صبيحة شبر - مستقبل القصة القصيرة..

كثيرا ما نسمع الأقوال ، التي يرددها العارفون بالأدب العربي ، عن مستقبل القصة القصيرة ، وإنها الى زوال حتمي ، ومعللين هذا الادعاء الكبير ، والذي يبتعد كثيرا عن الصحة ، إنها جنس دخيل ، على الأدب العربي ، الذي عرف الشعر منذ القديم ، منذ عصر ما قبل الإسلام ، وبقيت للشعر رغم توالي العصور ، وانبثاق الأمم ، وزوال الدول ، تلك الحظوة لدى الجماهير العربية ، التي لم تجمع ، على الإعجاب بأي لون أدبي ، او جنس فني ، الا للشعر وخاصة منه ما كان موزونا مقفى ، أما ما كان بغير هذا الشكل ، ولامسه بعض التغيير الشكلي ، فقد جوبه بردة فعل كبرى ، من قبل الجماهير ، التي ارتأت ان يكون الشعر بالشكل الذي يتناسب مع ذائقتها ، وظل الشعر متربعا على عرش الاهتمام ، لا يمكن ان ينافسه النثر ، حتى وان فاز الأخير بأعظم الجوائز ، لدى الغرب ، واستحق اكبر آيات الإعجاب ، حين يصلنا ، كانت الخطبة تبرز في الأوقات ، التي تحتاج فيها الدول الى تعبئة الرأي العام ، واستنهاض الهمم ، لعمل معين ، ويكون اغلب الأوقات بطوليا ، يستدعي الشجاعة ، وفقدت الخطب اهميتها الادبية ، في العالم المعاصر ، وبعد ان اتصل العرب بالعالم الأوربي ، برزت فنون أخرى نثرية، مثل الرواية والقصة القصيرة ، التي يظنها بعض النقاد ، إحدى الوسائل التي توصل كاتبها إلى فن كتابة الرواية ، التي تحتاج إلى مران طويل ،وتمرس ودراية في الفن النثري ، ومعرفة كبيرة ،صقلتها التجربة ، فلماذا كانت للقصة القصيرة هذه النظرة ؟ ولماذا يراها البعض ، وكأنها جنس فاقد الأهلية ، كي يعتبر من الأجناس الأدبية المهمة ، مع إنها فن عسير ، لا يستطيع المهارة فيه ، الا من نجح في الإجادة ، وامتلك الأدوات الفنية ،التي تؤهله للكتابة في هذا الفن ،المأكول المذموم ،كما يقول المثل العربي المشهور ، فالقصة وان كانت بحاجة الى التكثيف واللغة العالية ، التي لا يحسنها الكثيرون ، تظل جنسا أدبيا ينال الإعجاب أحيانا ، وينتقص منه أحيانا أخرى ، لان بعض الكتاب ،يحيل إليهم ان الخاطرة تشبهه ، وان كل من توهم انه وقع في الحب يوما ، يتراءى له انه يستطيع، ان يدبج قصصا قصيرة تستهوي القلوب ، وتعجب بها الأفئدة ، فما الحكم في أن هذه الكتابة ، تتصف باحترام المواصفات الفنية ، التي يتطلبها الجنس الأدبي المعين ، أو لا تحترم ؟ ما دام كل من يمسك القلم ، يظن انه قصصي بارع ، ينافس أعظم كتاب القصة القصيرة.

ولماذا يطرح الكثيرون هذا السؤال، الذي يبدو بسيطا ، لكن الغرض منه غير واضح أبدا ، فليس مفهوما أبدا ان يدعي البعض ، ان القصة القصيرة لا مستقبل لها ، وان المستقبل سيظل مع الشعر ملك الإبداع المتوج ، وان الرواية سوف تأخذ بنصيبها من إعجاب القارئ ، وان القصة القصيرة جدا، قد استطاعت ان تسحب البساط الذي لم يفرش أبدا ، من تحت أقدام القصة القصيرة ، هل ان السبب استسهال كتابتها من قبل أكثرية الكتاب ، وإن بعضهم يخلطون بينها ، وبين الحكاية القديمة ، التي كنا نسمعها من جداتنا ، أثناء الطفولة ، فالقصة المكثفة تجد الكثير ، من يدعي إنها ليست مفهومة ، وقد تفسر وتحلل بطريقة خاطئة ، وكأن درجة فهم المقروء يتساوى فيها الناس جميعا ـ الأدباء المجيدون ، والراغبون بالقراءة لقتل الوقت ، وليس حبا بالمقروء ، ومن ما زال يحبو في عالم القراءة الواعية ، ولماذا يفقد النقاد الكبار ، الاهتمام بالقصص القصيرة ؟، ويأتي نقدهم مقصورا على الشعر والرواية ، عدد كبير من المجموعات القصصية ، تصدر في الأقطار العربية ، دون ان تحظى بناقد مجيد ، عرف عنه إتقان النقد ، والتجربة فيه ، والإنصاف ، نعم الإنصاف ، الذي يحتاجه الكتاب والنقاد جميعا ، والذي نجد ان حياتنا قد خلت منه في كل الميادين ، وليس في دنيا الأدب فقط ، فوجد الكتاب وحدهم ، يجابهون كثيرا ، بدعوى إنهم يقولون ما لا يفهم

ولا يقتصر التجاهل لأهمية القصة القصيرة ، على القراء والنقاد فحسب ، إنما دور الطباعة والنشر ، لها تجاهلها أيضا للقصص القصيرة ، وللكتاب القاصين

وحتى المهرجانات التي تقام في هذه الدولة او تلك ، فانها تستثني كتاب القصة القصيرة من دعواتها ، التي كثيرا ما تكون وفق سياسة الصداقات، والمصالح المتبادلة

صبيحة شبر
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...