- المـــــلخص:
تعدّ "سيميائية العنوانة" من القضايا النقدية المهمّة التي خاض فيها النقاد المحدثون، ومما لاشك فيه أن العنوان يؤدّي دورا أسياسيا في فهم المعاني العميقة للعمل الأدبي خاصة- المقدّم للمتلقي- ومن هنا كان الاهتمام به أمرا حتميا لأنّه أوّل عتبات النص التي يمكن من خلالها الولوج إلى معالم النص واكتشاف كنهه،ومن ثم تقديم رؤية حداثية نقدية مؤسسة على منهج ، ومنطلقات نظرية تسهم في كشف معالم النص الخفية وتقديمه للمتلقي على شكل قراءة نقدية لهذا العمل الأدبي.
*- مدخـــــل:
عرف المنهج السيميائي في العقود الأخيرة من القرن العشرين تحولات عدة في التعاطي مع الخطاب الشعري الحديث على وجه الخصوص، و هذا ما أثار العديد من الإشكالات في كيفية مقاربة النص الأدبي مقاربة واعية على مستوى الأدوات الإجرائية، أوعلى مستوى التأويل واستنطاق النص بشكل لايفسد من دلالة المعاني الحقيقية للبنى العميقة، ومن هنا كان نقد "الخطاب الشعري الحديث والمعاصر" من القضايا النقدية الهامة التي تناولها نقادنا المحدثون، في ظل المنهج السيميائي الممارس في تحليل علامات هذه النصوص دون المساس بهويتها العربية بلا إفراط أو تفريط،والتحليل المقترح لا يتوقف عند الإحالات إلى معارف وعلوم مختلفة، وكذا لا ينتهي عند دلالة معينة بل يفتح النص على سيل من المعارف المتنوّعة، لأنه بالغ التنوّع والتعدد، ويحيل إلى معارف وإيديولوجيات مختلفة، ولهذا فإن التحليل السيميائي يستوعب كلّ هذا ويضعه ضمن استراتيجياته، فقد أصبحت المقاربات النصّانية منهج بحث نقدي،ونظرية علمية تطرح العديد من التصورات والرؤى المنهجية والإجرائية في تناول النص العربي الحديث على مستوى التنظير أوالممارسة التطبيقية ،والتي لايمكن الاستغناء عنها من طرف العديد من النقاد خاصة أثناء التحليل،عليه تكشف هذه المداخلة عن أهمية المنهج "السيميائي" في قراءة النص الأدبي،وأهم المشاكل التي يشكو منها الخطاب الشعري الحديث خاصة من خلط بين النقاد في تناول الظاهرة الأدبية ،وطرق وأساليب التحليل التي تبقى محتشمة على مستوى الأدوات الإجرائية ،أو على مستوى التأويل الصحيح في استنطاق النص،لقد كانت سيميائية العنوان من بين أهم القضايا النقدية التي تطرق إليها النقد المعاصر في مسألة قراء ة النص الأدبي، وعليه كانت مقولة العنوان مدخلا مهما،وعتبة حقيقية تـفضي إلى غياهب النص وتـقود إلى فك الكثير من طلاسمه وألغازه.
وعليه العنوان هو عتبة من عتبات النص،ونافذة يُولج منها إلى عالمه الداخلي بكل دلالاته،، وأبعاده ومستوياته المختلفة قديما أو حديثا، فهو العتبة الأولى للنص، فهو العلو الفوقي له، إنه البوابة الأولى التي يلح من خلالها المتلقي إلى عالم النص،إذن حياة النص الشعري خاصة في بنيته الداخلية،وعلائقه هي رسالة: "Message"لسانية مشفرة بنظام حدد مفاتيحه المرسل إلى المتـلقي الذي يحاول استدعاء المفاتيح والأدوات الإجرائية الخاصة بفك شفرات العنوان للدخول إلى عالم النص،فهو يمثل واجهة علاماتية تأخذ شكل(الجملة المفتاح) تمارس على القارئ سلطة أبية وفكرية،(..)التي يعمل القارئ على افتكاك بنيتها اللغوية والدالية باعتبارها الجملة المفتاح للنص.
مفهوم العنوان وتطوره:
لقد أصبح العنوان عتبة هامة من عتبات النص ، يُولج منه إلى العالم النّصّي، فهو الرسالة الأولى أو العلاقة الأولى التي تصلنا ونتلقّاها من ذلك العالم بصفته آلة لقراءة النص الشعري، وباعتبار النص الشعري آلة لقراءة العنوان، فبين العنوان والنص علاقة تكاملية، فالنص الشعري يتكون من نصّين يشيران إلى دلالة واحدة في تماثلها، مختلفة في قراءاتها، هما النص وعنوانه ؛أحدهما مقيّد موجز مكثّف ،والآخر طويل، فنصّ العنوان مكثّف مخبوء في دلالاته بما يحمله النص المطوّل بشكل موحٍ إشاري مكثّف، ويظلّ العنوان على الرغم من دلالته المعجمية الفقيرة في اللحظة الاستكشافية الأولى، خاضعاً لاحتمالات دلالية مختلفة،وهي لا تتّضح إلاّ من خلال القراءة التأويلية ، لذا لابدّ من استراتيجية منهجية تكفل رصد تموّجاته المشاكسة داخل النص،كما تعدّ مقولة العنوان مدخلا مهما، وعتبة حقيقية تـفضي إلى غياهب النص وتـقود إلى فك الكثير من طلاسمه وألغازه، لكنه أحيانا، قد يلعب دورا تمويهيا، يجعل القارئ في حيرة من أمره، يربكه ويخلق له تشويشا قهريا، وقد يقوده إلى متاهة حقيقية لا مهرب منها سوى إلى النص ذاته، إنه البداية الكتابية التي تظهر على واجهة الكتاب كإعلان إشهاري ـأوعلامة،» تطبع الكتاب أو النص وتسميه وتميزه عن غيره، وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس إلى جانب الحواشي والهوامش والمقدمات والمقتبسات والأدلة الأيقونية« (1)،ومع ذلك فلا سبيل إلى تجاوزه فهو مرحلة مهمة من مراحل القراءة، والتلقي.
1-1.مفهوم العنوان " définition du titre":
لقد اهتم علم السيمياء اهتماما واسعا بالعنوان في النصوص الأدبيـة لـكونه » نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته ومحاولة فك شفرته الرامزة« (2) ، فقد عرفه ليوهوك بأنه » مجـموع العلامات اللســانية (كلـمـات مفردة ، جمل ، نص) التي يمكن أن تدرج على رأس نصه لتحدده وتدل على محتواه العام وتعرف الجمهور بقراءته« (3)، والناظر إلى معظم الدّراسات المعتمدة على مقاربة العنوان يدرك بشـكل واضح الأهمية القصوى التي يحظى بها العنوان باعتباره » نصا مختزلا ومكثفا ومختصرا « (4) له علاقة مباشرة بالنص الذي وسم به ،فالعنوان والنص يشكلان ثنائية والعلاقة بينهما هي علاقة مؤسسة » إذ يعدّ العنوان مرسلة لغوية تتصل لحظة ميلادها بحبل سري يربطها بالنص لحظة الكتابة والقراءة معا فتكون للنص بمثابة الرأس للجسد نظرا لما يتمتع به العنوان من خصائص تعبيرية وجمالية كبساطة العبارة وكثافة الدلالة وأخرى استراتيجية إذ يحتل الصدارة في الفضاء النصي للعمل الأدبي«(5)
لقد عُدّ العنوان من أهم الأسس التي يرتكز عليها الإبداع الأدبي المعاصر، لذلك تناوله المؤلفون بالعناية والاهتمام خاصة في الإنتاج الشعري الحديث والمعاصر ،كل هذا دفع إلى التفنن في تقديمه للمتلقي، حتى يكون مصدر إلهامه، وحافزاً للبحث في أغوار هذا العمل الفكري، مع مراعاة أذواق الجمهور في الوقت نفسه وحاجيات الساحة الأدبية، التي هي سوق رائجة لهذه المادة الخام التي تحتاج إلى متلقي ذكي يفكك شفراتها، فكان المبدع ملزما بمراعاة معادلة فنية لإنتاجه الأدبي هي: (عنوان الإبداع + المتن الروائي + اسم المبدع= العمل الإبداعي).
وهذا ما دفع بالسيمياء إلى الاهتمام بالعنوان الذي أصبح علما قائما بذاته يسمى علم العنونة (titrologie) يدخل في عملية التأسيس الخطابي للنصوص الأدبية خاصة السردية منها لهذا فالعنوان السردي يلعب دوارا بارزا في لفت انتباه المتلقي لرسالته، وهو العنوان المفتوح على دلالات هلامية متعددة لِرُؤى المثقفين ، وقد فطن المبدع العربي إلى أهمية العنوان، وأدرك وظائفه من خلال طريقة إخراجه، ومراعاة مقتضى الحال للمتلقين لهذا الإبداع الذي يعكس قراءتهم، فالعنوان حسب الدراسات النقدية الحديثة يؤدي دور المنبه والمحرض، فسُلطتهُ الطاغية تضفي بظلالها على النص، فيستحيل النص جسدا مستباحا لسلطته، ثم إنه نقطة الوصل بين طرفي الرسالة: ممثلة في ثنائية "المبدع والمستقبل" إنه يُعَدُ بداية اللّذة، هذا ما جعل العنوان يحرك وجع الكتابة الذي يتحول تدرجيا إلى وجع قراءة متواصلة في صيرورة يتساوى فيها النص مع النّاص، لذلك كان لزاما على المبدع أن يراعي فنيات فنّ العنونة ليجعل منه مصطلحا إجرائيا في المقاربات النصية وعليه » فالعنوان ضرورة كتابية« (6) للولوج إلى أغوار النصوص واستنطاقها من خلاله ،وعليه تقدم الدراسة جملة من التعاريف للعنوان أدرجها بعض النقاد هي كالآتي:
يعرِّف "ليوهوك" العنوان أنّه » مجموعة العلامات اللسانية (كلمة، جملة، نص) التي يمعن أن تدرج على رأس نص لتحدده وتدل على محتواه العام وتعرّف الجمهور بقراءاته«(7) ، ومع ذلك يستدرك "ليوهوك" ما قاله عن العنوان ويشير إلى صعوبة تعريفه لاستعماله في مصاف متعددة أما "عبد الله الغذامي" فيذهب إلى أن العنوان بدعة وافدة إلينا من الغرب و» العناوين في القصائد ماهي إلا بدعة حديثة، أخذ بها شعراؤنا محاكاة لشعراء الغرب - والرومانسيين منهم خاصة -« (8)
أمّا الناقد "الطاهر رواينية" فيرى أنّ العنوان هو: » أول عبارة مطبوعة وبارزة من الكتاب، أو نص يعاند نصا آخر ليقوم مقامه أو لِيُّعَيِنَهُ ، ويؤكد تفرده على مرّ الزمان، وهو قبل كل شيء علامة اختلاقية عدولية، يسمح تأويلها بتقديم عدد من الإشارات والتنبؤات حول محتوى النص ووظيفته المرجعية، ومعانيه المصاحبة وصفاته الرمزية، وهو من كل هذه الخصائص يقوم بوظيفتي التحريض والإشهار« (9)،بينما يرى "محمد الهادي المطوي" أن العنوان» عبارة عن رسالة لغوية تعرّف بهوية النص، وتحدد مضمونه، وتجذب القارئ إليه وتغويه به«(10)،وفي نفس الصدد نجد "بشرى البستاني" تعرف العنوان بأنه» رسالة لغوية تعرف بتلك الهوية وتحدد مضمونها،وتجذب القارئ إليها وتغريه بقراءتها،وهو الظاهر الذي يدل على باطن النص ومحتواه«(11)،في حين نجد الباحث »جوزيف بيزاكومبروبي:Joseph Besa Coprubi « (12)،يقرّ صراحة بتعدد أبعاد العنوان قائلا:» إنّ العنوان عنصر متعدد الأبعاد (multidimensionnel) لأنه يقيم روابط علامة جدّ مختلفة، العمل الأدبي، النص والقارئ«(13)، ومن هنا يعد العنوان أساسياً في العمل الإبداعي والمتفق عليه أن "العنوان مرتبط ارتباطا عفويا بالنص الذي يعنونه فيكمله ولا يختلف معه ويعكسه بأمانة ودقة.
فيما يذهب" بسام قطوس" إلى أن العنوان أصبح يشكل حمولة دلالية » فهو قبل ذلك علامة أو إشارة تواصلية له وجود فيزيقي/ مادي وهو أول لقاء مادي محسوس يتم بين المرسل(النّاص)، والمتلقي« (14)، وعلى هذا فهو إشارة ذات بعد سيميائي ،تبدأ منه عملية التأويل فيسهل على الملتقي قراءة المتن بناءا على ما علق بذهنه من قراءته، ومن كلّ ما سبق ذكره نجد أن جلّ هذه التعاريف المدرجة للعنوان تتناوله بكيفيات متباينة، ومع ذلك نستنتج أن العنوان في نهاية المطاف هو علامة لغوية مشفرة تحتاج إلى متلقي حاذق يفك هذه الرموز التي تعلو بنيانه .
2.1. نشأة العنوان وتطوره "la naissance et l’évolution du titre":
لقد أُهْمِلَ العنوان كثيرا سواء من قبل الدارسين العرب، أو الغربيين قديما وحديثا،لأنهم اعتبروه هامشا لا قيمة له ،وملفوظا لغويا لا يقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي؛ لذلك تجاوزوه إلى النص كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط به، ولكن ليس العنوان كما يقول علي" جعفر العلاق": »هو الذي يتقدم النص ويفتتح مسيرة نموه،أو مجرد اسم يدل على العمل الأدبي: يحدد هويته ويكرس انتماءه لأب ما، لقد صار أبعد من ذلك بكثير، وأضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد،إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لإبهائه وممراته المتشابكة(...) لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة، وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان، ولم يلتفت إلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا« (15)
و على الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعض الدارسين في الثقافتين: العربية والغربية حديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجال السيميوطيقا وعلم السرد والمنطق والخطاب الشعري، وأشاروا إلى مضمونه الإجمالي في الأدب والسينما والإشهار نظرا لوظائفه المرجعية واللغوية والتأثيرية الأيقونية، وهذا ما ستعرضه المداخلة فيما يلي:
من أهمِّ الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا وتحليلا وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئ العربي بكيفية الاشتغال على العنوان: تنظيرا وتطبيقا إلى جانب بعض الدراسات المحتشمة من المشارقة ، وهذه الدراسات هي على النحو الآتي:
محمد عويس،(العنوان في الأدب العربـي،النشأة والتطور)، 1988 .
شعيب حليفي،(النص الموازي في الرواية،استراتيجية العنوان)، سنة 1996.
جميل حمداوي،(مقاربة العنوان في الشعر العربي الحديث والمعاصر) رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي الحديث والمعاصر، إشراف الدكتور محمد الكتاني، نوقشت بجامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية (تطوان) بالمغرب سنة 1996، تتكون من "562 ".
محمد فكري الجزَّار،(العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي)،1998 .
جميل حمداوي،(مقاربة النص الموازي في روايات بنسالم حميش) أطروحة دكتوراه الدولة ، ناقشها الباحث في 19 يوليو سنة 2001 بجامعة محمد الأول بوجدة تحت إشراف الدكتور مصطفى رمضاني.
وغيرها من الدّراسات العربية إلى جانب ذلك، حرص النقاد الغربييون على التبشير- في دراسات معمقة- بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان(TITROLOGIE) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم كالآتي:
"جيرار جنيت"G.GENETTE"وهنـري مترانH.METTERAND" ولوسيان غولدمان"L.GOLDMANN" ، وشارل ﮔريفل "CH.GRIVEL " وروجـر روفـر"ROGER ROFER" و ليوهـوك "LÉO.HOEK "، هذا وقد نبه لوسـيان غولدمان الدارسين والباحثين الغربيين إلى الاهتمام بالعتبات بصفة عامة، والعنوان بصفة خاصة،وأكد في قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية الجديدة مدى قلة النقاد» الذين تعرضوا إلى مسألة بسيطة مثل العنوان في رواية الرائي" le voyeur" الذي يشير- مع ذلك بوضوح - إلى مضمون الكتاب، ليتفحصوه بما يستحق من عناية«(16)،كما كان للناقد ( ليوهوك ) دور بارز في التأسيس لعلم العنوان وخاصة مع ظهور كتابه (سمة العنوان) سنة 1973م، والذي يعد بحق كتابا في فقه العنونة من جميع جوانبها إضافة إلى "جيرار جنيت" الذي قدم كتابي: (الأطراس)،و(عتبات) ويعد هذا الأخير بمثابة الديوان الحقيقي والرئيسي في علم العنونة كما يعد أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة والعنوان بصفة خاصة،ومع ذلك يبقى ليوهوك "LÉO. HOEK" المؤسس الفعلي (لعلم العنوان) لأنه قام بدراسة العنونة من منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي والإطلاع الكبير على اللسانيات ونتائج السيميوطيقا وتاريخ الكتاب والكتابة.
2- سيمياء العنوان في شعر هدى ميقاتي:
لقد نشأت في ذهن المتلقي للعمل الإبداعي إيحاءات العناوين وأبعادها الفكرية المؤسسة » انفعاليا، أو أسلوبيا، أو حتى إيديولوجيا بحيث لا يبدأ المتلقي تلقي النص أو في قراءة العمل المبدع من نقطة الصفر، وإنما يبدأ مما يؤسس العنوان من معرفة أو إيحاء« (17)، وهذا ما وجدناه في مدونات الشاعرة اللبنانية هدى ميقاتي من نزوع إلى الصياغة الأسطورية، إذ نجد » أن الشعر لم يكن في يوم من الأيام أقرب إلى روح الأسطورة منه في الوقت الحاضر«(18)،فهذا ما يجعل من الشعر يرتقي في مجال العنونة التي » تتشكل وتتكيف حسب أهمية الإبداع ومتطلبات المبدع التي ترسم دروب مساره تدريجيا كما أن الطبيعة الإبداعية للفنان تتأثر بالاتجاهات الأخلاقية والدينية والسياسية والعلمية، والتعاليم الاجتماعية والأحوال الاقتصادية السائدة في المجتمع«(19)،فتعطي العمل انطباعا سيعكس تلك النزعات من خلال بؤرة النصوص المدرجة في كل إبداع شعري.
