةٍ.. وبغيرِ فضولٍ وغيرِ خجلْ
وداعاً وداعاً لأرضِ الأملْ.
عريضة اتهام تقتضي المباشرة دون أن تتخلى عن الجمال،الجمال المؤلم كحد السكين،ليترك أثره جراحاً في الروح،تلقيك في قلب المعمعة،وتوقفك أمام السؤال الحاسم:في أي صفٍّ أنت؟ ما داموا:
يذبحون النساء كما يذبحون طيور الحجل!
يسمي الأشياء بأسمائها"شبيحة"
ليغمسك في الموقف،ويلقي بك في خضمه،دون أن يتخلى عن شاعريته.
حسم نمر موقفه من أول يوم،ووقف في صف الجماهير مع بزوغ شمس أول ثورة:تونس،ورثى أول شهدائها:البوعزيزي،هذه شهادته الأولى أقدمها كاملة أيضاً،لأفيه بعض الإنصاف،وأخطو به إلى دائرة الضوء:
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على رأسِ شعبي وشعبكَ في الساحةِ الضيِّقةْ
قُل لليلى التي صفعتْ يدُها الأفعوانيةُ الدمِ وجهَكَ أو روحَكَ المشرقةْ
اصفعي كيفَ شئتِ فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ ومالِ الحرامِ إلى المحرقةْ
(2)
أخي في الكفاحْ
طالعاً مثلَ قنديلِ خبزٍ من القمقمِ المتصدِّعِ ملءَ الصباحْ
من دخانِ مراراتِ أيامنا
من خساراتِ أحلامنا
ورمادِ رؤانا وآلامنا
طالعاً من دمِ الطاغيةْ
عارياً.. لابساً روحكَ الحافيةْ
حاضناً جمرةَ الهاويةْ
طازجاً مثلَ قنبلةِ الغازِ في حرمِ الجامعةْ
أخي في الدماءِ وفي القهرِ والفقرِ والغضبِ الحرِّ والنارِ والثورةِ الرائعةْ
قل لليلى التي قتلتكَ التي نهبتكَ التي صفعت يدُها الأفعوانيةُ الدمِ
وجهَكَ أو شمسَ فضَّتكَ المحرقةْ
اقتلي كيفَ شئتِ / انهبي كيفَ شئتِ / اصفعي كيفَ شئتِ
فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ إلى المشنقةْ
(3)
قُل لليلى وقُل لظلامِ نهارِ الطغاةِ الرهيبِ
وظلمِ الطغاةِ الذي لا يغيبُ هنا أو هناكَ عن الشعبِ
(لا بُدَّ أن يستجيبَ القدَرْ)
لحريَّةِ البشَرِ الطيِّبينَ أو البشَرِ الحالمينْ
بجرعةِ ماءٍ وكسرةِ خبزٍ وضحكِ حياةٍ وهمسِ قمَرْ
( ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسرْ)
أخي في الظلامِ وفي الظلمِ والحلمِ والعدَمِ المنتصرْ
أخي في ربيعِ الحياةِ وخصبِ الدمِ المنتظَرْ
(4)
أخي إنَّ ليلَ الخفافيشِ يخنقُ سوسنةَ الروحِ أو فُلَّ قرطاجَ
يخنقُ بوحَ السنونو الذي يسكنُ الأوردةْ
فتنهارُ فوقي حدائقُ عينيكِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
وتنهارُ فوقَ خطاياكِ أضلاعيَ / الأعمدةْ
الخفافيشُ تطلعُ من فجوةِ النومِ لي
والأفاعي تُسمِّمُ ماءَ الحنينِ إلى فمِ عاشقةٍ مُجهدةْ
آهِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
(5)
للدماءِ وللغازِ رائحةُ الياسمينِ الصباحيِّ
ذاكَ المشبَّعِ بالماءِ ملءَ أكفِّ النساءِ على شرفاتِ الندى
قالها ثائرٌ لأخيهِ..
أبٌ لابنهِ
شاعرٌ في خضَّمِ الشموسِ
فتى لجمالِ العروسِ
وأُمٌّ لطفلتها في السريرِ
فتاةٌ تُزيِّنُ آلامها بزُمرُّدةٍ.. وتعلِّقُ أحلامها فوقَ حبلِ الخريفِ
ملاكٌ يعُدُّ العشاءَ الأخيرَ..
هنا للهواءِ وللماءِ للكبرياءِ الأنوثيِّ رائحةُ الياسمينْ
(6)
أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على أُمِّ رأسي ورأسكَ في الساحةِ الضيَّقةْ
قُل لليلى التي اغتصبَتْ ياسمينَ الحياةِ المرصَّعَ بالدمِ في مقلتيكَ
وفُلَّ الصباحِ الأنيقَ على راحتينِ من الجمرِ
لن تهربي من دمي
فأمامَ ذنوبكِ ضيِّقةٌ هذهِ الأرضُ ضيِّقةٌ ضيِّقةْ
والسماواتُ مُغلقةٌ مُغلقةْ.
خطاب مباشر، كما يملي الموقف، مفعم بالشاعرية وحافلٌ بالصّور الشعريّة:
طازجٌ مثل قنبلة الغاز في حرم الجامعة.
يدحرج الشاعر قنابله بين أقدامنا ويهوي بمطارقه فوق رؤسنا، ليوقظ جوارحنا النائمة، ينزعنا من غفلتنا ويلقي بنا في حومة الوعي، ويدمجنا في حرارة الواقع:
عندما تنزل المطرقة
على أمّ رأسي وراسك
في الساحة الضيقة
أليست تلك رسالة الشعر، أوصلها الشاعر بنجاح؟
أما توظيف اسم ليلى فليس زلة شعرية بل تكريس للمفارقة وتأكيد للمخالفة، وفضح للخيانة التي تتوارى خلف الأسماء الجميلة، تزوير التاريخ والهوية، فهم منا وليسوا منا، يتسمون بأسمائنا ويضربوننا بسياط الغزاة.
في ديوانه أنسنة الذئب يطالعنا نمر بوجهه الآخر الرومانسي المغرق في الذاتية:
تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لشمسكِ
تمنَّيتُ لو كنتُ ظنَّاً جميلاً لحدسكِ
ماءً لأنهارِ نفسكِ
أنت التي لا أُسمِّي شذاها الصباحيَّ
أو فتنةَ المخملِ المتوحِّشِ فيها..
دمي كانَ ضوءاً خفيفاً شفيفاً لهجسكِ
روحي تعيشُ على قيدِ عينيكِ
قلبي على قيدِ حبِّكِ
قيدِ القصيدةِ والزعفرانِ النسائيِّ
أنتِ جميعُ النساءِ اللواتي أُحبُّ
نفح من نزار قباني ومحمود درويش،المرأة الوطن،التي لا يجهر باسمها،حتى لا تفقد سحرها، ويبقي على المسافة الفاصلة، تكتيك الغواية الشعرية، و على خطى الشعراء العاشقين ومع ذلك فله تفرّدٌ ولون حتى، لو علت أحياناً في ثنايا قصائده نبرة الإتهام.
نزار حسين راشد