أ. د. عادل الأسطة - صورة الفلسطيني في الرواية العربية

في قصة سميرة عزام " فلسطيني " من مجموعتها " الساعة والانسان " ١٩٦٣ ( تقريبا ) تعبر عن معاناة الفلسطينيين الشديدة في لبنان ، ما يدفع قسما منهم إلى التلبنن - أي أن يصبحوا لبنانيين ، فصاحب البقالة يريد " أن يتلبنن " مثل فلسطينيين آخرين ، ونظرا لتشديد الحكومة اللبنانية في موضوع اللبننة يسعى فلسطينيون إلى البحث عن أصولهم اللبنانية قبل العام ١٩٤٨ ، فيجهدون إلى نبش " كل جذور العائلات فما ظلت شجرة لم تمد فرعا لها في فلسطين .. " .
لقد كانت حرية التنقل في بلاد الشام قبل اتفاقية سايكس بيكو وبعدها ، حتى العام ١٩٤٨ ، متيسرة إلى حد كبير ، ولم تكن النزعات الإقليمية بادية للعيان ، فقد كان السوريون والأردنيون واللبنانيون يتنقلون بحرية ويقيمون في حيفا ويافا وعكا والناصرة ويتزوجون من فتيات المدن هذه . نجد هذا في روايات عديدة من ذلك على سبيل المثال لا الحصر كتاب الأديبة سعاد العامري الأخير " دمشقي " ، وهو أشبه بسيرة عائلية للكاتبة ، فالفلسطينية ابنة عرابة ونابلس تزوجت من التاجر السوري وأقامت في دمشق .
مؤخرا توفيت المناضلة تيريز هلسة ، واختلف الذين نعوها في تحديد جنسيتها / هويتها : أهي أردنية أم فلسطينية ؟
في قراءة ما كتب عن تيريز عرفت أن والدها قدم من جنوب الأردن في العام ١٩٤٦ إلى عكا وتزوج منها امرأة عكاوية وفي عام النكبة لم يغادر فلسطين ، وفي عكا ولدت تيريز وظلت فيها حتى العام ١٩٧٠ حيث غادرتها لتلتحق بالمقاومة الفلسطينية ، وعندما أطلق سراحها بعد سجنها عادت واستقرت في الأردن . هل تيريز هلسة فلسطينية أم أردنية ؟
قبل تيريز هلسة وقصتها عرفت فلسطين أيام الانتداب شاعرا قدم من بيروت واستقر فيها ، وكتب شعرا يدافع فيه عن فلسطين عرف باسم " الفلسطينيات " وهو وديع البستاني الذي استقر في حيفا حتى ١٩٥٣ ثم غادرها إلى بيروت ، لأنه لم يتحمل الحياة تحت الحكم الإسرائيلي .
في رواية الياس خوري " مملكة الغرباء " ١٩٩٣ يقص الراوي عن جورجي الراهب اللبناني الذي ينتهي به المطاف ، قبل العام ١٩٤٨ في فلسطين ويستقر فيها ، وفيها يموت ، دون أن ينظر إليه على أنه لبناني إطلاقا . إن ما حدث معه لا يختلف عما حدث مع وديع البستاني إلا في التفاصيل . فهل يعد هذان فلسطينيين أم لبنانيين أم ؟
أرق سؤال هوية سكان بلاد الشام قبل العام ١٩٤٨ بعض الروائيين ومنهم السوري ممدوح عدوان في روايته " أعدائي " ٢٠٠٠ ، وهذا ما توقفت أمامه في بحثي " سؤال الهوية في الرواية العربية " ( مؤتمر السرد الروائي الخامس في رابطة الكتاب الأردنيين ٢٠١٥ ) .
في روايته " كأنها نائمة " ٢٠٠٧ يختار الياس خوري الفترة الزمنية ما بين ١٩٤٦ و١٩٤٨ بعدا زمانيا ، ويكتب عن عائلة فلسطينية من يافا وعائلة لبنانية . يكتب عن منصور الذي تزوج من ميليا ، ويستقر الاثنان في الناصرة .