وهكذا تتنوع العناوين الشعرية من مبدع لآخر، ومن عمل لآخر لتعكس ثنائية التفاعل بين النص و الناص »فالقصيدة هي نتيجة تفاعل بين الشاعر وواقعه، والشاعر إذ يعيش تجربته الجمالية مستغرقا، فإنه يكون محملا بكل ما في عصره، وواقعه، وكل ما يتصل به من مؤثرات تتفاعل معه لتنتج قصيدة ذات صياغة فنية محكمة وتولد لحظة جمالية،فالنص الشعري آلة لقراءة العنوان إذ تربطهما علاقة تكاملية، فهو» بمثابة الدال الإشاري للنص فهو كالاسم للشيء، به يعرف وبفضله يتداول، ويشار به ويدلّ عليه «(20)،فالنص الشعري يتكون من نصين يشيران إلى دلالة واحدة في تماثلهما مختلفة في قراءاتهما هما: (النص وعنوانه)، أحدهما مقيد موجز مكثف، والآخر طويل ولعل صفحة كل غلاف تعطينا انطباعا يجعل من أغوار أي عمل إبداعي يعد نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية، وأخرى رمزية، تغري الباحث بتتبع دلالاته، ومحاولة فك شفراته الرامزة، لهذا يرى السيميولوجيون أن عملية » العنوان والنص والإخراج الطباعي والإشارات والصور«(21)،أجزاء لا تتجزأ من الخطاب الأدبي، وهذه الرموز اللغوية المميزة لكل عمل إبداعي هي دلالات واضحة في سلم العمل اللغوي لهذا نجد أن "الطباعة واللون والغلاف والعنوان كلها عتبات" لفك شفرات العمل الأدبي، وهذا ما يجعل العمل الإبداعي له أهمية أساسية في الولوج إلى جسد هذا الإنتاج"Production"، وذلك من خلال تقديم قراءة تأويلية أولى له تعكس انطباع المتلقي للمنتوج، وهذا ما تريد الدراسة التوغل فيه، وتقديم مفاتيح آنية تعكس التطلعات والأهداف من خلال دراسة دواوين الشاعرة "هدى ميقاتي" – عباءة الموسلين، سنابل النيل، إلاّ حبيبي- التي يقف البحث معها من خلال تقديم قراءة بصرية للأغلفة التي تتدرج من خلال استنطاق ثلاث أقسام أساسية هي:"تصميم الغلاف، صورة الغلاف، لون الغلاف".
إذا كانت الثقافة المعاصرة ترويجية بدرجة لافتة ، فكذلك ثقافة الصورة ، حيث لا يكاد يخلو نص مطبوع أو نص إلكتروني من الصورة ، في تجسيد حداثي واضح للاعتقاد الميتافيزيقي بأسبقية الصورة على الكلمة، هذا ما تشير إليه الحكمة الصينية الشهيرة التي تقول :» صورة واحدة لها قيمة ألف كلمة « (22)، وهذا ما يذهب إليه "بشير عبد العالي"قائلا: » فإن قراءة الصورة الواحدة يتعدد نظريا بتعدد القراء «(23)،كما يعتبر الغلاف الخارجي لأي عمل إبداعي مكتوب أول واجهة مفتوحة الدلالات والتأويلات، التي تصادف العين البصرية لمتفحص العمل، وهي المحفز للمتلقي بالإقبال أوالإدبار على اقتناء هذا الانجاز، ومطالعته » فغلاف الكتاب إذا واجهة إشهارية وتقنية«(24)، وهذا ما يجعل بعض المؤلفين يحرصون أشد الحرص على العناية التامة بالواجهة من حيث نوعية الورق ، وطرق التلوين والطباعة، والصور ، والملحقات التي تجعل من الواجهة عملا يعكس مضمون العمل، ولا بد أن تخضع عملية تصميم الواجهات –الغلاف- إلى شروط ومواصفات تراعي متطلعات المتلقي والمجتمع الذي ينتج هذا الإبداع وهذا ما تراعيه فعلا دور النشر والتوزيع بكل دقـة،ووضوح » فالصورة عبارة عن نقل للأشياء ،استجابة للطلب أو للرغبة « (25).
فالغلاف إذن هو» أول ما نقف عليه، الشيء الذي يلفت انتباهنا إنه العتبة الأولى من عتبات النص تدخلنا إشاراته إلى اكتشاف علاقات النص بغيره من النصوص«(26) ،وأغلفة دواوين- الشاعرة هدى ميقاتي- تلفت انتباه المتلقي إذ نجدها تتكون من قسمين يحملان عدة إشارات دالة، تقف وراء هندسة الغلاف طباعيا من قبل دار النشر التي تحدد جمالية التصميم الداخلي والخارجي للمدونة المراد إنتاجها طباعيا وعرضها في السوق كمنتوج أدبي يعكس فنيتها، وإبداعها،وجمالية المنتوج لغويا بالنسبة للمتلقي من جهة أخرى.
ا) التصميم الخارجي:المقصود به دراسة الملامح العامة التي يتميز بها الديوان كسلعة معروضة في المكتبات من خلال تمظهر الغلاف الذي يشكل الواجهة التي يقدم بها الشاعر بضاعته، فيجد القارئ كل ما يحتاج معرفته من:1- اسم السلعة (العنوان) / 2- اسم مصممها (المؤلف) /3- شركة الإنتاج (دار النشر).
ب) التصميم الداخلي: ويسميه بعض النقاد بالفضاء الطباعي، و يقصد به الحيز»الذي تشغله الكتابة ذاتها - باعتبارها أحرفا طباعية- على مساحة الورق«(27) .
وقد ميز "حميد لحميداني" بين نمطين في تشكيل الغلاف الخارجي للنص،و هما: » تشكيل واقعي، مباشر(...)لا يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص، والتشكيل(...)، ثمّ تشكيل تجريدي يتطلب خبرة فنية عالية ومتطورة لدى المتلقى لإدراك بعض دلالته وكذا للربط بينه، وبين النص« (28) ،كما نجده يشمل عتبة المقدمة والإهداء الذاتي والنسخة التي ضمنها المبدع في عمله، وبذلك فهي عتبة دالة على رغبة الكاتب في التأكيد على منزلته الأدبية، وإضفاء المعنى على إبداعه، والرفع من شأنه، وفي ذلك نوع من الانتصار للذات، تمارسه الأنا الكاتبة،إعلاءً من شأن ذاتها كما يضاف لها عتبة العناوين الفرعية التي تتضمن داخل العمل الإبداعي يصمم بها الكاتب عمله الإبداعي كعلامة دالة على ذلك،وهذا ماقمنا به من خلال دراستنا لأغلفة الشاعرة "هدى ميقاتي"
*-جدول التصميم الخارجي للمدونات الشعرية:
اسم الديوان ........... عــباءة الموسـلين
اسم المؤلّف ........... هدى ميقاتي
دار النــشر............. دار النهضة العربية: بيروت- لبنان
سنة الطبع ................. 1985م
صورة الغــلاف..........
سنابل النيل
هدى ميقاتي
دار الفكر العربي: بيروت- لبنان
1989م
إلاّ حبيـبي
هدى ميقاتي
دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع: القاهرة- مصر
وإذا ما أخذنا ذاك التضايف الزمكاني بين نوعية كتابة عنوان الديوان وشكل الرسم المجسد في لوحة الغلاف فلابدّ من تعديل ما سيطرأ على قراءتنا للنصوص و دواوينها الفرعية داخل المدونة نتيجة تلك الكينونة المزدوجة،وهذا ما يفسر ظهور الكتابة المحاكية للصور قديماً قبل الكتابة التي تعتمد الرموز الصورية، فالصورة أكثر التصاقا بالواقع،وأكثر قدرة على التعبير عنه، لأنها تتميز بجانب مادي ملموس على خلاف العلامة اللغوية ،لهذا كانت الجدلية المتحققة جراء تقدم لوحة الغلاف لنصوص تحقق انتماءها للجنس الشعري أكثر احتداما خاصة عبر كينونة الرسم ، فالشعر إذن يكثف اللغة،ولعلّ الشاعرة "هدى ميقاتي" كانت تقضي وراء ذلك إلى بعث نوع من التجديد الذي يمكن أن يعنيه المبدع، ولا يبقى هذا الأخير أسير نمطية أو قوانين أكاديمية فكانت هذه التجربة رائدة في مجال الشعر النسوي الذي أكدته في هذه المجموعة الشعرية، فكانت ثريَّة في تجسيد صورة الغلاف وقراءة الصورة البصرية، وهكذا فالغلاف وما يحويه من إشارات أيقونية يوزعها المبدع على عينات الغلاف،حيث » تمثل تفكيرا أيقونيا معمقا في معنى الصورة«(29) التي تعد بدورها مفتاحا تأويليا للعنوان و النص معا.
2-1. قراء ة بصرية في صورة/عنوان الغـلاف:
في الحقيقة مازالت واجهة أيّ مدونة أدبية تشكل عتبة هامة في مسألة التلقي من طرف النقاد والمبدعين فهي الخطوة الحاسمة التي تمكن العمل من الارتقاء في درجة سلم القبول الأدبي، ومن ثمة الترويج له ونيله القبول والرضى ،وعليه نجد المبدع يسعى جاهدا في تفعيل واجهة إبداعه حتى يجد الترحيب والدعم والدراسة والنقد،لأن المسألة تعد خطيرة في حالة عدم نجاح العمل فنيا لما فيه خسارة وكساد العمل الأدبي، وخروج تجربة المبدع من دائرة الدراسة والنقد ،وهذا فعلا ما حدث مع العديد من التجارب الشعرية النسوية التي ضاعت واختفت من الساحة الأدبية والنقدية وخرجت من الباب الضيق لكونها لم ترق الترحيب والقبول من طرف الدارسين،وهذا ماجعل المبدعات في نظم الشعر يأخذن احتياطاتهن قبل الشروع في طبع العمل الشعري لأنه يمثل هويتهن، وعليه كانت كل شاعرة تحيط عملها بهالة من الغموض والحيرة التي تعتري لغتها وأنوثتها مما يجعل الدارس لهذا العمل يعيش تلك التجربة التي عاشتها الشاعرة.
والقارئ المعاصر لجميع دواوين الشعر النسوي يجدها تتوشح بواجهة غلاف تعكس صورة المدونة الشعرية وطبيعتها الأنثوية من خلال توظيف معظم المبدعات لصورة امرأة على معظم واجهات دواوينهن الشعرية ،من أجل أخذ حق الاعتراف بهذا الإبداع والتجربة النسوية المعاصرة التي فرضت نفسها على الساحة الأدبية، فجميع الأيقونات التي تلحق بواجهة غلاف الديوان الشعري النسوي تصور عمق المصاب الذي لحق بهذه التجربة المتميزة، وعليه انتقلت المبدعة من حالة توصيل رسالة عن الذات النسوية إلى المتلقي الآخر الذي يريد منها نموذجا تابعا له عاطفيا وشعريا، فكانت أولى صور انتفاضتها هي تلك الأيقونات التي تمثل صورتها الأنثوية على الواجهة كنوع من إثبات الذات والخروج من دائرة التهميش إلى مركزية الإبداع الشعري» في خلق حوار وجدل بينها وبين جمهورها« (30) الذي بات يجد خصوصية فنية في تلقي الأعمال الشعرية النسوية دون غيرها.
والملاحظة التي تبدو جلية بالتحليل هي مقدار الضرر الذي عانت منه التجربة الشعرية النسوية تاريخيا، فشخصية المرأة المبدعة» شخصية كلية متفاعلة، وأصل فكرها وانفعالها وإحساسها هو الواقع الخارجي ذو الأبعاد التاريخية والاجتماعية «(31) ،وعليه كانت الأيقونة الرامزة على واجهة كل ديوان شعري نسوي تتجسد في شكل صورة امرأة ملصقة بواجهة الديوان بالإضافة إلى العنوان الشعري واللون المميز لطبيعة هذا الإبداع، من أجل كسر الجليد عن تجربتها الشعرية،وتقديمها للمتلقي خاصة الرجل،والدفع به إلى استكشاف كنه هذا النظم واللغة الشعرية التصويرية، التي تتجلى في صورة الأنثى، التي تحمل ثنائية "القهر/الإغراء"، وهذا كله من أجل اقتناء الإبداع ودراسته و،و طرحه للمساءلة النقدية لكشف معالمه ،ولغته التي تحوي في طياتها حيرة واستفاهامات عديدة تعبر عن الطبيعة الأنثوية وصفاتها التي تعبر بصدق عن مختلف الهموم والأوجاع المتسربلة في مشهد الغلاف والصورة المصاحبة للغة الشعرية.
إنّ اللّغة الشّعرية النسوية تتشاكل مع لوحة الغلاف ليكون لها حضور ثان يمثل ثنائية "الصورة/اللغة" التي تنتج في نهاية الأمر مشهدا بصريا لنفسية المبدعة الذي ينعكس بدوره على مشهد اللغة الإبداعية، وما تريده الشاعرة من نظمها في تقديم صورة مفصلة عن نفسيتها،وكيف تبلغ حالات الفراغ الإبداعي الموجود على الساحة الأدبية الذكورية التي لاترى في تجربتها الإبداعية أي جديد، ماعدا نقل حالات القهر التي مرت بها الأنثى عبر التاريخ، فدواوين الشعر النسوي معظمها أوكلها تتوشح بأيقونة بصرية واحدة ،وكأن كل واحدة تريد نقل تجربتها المريرة مع الرجل الذي في نظرهن مازال يمارس القهر بلغة شعرية سادية يشعر معها بوجوده وسيطرته على مجتمع النساء.
ومسألة حضور صورة المرأة في واجهة كل ديوان شعري نسوي أصبح عرفا أنثويا حاضرا بقوة يعكس أولا طبيعة العمل ونوعه، وثانيا استشراف الصوت النسوي الذي بقي مقهورا، لتأتي تلك الأيقونة التي تمثل ملامح صورة أنثى كاملة غير واضحة المعالم أو وجها نسويا يتجلى في ملامحه الغموض والألم ،و كأن الشاعرة تستحضر بذلك صورة أسطورة تجعلها قناعا لذاتها،أو كأن المبدعة أثناء توظيفها لهذه النماذج من الصور تنقل لنا المزاج النسوي الذي يبدو في حالة قلق مستمر من الواقع الذي تعيشه المرأة عبر كل تلك المشاهد على اختلاف مشاربها وأبعادها، فهذه الأيقونات البصرية تكشف للمتلقي تحدي الإبداع النسوي ،وإثبات الذات عبر لوحة الغلاف الذي يعد أول واجهة بصرية تواجه بها المرأة المتلقي الرجل كنوع من المواجهة الفنية والجمالية.
طبعا نقلت صورة الغلاف للمتلقي حالات الاحتقان التي عانى منها الإبداع النسوي والذي تسبب في إقصائه فترة من الزمن، ومع ذلك تمكنت المرأة من ولوج سلم الإبداع من جديد عبر منفذ الإبداع الشعري لنقل صور عالمها الداخلي الذي بقي غامضا أو غير مفهوم من قبل الآخر، ومحاولة تحريره من حالات الكبت والحصار الذكوري من خلال بوابة الغلاف ،والصورة الشعرية المشبعة بلغة المعاناة التي تعد محطة هامة في ذاتها الشاعرة، فهي في نهاية الأمر إنسانة تنقل لنا تجربة بنات جلدتها اللواتي يعشن في الظل والتعتيم، فالمبدعة الشاعرة كانت بمثابة حلقة الفصل والوصل بين عالم النسوي والذكوري في علاقة إنزياحية تكشف عن ثنائية التكامل بين المرأة/الرجل كنهاية حتمية لتقبل أحدهما للآخر .
يعد الغلاف صورة مشهدية لنفسية المرأة تقول من خلاله ما تريد بعيدا عن رقابة الرجل،وفيما يتعلق بتقسيم إطاره- الصورة البصرية الثابتة - إلى أجزاء مادية ومناطق معلومات فهذا يختلف من ناقد لآخر،ومن ثقافة لأخرى و أهم هذه التصنيفات للصورة البصرية الخاصة بالغلاف موضحة في الشكل الآتي الذي يقسم الصورة إلى قسمين أساسين هما:(32)
*- قسم علوي (Spiritualité) يتصف هذا القسم بطابع العلو والتسامي فكل العناصر والمعلومات المهمة مدونة فيه مثل اسم "المبدع وعنوان الإبداع" وهما يمثلان الملكية الخاصة للمؤلف ويجسدان دور العمل الفني لهذا الفضاء الخارجي.
*- القسم الأخير السفلي (Matérialité)، فهو يتصف بالبساطة، والمادية وتدون عليه دار النشر والبلد الذي أصدر هذا الإبداع فيه.
فهذا الشكل النّمطي المألوف، والمعتاد عند واضعي الغلاف خاصة من طرف دور النشر، والمطابع يجعل هذه الصيغة الشكلية عملا ثابتا لا يمكن كسره أو تجاوزه أو الخروج عليه، فهو أصبح كالقانون الأساس المحظور المتفق عليه، والذي لايمكن تجاوزه من طرف هيئات الطبع والنشر، وتبقى الحداثة والتجديد في إنتاج الإبداع وتقديمه للمتلقي مطلبا أساسيا من أجل الرقي بالمنتوج وتقديمه في أبهى حلة ومواكبة كلّ فنون الطباعة، والنشر الحديثة التي تشهدها الساحة الإبداعية العالمية ومواكبتها، تدريجيا ،وهذا في سبيل البحث عن النوعية وجلب أكبر قدر ممكن من القرّاء والذّوقين للمنتوج الأدبي لدار النشر.
في حقيقة الأمر جسد الغلاف محطة هامة في تجربة الشعر النسوي المعاصر لما فيه من صور ومشاهد شعرية تؤكد على تميز لغة المرأة الشاعرة عن لغة الرجل كما في واجهة الغلاف لكي تحقق نوعا من التوازن على ساحة النظم بما تجود به قريحتها من قصائد شعرية تفسر بها ذاتها ومشاعرها التي بقيت كامنة تحتاج لمن يفهم تلك اللغة ويحررها من الصمت اللغوي الذي لازمها طيلة فترة من الزمن الشعري، إلى جانب مركزية العنوان الذي يشكل هوية العمل، نجد أن المبدعة توليه عناية خاصة لماله من أهمية بالغة في واجهة الغلاف، والمرأة الشاعرة نجدها قبل تقديم العمل للطباعة تتحسس هذا العنوان الرئيس ومدى استجابته للغة الديوان الشعري ومدى تمكنه من تفسير كل العمل الإبداعي كنوع من الانزياح اللغوي الذي يحتوي كامل التجربة دون أن يضر برواجها.
وعند دراستنا لأغلفة مدونات الشاعرة "هدى ميقاتي" وجدناها لم تخرج في فحواها عما ذكرناه سابقا، ولكي نؤكد ذلك ستقوم الدراسة بعرض قراءة بصرية لغلاف كلّ مدونة شعرية بشكل خاص، ففي غلاف ديوان "عباءة الموسلين" نجده يكشف عن وجه امرأة نائمة بشعر طويل متموج،وهو وجه يبدو شاحب اللّون، بأنف شامخ دلالة على رفعة و شموخ المرأة التي لاتكسرها الهموم ولاتقهرها وكزات الدهر،وهذه الصورة تعكس في العمق ذات المبدعة "هدى ميقاتي" فهي معتزة فخورة بنفسها، ذات كبرياء، أما هيئة النوم فتصور مشهد المرأة الغارقة في عالم الأحلام، باحثة عن ذاتها من خلال استرجاع ذكريات ماضيها، وحلمها بمستقبل أفضل تشعر فيه بالأمان والراحة،أمّا البياض في أعلى الغلاف فهو رمز الطهارة والنقاء والصدق للمرأة، فالشاعرة صادقة في مشاعرها وأحاسيسها، وقد توسط ذلك البياض عنوان المدونة بخط غليظ أسود اللون"عباءة الموسلين"هذا العنوان الذي يوحي بالتخفي والغموض،وعدم البوح بهوية واضعها خاصة إذا كانت امرأة،حيث تتجلى فيها كلّ معاني ودلالات التكتم النسوي، لكنه مؤقت خاصة إذا كانت تلك العباءة من الموسلين الذي يحمل في طياته ثنائية ضدية ،إذ يعطيك للوهلة الأولى انطباعا حقيقيا بالتبرج والكشف،كما يدل صراحة على إبعاد الشكّ والحيرة حول هذه المرأة التي تلجأ إلى كشف حالها حتى لاتثير الشبهات، فقد باتت مطاردة من كلّ اللصوص،والساسة،والمتربصين بها،فهي لبنان المهان الذي استبيحت كرامته،وغدر ولكنّ هذه العباءة التي كانت تبدأ بحرف العين،الذي يحمل في رسمه صورة التخفي (عــ)،وهو حرف حلقي متمركز في أسفل الجهاز الصوتي يثير الكثير من الغموض والخوف في "مخرجه/رسمه"،وقد سمى- الخليل بن أحمد الفراهيدي- عليه معجمه عليه :(معجم العين)،لما فيه من مركزية صوتية من جهة،ومرجعية جمالية ودلالية من جهة أخرى فقد » ارتقى الخطّ العربي على أيدي الخطاطين المبدعين الذين قاموا بتجويده على مرّ العصور الإسلامية بأساليب متطورة،وأصبحت الكتابة العربية تتمتع بجمال حروفها ورشاقتها المنفردة والمركبة«(33).
و لهذا راحت – هدى ميقاتي- تنحت من هذه اللغة عنوانها الشعري كإستراتجية تصل بها إلى ذات المتلقي لتثير فيه الكثير الحيرة الدلالية والصوتية،إن عنوان "عباءة الموسلين" يطرح الكثير من الحيرة التي تؤرّق صفحة غلاف المدونة، »فالشعراء رسموا بشعرهم ألف صورة وصورة،أما الرّسامون فقد أوحوا بأساليبهم المختلفة في رسم هذه الخطوط بصورة لاحصر لها«(34) ،و لهذا كان اتحاد العنوان بالصورة و نوع الخط رسالة إضافية تدعم المعنى العام للديوان ،كما نجد تحت العنوان مباشرة جنس العمل بخط رقيق "شعر"، ليليه فيما بعد اسم الشاعرة "هدى ميقاتي"، وعلى الجانب الأيمن من الغلاف نجد زخرفة فنية عبارة عن أوراق متناثرة ذات لونين "صفراء/بنية" تدلّ على التلاشي والسقوط،وضياع الأحلام وتبخرها في مساحات نصوصها وعناوينها الشعرية،وهذه اللّوحة الفنية الجميلة تصور لنا حورا فنيا بين الرسم والشعر ليتلاحم صورة واحدة هي الإبداع الشعري النسوي،وإنّ العنوان الراهن يتعاظم مع اللوحة المرافقة لتبئير اهتمام المتلقي واستقطابه بتفعيل الوظيفة الإشهارية للغلاف ،وعليه فالعنوان الشعري النسوي للمدونة يعكس صراحة حجم الضرر الذي أصاب – لبنان/الشاعرة- نفسيا،وجعلها أسيرة القهر والألم الذي نغّص عليها حياتها الإبداعية،والتواصلية.
وأمّا في غلاف مدونة "سنابل النيل" فيشمل النص المحيط فيها صورة سنبلتين صفراوتين شامختين في فضاء فسيح يتخللهما نهر النيل رمز الخصب، والعطاء بلون شاحب يدعو للغرابة ليعلوهما اسم الشاعرة باللون نفسه لتعطينا انطباعا خاصا حول العلائق الموجودة بين هؤلاء الثلاثة في رحبة لون أصفر غطى وجه الغلاف بأكمله ، و هذا ليفصح عن سر وجود هذا اللون وقصديته في هذه الواجهة، فالشاعرة عليلة أسقام تبحث عن ذاتها في دنيا سنابل شامخة صفراء الإشراق و الأمل يغمرها ترياق نهر النيل الذي يصنع ماء الخلود لهذه السنابل التي باتت رمزا من رموز الفراعنة كما هو الحال للون الأصفر الذي يشفي الإنسان من كلّ الكلوم التي يعاني منها سواء كانت نفسية أم جسدية لتبعث الحياة كلها صفراء، وقد وجدت شاعرتنا أزهار الخلود في السنابل التي هي منبع العطاء والعظمة للفراعنة قديمـا، ورمزا للمحبة والكبرياء للمصريين حديثا،لقد وصل الديوان إلى حد الولوج، والوصول إلى مرحلة الخلود والسعادة الحقيقة عندما يبعث متن قصائد حزينة ، تحاكي ومضات الجراح المنثورة فوق أهداب سنابل ناضجة تنم عن الشموخ الأبدي الذي يحيط بقداسة من التحدي لعيون القدر وجور الدهر الذي سلك دروبا شتى للبوح بهذا السر الذي صنعته طبيعة الحياة وعبقرية الخالق في نسج صرح البقاء لشعب كان "النيل والقمح" كل زادهما، وحياتهما كما الحال عند شعوب "الأستيك والأنكا والمايا"، فالذرى كانت بذور الخلود عندهم تعيد إلى الحضارات أكسير الخلود الذي بحث عنه جلجامش في تقاسيم الحياة.
وفي دراستنا لغلاف ديوان "إلاّ حبـيبي" نشير أولا إلى أن غلافها يعكس مضمون العمل الإبداعي، وهذا يدل على أن الفنانة على وعي كبير بعلاقة صورة الغلاف، مع مضمون ديوانها ـحيث أطلقت الشاعرة عنوان القصيدة الثالثة في مجموعتها الشعرية عنواناً للديوان كلّه » وذلك واحد من منهجين متبعين في تسمية المجامع الشعرية، والقصصية، أولهما ذلك الذي يضع للمجموعة عنوانا خاصا بما هو غير عنوانات القصائد، عنوانا تكمن في داخله مهيمنات دلالية تجتمع في فضائها الخيوط النسيجية الآتية من متون القصائد كلها، وثانيهما هو أن يختار الشاعر عنوان إحدى القصائد لتكون اسما لديوانه، حينما يكون ذلك الديوان قادرا على احتواء تلك المهيمنات « (35)، وقد قسمت الشاعرة مدونتها إلى مقاطع ثلاثة ،هي : اسم الشاعرة الذي كان بلون أزرق فاتح (هدى ميقاتي)،يدّل على قيمة الأمل الذي أصبحت تعيشه الشاعرة،ثم يليه العنوان في أعلي الغلاف ،وقد كان بلون أرجواني كبير يبدأ المقطع الأول منه بأداة استثناء (إلاّ) التي تستثنيه من كلّ النقائص،و الشوائب التي يمكنها أن تحطّ من قدره، وهذا في المقطع الثاني من العنوان الذي تلحق به كلمة (حبيبي) التي تدلّ على عظمة المشاعر التي تكنها لهذا الحبيب.
ثم يأتي المقطع الثاني ،إذ تتوحد لغة العنوان بلغة الصورة الموجودة على وسط الغلاف من خلال صورة فوتوغرافية لبورتريه وجه امرأة حالمة ،نظرتها متجهة إلى العنوان الموجود في أعلى الغلاف،وكأنها تريد من المتلقي أن يفهم تلك العلاقة الجميلة بين هذا الحبيب ونظرة تلك المرأة له، فهي تريد البوح له بكلّ تلك المشاعر،و الآهات الدفينة في مقلتيها اللتان تتوحدان مع لغة الحروف لتشكل في النهائية نغمة حزينة م مملوءة بالحسرة والآسى على ضياع وفقدان هذا الحبيب لينتشر ألمها على كامل عناوين قصائدها الشعرية، ثم يأتي اللّون الأزرق، والرمادي المحيط بمحيط الغلاف، وصورة المرأة ليعكس حالتها النفسية بين الأمل واليأس،فهي مجروحة تنتظر قدوم حبيبها،وفي الوقت نفسه نجدها مترددة من فقدانه للأبد،وهذا ما عكسه عنوانها الشعري.
2-2. قراءة بصرية في لــون الغـلاف:
يُعَدُّ الحديث عن الألوان من أساسيات دراسة الأغلفة، وعلاقتها بما يحتويه العمل الأدبي حيث تلعب الألوان دورا هاما في التأثير على نفسية الفرد ، حيث أن الميل إلى بعض الألوان يرجع إلى ظروف حياتنا وثقافتنا كما يرجع إلى الظروف النفسية التي يمر بها الفرد » ومن هنا نجد أنّ للألوان دلالات معيّنة وارتباطات بالظروف والأحداث التي مررنا بها،وفي هذا تعليل للأسباب التي تجعل بعضهم يميل إلى ألوان من دون أخرى « (36)،كما أن الصورة اللونية في لغة الشعر خاصة» تشكل جزء من قدرنا وتخبرنا عن حالات ذهنية هامة« (37) ،وعليه نجد أنّ لغة الألوان كما يتضح في واجهة أيّ عمل إبداعي، تشكل لغة مغايرة للواقع ،إنها لغة الإيحاء والدلالة ،التي تعبر عن تجارب، ونظرات، وأفكار صقلتها التجربة فظهرت من خلال الرسم بالكلمات كلوحات إيحائية ليست عادية، ويختلف تأثير هذه الألوان من فرد إلى أخر بحسب حالته النفسية ، وانسجامه مع الألوان لما تمتاز به من دلالات مباشرة »فهناك ألوان حارة وألوان باردة وألوان مبهجة مفرحة منطلقة تنعش النفس بمعاني الفرح والسرور ،وهناك أخرى قاتمة بائسة تبعث للنفس غيوماً من الهدوء والخمول أو الحزن والكدر «(38).
وعليه يعدّ الضوء هو مصدر جميع الألوان، واللون نتاج انعكاس أحد ألوان الطيف ومصدرها نور الشمس وهناك ثلاثة ألوان أساسية تتركب منها كافة الألوان عدا الأبيض والأسود ، وألوان أخرى فرعية تتكون من خلط الألوان الأساسية،أما عن حضور اللون وتوظيفه داخل صفحة الغلاف من خلال صورة الأيقونة المدرجة فيه فنجد أن أغلب الواجهات الشعرية، كلها تصور لنا ملمحا شاحبا عن صورة الإبداع النسوي في أغلبه، من خلال حضور اللون بقوة الذي يعبر عن الصورة العميقة لنفسية المبدع، وبما أن أغلب الشاعرات قد تعرضن لحالات من الحصار والتعنيف الإبداعي عبر الذاكرة التاريخية الشعرية،وماحوته من ترسبات كشفت لنا عن عمق التجربة المريرة التي علقت باللغة الشعرية، فكانت لغة اللون تسير جنبا إلى جنب مع لغة الشعر، وتوظيف اللون في سطح المدونات الشعرية النسوية يعد نقلة نوعية في عالم الكتابة الإبداعية، إذ كانت المبدعة تستعين بالعديد من الألوان التي تكشف بصدق عن تلك المرارة التي توحشت بها.
إنّ حضور الّلون بجوار اللغة الشعرية يعد تحديا صارخا للغة الرجل الذي وقف يشاهد الإبداع النسوي يتطلع إلى التحرر والانطلاق الفني والجمالي في ميدان الإبداع الشعري من اكتمال التجربة الشعرية التي وأدتها النزعة الذكورية في فترة من التاريخ الأدبي، ومن هنا صارت المبدعة تصور واقعها بلغة "النظم/الرسم" الذي أبدع في تصوير الإبداع النسوي في ميدان الشعر وما يعانيه من آلام وضغوطات متتالية من طرف الإبداع الذكوري،إن استعمال تقنية الصورة الأيقونية على سطح واجهة الغلاف الشعري كان بمثابة التحول التقني لطبيعة هذا الإبداع،والدعوة الصريحة إلى تذوقه من طرف المتلقي الذي كان يري في الإبداع النسوي تجربة فنية ناقصة لم تصل مرحلة النضج بعد،وكل هذا الإبداع لايستطيع التعبير عن التجربة الشعرية التي حققها الرجل.
عموما الإبداع النسوي فند تلك المزاعم وأثبت جدرا ته كتجربة جديدة يجب الاحتفاء بها، والتعرف عليها بالتلقي والنقد لها،فكان لازما على الشعرالنسوي تحقيق عميلة التواصل عبر منافذ الفن مستعينا بمختلف الآليات التي تبرز دوره على الساحة الأدبية التي كانت تعد نظم الشعر نزعة ذكورية لا تستطيع المرأة خوضها ،أو ولوج عوالمها الفنية لكونها قاصرة فيها وعليه ظهرت التحديات النسوية من خلال الإبداع الشعري الذي تناول مختلف قضايا وتجربة المرأة بكل المقاييس والتحديات لإثبات الذات من جهة وتقديم مختلف التقنيات الجمالية المصاحبة لها عبر الوسائط الرمزية كالأيقونات والألوان التي تظهر جلية على واجهة العمل الشعري كنوع من التحدي والمكاشفة والممانعة التي ترمز إلى طبيعة المرأة كأنثى وشاعرة وإنسانة بحاجة إلى من يفهم هذه التجربة ويعطيها حقها من التقدير والاهتمام النقدي.
يؤدي اللّون دورا هاما على مساحة الديوان الشعري مما يطرح استفسارت هامة حول لغة الشعر النسوي من جهة ، وطبيعة توظيف اللون كلغة ثانية تتماشى مع لغة الحروف ولغة الصورة من جهة ثانية التي تعد مفتاحا للولوج إلى العمل الشعري ومحاولة فهم مقدماته من خلال واجهة غلاف العمل الأدبي، وتبدو تجربة الأنثى في هذا المجال حديثة عهد بها كون المرأة بدأت تمارس إبداعها بفنيات وجماليات فرضتها عليها الحداثة الشعرية ،وآلياتها التي أعطت انطباعا مغايرا لما كانت عليه تجربة الإبداع الأدبي من قحط في لغة الجماليات التي توشح بها الديوان الشعري المعاصر كنوع من التطور الدلالي في التقنيات والفنيات التي بدأت تتواصل بها لغة الشعر مع لغة اللون والصورة لتشكيل تلاحم جمالي.
لقد كانت لغة اللّون تتلاقح مع لغة الشعر من خلال التواصل الفني والجمالي بين صورة الذات الشاعرة التي تفرز آهاتها على صفحة الغلاف كمركزية للنفوذ إلى عناوين قصائد الديوان من خلال الاستعانة بمفتاح العنوان الرئيس للعمل الشعري ومن ثم إطلاق العنان للتواصل "اللّوني/الشّعري" الذي يمكن العمل من الرواج على ساحة النقد والإنتاج،وهذا ماحدث فعلا مع الشعر النسوي المعاصر الذي راح يغازل لغة النظم واللون لتحقيق التكامل بينهما وإزالة الفواصل التي كانت سببا في قطيعة التجربة الفنية،ودعوة المبدعين إلى دراسات للشعرالنسوي مؤسس على النص الجمالي الذي يعبر بصدق عن جمال اللغة والروح والجسد النسوي البارز بوضوح على صفحات كل غلاف إبداعي كنوع من الإغراء المباشر على المتلقي من أجل اقتناء العمل الشعري وتحدي تجربة الرجل في نهاية المطاف.
وإذا عدنا لدواوين شعر هدى ميقاتي كنموذج للشعر النسوي المعاصر نجد دواوينها الشعرية الثلاثة يغلب عليها ثلاثة ألوان أساسية هي:
1. ديوان عباءة الموسلين: "اللّون البني (القاتم/الفاتح)".
2. ديوان سنابل النيل: "اللون الأصفر"
3. ديوان إلا حبيبي: "اللّون الوردي"
وأثناء تتبعنا لمسيرة اللون في هذه الدواوين الثلاثة وجدنا أنّ هذه الألوان الثلاثة لها أبعاد تراثية وأسطورية، ونفسية في ذاكرة الشاعرة حاول البحث إبرازها في كل ديوان شعري
1- ديوان عباءة الموسلين:
لقد غلب على ديوان"عباءة الموسلين" اللّون البني الفاتح لما فيه من دلالات نفسية،وجمالية يمكنها أن تكشف عن تجربة الشاعر نحو عالم الشعّر،فكانت هذه"العباءة" بمثابة قناع فنّي،نسوي تلجأ إليه النسوة عادة لإبراز مختلف مظاهر التخفي،والتجلي الأنثوية على مستوى الإبداع، فالنص النسوي يلجأ عادة إلى استعمال صورة الغموض،إذن فالنص الإبداعي حسب تعبير "جاك دريدا"،» ليس بنص لم يُخفِ منذ الوهلة الأولى أسلحته الفنيّة وتيماته الأساسية،وقوانين تكوينه،وقواعد لعبته«(39) ،والمتتبع لحركية اللّون في الإنتاج الإبداعي الشعري يجد أنّه عنصر أساسي في الكون وهو من المدركات البصرية،فبواسطته يعبر الإنسان عما يختلجه من آلام وأفراح، وانشراح وقلق وغيرها من مكبوتات الإنسان الداخلية كما أن للألوان أهمية ودور في حياة الشعوب والأمم على مر العصور وتضمنت دلالات تمييزية استقرت مفاهيمها في ألفاظ معينة، وإن اللون الواحد قد تكون له أكثر من دلالة، وقد تكون له دلالات متعارضة كدلالة الموت والحياة في الوقت نفسه... فرمزية الألوان عموما فيها هذه الإشارة الخاصة للتعدد والتنوع والتجلي والخفاء في الوقت نفسه.
لقد كان اللّون البني من الألوان التي غطت مساحة بارزة في واجهة الديوان، واختياره كان عن قصد ليعبر عن ما هو موجود في المتن من تشاؤم وشحوب وهموم ومعاناة وكلوم مزروعة على دفات القصائد المشحونة بنيران الشجن واللظى والفراق والاغتراب، والوجع النفسي الذي لمسناه في قوافي وأوزان الشاعرة، كما نجد إلى جانبه اللون الأصفر الذي ينتشر على مساحة الغلاف دلالة على بصيص الأمل الذي مازال يشرق في ذاتها، فالشاعرة قد استعانت باللون الأصفر لصلته بالبياض وضوء النهار ولارتباطه أيضا بالتحفز والتهيؤ للنشاط، ومن أهم خصائصه اللمعان والإشعاع وإثارة الانشراح ،وهو يعدّ لون الحركة والتنقل،فالشاعرة- ميقاتي- كما يبدوا للمتلقي متشائمة ذات نفسية مكلومة،وغامضة فهي تخفي بداخلها مآسي وآلام نتيجة الواقع الذي تعيشه وأوضاعه غير مستقرة، وكذا نفسيتها المضطربة والمنفعلة.