في الرواية نقرأ الفقرة الآتية :
" من هو طانيوس؟
عندما قالت لزوجها إن الذين أسسوا الناصرة الحديثة لبنانيون بعث بهم الأمير فخر الدين في القرن السادس عشر للعمل كمرابعين في دير الفرنسيسكان وإن هؤلاء الرهبان كانوا أول من بنى في هذا المكان الذي كان خرابا ، ضحك عليها .
" ايش لبنانيين وغير لبنانيين. هيدي بلاد الشام . الله يرحمك يا فيصل الأول " .
تعقب ميليا على كلام منصور :
" بس أنا مش عم بحكي بالسياسة " قالت " عم خبرك أن أهل الناصرة نصفهم لبنانيين ، الموارنة والملايين بعثهم فخر الدين حتى يشتغلوا عند الرهبان ، وبعدين اجوا الروم من حوران ومن منطقة رام الله وكل الناس فتشوا عن بيت المسيح وما لاقوا شي ، والوحيد يللي بيعرف موقع البيت هو الراهب طانيوس " .
الياس خوري نفسه لبناني من مواليد بيروت ولكنه فلسطيني الهوى أصلا .
حقا في أثناء الكتابة عن صورة الفلسطيني في الرواية العربية كيف نحدد معيار هوية الفلسطيني ؟
الأمر ربما يذكر بالهجرات المتبادلة بين القبائل على ضفتي نهر الأردن قبل ١٩٤٨ وتحديدا بين منطقة الخليل ومنطقة جنوب الأردن .
وقد يقود ما سبق إلى موضوع آخر ليس بعيدا هو سؤال الهوية فيما يخص نتاج كتاب كثر أصول أهلهم من فلسطين وولدوا هم في هذا القطر أو ذاك وتجنسوا بجنسيته . إن كثيرا من الكتاب من الأصول الفلسطينية حصلوا على جواز سفر أردني أو من هذا البلد العربي أو ذاك ، وأحيانا يدرسون باعتبارهم أدباء أردنيين أو عراقيين أو ..
وأنا أكتب تحت عنوان " صورة الفلسطيني في الرواية العربية " فكرت كثيرا مثلا في الأدباء الذين يقيمون في الأردن مثل ليلى الأطرش . هل أدرس نصوصها وأنا ادرس صورة الفلسطيني أم لا أدرسها ، فليلى من مواليد بيت ساحور ولكنها تزوجت من أردني واستقرت في الأردن . هل هي كاتبة أردنية أم كاتبة فلسطينية ؟
إن اعتبرنا ليلى من أصول فلسطينية فإن دراسة الموضوع يجب أن يدرج تحت عنوان آخر هو " صورة الفلسطيني في الرواية الفلسطينية " لا " في الرواية العربية " . إن الصورة هنا لا يقدمها كاتب عربي وإنما يقدمها كاتب فلسطيني ، وليس هذا هو الذي انتويته . إنني هنا لا أعتمد الهوية السياسية ، وإنما أعتمد المكان الذي انحدر منه الكاتب لا ما صار إليه بحكم تغيرات وتطورات طارئة .
مثل ليلى أيضا نبيل أبو أحمد صاحب رواية " العطيلي " ٢٠٠٢ التي أتيت عليها وأنا أدرس صورة الشحاد الفلسطيني في الرواية . نبيل من زواج مختلط فوالدته فلسطينية ، ولم يقم في فلسطين . إن فلسطين هي بلد والدته التي أهدى الرواية لها . فما هو موقفنا من صورة الفلسطيني في روايته ؟ هل الصورة ناجمة من تصور الذات لذاتها أم أنها تصور العربي للفلسطيني ؟ إن هوية والد المؤلف ليست فلسطينية وهو لم يولد في فلسطين .

أ. د. عادل الأسطة

التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...