2- ديوان سنابل النيل: يؤدّي اللّون دورا هاما في عمل الإبداع الأدبي،واهتمام الفرد المبدع بتراكيبه وتنوعاته ،وتشكلانه جعله،يبحث طويلا في حياة اللّون ،وإيحاءاته المتنوعة المرمزة لأن» اهتمام الإنسان باللّون ظهر مع نشوء أولى الحضارات المبكرة في العالم بدءا من حضارة وادي الرافدين والنيل«(40)،وعليه نجد اللّون الغالب عليه هو"اللون الأصفر" الصارخ الذي يدل على الجمال والتألق والحيوية، واللون الأصفر في لون بشرة أو في لون ورقة ساقطة في الخريف يثير إحساسا بالموت والفناء، في لون الرمال الشاسعة يثير الإحساس بالجدب (القحط)، وفي لون الغلاف الجوي المحيط يثير الشعور بقرب عاصفة هوجاء وهو في لون الفاكهة يثير إحساسا بالنضج والطراوة، وفي لون صفرة الشمس الساقط على بقاع الأرض يثير إحساسا بالدفء والحيوية ، وفي بريق الذهب يثير الإحساس بالفخامة والأبهة والأصفر لون مفرح وعملي يرمز للشمس والضوء وزهرة النرجس والذهب استخدمه الفراعنة للوقاية من الأمراض لارتباطه بأشكال المثلثات والأهرامات، الأصفر مناسب للاستخدام في الغرف المعتمة وله تأثير إيجابي كبير لمن يعانون من الانهيار النفسي، والأصفر لون صريح والساطع (الفاقع) منه غير مريح ، والباهت يترك في النفس شعور الربيع وهبات النسيم ورائحة الليمون.
ومما جاء في التراث القديم للون الأصفر نجد »هيام العراقيين باللون الأصفر وتغزلهم بالوجوه الصفر وصبغهم ثيابهم بالصفرة، وافتتانهم بالزهور الصفر، واتخاذهم الطعام الأصفر، ومدحهم الجواهر الصفر« (41) ،وقد ورد هذا اللّون في تعابير حديثة منها فلان أصفر الوجه، ويقيمون من المرض والذبول، لقد كان اللون الأصفر من الألوان التي غطت مساحة بارزة في واجهة الديوان الذي عكس طبيعة هذا اللون ،واختياره عن قصد ليعبر عن ما هو موجود في المتن من كرب وهموم، وكلوم مزروعة على دفات القصائد المسجونة بنيران الشجن واللظى، والفراق،والاغتراب،والوجع النفسي الذي لمسناه في قوافي وأوزان الشاعرة،فالشاعرة تبحث وسط هذا الركام عن ترياق شاف لها من أسقام، و أشجان عللتها دهورا من السنين لعلها ستشفى بترياق نهر النيل الأسطوري، و سنابله التي خلدت حياة شعوب كان لها في الغابرين حضارات دوت أبراج السماء بشموخها و كبريائها مثل شموخ السنابل التي غطت أديم أرض النيل الساحرة للقلوب و العقول و الشافية لكل ّالكلوم.
فالشاعرة – ميقاتي- محطمة تبحث على من يأخذ بيدها ، و يعيد إليها البلسم الشافي من علقم و مرارة الحياة التي لم تمنحها و لو بسمة تحررها من كل مكبوتاتها المسجونة في نهر العدم السابح بقصائد سقيمة يعللها السواد، والتشاؤم ، والضبابية والحيرة وسط النور والإشراق، والبسمة الهاربة من صخب الحياة وفعلا كان اللون الأصفر قبسا من الحياة الذي يرسم مقادير الناس في كلّ دروب ، و معابر الكون الفوقي أو السفلي، فالسنابل على الرغم من اصفرارها المتهالك وسط بيادر الفناء تشقها خلجاتها نهر النيل ليبعث الحياة فيها من جديد في دورة حياتية تنسج خيوطها طبيعة من العدم لذلك ، فالشاعرة تريد تحرير ذاتها من الألم الدفين، وخلجات معانيها، و فلتات لسانها وصحـوة مداد يراعها الذي جفت قريحته في نبرات القوافي لعلها ستعيد للحياة أنفسها وترجع البسمة إلى شفاه غابت عنها شقائق النعمان لترسم محياها الوسيم في خجل وغفلة من الألم، و الاغتراب وسط قوافي ، و أوزان مجموعتها الشعرية.
3-ديوان إلاّ حبـيبي:
والمتابع لتطور الشعر النسوي عبر التاريخ الأدبي يجد أن جلّ الدواوين الشعرية مشبعة بآهات وكلوم أنثوية قلقة كاشفة حدة التوتر إزاء حالة التغييب الإبداعي الممارس بقصدية على المنتج النسوي الذي عانت منه الشاعرات عبر سراديب التاريخ الأدبي ،خاصة صور الإقصاء والتهميش من طرف المبدعين الذين كانت نظرتهم للإبداع النسوي نظرة غير بريئة تحمل أكثر من دلالة استفهام نحوه، مما دفع بالشعر النسوي إلى حالة من الاحتقان في علاقته بالمنتج الشعري الذكوري الذي فرض إطارا محددا لايستطيع تجاوزه فضلا عن الصور الفنية التي كانت في اللاشعور الجمعي للمجتمع النسوي الذي تمكن من الثورة وقهر كل الظروف التي أدت إلى جمود القريحة الشعرية النسوية التي كانت تبحث عن منافذ لنقل معالم النفس واللغة إلى المتلقي الذي كان يكتشف الأنثى المبدعة لأول مرة ،ولكن من خلال النظم الأنثوي الذي نقل كل المشاعر والهموم التي كانت تعتري اللغة والذات من أجل تحقيق لغة التواصل مع الآخر الذي كان لايعرف من الأنثى سوى لغة الآه فحسب، وهذا ما شجع الإبداع النسوي لخوض هذه التجربة الشعرية من المخيال المخفي إلى المرئي، ونقل صوتها المقموع منحلة السكون والهمس إلى حالة الحركة والجهر بكل ما يختلج مشاعرها من أفراح وأقراح.
إنّ لغة اللّون الموثقة في غلاف المدونة نجدها تنقل لنا حالات القلق التي عايشتها المبدعة، وتطرقها لمختلف القضايا التي عجزت اللغة الشعرية للرجل من كشفها، أو التكتم عليها وجعله في دائرة المسكوت عليه أو الهامش من الإبداع، وقد أدت – صورة البورتريه - دورا فاعلا في إخراج الذات الأنثوية التي كانت تعاني لحظات الانكسار النفسي لتنفلتا بعدها من قيود المجتمع/الرجل الذي جعل من المرأة أداة للوصول إلى غايته على حساب مشاعرها وأنوثتها، وهذا في مجتمع ذكوري يعتبرها مبدعة من الدرجة الثانية مهما بلغت درجة في الكتابة الإبداعية، وذلك أن طبيعتها العاطفية التي تحيط بها منكل النواحي شكلت عبر الذاكرة اللغوية هالة من التراكمات المعرفية التي بقيت تهيمن على ذاتها وتحاصر نفسيتها ،وهذا ماجعل العناوين الشعرية كلها ملفوفة برائحة الحزن والهجر والألم، ومن هنا» ومن هنا فقد استعمل الفنّ كوسيلة لستر آلام الإنسان في بعض ظروفه « (42) وهذا كله نقش في ترسبات فكرها، فكان عنوانها الشعري بمثابة صرخة نسوية مطبوعة بألوان متعددة منها اللون الرمادي الذي يحمل الضبابية والغموض، واللون الأزرق الذي ينتشر تدريجيا على مساحة الغلاف ليعطي انطباعا للمتلقي بوجود دلالة الأمل في الحياة،ثم تختمه باللون الوردي الذي يجمل طابع الرومانسية من خلال لون شفاه المرأة في البورتريه الذي ينعكس مباشرة على مختلف زويا العنوان لتحيط به كنوع من الرومانسية الصارخة.
وأغلبية الألوان الثانوبة المترابطة مع اللونين الأساسين(الأزرق/الرمادي/وردي) المنتشرة على جلّ مساحة الغلاف المدونة الشعرية(إلاّ حبيبي) تؤكد على حضور النغم الحزين من خلال العنونة وما تحمله من حمولات نفسية تبني عليها الشاعرة صورة العنوان الذي يفضحها تدريجيا من لغة الشعر الصوتية التي تخونها معلنة معاناتها بصراحة، رغم ما تحاوله الشاعرة من ترميز وأقنعة تحاول بها إخفاء وجهها الحقيقي، وإبراز صورتها الفنية كمبدعة ومع ذلك نجد جميع الشاعرات اللواتي خضن تجربة الشعر، خانتهنّ اللّغة لكون طبيعة الأنثى تفرض عليها لغة مميزة تتفجر من خلالها تلك المكبوتات النفسية النسوية التي لا تستطيع المبدعة كبت جماحها، ومحاولة التظاهر بصورة المبدعة و إخفاء صورة الأنثى بداخلها كنوع من الخروج عن المألوف الأنثوي الذي يكشف لنا رهافة الحس النسوي، وعدم المقدرة على تجاوز لغة العاطفة والنوع، وذلك بوجود أصوات لغوية تتجلى في العنوان النسوي كخاصية لصيقة به لايمكن تخطيها لأنه تجاوز على الذات المبدعة /الذات الأنثوية.
*- خـاتمة الدراسة:
فعلا لقد ساهمت القصيدة/العنوان الذي تكتبه المبدعات العربيات في إغناء مكتباتنا بإبداعات تختلف عن أطرها السابقة،حيث لم تعد العنونة الشعرية تقتصر على البكاء كالخنساء أو الكتابة للوطن والمقاومة وفقط بل أخذت عناوينه الشعرية تشتبك مع قلقها الوجودي نحو العالم والذات، الحياة والموت، كما أخذت الشاعرة أيضا دخول عوالم "النص المفتوح" على مختلف الثقافات الأخرى كنوع من التحدي للرجل العربي المبدع،من أجل إيصال صوتها للعالم، من أجل لفت الانتباه لتجربتها الشعرية لإثبات الذات،ومنذ أوائل الثمانينات بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج الإبداعي، فكانت حينها عناوينها الشعرية » مجالا للتعبير عن فعل تمردي واحتجاجي يتلبس في حالات كثيرة بلهجة انتقادية حادة أو تهكمية لاذعة تصادر كلّ أنماط القمع والوصاية والقهر التي تدوس الكيان الأنثوي وتعمل على وأده أو تجاهل حقه في اختيار وجوده«(43) ،وعليه تعدّ عناوين مدونات الشاعرة هدى ميقاتي الثلاث:"عباءة الموسلين/سنابل النيل/ إلاّ حبيبي" نموذجا حيا للإبداع النسوي الراقي الباحث على إثبات الذات النسوية كتجربة شعرية تستحق منا الدراسة والبحث فيها
،وقد توصل البحث إلى جملة من النتائج الخاصة بالعنونة النسوية هي كالآتي:
يعتبر مقطع الغلاف من أهم عتبات العمل الإبداعي، وعلاقته بالنص وطيدة، فهو يعطينا إشارات، ودلالات شكلية، ورمزية تفسر ما جاء العمل، وإغراء المتلقي إلى تذوقه، والبحث عن منطلقات، وجماليات هذا الأخير.
كما أن مقطع اللّون كان من بين المحفزات الرئيسة التي كشفت قناع بعض الشفرات التي تسربل وراءها أسرار المتون الشعرية للعمل من جهته، وبعض المعاني النفسية المنضوية في أغوار ذات المبدعة.
وأخيرا يأتي مقطع العنوان الذي يعد مركزا، وبؤرة للعمل ففيه تتفجر كل التأويلات، والتلميحات التي تكتبها المدونة في عالمها السرمدي المملوء بأطياف المتاهات الشعرية الأنثوية.
وعموما نجد أنّ التجربة الشعرية التي قدمتها المرأة في مجا العنونة والتي تعدت مستوى الغلاف/القصيدة تعكس مقدرة المرأة على النظم/العنونة من جهة،وعلى التحديات التي كانت تخوضها في سبيل إقناع الرجل بوجودها،وبإبداعها الشعري الذي كان يخوض نوعا من التحدي لإثبات الذات،وتحقيق نوعا من التلقي في فنّ الأدب،وعليه كانت هذه التحديات تفرض نفسها على الشاعرة المرأة وراء التشكيل الحقيقي، والمكون الفعلي لهذا الإنتاج الشعري الذي لم يفهم إلا من خلال التشاكل، والتوا شج بين هذه العناصر الثلاثة، (الغلاف + اللون + العنوان)، كصورة إدراكية بين ماهو: "جمالي/لغوي/ بصري" ليتشكل في النهاية صورة المرأة /عنوانها/تجربتها/ نظمها.
الفهــــرس والإحــالات:
المصـــــــادر:
(*) هدى ميقاتي:
1- عباءة الموسلين، دارالنهضة العربية، بيروت ، لبنان، ط1،1985.
2- سنابل النيل، دار الفكر العربي، بيروت ، لبنان، ط1، 1989.
3- إلا حبيبي، دار قباء للطباعة ولنشر والتويع، القاهرة، مصر، ط1،2000.
ب- المــــراجع:
(1) جميل حمداوي: صورة العنوان في الرواية العربية،
2007/01/22د. جميل حمداوي - صورة العنوان في الرواية العربية
(2) بسام قطوس: سيمياء العنوان ، وزارة الثقافة، عمان، الأردن، ط1، 2001، ص33.
(3) Léo H.ock : la marque du titre , dispositifs Sémiotiques d’une moutors publishers .Paris 1981, p5.
(4)الطيب بودربالة:قراءة في كتاب سيمياء العنوان للدكتور بسام قطوس، محاضرات الملتقى الوطني الثاني السيمياء ،والنص الأدبي، منشورات جامعة بسكرة، 15، 16، أفريل ،2002 ، ص52.
(5)شادية شقروش: سيميائية العنوان في "مقام البوح" لـ:عبد الله العيش ،محاضرات الملتقى الوطني الأول السيمياء والنص الأدبي، منشورات جامعة بسكرة، 6، 7، نوفمبر، 2000، ص271.
(6) محمد فكري الجزار:العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية للكتاب ، مصر، 1998، ص 15.
(07) Léo. Hock : La marque de titre, P17.
(08) عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير – من البنيوية إلى التشريحية- قراءة نقدية لنموذج الإنسان المعاصر، النادي الأدبي الثقافي، جدة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1985، ص261.
(09) الطاهر رواينية: شعرية الدال في بنية الاستهلال في السرد العربي القديم ضمن الماشئة و النص الأدبي، أعمال ملتقى معهد اللغة العربية وآدابها، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة ، 1995، ص141.
(10) محمد الهادي المطوي: شعرية عنوان كتاب الساق على الساق فيماهو الفارياق، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مجلد 28، العدد الأول، يوليو/ سبتمبر، 1999، ص457.
(11) بشرى البستاني: قراءات في الشعر العربي الحديث، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 2002، ص 34.
(12) جوزيف بيزاكومبروبي" Joseph Besa Coprubi": دكتور في فقه اللغة، وأستاذ تحليل الخطاب بقسم فقه اللغة، جامعة برشلونة.
(13) Joseph Besa Comprubi : les fonctions du titre nouveaux actes sémiotiques, 82,2002Pulim Université de Limoges,p91.
(14) بسام قطوس: سيمياء العنوان ، ص36 .
(15) علي جعفر العلاق: شعرية الرواية، مجلة علامات في النقد ، مج 6،ع23، السنة 1997 ، ص100.
(16) لوسيان غولدمان وآخرون: الرواية والواقع، ترجمة رشيد بنجدو،عيون المقالات، دار قرطبة، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص12.
(17) بسام قطوس: سيمياء العنوان، ص60.
(18) وجيه فانون: دراسات في حركة الفكر الأدبي، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1991 ، ص57.
(19) محمد عبد الواحد حجازي: ظاهرة الغموض في الشعر الحديث، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، القاهرة، مصر، ط1، 2001، ص36.
(20) روبرت شولز:سيمياء النص الشعري(اللّغة والخطاب الأدبي) ترجمة سعيد الغذامي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،المغرب،ط1 ،1993، ص159.
(21) خليل المرسى: قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر، دراسة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000
. 2006/01/20http://www.awu.dam.org/book/00/study00/64-h-m1/book00-sd005-htm
(22) قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة، دار الغرب للنشر والتوزيع ، وهران، الجزائر، د.ط، 2004، ص 152.
(23) محمد بن يوب: آلية قراءة الصورة البصرية ، الملتقى الدولي التاسع للرواية عبد الحميد بن هدوقة، دراسات وإبداعات الملتقى الدولي الثامن ، وزارة الثقافة، مديرية الثقافة، ولاية برج بوعريريج، الجزائر، 2006 ، ص82.
(24) بشير عبد العالي: سيميائية الصورة في رواية عبر سرير لأحلام مستغانمي، محاضرات الملتقى الوطني الثالث السيمياء ،والنص الأدبي، منشورات جامعة بسكرة، الجزائر، 2006، ص280.
(25) Thomas Poule : le mirage linguistique , essai , sur la modernisation ,intellectuelle , paris , édition du minuit ,1988 ,p 12 , 13
(26) حسن محمد حماد :تداخل النصوص في الرواية العربية ،دراسات عربية، مطابع الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، د.ط، د.ت، ص148.
(27) حميد لحميداني: بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط3، 2000، ص62 .
(28) المرجع نفسه، ص، 59، 60.
(29) برنار توسان ،ماهي السيميولوجيا ،ترجمة محمد نظيف،دار النشر إفريقيا الشرق، ط1، 1994، ص81.
(30) عادل كامل: الرسم المعاصر في العراق(مرحلة التأسيس وتنوع الخطاب)، الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، ط1، 2008، ص59.
(31) سمير غريب: في تاريخ الفنون الجميلة، دار الشروق،القاهرة،مصر،ط1،1998، ص305.
(32) محمد بن يوب:آلية قراءة الصورة البصرية، ص85.
(33) مجموعة من المؤلفين: الخطّ العربي بين العبارة التشكيلة والمنظومات التواصلية،وزارة الثقافة والمحافظة على التراث،المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، تونس،ط1، 2206، ص83.
(34) المرجع نفسه، ص280.
(35) بشرى البستاني، قراءات في النص الشعري الحديث،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الجزائر، ط1، 2002 ص،42
(36) عياض عبد الرحمن الدوري: دلالات اللّون في الفنّ العربي الإسلامي،دار الشؤون الثقافة العامة،بغداد، العراق،ط1، 2002، ص19.
(37) محمد بن يوب، آلية قراءة الصورة البصرية ص87.
(38) مشوح وليد : الصورة الشعرية عند عبد الله البردوني، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، ط1، 1996، ص181.
(39) عبد المالك أشبهون: عتبات الكتابة في الرواية العربية،دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية،سوريا، ط1، 22009، ص66.
(40) عياض عبد الرحمان بدوي: دلالات اللّون في الفنّ العربي الإسلامي،،دار الشؤون الثقافة العامة،بغداد، العراق،ط1، 2002، ص21..
(41) أحمد مختار عمر: اللغة واللون، عالم الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط2، 1997، ص217.
(42) عفيف بهشي: اتجاهات الفنون التشكلية المعاصرة، مطبعة وزراة الثقافة والإرشاد القومي، ط1، د.س،ص09.
(43) جليلة الطريطر:كتابة الهويّة الأنثوية في السيرة الذاتية العربية الحديثة، مجلة الحياة الثقافية، وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، ع195، تونس،2008.
أ. د. رضا عامر
جامعة -الجزائر.
تعدّ "سيميائية العنوانة" من القضايا النقدية المهمّة التي خاض فيها النقاد المحدثون، ومما لاشك فيه أن العنوان يؤدّي دورا أسياسيا في فهم المعاني العميقة للعمل الأدبي خاصة- المقدّم للمتلقي- ومن هنا كان الاهتمام به أمرا حتميا لأنّه أوّل عتبات النص التي يمكن من خلالها الولوج إلى معالم النص واكتشاف كنهه،ومن ثم تقديم رؤية حداثية نقدية مؤسسة على منهج ، ومنطلقات نظرية تسهم في كشف معالم النص الخفية وتقديمه للمتلقي على شكل قراءة نقدية لهذا العمل الأدبي.
*- مدخـــــل:
عرف المنهج السيميائي في العقود الأخيرة من القرن العشرين تحولات عدة في التعاطي مع الخطاب الشعري الحديث على وجه الخصوص، و هذا ما أثار العديد من الإشكالات في كيفية مقاربة النص الأدبي مقاربة واعية على مستوى الأدوات الإجرائية، أوعلى مستوى التأويل واستنطاق النص بشكل لايفسد من دلالة المعاني الحقيقية للبنى العميقة، ومن هنا كان نقد "الخطاب الشعري الحديث والمعاصر" من القضايا النقدية الهامة التي تناولها نقادنا المحدثون، في ظل المنهج السيميائي الممارس في تحليل علامات هذه النصوص دون المساس بهويتها العربية بلا إفراط أو تفريط،والتحليل المقترح لا يتوقف عند الإحالات إلى معارف وعلوم مختلفة، وكذا لا ينتهي عند دلالة معينة بل يفتح النص على سيل من المعارف المتنوّعة، لأنه بالغ التنوّع والتعدد، ويحيل إلى معارف وإيديولوجيات مختلفة، ولهذا فإن التحليل السيميائي يستوعب كلّ هذا ويضعه ضمن استراتيجياته، فقد أصبحت المقاربات النصّانية منهج بحث نقدي،ونظرية علمية تطرح العديد من التصورات والرؤى المنهجية والإجرائية في تناول النص العربي الحديث على مستوى التنظير أوالممارسة التطبيقية ،والتي لايمكن الاستغناء عنها من طرف العديد من النقاد خاصة أثناء التحليل،عليه تكشف هذه المداخلة عن أهمية المنهج "السيميائي" في قراءة النص الأدبي،وأهم المشاكل التي يشكو منها الخطاب الشعري الحديث خاصة من خلط بين النقاد في تناول الظاهرة الأدبية ،وطرق وأساليب التحليل التي تبقى محتشمة على مستوى الأدوات الإجرائية ،أو على مستوى التأويل الصحيح في استنطاق النص،لقد كانت سيميائية العنوان من بين أهم القضايا النقدية التي تطرق إليها النقد المعاصر في مسألة قراء ة النص الأدبي، وعليه كانت مقولة العنوان مدخلا مهما،وعتبة حقيقية تـفضي إلى غياهب النص وتـقود إلى فك الكثير من طلاسمه وألغازه.
وعليه العنوان هو عتبة من عتبات النص،ونافذة يُولج منها إلى عالمه الداخلي بكل دلالاته،، وأبعاده ومستوياته المختلفة قديما أو حديثا، فهو العتبة الأولى للنص، فهو العلو الفوقي له، إنه البوابة الأولى التي يلح من خلالها المتلقي إلى عالم النص،إذن حياة النص الشعري خاصة في بنيته الداخلية،وعلائقه هي رسالة: "Message"لسانية مشفرة بنظام حدد مفاتيحه المرسل إلى المتـلقي الذي يحاول استدعاء المفاتيح والأدوات الإجرائية الخاصة بفك شفرات العنوان للدخول إلى عالم النص،فهو يمثل واجهة علاماتية تأخذ شكل(الجملة المفتاح) تمارس على القارئ سلطة أبية وفكرية،(..)التي يعمل القارئ على افتكاك بنيتها اللغوية والدالية باعتبارها الجملة المفتاح للنص.
مفهوم العنوان وتطوره:
لقد أصبح العنوان عتبة هامة من عتبات النص ، يُولج منه إلى العالم النّصّي، فهو الرسالة الأولى أو العلاقة الأولى التي تصلنا ونتلقّاها من ذلك العالم بصفته آلة لقراءة النص الشعري، وباعتبار النص الشعري آلة لقراءة العنوان، فبين العنوان والنص علاقة تكاملية، فالنص الشعري يتكون من نصّين يشيران إلى دلالة واحدة في تماثلها، مختلفة في قراءاتها، هما النص وعنوانه ؛أحدهما مقيّد موجز مكثّف ،والآخر طويل، فنصّ العنوان مكثّف مخبوء في دلالاته بما يحمله النص المطوّل بشكل موحٍ إشاري مكثّف، ويظلّ العنوان على الرغم من دلالته المعجمية الفقيرة في اللحظة الاستكشافية الأولى، خاضعاً لاحتمالات دلالية مختلفة،وهي لا تتّضح إلاّ من خلال القراءة التأويلية ، لذا لابدّ من استراتيجية منهجية تكفل رصد تموّجاته المشاكسة داخل النص،كما تعدّ مقولة العنوان مدخلا مهما، وعتبة حقيقية تـفضي إلى غياهب النص وتـقود إلى فك الكثير من طلاسمه وألغازه، لكنه أحيانا، قد يلعب دورا تمويهيا، يجعل القارئ في حيرة من أمره، يربكه ويخلق له تشويشا قهريا، وقد يقوده إلى متاهة حقيقية لا مهرب منها سوى إلى النص ذاته، إنه البداية الكتابية التي تظهر على واجهة الكتاب كإعلان إشهاري ـأوعلامة،» تطبع الكتاب أو النص وتسميه وتميزه عن غيره، وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس إلى جانب الحواشي والهوامش والمقدمات والمقتبسات والأدلة الأيقونية« (1)،ومع ذلك فلا سبيل إلى تجاوزه فهو مرحلة مهمة من مراحل القراءة، والتلقي.
1-1.مفهوم العنوان " définition du titre":
لقد اهتم علم السيمياء اهتماما واسعا بالعنوان في النصوص الأدبيـة لـكونه » نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته ومحاولة فك شفرته الرامزة« (2) ، فقد عرفه ليوهوك بأنه » مجـموع العلامات اللســانية (كلـمـات مفردة ، جمل ، نص) التي يمكن أن تدرج على رأس نصه لتحدده وتدل على محتواه العام وتعرف الجمهور بقراءته« (3)، والناظر إلى معظم الدّراسات المعتمدة على مقاربة العنوان يدرك بشـكل واضح الأهمية القصوى التي يحظى بها العنوان باعتباره » نصا مختزلا ومكثفا ومختصرا « (4) له علاقة مباشرة بالنص الذي وسم به ،فالعنوان والنص يشكلان ثنائية والعلاقة بينهما هي علاقة مؤسسة » إذ يعدّ العنوان مرسلة لغوية تتصل لحظة ميلادها بحبل سري يربطها بالنص لحظة الكتابة والقراءة معا فتكون للنص بمثابة الرأس للجسد نظرا لما يتمتع به العنوان من خصائص تعبيرية وجمالية كبساطة العبارة وكثافة الدلالة وأخرى استراتيجية إذ يحتل الصدارة في الفضاء النصي للعمل الأدبي«(5)
لقد عُدّ العنوان من أهم الأسس التي يرتكز عليها الإبداع الأدبي المعاصر، لذلك تناوله المؤلفون بالعناية والاهتمام خاصة في الإنتاج الشعري الحديث والمعاصر ،كل هذا دفع إلى التفنن في تقديمه للمتلقي، حتى يكون مصدر إلهامه، وحافزاً للبحث في أغوار هذا العمل الفكري، مع مراعاة أذواق الجمهور في الوقت نفسه وحاجيات الساحة الأدبية، التي هي سوق رائجة لهذه المادة الخام التي تحتاج إلى متلقي ذكي يفكك شفراتها، فكان المبدع ملزما بمراعاة معادلة فنية لإنتاجه الأدبي هي: (عنوان الإبداع + المتن الروائي + اسم المبدع= العمل الإبداعي).
وهذا ما دفع بالسيمياء إلى الاهتمام بالعنوان الذي أصبح علما قائما بذاته يسمى علم العنونة (titrologie) يدخل في عملية التأسيس الخطابي للنصوص الأدبية خاصة السردية منها لهذا فالعنوان السردي يلعب دوارا بارزا في لفت انتباه المتلقي لرسالته، وهو العنوان المفتوح على دلالات هلامية متعددة لِرُؤى المثقفين ، وقد فطن المبدع العربي إلى أهمية العنوان، وأدرك وظائفه من خلال طريقة إخراجه، ومراعاة مقتضى الحال للمتلقين لهذا الإبداع الذي يعكس قراءتهم، فالعنوان حسب الدراسات النقدية الحديثة يؤدي دور المنبه والمحرض، فسُلطتهُ الطاغية تضفي بظلالها على النص، فيستحيل النص جسدا مستباحا لسلطته، ثم إنه نقطة الوصل بين طرفي الرسالة: ممثلة في ثنائية "المبدع والمستقبل" إنه يُعَدُ بداية اللّذة، هذا ما جعل العنوان يحرك وجع الكتابة الذي يتحول تدرجيا إلى وجع قراءة متواصلة في صيرورة يتساوى فيها النص مع النّاص، لذلك كان لزاما على المبدع أن يراعي فنيات فنّ العنونة ليجعل منه مصطلحا إجرائيا في المقاربات النصية وعليه » فالعنوان ضرورة كتابية« (6) للولوج إلى أغوار النصوص واستنطاقها من خلاله ،وعليه تقدم الدراسة جملة من التعاريف للعنوان أدرجها بعض النقاد هي كالآتي:
يعرِّف "ليوهوك" العنوان أنّه » مجموعة العلامات اللسانية (كلمة، جملة، نص) التي يمعن أن تدرج على رأس نص لتحدده وتدل على محتواه العام وتعرّف الجمهور بقراءاته«(7) ، ومع ذلك يستدرك "ليوهوك" ما قاله عن العنوان ويشير إلى صعوبة تعريفه لاستعماله في مصاف متعددة أما "عبد الله الغذامي" فيذهب إلى أن العنوان بدعة وافدة إلينا من الغرب و» العناوين في القصائد ماهي إلا بدعة حديثة، أخذ بها شعراؤنا محاكاة لشعراء الغرب - والرومانسيين منهم خاصة -« (8)
أمّا الناقد "الطاهر رواينية" فيرى أنّ العنوان هو: » أول عبارة مطبوعة وبارزة من الكتاب، أو نص يعاند نصا آخر ليقوم مقامه أو لِيُّعَيِنَهُ ، ويؤكد تفرده على مرّ الزمان، وهو قبل كل شيء علامة اختلاقية عدولية، يسمح تأويلها بتقديم عدد من الإشارات والتنبؤات حول محتوى النص ووظيفته المرجعية، ومعانيه المصاحبة وصفاته الرمزية، وهو من كل هذه الخصائص يقوم بوظيفتي التحريض والإشهار« (9)،بينما يرى "محمد الهادي المطوي" أن العنوان» عبارة عن رسالة لغوية تعرّف بهوية النص، وتحدد مضمونه، وتجذب القارئ إليه وتغويه به«(10)،وفي نفس الصدد نجد "بشرى البستاني" تعرف العنوان بأنه» رسالة لغوية تعرف بتلك الهوية وتحدد مضمونها،وتجذب القارئ إليها وتغريه بقراءتها،وهو الظاهر الذي يدل على باطن النص ومحتواه«(11)،في حين نجد الباحث »جوزيف بيزاكومبروبي:Joseph Besa Coprubi « (12)،يقرّ صراحة بتعدد أبعاد العنوان قائلا:» إنّ العنوان عنصر متعدد الأبعاد (multidimensionnel) لأنه يقيم روابط علامة جدّ مختلفة، العمل الأدبي، النص والقارئ«(13)، ومن هنا يعد العنوان أساسياً في العمل الإبداعي والمتفق عليه أن "العنوان مرتبط ارتباطا عفويا بالنص الذي يعنونه فيكمله ولا يختلف معه ويعكسه بأمانة ودقة.
فيما يذهب" بسام قطوس" إلى أن العنوان أصبح يشكل حمولة دلالية » فهو قبل ذلك علامة أو إشارة تواصلية له وجود فيزيقي/ مادي وهو أول لقاء مادي محسوس يتم بين المرسل(النّاص)، والمتلقي« (14)، وعلى هذا فهو إشارة ذات بعد سيميائي ،تبدأ منه عملية التأويل فيسهل على الملتقي قراءة المتن بناءا على ما علق بذهنه من قراءته، ومن كلّ ما سبق ذكره نجد أن جلّ هذه التعاريف المدرجة للعنوان تتناوله بكيفيات متباينة، ومع ذلك نستنتج أن العنوان في نهاية المطاف هو علامة لغوية مشفرة تحتاج إلى متلقي حاذق يفك هذه الرموز التي تعلو بنيانه .
2.1. نشأة العنوان وتطوره "la naissance et l’évolution du titre":
لقد أُهْمِلَ العنوان كثيرا سواء من قبل الدارسين العرب، أو الغربيين قديما وحديثا،لأنهم اعتبروه هامشا لا قيمة له ،وملفوظا لغويا لا يقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي؛ لذلك تجاوزوه إلى النص كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط به، ولكن ليس العنوان كما يقول علي" جعفر العلاق": »هو الذي يتقدم النص ويفتتح مسيرة نموه،أو مجرد اسم يدل على العمل الأدبي: يحدد هويته ويكرس انتماءه لأب ما، لقد صار أبعد من ذلك بكثير، وأضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد،إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لإبهائه وممراته المتشابكة(...) لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة، وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان، ولم يلتفت إلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا« (15)
و على الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعض الدارسين في الثقافتين: العربية والغربية حديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجال السيميوطيقا وعلم السرد والمنطق والخطاب الشعري، وأشاروا إلى مضمونه الإجمالي في الأدب والسينما والإشهار نظرا لوظائفه المرجعية واللغوية والتأثيرية الأيقونية، وهذا ما ستعرضه المداخلة فيما يلي:
من أهمِّ الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا وتحليلا وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئ العربي بكيفية الاشتغال على العنوان: تنظيرا وتطبيقا إلى جانب بعض الدراسات المحتشمة من المشارقة ، وهذه الدراسات هي على النحو الآتي:
محمد عويس،(العنوان في الأدب العربـي،النشأة والتطور)، 1988 .
شعيب حليفي،(النص الموازي في الرواية،استراتيجية العنوان)، سنة 1996.
جميل حمداوي،(مقاربة العنوان في الشعر العربي الحديث والمعاصر) رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي الحديث والمعاصر، إشراف الدكتور محمد الكتاني، نوقشت بجامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية (تطوان) بالمغرب سنة 1996، تتكون من "562 ".
محمد فكري الجزَّار،(العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي)،1998 .
جميل حمداوي،(مقاربة النص الموازي في روايات بنسالم حميش) أطروحة دكتوراه الدولة ، ناقشها الباحث في 19 يوليو سنة 2001 بجامعة محمد الأول بوجدة تحت إشراف الدكتور مصطفى رمضاني.
وغيرها من الدّراسات العربية إلى جانب ذلك، حرص النقاد الغربييون على التبشير- في دراسات معمقة- بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان(TITROLOGIE) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم كالآتي:
"جيرار جنيت"G.GENETTE"وهنـري مترانH.METTERAND" ولوسيان غولدمان"L.GOLDMANN" ، وشارل ﮔريفل "CH.GRIVEL " وروجـر روفـر"ROGER ROFER" و ليوهـوك "LÉO.HOEK "، هذا وقد نبه لوسـيان غولدمان الدارسين والباحثين الغربيين إلى الاهتمام بالعتبات بصفة عامة، والعنوان بصفة خاصة،وأكد في قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية الجديدة مدى قلة النقاد» الذين تعرضوا إلى مسألة بسيطة مثل العنوان في رواية الرائي" le voyeur" الذي يشير- مع ذلك بوضوح - إلى مضمون الكتاب، ليتفحصوه بما يستحق من عناية«(16)،كما كان للناقد ( ليوهوك ) دور بارز في التأسيس لعلم العنوان وخاصة مع ظهور كتابه (سمة العنوان) سنة 1973م، والذي يعد بحق كتابا في فقه العنونة من جميع جوانبها إضافة إلى "جيرار جنيت" الذي قدم كتابي: (الأطراس)،و(عتبات) ويعد هذا الأخير بمثابة الديوان الحقيقي والرئيسي في علم العنونة كما يعد أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة والعنوان بصفة خاصة،ومع ذلك يبقى ليوهوك "LÉO. HOEK" المؤسس الفعلي (لعلم العنوان) لأنه قام بدراسة العنونة من منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي والإطلاع الكبير على اللسانيات ونتائج السيميوطيقا وتاريخ الكتاب والكتابة.
2- سيمياء العنوان في شعر هدى ميقاتي:
لقد نشأت في ذهن المتلقي للعمل الإبداعي إيحاءات العناوين وأبعادها الفكرية المؤسسة » انفعاليا، أو أسلوبيا، أو حتى إيديولوجيا بحيث لا يبدأ المتلقي تلقي النص أو في قراءة العمل المبدع من نقطة الصفر، وإنما يبدأ مما يؤسس العنوان من معرفة أو إيحاء« (17)، وهذا ما وجدناه في مدونات الشاعرة اللبنانية هدى ميقاتي من نزوع إلى الصياغة الأسطورية، إذ نجد » أن الشعر لم يكن في يوم من الأيام أقرب إلى روح الأسطورة منه في الوقت الحاضر«(18)،فهذا ما يجعل من الشعر يرتقي في مجال العنونة التي » تتشكل وتتكيف حسب أهمية الإبداع ومتطلبات المبدع التي ترسم دروب مساره تدريجيا كما أن الطبيعة الإبداعية للفنان تتأثر بالاتجاهات الأخلاقية والدينية والسياسية والعلمية، والتعاليم الاجتماعية والأحوال الاقتصادية السائدة في المجتمع«(19)،فتعطي العمل انطباعا سيعكس تلك النزعات من خلال بؤرة النصوص المدرجة في كل إبداع شعري.
وهكذا تتنوع العناوين الشعرية من مبدع لآخر، ومن عمل لآخر لتعكس ثنائية التفاعل بين النص و الناص »فالقصيدة هي نتيجة تفاعل بين الشاعر وواقعه، والشاعر إذ يعيش تجربته الجمالية مستغرقا، فإنه يكون محملا بكل ما في عصره، وواقعه، وكل ما يتصل به من مؤثرات تتفاعل معه لتنتج قصيدة ذات صياغة فنية محكمة وتولد لحظة جمالية،فالنص الشعري آلة لقراءة العنوان إذ تربطهما علاقة تكاملية، فهو» بمثابة الدال الإشاري للنص فهو كالاسم للشيء، به يعرف وبفضله يتداول، ويشار به ويدلّ عليه «(20)،فالنص الشعري يتكون من نصين يشيران إلى دلالة واحدة في تماثلهما مختلفة في قراءاتهما هما: (النص وعنوانه)، أحدهما مقيد موجز مكثف، والآخر طويل ولعل صفحة كل غلاف تعطينا انطباعا يجعل من أغوار أي عمل إبداعي يعد نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية، وأخرى رمزية، تغري الباحث بتتبع دلالاته، ومحاولة فك شفراته الرامزة، لهذا يرى السيميولوجيون أن عملية » العنوان والنص والإخراج الطباعي والإشارات والصور«(21)،أجزاء لا تتجزأ من الخطاب الأدبي، وهذه الرموز اللغوية المميزة لكل عمل إبداعي هي دلالات واضحة في سلم العمل اللغوي لهذا نجد أن "الطباعة واللون والغلاف والعنوان كلها عتبات" لفك شفرات العمل الأدبي، وهذا ما يجعل العمل الإبداعي له أهمية أساسية في الولوج إلى جسد هذا الإنتاج"Production"، وذلك من خلال تقديم قراءة تأويلية أولى له تعكس انطباع المتلقي للمنتوج، وهذا ما تريد الدراسة التوغل فيه، وتقديم مفاتيح آنية تعكس التطلعات والأهداف من خلال دراسة دواوين الشاعرة "هدى ميقاتي" – عباءة الموسلين، سنابل النيل، إلاّ حبيبي- التي يقف البحث معها من خلال تقديم قراءة بصرية للأغلفة التي تتدرج من خلال استنطاق ثلاث أقسام أساسية هي:"تصميم الغلاف، صورة الغلاف، لون الغلاف".
إذا كانت الثقافة المعاصرة ترويجية بدرجة لافتة ، فكذلك ثقافة الصورة ، حيث لا يكاد يخلو نص مطبوع أو نص إلكتروني من الصورة ، في تجسيد حداثي واضح للاعتقاد الميتافيزيقي بأسبقية الصورة على الكلمة، هذا ما تشير إليه الحكمة الصينية الشهيرة التي تقول :» صورة واحدة لها قيمة ألف كلمة « (22)، وهذا ما يذهب إليه "بشير عبد العالي"قائلا: » فإن قراءة الصورة الواحدة يتعدد نظريا بتعدد القراء «(23)،كما يعتبر الغلاف الخارجي لأي عمل إبداعي مكتوب أول واجهة مفتوحة الدلالات والتأويلات، التي تصادف العين البصرية لمتفحص العمل، وهي المحفز للمتلقي بالإقبال أوالإدبار على اقتناء هذا الانجاز، ومطالعته » فغلاف الكتاب إذا واجهة إشهارية وتقنية«(24)، وهذا ما يجعل بعض المؤلفين يحرصون أشد الحرص على العناية التامة بالواجهة من حيث نوعية الورق ، وطرق التلوين والطباعة، والصور ، والملحقات التي تجعل من الواجهة عملا يعكس مضمون العمل، ولا بد أن تخضع عملية تصميم الواجهات –الغلاف- إلى شروط ومواصفات تراعي متطلعات المتلقي والمجتمع الذي ينتج هذا الإبداع وهذا ما تراعيه فعلا دور النشر والتوزيع بكل دقـة،ووضوح » فالصورة عبارة عن نقل للأشياء ،استجابة للطلب أو للرغبة « (25).
فالغلاف إذن هو» أول ما نقف عليه، الشيء الذي يلفت انتباهنا إنه العتبة الأولى من عتبات النص تدخلنا إشاراته إلى اكتشاف علاقات النص بغيره من النصوص«(26) ،وأغلفة دواوين- الشاعرة هدى ميقاتي- تلفت انتباه المتلقي إذ نجدها تتكون من قسمين يحملان عدة إشارات دالة، تقف وراء هندسة الغلاف طباعيا من قبل دار النشر التي تحدد جمالية التصميم الداخلي والخارجي للمدونة المراد إنتاجها طباعيا وعرضها في السوق كمنتوج أدبي يعكس فنيتها، وإبداعها،وجمالية المنتوج لغويا بالنسبة للمتلقي من جهة أخرى.
ا) التصميم الخارجي:المقصود به دراسة الملامح العامة التي يتميز بها الديوان كسلعة معروضة في المكتبات من خلال تمظهر الغلاف الذي يشكل الواجهة التي يقدم بها الشاعر بضاعته، فيجد القارئ كل ما يحتاج معرفته من:1- اسم السلعة (العنوان) / 2- اسم مصممها (المؤلف) /3- شركة الإنتاج (دار النشر).
ب) التصميم الداخلي: ويسميه بعض النقاد بالفضاء الطباعي، و يقصد به الحيز»الذي تشغله الكتابة ذاتها - باعتبارها أحرفا طباعية- على مساحة الورق«(27) .
وقد ميز "حميد لحميداني" بين نمطين في تشكيل الغلاف الخارجي للنص،و هما: » تشكيل واقعي، مباشر(...)لا يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص، والتشكيل(...)، ثمّ تشكيل تجريدي يتطلب خبرة فنية عالية ومتطورة لدى المتلقى لإدراك بعض دلالته وكذا للربط بينه، وبين النص« (28) ،كما نجده يشمل عتبة المقدمة والإهداء الذاتي والنسخة التي ضمنها المبدع في عمله، وبذلك فهي عتبة دالة على رغبة الكاتب في التأكيد على منزلته الأدبية، وإضفاء المعنى على إبداعه، والرفع من شأنه، وفي ذلك نوع من الانتصار للذات، تمارسه الأنا الكاتبة،إعلاءً من شأن ذاتها كما يضاف لها عتبة العناوين الفرعية التي تتضمن داخل العمل الإبداعي يصمم بها الكاتب عمله الإبداعي كعلامة دالة على ذلك،وهذا ماقمنا به من خلال دراستنا لأغلفة الشاعرة "هدى ميقاتي"
*-جدول التصميم الخارجي للمدونات الشعرية:
اسم الديوان ........... عــباءة الموسـلين
اسم المؤلّف ........... هدى ميقاتي
دار النــشر............. دار النهضة العربية: بيروت- لبنان
سنة الطبع ................. 1985م
صورة الغــلاف..........
سنابل النيل
هدى ميقاتي
دار الفكر العربي: بيروت- لبنان
1989م
إلاّ حبيـبي
هدى ميقاتي
دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع: القاهرة- مصر
وإذا ما أخذنا ذاك التضايف الزمكاني بين نوعية كتابة عنوان الديوان وشكل الرسم المجسد في لوحة الغلاف فلابدّ من تعديل ما سيطرأ على قراءتنا للنصوص و دواوينها الفرعية داخل المدونة نتيجة تلك الكينونة المزدوجة،وهذا ما يفسر ظهور الكتابة المحاكية للصور قديماً قبل الكتابة التي تعتمد الرموز الصورية، فالصورة أكثر التصاقا بالواقع،وأكثر قدرة على التعبير عنه، لأنها تتميز بجانب مادي ملموس على خلاف العلامة اللغوية ،لهذا كانت الجدلية المتحققة جراء تقدم لوحة الغلاف لنصوص تحقق انتماءها للجنس الشعري أكثر احتداما خاصة عبر كينونة الرسم ، فالشعر إذن يكثف اللغة،ولعلّ الشاعرة "هدى ميقاتي" كانت تقضي وراء ذلك إلى بعث نوع من التجديد الذي يمكن أن يعنيه المبدع، ولا يبقى هذا الأخير أسير نمطية أو قوانين أكاديمية فكانت هذه التجربة رائدة في مجال الشعر النسوي الذي أكدته في هذه المجموعة الشعرية، فكانت ثريَّة في تجسيد صورة الغلاف وقراءة الصورة البصرية، وهكذا فالغلاف وما يحويه من إشارات أيقونية يوزعها المبدع على عينات الغلاف،حيث » تمثل تفكيرا أيقونيا معمقا في معنى الصورة«(29) التي تعد بدورها مفتاحا تأويليا للعنوان و النص معا.
2-1. قراء ة بصرية في صورة/عنوان الغـلاف:
في الحقيقة مازالت واجهة أيّ مدونة أدبية تشكل عتبة هامة في مسألة التلقي من طرف النقاد والمبدعين فهي الخطوة الحاسمة التي تمكن العمل من الارتقاء في درجة سلم القبول الأدبي، ومن ثمة الترويج له ونيله القبول والرضى ،وعليه نجد المبدع يسعى جاهدا في تفعيل واجهة إبداعه حتى يجد الترحيب والدعم والدراسة والنقد،لأن المسألة تعد خطيرة في حالة عدم نجاح العمل فنيا لما فيه خسارة وكساد العمل الأدبي، وخروج تجربة المبدع من دائرة الدراسة والنقد ،وهذا فعلا ما حدث مع العديد من التجارب الشعرية النسوية التي ضاعت واختفت من الساحة الأدبية والنقدية وخرجت من الباب الضيق لكونها لم ترق الترحيب والقبول من طرف الدارسين،وهذا ماجعل المبدعات في نظم الشعر يأخذن احتياطاتهن قبل الشروع في طبع العمل الشعري لأنه يمثل هويتهن، وعليه كانت كل شاعرة تحيط عملها بهالة من الغموض والحيرة التي تعتري لغتها وأنوثتها مما يجعل الدارس لهذا العمل يعيش تلك التجربة التي عاشتها الشاعرة.
والقارئ المعاصر لجميع دواوين الشعر النسوي يجدها تتوشح بواجهة غلاف تعكس صورة المدونة الشعرية وطبيعتها الأنثوية من خلال توظيف معظم المبدعات لصورة امرأة على معظم واجهات دواوينهن الشعرية ،من أجل أخذ حق الاعتراف بهذا الإبداع والتجربة النسوية المعاصرة التي فرضت نفسها على الساحة الأدبية، فجميع الأيقونات التي تلحق بواجهة غلاف الديوان الشعري النسوي تصور عمق المصاب الذي لحق بهذه التجربة المتميزة، وعليه انتقلت المبدعة من حالة توصيل رسالة عن الذات النسوية إلى المتلقي الآخر الذي يريد منها نموذجا تابعا له عاطفيا وشعريا، فكانت أولى صور انتفاضتها هي تلك الأيقونات التي تمثل صورتها الأنثوية على الواجهة كنوع من إثبات الذات والخروج من دائرة التهميش إلى مركزية الإبداع الشعري» في خلق حوار وجدل بينها وبين جمهورها« (30) الذي بات يجد خصوصية فنية في تلقي الأعمال الشعرية النسوية دون غيرها.
والملاحظة التي تبدو جلية بالتحليل هي مقدار الضرر الذي عانت منه التجربة الشعرية النسوية تاريخيا، فشخصية المرأة المبدعة» شخصية كلية متفاعلة، وأصل فكرها وانفعالها وإحساسها هو الواقع الخارجي ذو الأبعاد التاريخية والاجتماعية «(31) ،وعليه كانت الأيقونة الرامزة على واجهة كل ديوان شعري نسوي تتجسد في شكل صورة امرأة ملصقة بواجهة الديوان بالإضافة إلى العنوان الشعري واللون المميز لطبيعة هذا الإبداع، من أجل كسر الجليد عن تجربتها الشعرية،وتقديمها للمتلقي خاصة الرجل،والدفع به إلى استكشاف كنه هذا النظم واللغة الشعرية التصويرية، التي تتجلى في صورة الأنثى، التي تحمل ثنائية "القهر/الإغراء"، وهذا كله من أجل اقتناء الإبداع ودراسته و،و طرحه للمساءلة النقدية لكشف معالمه ،ولغته التي تحوي في طياتها حيرة واستفاهامات عديدة تعبر عن الطبيعة الأنثوية وصفاتها التي تعبر بصدق عن مختلف الهموم والأوجاع المتسربلة في مشهد الغلاف والصورة المصاحبة للغة الشعرية.
إنّ اللّغة الشّعرية النسوية تتشاكل مع لوحة الغلاف ليكون لها حضور ثان يمثل ثنائية "الصورة/اللغة" التي تنتج في نهاية الأمر مشهدا بصريا لنفسية المبدعة الذي ينعكس بدوره على مشهد اللغة الإبداعية، وما تريده الشاعرة من نظمها في تقديم صورة مفصلة عن نفسيتها،وكيف تبلغ حالات الفراغ الإبداعي الموجود على الساحة الأدبية الذكورية التي لاترى في تجربتها الإبداعية أي جديد، ماعدا نقل حالات القهر التي مرت بها الأنثى عبر التاريخ، فدواوين الشعر النسوي معظمها أوكلها تتوشح بأيقونة بصرية واحدة ،وكأن كل واحدة تريد نقل تجربتها المريرة مع الرجل الذي في نظرهن مازال يمارس القهر بلغة شعرية سادية يشعر معها بوجوده وسيطرته على مجتمع النساء.
ومسألة حضور صورة المرأة في واجهة كل ديوان شعري نسوي أصبح عرفا أنثويا حاضرا بقوة يعكس أولا طبيعة العمل ونوعه، وثانيا استشراف الصوت النسوي الذي بقي مقهورا، لتأتي تلك الأيقونة التي تمثل ملامح صورة أنثى كاملة غير واضحة المعالم أو وجها نسويا يتجلى في ملامحه الغموض والألم ،و كأن الشاعرة تستحضر بذلك صورة أسطورة تجعلها قناعا لذاتها،أو كأن المبدعة أثناء توظيفها لهذه النماذج من الصور تنقل لنا المزاج النسوي الذي يبدو في حالة قلق مستمر من الواقع الذي تعيشه المرأة عبر كل تلك المشاهد على اختلاف مشاربها وأبعادها، فهذه الأيقونات البصرية تكشف للمتلقي تحدي الإبداع النسوي ،وإثبات الذات عبر لوحة الغلاف الذي يعد أول واجهة بصرية تواجه بها المرأة المتلقي الرجل كنوع من المواجهة الفنية والجمالية.
طبعا نقلت صورة الغلاف للمتلقي حالات الاحتقان التي عانى منها الإبداع النسوي والذي تسبب في إقصائه فترة من الزمن، ومع ذلك تمكنت المرأة من ولوج سلم الإبداع من جديد عبر منفذ الإبداع الشعري لنقل صور عالمها الداخلي الذي بقي غامضا أو غير مفهوم من قبل الآخر، ومحاولة تحريره من حالات الكبت والحصار الذكوري من خلال بوابة الغلاف ،والصورة الشعرية المشبعة بلغة المعاناة التي تعد محطة هامة في ذاتها الشاعرة، فهي في نهاية الأمر إنسانة تنقل لنا تجربة بنات جلدتها اللواتي يعشن في الظل والتعتيم، فالمبدعة الشاعرة كانت بمثابة حلقة الفصل والوصل بين عالم النسوي والذكوري في علاقة إنزياحية تكشف عن ثنائية التكامل بين المرأة/الرجل كنهاية حتمية لتقبل أحدهما للآخر .
يعد الغلاف صورة مشهدية لنفسية المرأة تقول من خلاله ما تريد بعيدا عن رقابة الرجل،وفيما يتعلق بتقسيم إطاره- الصورة البصرية الثابتة - إلى أجزاء مادية ومناطق معلومات فهذا يختلف من ناقد لآخر،ومن ثقافة لأخرى و أهم هذه التصنيفات للصورة البصرية الخاصة بالغلاف موضحة في الشكل الآتي الذي يقسم الصورة إلى قسمين أساسين هما:(32)
*- قسم علوي (Spiritualité) يتصف هذا القسم بطابع العلو والتسامي فكل العناصر والمعلومات المهمة مدونة فيه مثل اسم "المبدع وعنوان الإبداع" وهما يمثلان الملكية الخاصة للمؤلف ويجسدان دور العمل الفني لهذا الفضاء الخارجي.
*- القسم الأخير السفلي (Matérialité)، فهو يتصف بالبساطة، والمادية وتدون عليه دار النشر والبلد الذي أصدر هذا الإبداع فيه.
فهذا الشكل النّمطي المألوف، والمعتاد عند واضعي الغلاف خاصة من طرف دور النشر، والمطابع يجعل هذه الصيغة الشكلية عملا ثابتا لا يمكن كسره أو تجاوزه أو الخروج عليه، فهو أصبح كالقانون الأساس المحظور المتفق عليه، والذي لايمكن تجاوزه من طرف هيئات الطبع والنشر، وتبقى الحداثة والتجديد في إنتاج الإبداع وتقديمه للمتلقي مطلبا أساسيا من أجل الرقي بالمنتوج وتقديمه في أبهى حلة ومواكبة كلّ فنون الطباعة، والنشر الحديثة التي تشهدها الساحة الإبداعية العالمية ومواكبتها، تدريجيا ،وهذا في سبيل البحث عن النوعية وجلب أكبر قدر ممكن من القرّاء والذّوقين للمنتوج الأدبي لدار النشر.
في حقيقة الأمر جسد الغلاف محطة هامة في تجربة الشعر النسوي المعاصر لما فيه من صور ومشاهد شعرية تؤكد على تميز لغة المرأة الشاعرة عن لغة الرجل كما في واجهة الغلاف لكي تحقق نوعا من التوازن على ساحة النظم بما تجود به قريحتها من قصائد شعرية تفسر بها ذاتها ومشاعرها التي بقيت كامنة تحتاج لمن يفهم تلك اللغة ويحررها من الصمت اللغوي الذي لازمها طيلة فترة من الزمن الشعري، إلى جانب مركزية العنوان الذي يشكل هوية العمل، نجد أن المبدعة توليه عناية خاصة لماله من أهمية بالغة في واجهة الغلاف، والمرأة الشاعرة نجدها قبل تقديم العمل للطباعة تتحسس هذا العنوان الرئيس ومدى استجابته للغة الديوان الشعري ومدى تمكنه من تفسير كل العمل الإبداعي كنوع من الانزياح اللغوي الذي يحتوي كامل التجربة دون أن يضر برواجها.
وعند دراستنا لأغلفة مدونات الشاعرة "هدى ميقاتي" وجدناها لم تخرج في فحواها عما ذكرناه سابقا، ولكي نؤكد ذلك ستقوم الدراسة بعرض قراءة بصرية لغلاف كلّ مدونة شعرية بشكل خاص، ففي غلاف ديوان "عباءة الموسلين" نجده يكشف عن وجه امرأة نائمة بشعر طويل متموج،وهو وجه يبدو شاحب اللّون، بأنف شامخ دلالة على رفعة و شموخ المرأة التي لاتكسرها الهموم ولاتقهرها وكزات الدهر،وهذه الصورة تعكس في العمق ذات المبدعة "هدى ميقاتي" فهي معتزة فخورة بنفسها، ذات كبرياء، أما هيئة النوم فتصور مشهد المرأة الغارقة في عالم الأحلام، باحثة عن ذاتها من خلال استرجاع ذكريات ماضيها، وحلمها بمستقبل أفضل تشعر فيه بالأمان والراحة،أمّا البياض في أعلى الغلاف فهو رمز الطهارة والنقاء والصدق للمرأة، فالشاعرة صادقة في مشاعرها وأحاسيسها، وقد توسط ذلك البياض عنوان المدونة بخط غليظ أسود اللون"عباءة الموسلين"هذا العنوان الذي يوحي بالتخفي والغموض،وعدم البوح بهوية واضعها خاصة إذا كانت امرأة،حيث تتجلى فيها كلّ معاني ودلالات التكتم النسوي، لكنه مؤقت خاصة إذا كانت تلك العباءة من الموسلين الذي يحمل في طياته ثنائية ضدية ،إذ يعطيك للوهلة الأولى انطباعا حقيقيا بالتبرج والكشف،كما يدل صراحة على إبعاد الشكّ والحيرة حول هذه المرأة التي تلجأ إلى كشف حالها حتى لاتثير الشبهات، فقد باتت مطاردة من كلّ اللصوص،والساسة،والمتربصين بها،فهي لبنان المهان الذي استبيحت كرامته،وغدر ولكنّ هذه العباءة التي كانت تبدأ بحرف العين،الذي يحمل في رسمه صورة التخفي (عــ)،وهو حرف حلقي متمركز في أسفل الجهاز الصوتي يثير الكثير من الغموض والخوف في "مخرجه/رسمه"،وقد سمى- الخليل بن أحمد الفراهيدي- عليه معجمه عليه :(معجم العين)،لما فيه من مركزية صوتية من جهة،ومرجعية جمالية ودلالية من جهة أخرى فقد » ارتقى الخطّ العربي على أيدي الخطاطين المبدعين الذين قاموا بتجويده على مرّ العصور الإسلامية بأساليب متطورة،وأصبحت الكتابة العربية تتمتع بجمال حروفها ورشاقتها المنفردة والمركبة«(33).
و لهذا راحت – هدى ميقاتي- تنحت من هذه اللغة عنوانها الشعري كإستراتجية تصل بها إلى ذات المتلقي لتثير فيه الكثير الحيرة الدلالية والصوتية،إن عنوان "عباءة الموسلين" يطرح الكثير من الحيرة التي تؤرّق صفحة غلاف المدونة، »فالشعراء رسموا بشعرهم ألف صورة وصورة،أما الرّسامون فقد أوحوا بأساليبهم المختلفة في رسم هذه الخطوط بصورة لاحصر لها«(34) ،و لهذا كان اتحاد العنوان بالصورة و نوع الخط رسالة إضافية تدعم المعنى العام للديوان ،كما نجد تحت العنوان مباشرة جنس العمل بخط رقيق "شعر"، ليليه فيما بعد اسم الشاعرة "هدى ميقاتي"، وعلى الجانب الأيمن من الغلاف نجد زخرفة فنية عبارة عن أوراق متناثرة ذات لونين "صفراء/بنية" تدلّ على التلاشي والسقوط،وضياع الأحلام وتبخرها في مساحات نصوصها وعناوينها الشعرية،وهذه اللّوحة الفنية الجميلة تصور لنا حورا فنيا بين الرسم والشعر ليتلاحم صورة واحدة هي الإبداع الشعري النسوي،وإنّ العنوان الراهن يتعاظم مع اللوحة المرافقة لتبئير اهتمام المتلقي واستقطابه بتفعيل الوظيفة الإشهارية للغلاف ،وعليه فالعنوان الشعري النسوي للمدونة يعكس صراحة حجم الضرر الذي أصاب – لبنان/الشاعرة- نفسيا،وجعلها أسيرة القهر والألم الذي نغّص عليها حياتها الإبداعية،والتواصلية.
وأمّا في غلاف مدونة "سنابل النيل" فيشمل النص المحيط فيها صورة سنبلتين صفراوتين شامختين في فضاء فسيح يتخللهما نهر النيل رمز الخصب، والعطاء بلون شاحب يدعو للغرابة ليعلوهما اسم الشاعرة باللون نفسه لتعطينا انطباعا خاصا حول العلائق الموجودة بين هؤلاء الثلاثة في رحبة لون أصفر غطى وجه الغلاف بأكمله ، و هذا ليفصح عن سر وجود هذا اللون وقصديته في هذه الواجهة، فالشاعرة عليلة أسقام تبحث عن ذاتها في دنيا سنابل شامخة صفراء الإشراق و الأمل يغمرها ترياق نهر النيل الذي يصنع ماء الخلود لهذه السنابل التي باتت رمزا من رموز الفراعنة كما هو الحال للون الأصفر الذي يشفي الإنسان من كلّ الكلوم التي يعاني منها سواء كانت نفسية أم جسدية لتبعث الحياة كلها صفراء، وقد وجدت شاعرتنا أزهار الخلود في السنابل التي هي منبع العطاء والعظمة للفراعنة قديمـا، ورمزا للمحبة والكبرياء للمصريين حديثا،لقد وصل الديوان إلى حد الولوج، والوصول إلى مرحلة الخلود والسعادة الحقيقة عندما يبعث متن قصائد حزينة ، تحاكي ومضات الجراح المنثورة فوق أهداب سنابل ناضجة تنم عن الشموخ الأبدي الذي يحيط بقداسة من التحدي لعيون القدر وجور الدهر الذي سلك دروبا شتى للبوح بهذا السر الذي صنعته طبيعة الحياة وعبقرية الخالق في نسج صرح البقاء لشعب كان "النيل والقمح" كل زادهما، وحياتهما كما الحال عند شعوب "الأستيك والأنكا والمايا"، فالذرى كانت بذور الخلود عندهم تعيد إلى الحضارات أكسير الخلود الذي بحث عنه جلجامش في تقاسيم الحياة.
وفي دراستنا لغلاف ديوان "إلاّ حبـيبي" نشير أولا إلى أن غلافها يعكس مضمون العمل الإبداعي، وهذا يدل على أن الفنانة على وعي كبير بعلاقة صورة الغلاف، مع مضمون ديوانها ـحيث أطلقت الشاعرة عنوان القصيدة الثالثة في مجموعتها الشعرية عنواناً للديوان كلّه » وذلك واحد من منهجين متبعين في تسمية المجامع الشعرية، والقصصية، أولهما ذلك الذي يضع للمجموعة عنوانا خاصا بما هو غير عنوانات القصائد، عنوانا تكمن في داخله مهيمنات دلالية تجتمع في فضائها الخيوط النسيجية الآتية من متون القصائد كلها، وثانيهما هو أن يختار الشاعر عنوان إحدى القصائد لتكون اسما لديوانه، حينما يكون ذلك الديوان قادرا على احتواء تلك المهيمنات « (35)، وقد قسمت الشاعرة مدونتها إلى مقاطع ثلاثة ،هي : اسم الشاعرة الذي كان بلون أزرق فاتح (هدى ميقاتي)،يدّل على قيمة الأمل الذي أصبحت تعيشه الشاعرة،ثم يليه العنوان في أعلي الغلاف ،وقد كان بلون أرجواني كبير يبدأ المقطع الأول منه بأداة استثناء (إلاّ) التي تستثنيه من كلّ النقائص،و الشوائب التي يمكنها أن تحطّ من قدره، وهذا في المقطع الثاني من العنوان الذي تلحق به كلمة (حبيبي) التي تدلّ على عظمة المشاعر التي تكنها لهذا الحبيب.
ثم يأتي المقطع الثاني ،إذ تتوحد لغة العنوان بلغة الصورة الموجودة على وسط الغلاف من خلال صورة فوتوغرافية لبورتريه وجه امرأة حالمة ،نظرتها متجهة إلى العنوان الموجود في أعلى الغلاف،وكأنها تريد من المتلقي أن يفهم تلك العلاقة الجميلة بين هذا الحبيب ونظرة تلك المرأة له، فهي تريد البوح له بكلّ تلك المشاعر،و الآهات الدفينة في مقلتيها اللتان تتوحدان مع لغة الحروف لتشكل في النهائية نغمة حزينة م مملوءة بالحسرة والآسى على ضياع وفقدان هذا الحبيب لينتشر ألمها على كامل عناوين قصائدها الشعرية، ثم يأتي اللّون الأزرق، والرمادي المحيط بمحيط الغلاف، وصورة المرأة ليعكس حالتها النفسية بين الأمل واليأس،فهي مجروحة تنتظر قدوم حبيبها،وفي الوقت نفسه نجدها مترددة من فقدانه للأبد،وهذا ما عكسه عنوانها الشعري.
2-2. قراءة بصرية في لــون الغـلاف:
يُعَدُّ الحديث عن الألوان من أساسيات دراسة الأغلفة، وعلاقتها بما يحتويه العمل الأدبي حيث تلعب الألوان دورا هاما في التأثير على نفسية الفرد ، حيث أن الميل إلى بعض الألوان يرجع إلى ظروف حياتنا وثقافتنا كما يرجع إلى الظروف النفسية التي يمر بها الفرد » ومن هنا نجد أنّ للألوان دلالات معيّنة وارتباطات بالظروف والأحداث التي مررنا بها،وفي هذا تعليل للأسباب التي تجعل بعضهم يميل إلى ألوان من دون أخرى « (36)،كما أن الصورة اللونية في لغة الشعر خاصة» تشكل جزء من قدرنا وتخبرنا عن حالات ذهنية هامة« (37) ،وعليه نجد أنّ لغة الألوان كما يتضح في واجهة أيّ عمل إبداعي، تشكل لغة مغايرة للواقع ،إنها لغة الإيحاء والدلالة ،التي تعبر عن تجارب، ونظرات، وأفكار صقلتها التجربة فظهرت من خلال الرسم بالكلمات كلوحات إيحائية ليست عادية، ويختلف تأثير هذه الألوان من فرد إلى أخر بحسب حالته النفسية ، وانسجامه مع الألوان لما تمتاز به من دلالات مباشرة »فهناك ألوان حارة وألوان باردة وألوان مبهجة مفرحة منطلقة تنعش النفس بمعاني الفرح والسرور ،وهناك أخرى قاتمة بائسة تبعث للنفس غيوماً من الهدوء والخمول أو الحزن والكدر «(38).
وعليه يعدّ الضوء هو مصدر جميع الألوان، واللون نتاج انعكاس أحد ألوان الطيف ومصدرها نور الشمس وهناك ثلاثة ألوان أساسية تتركب منها كافة الألوان عدا الأبيض والأسود ، وألوان أخرى فرعية تتكون من خلط الألوان الأساسية،أما عن حضور اللون وتوظيفه داخل صفحة الغلاف من خلال صورة الأيقونة المدرجة فيه فنجد أن أغلب الواجهات الشعرية، كلها تصور لنا ملمحا شاحبا عن صورة الإبداع النسوي في أغلبه، من خلال حضور اللون بقوة الذي يعبر عن الصورة العميقة لنفسية المبدع، وبما أن أغلب الشاعرات قد تعرضن لحالات من الحصار والتعنيف الإبداعي عبر الذاكرة التاريخية الشعرية،وماحوته من ترسبات كشفت لنا عن عمق التجربة المريرة التي علقت باللغة الشعرية، فكانت لغة اللون تسير جنبا إلى جنب مع لغة الشعر، وتوظيف اللون في سطح المدونات الشعرية النسوية يعد نقلة نوعية في عالم الكتابة الإبداعية، إذ كانت المبدعة تستعين بالعديد من الألوان التي تكشف بصدق عن تلك المرارة التي توحشت بها.
إنّ حضور الّلون بجوار اللغة الشعرية يعد تحديا صارخا للغة الرجل الذي وقف يشاهد الإبداع النسوي يتطلع إلى التحرر والانطلاق الفني والجمالي في ميدان الإبداع الشعري من اكتمال التجربة الشعرية التي وأدتها النزعة الذكورية في فترة من التاريخ الأدبي، ومن هنا صارت المبدعة تصور واقعها بلغة "النظم/الرسم" الذي أبدع في تصوير الإبداع النسوي في ميدان الشعر وما يعانيه من آلام وضغوطات متتالية من طرف الإبداع الذكوري،إن استعمال تقنية الصورة الأيقونية على سطح واجهة الغلاف الشعري كان بمثابة التحول التقني لطبيعة هذا الإبداع،والدعوة الصريحة إلى تذوقه من طرف المتلقي الذي كان يري في الإبداع النسوي تجربة فنية ناقصة لم تصل مرحلة النضج بعد،وكل هذا الإبداع لايستطيع التعبير عن التجربة الشعرية التي حققها الرجل.
عموما الإبداع النسوي فند تلك المزاعم وأثبت جدرا ته كتجربة جديدة يجب الاحتفاء بها، والتعرف عليها بالتلقي والنقد لها،فكان لازما على الشعرالنسوي تحقيق عميلة التواصل عبر منافذ الفن مستعينا بمختلف الآليات التي تبرز دوره على الساحة الأدبية التي كانت تعد نظم الشعر نزعة ذكورية لا تستطيع المرأة خوضها ،أو ولوج عوالمها الفنية لكونها قاصرة فيها وعليه ظهرت التحديات النسوية من خلال الإبداع الشعري الذي تناول مختلف قضايا وتجربة المرأة بكل المقاييس والتحديات لإثبات الذات من جهة وتقديم مختلف التقنيات الجمالية المصاحبة لها عبر الوسائط الرمزية كالأيقونات والألوان التي تظهر جلية على واجهة العمل الشعري كنوع من التحدي والمكاشفة والممانعة التي ترمز إلى طبيعة المرأة كأنثى وشاعرة وإنسانة بحاجة إلى من يفهم هذه التجربة ويعطيها حقها من التقدير والاهتمام النقدي.
يؤدي اللّون دورا هاما على مساحة الديوان الشعري مما يطرح استفسارت هامة حول لغة الشعر النسوي من جهة ، وطبيعة توظيف اللون كلغة ثانية تتماشى مع لغة الحروف ولغة الصورة من جهة ثانية التي تعد مفتاحا للولوج إلى العمل الشعري ومحاولة فهم مقدماته من خلال واجهة غلاف العمل الأدبي، وتبدو تجربة الأنثى في هذا المجال حديثة عهد بها كون المرأة بدأت تمارس إبداعها بفنيات وجماليات فرضتها عليها الحداثة الشعرية ،وآلياتها التي أعطت انطباعا مغايرا لما كانت عليه تجربة الإبداع الأدبي من قحط في لغة الجماليات التي توشح بها الديوان الشعري المعاصر كنوع من التطور الدلالي في التقنيات والفنيات التي بدأت تتواصل بها لغة الشعر مع لغة اللون والصورة لتشكيل تلاحم جمالي.
لقد كانت لغة اللّون تتلاقح مع لغة الشعر من خلال التواصل الفني والجمالي بين صورة الذات الشاعرة التي تفرز آهاتها على صفحة الغلاف كمركزية للنفوذ إلى عناوين قصائد الديوان من خلال الاستعانة بمفتاح العنوان الرئيس للعمل الشعري ومن ثم إطلاق العنان للتواصل "اللّوني/الشّعري" الذي يمكن العمل من الرواج على ساحة النقد والإنتاج،وهذا ماحدث فعلا مع الشعر النسوي المعاصر الذي راح يغازل لغة النظم واللون لتحقيق التكامل بينهما وإزالة الفواصل التي كانت سببا في قطيعة التجربة الفنية،ودعوة المبدعين إلى دراسات للشعرالنسوي مؤسس على النص الجمالي الذي يعبر بصدق عن جمال اللغة والروح والجسد النسوي البارز بوضوح على صفحات كل غلاف إبداعي كنوع من الإغراء المباشر على المتلقي من أجل اقتناء العمل الشعري وتحدي تجربة الرجل في نهاية المطاف.
وإذا عدنا لدواوين شعر هدى ميقاتي كنموذج للشعر النسوي المعاصر نجد دواوينها الشعرية الثلاثة يغلب عليها ثلاثة ألوان أساسية هي:
1. ديوان عباءة الموسلين: "اللّون البني (القاتم/الفاتح)".
2. ديوان سنابل النيل: "اللون الأصفر"
3. ديوان إلا حبيبي: "اللّون الوردي"
وأثناء تتبعنا لمسيرة اللون في هذه الدواوين الثلاثة وجدنا أنّ هذه الألوان الثلاثة لها أبعاد تراثية وأسطورية، ونفسية في ذاكرة الشاعرة حاول البحث إبرازها في كل ديوان شعري
1- ديوان عباءة الموسلين:
لقد غلب على ديوان"عباءة الموسلين" اللّون البني الفاتح لما فيه من دلالات نفسية،وجمالية يمكنها أن تكشف عن تجربة الشاعر نحو عالم الشعّر،فكانت هذه"العباءة" بمثابة قناع فنّي،نسوي تلجأ إليه النسوة عادة لإبراز مختلف مظاهر التخفي،والتجلي الأنثوية على مستوى الإبداع، فالنص النسوي يلجأ عادة إلى استعمال صورة الغموض،إذن فالنص الإبداعي حسب تعبير "جاك دريدا"،» ليس بنص لم يُخفِ منذ الوهلة الأولى أسلحته الفنيّة وتيماته الأساسية،وقوانين تكوينه،وقواعد لعبته«(39) ،والمتتبع لحركية اللّون في الإنتاج الإبداعي الشعري يجد أنّه عنصر أساسي في الكون وهو من المدركات البصرية،فبواسطته يعبر الإنسان عما يختلجه من آلام وأفراح، وانشراح وقلق وغيرها من مكبوتات الإنسان الداخلية كما أن للألوان أهمية ودور في حياة الشعوب والأمم على مر العصور وتضمنت دلالات تمييزية استقرت مفاهيمها في ألفاظ معينة، وإن اللون الواحد قد تكون له أكثر من دلالة، وقد تكون له دلالات متعارضة كدلالة الموت والحياة في الوقت نفسه... فرمزية الألوان عموما فيها هذه الإشارة الخاصة للتعدد والتنوع والتجلي والخفاء في الوقت نفسه.
لقد كان اللّون البني من الألوان التي غطت مساحة بارزة في واجهة الديوان، واختياره كان عن قصد ليعبر عن ما هو موجود في المتن من تشاؤم وشحوب وهموم ومعاناة وكلوم مزروعة على دفات القصائد المشحونة بنيران الشجن واللظى والفراق والاغتراب، والوجع النفسي الذي لمسناه في قوافي وأوزان الشاعرة، كما نجد إلى جانبه اللون الأصفر الذي ينتشر على مساحة الغلاف دلالة على بصيص الأمل الذي مازال يشرق في ذاتها، فالشاعرة قد استعانت باللون الأصفر لصلته بالبياض وضوء النهار ولارتباطه أيضا بالتحفز والتهيؤ للنشاط، ومن أهم خصائصه اللمعان والإشعاع وإثارة الانشراح ،وهو يعدّ لون الحركة والتنقل،فالشاعرة- ميقاتي- كما يبدوا للمتلقي متشائمة ذات نفسية مكلومة،وغامضة فهي تخفي بداخلها مآسي وآلام نتيجة الواقع الذي تعيشه وأوضاعه غير مستقرة، وكذا نفسيتها المضطربة والمنفعلة.
2- ديوان سنابل النيل: يؤدّي اللّون دورا هاما في عمل الإبداع الأدبي،واهتمام الفرد المبدع بتراكيبه وتنوعاته ،وتشكلانه جعله،يبحث طويلا في حياة اللّون ،وإيحاءاته المتنوعة المرمزة لأن» اهتمام الإنسان باللّون ظهر مع نشوء أولى الحضارات المبكرة في العالم بدءا من حضارة وادي الرافدين والنيل«(40)،وعليه نجد اللّون الغالب عليه هو"اللون الأصفر" الصارخ الذي يدل على الجمال والتألق والحيوية، واللون الأصفر في لون بشرة أو في لون ورقة ساقطة في الخريف يثير إحساسا بالموت والفناء، في لون الرمال الشاسعة يثير الإحساس بالجدب (القحط)، وفي لون الغلاف الجوي المحيط يثير الشعور بقرب عاصفة هوجاء وهو في لون الفاكهة يثير إحساسا بالنضج والطراوة، وفي لون صفرة الشمس الساقط على بقاع الأرض يثير إحساسا بالدفء والحيوية ، وفي بريق الذهب يثير الإحساس بالفخامة والأبهة والأصفر لون مفرح وعملي يرمز للشمس والضوء وزهرة النرجس والذهب استخدمه الفراعنة للوقاية من الأمراض لارتباطه بأشكال المثلثات والأهرامات، الأصفر مناسب للاستخدام في الغرف المعتمة وله تأثير إيجابي كبير لمن يعانون من الانهيار النفسي، والأصفر لون صريح والساطع (الفاقع) منه غير مريح ، والباهت يترك في النفس شعور الربيع وهبات النسيم ورائحة الليمون.
ومما جاء في التراث القديم للون الأصفر نجد »هيام العراقيين باللون الأصفر وتغزلهم بالوجوه الصفر وصبغهم ثيابهم بالصفرة، وافتتانهم بالزهور الصفر، واتخاذهم الطعام الأصفر، ومدحهم الجواهر الصفر« (41) ،وقد ورد هذا اللّون في تعابير حديثة منها فلان أصفر الوجه، ويقيمون من المرض والذبول، لقد كان اللون الأصفر من الألوان التي غطت مساحة بارزة في واجهة الديوان الذي عكس طبيعة هذا اللون ،واختياره عن قصد ليعبر عن ما هو موجود في المتن من كرب وهموم، وكلوم مزروعة على دفات القصائد المسجونة بنيران الشجن واللظى، والفراق،والاغتراب،والوجع النفسي الذي لمسناه في قوافي وأوزان الشاعرة،فالشاعرة تبحث وسط هذا الركام عن ترياق شاف لها من أسقام، و أشجان عللتها دهورا من السنين لعلها ستشفى بترياق نهر النيل الأسطوري، و سنابله التي خلدت حياة شعوب كان لها في الغابرين حضارات دوت أبراج السماء بشموخها و كبريائها مثل شموخ السنابل التي غطت أديم أرض النيل الساحرة للقلوب و العقول و الشافية لكل ّالكلوم.
فالشاعرة – ميقاتي- محطمة تبحث على من يأخذ بيدها ، و يعيد إليها البلسم الشافي من علقم و مرارة الحياة التي لم تمنحها و لو بسمة تحررها من كل مكبوتاتها المسجونة في نهر العدم السابح بقصائد سقيمة يعللها السواد، والتشاؤم ، والضبابية والحيرة وسط النور والإشراق، والبسمة الهاربة من صخب الحياة وفعلا كان اللون الأصفر قبسا من الحياة الذي يرسم مقادير الناس في كلّ دروب ، و معابر الكون الفوقي أو السفلي، فالسنابل على الرغم من اصفرارها المتهالك وسط بيادر الفناء تشقها خلجاتها نهر النيل ليبعث الحياة فيها من جديد في دورة حياتية تنسج خيوطها طبيعة من العدم لذلك ، فالشاعرة تريد تحرير ذاتها من الألم الدفين، وخلجات معانيها، و فلتات لسانها وصحـوة مداد يراعها الذي جفت قريحته في نبرات القوافي لعلها ستعيد للحياة أنفسها وترجع البسمة إلى شفاه غابت عنها شقائق النعمان لترسم محياها الوسيم في خجل وغفلة من الألم، و الاغتراب وسط قوافي ، و أوزان مجموعتها الشعرية.
3-ديوان إلاّ حبـيبي:
والمتابع لتطور الشعر النسوي عبر التاريخ الأدبي يجد أن جلّ الدواوين الشعرية مشبعة بآهات وكلوم أنثوية قلقة كاشفة حدة التوتر إزاء حالة التغييب الإبداعي الممارس بقصدية على المنتج النسوي الذي عانت منه الشاعرات عبر سراديب التاريخ الأدبي ،خاصة صور الإقصاء والتهميش من طرف المبدعين الذين كانت نظرتهم للإبداع النسوي نظرة غير بريئة تحمل أكثر من دلالة استفهام نحوه، مما دفع بالشعر النسوي إلى حالة من الاحتقان في علاقته بالمنتج الشعري الذكوري الذي فرض إطارا محددا لايستطيع تجاوزه فضلا عن الصور الفنية التي كانت في اللاشعور الجمعي للمجتمع النسوي الذي تمكن من الثورة وقهر كل الظروف التي أدت إلى جمود القريحة الشعرية النسوية التي كانت تبحث عن منافذ لنقل معالم النفس واللغة إلى المتلقي الذي كان يكتشف الأنثى المبدعة لأول مرة ،ولكن من خلال النظم الأنثوي الذي نقل كل المشاعر والهموم التي كانت تعتري اللغة والذات من أجل تحقيق لغة التواصل مع الآخر الذي كان لايعرف من الأنثى سوى لغة الآه فحسب، وهذا ما شجع الإبداع النسوي لخوض هذه التجربة الشعرية من المخيال المخفي إلى المرئي، ونقل صوتها المقموع منحلة السكون والهمس إلى حالة الحركة والجهر بكل ما يختلج مشاعرها من أفراح وأقراح.
إنّ لغة اللّون الموثقة في غلاف المدونة نجدها تنقل لنا حالات القلق التي عايشتها المبدعة، وتطرقها لمختلف القضايا التي عجزت اللغة الشعرية للرجل من كشفها، أو التكتم عليها وجعله في دائرة المسكوت عليه أو الهامش من الإبداع، وقد أدت – صورة البورتريه - دورا فاعلا في إخراج الذات الأنثوية التي كانت تعاني لحظات الانكسار النفسي لتنفلتا بعدها من قيود المجتمع/الرجل الذي جعل من المرأة أداة للوصول إلى غايته على حساب مشاعرها وأنوثتها، وهذا في مجتمع ذكوري يعتبرها مبدعة من الدرجة الثانية مهما بلغت درجة في الكتابة الإبداعية، وذلك أن طبيعتها العاطفية التي تحيط بها منكل النواحي شكلت عبر الذاكرة اللغوية هالة من التراكمات المعرفية التي بقيت تهيمن على ذاتها وتحاصر نفسيتها ،وهذا ماجعل العناوين الشعرية كلها ملفوفة برائحة الحزن والهجر والألم، ومن هنا» ومن هنا فقد استعمل الفنّ كوسيلة لستر آلام الإنسان في بعض ظروفه « (42) وهذا كله نقش في ترسبات فكرها، فكان عنوانها الشعري بمثابة صرخة نسوية مطبوعة بألوان متعددة منها اللون الرمادي الذي يحمل الضبابية والغموض، واللون الأزرق الذي ينتشر تدريجيا على مساحة الغلاف ليعطي انطباعا للمتلقي بوجود دلالة الأمل في الحياة،ثم تختمه باللون الوردي الذي يجمل طابع الرومانسية من خلال لون شفاه المرأة في البورتريه الذي ينعكس مباشرة على مختلف زويا العنوان لتحيط به كنوع من الرومانسية الصارخة.
وأغلبية الألوان الثانوبة المترابطة مع اللونين الأساسين(الأزرق/الرمادي/وردي) المنتشرة على جلّ مساحة الغلاف المدونة الشعرية(إلاّ حبيبي) تؤكد على حضور النغم الحزين من خلال العنونة وما تحمله من حمولات نفسية تبني عليها الشاعرة صورة العنوان الذي يفضحها تدريجيا من لغة الشعر الصوتية التي تخونها معلنة معاناتها بصراحة، رغم ما تحاوله الشاعرة من ترميز وأقنعة تحاول بها إخفاء وجهها الحقيقي، وإبراز صورتها الفنية كمبدعة ومع ذلك نجد جميع الشاعرات اللواتي خضن تجربة الشعر، خانتهنّ اللّغة لكون طبيعة الأنثى تفرض عليها لغة مميزة تتفجر من خلالها تلك المكبوتات النفسية النسوية التي لا تستطيع المبدعة كبت جماحها، ومحاولة التظاهر بصورة المبدعة و إخفاء صورة الأنثى بداخلها كنوع من الخروج عن المألوف الأنثوي الذي يكشف لنا رهافة الحس النسوي، وعدم المقدرة على تجاوز لغة العاطفة والنوع، وذلك بوجود أصوات لغوية تتجلى في العنوان النسوي كخاصية لصيقة به لايمكن تخطيها لأنه تجاوز على الذات المبدعة /الذات الأنثوية.
*- خـاتمة الدراسة:
فعلا لقد ساهمت القصيدة/العنوان الذي تكتبه المبدعات العربيات في إغناء مكتباتنا بإبداعات تختلف عن أطرها السابقة،حيث لم تعد العنونة الشعرية تقتصر على البكاء كالخنساء أو الكتابة للوطن والمقاومة وفقط بل أخذت عناوينه الشعرية تشتبك مع قلقها الوجودي نحو العالم والذات، الحياة والموت، كما أخذت الشاعرة أيضا دخول عوالم "النص المفتوح" على مختلف الثقافات الأخرى كنوع من التحدي للرجل العربي المبدع،من أجل إيصال صوتها للعالم، من أجل لفت الانتباه لتجربتها الشعرية لإثبات الذات،ومنذ أوائل الثمانينات بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج الإبداعي، فكانت حينها عناوينها الشعرية » مجالا للتعبير عن فعل تمردي واحتجاجي يتلبس في حالات كثيرة بلهجة انتقادية حادة أو تهكمية لاذعة تصادر كلّ أنماط القمع والوصاية والقهر التي تدوس الكيان الأنثوي وتعمل على وأده أو تجاهل حقه في اختيار وجوده«(43) ،وعليه تعدّ عناوين مدونات الشاعرة هدى ميقاتي الثلاث:"عباءة الموسلين/سنابل النيل/ إلاّ حبيبي" نموذجا حيا للإبداع النسوي الراقي الباحث على إثبات الذات النسوية كتجربة شعرية تستحق منا الدراسة والبحث فيها
،وقد توصل البحث إلى جملة من النتائج الخاصة بالعنونة النسوية هي كالآتي:
يعتبر مقطع الغلاف من أهم عتبات العمل الإبداعي، وعلاقته بالنص وطيدة، فهو يعطينا إشارات، ودلالات شكلية، ورمزية تفسر ما جاء العمل، وإغراء المتلقي إلى تذوقه، والبحث عن منطلقات، وجماليات هذا الأخير.
كما أن مقطع اللّون كان من بين المحفزات الرئيسة التي كشفت قناع بعض الشفرات التي تسربل وراءها أسرار المتون الشعرية للعمل من جهته، وبعض المعاني النفسية المنضوية في أغوار ذات المبدعة.
وأخيرا يأتي مقطع العنوان الذي يعد مركزا، وبؤرة للعمل ففيه تتفجر كل التأويلات، والتلميحات التي تكتبها المدونة في عالمها السرمدي المملوء بأطياف المتاهات الشعرية الأنثوية.
وعموما نجد أنّ التجربة الشعرية التي قدمتها المرأة في مجا العنونة والتي تعدت مستوى الغلاف/القصيدة تعكس مقدرة المرأة على النظم/العنونة من جهة،وعلى التحديات التي كانت تخوضها في سبيل إقناع الرجل بوجودها،وبإبداعها الشعري الذي كان يخوض نوعا من التحدي لإثبات الذات،وتحقيق نوعا من التلقي في فنّ الأدب،وعليه كانت هذه التحديات تفرض نفسها على الشاعرة المرأة وراء التشكيل الحقيقي، والمكون الفعلي لهذا الإنتاج الشعري الذي لم يفهم إلا من خلال التشاكل، والتوا شج بين هذه العناصر الثلاثة، (الغلاف + اللون + العنوان)، كصورة إدراكية بين ماهو: "جمالي/لغوي/ بصري" ليتشكل في النهاية صورة المرأة /عنوانها/تجربتها/ نظمها.
الفهــــرس والإحــالات:
المصـــــــادر:
(*) هدى ميقاتي:
1- عباءة الموسلين، دارالنهضة العربية، بيروت ، لبنان، ط1،1985.
2- سنابل النيل، دار الفكر العربي، بيروت ، لبنان، ط1، 1989.
3- إلا حبيبي، دار قباء للطباعة ولنشر والتويع، القاهرة، مصر، ط1،2000.
ب- المــــراجع:
(1) جميل حمداوي: صورة العنوان في الرواية العربية،
2007/01/22د. جميل حمداوي - صورة العنوان في الرواية العربية
(2) بسام قطوس: سيمياء العنوان ، وزارة الثقافة، عمان، الأردن، ط1، 2001، ص33.
(3) Léo H.ock : la marque du titre , dispositifs Sémiotiques d’une moutors publishers .Paris 1981, p5.
(4)الطيب بودربالة:قراءة في كتاب سيمياء العنوان للدكتور بسام قطوس، محاضرات الملتقى الوطني الثاني السيمياء ،والنص الأدبي، منشورات جامعة بسكرة، 15، 16، أفريل ،2002 ، ص52.
(5)شادية شقروش: سيميائية العنوان في "مقام البوح" لـ:عبد الله العيش ،محاضرات الملتقى الوطني الأول السيمياء والنص الأدبي، منشورات جامعة بسكرة، 6، 7، نوفمبر، 2000، ص271.
(6) محمد فكري الجزار:العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية للكتاب ، مصر، 1998، ص 15.
(07) Léo. Hock : La marque de titre, P17.
(08) عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير – من البنيوية إلى التشريحية- قراءة نقدية لنموذج الإنسان المعاصر، النادي الأدبي الثقافي، جدة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1985، ص261.
(09) الطاهر رواينية: شعرية الدال في بنية الاستهلال في السرد العربي القديم ضمن الماشئة و النص الأدبي، أعمال ملتقى معهد اللغة العربية وآدابها، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة ، 1995، ص141.
(10) محمد الهادي المطوي: شعرية عنوان كتاب الساق على الساق فيماهو الفارياق، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مجلد 28، العدد الأول، يوليو/ سبتمبر، 1999، ص457.
(11) بشرى البستاني: قراءات في الشعر العربي الحديث، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 2002، ص 34.
(12) جوزيف بيزاكومبروبي" Joseph Besa Coprubi": دكتور في فقه اللغة، وأستاذ تحليل الخطاب بقسم فقه اللغة، جامعة برشلونة.
(13) Joseph Besa Comprubi : les fonctions du titre nouveaux actes sémiotiques, 82,2002Pulim Université de Limoges,p91.
(14) بسام قطوس: سيمياء العنوان ، ص36 .
(15) علي جعفر العلاق: شعرية الرواية، مجلة علامات في النقد ، مج 6،ع23، السنة 1997 ، ص100.
(16) لوسيان غولدمان وآخرون: الرواية والواقع، ترجمة رشيد بنجدو،عيون المقالات، دار قرطبة، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص12.
(17) بسام قطوس: سيمياء العنوان، ص60.
(18) وجيه فانون: دراسات في حركة الفكر الأدبي، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1991 ، ص57.
(19) محمد عبد الواحد حجازي: ظاهرة الغموض في الشعر الحديث، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، القاهرة، مصر، ط1، 2001، ص36.
(20) روبرت شولز:سيمياء النص الشعري(اللّغة والخطاب الأدبي) ترجمة سعيد الغذامي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،المغرب،ط1 ،1993، ص159.
(21) خليل المرسى: قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر، دراسة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000
. 2006/01/20http://www.awu.dam.org/book/00/study00/64-h-m1/book00-sd005-htm
(22) قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة، دار الغرب للنشر والتوزيع ، وهران، الجزائر، د.ط، 2004، ص 152.
(23) محمد بن يوب: آلية قراءة الصورة البصرية ، الملتقى الدولي التاسع للرواية عبد الحميد بن هدوقة، دراسات وإبداعات الملتقى الدولي الثامن ، وزارة الثقافة، مديرية الثقافة، ولاية برج بوعريريج، الجزائر، 2006 ، ص82.
(24) بشير عبد العالي: سيميائية الصورة في رواية عبر سرير لأحلام مستغانمي، محاضرات الملتقى الوطني الثالث السيمياء ،والنص الأدبي، منشورات جامعة بسكرة، الجزائر، 2006، ص280.
(25) Thomas Poule : le mirage linguistique , essai , sur la modernisation ,intellectuelle , paris , édition du minuit ,1988 ,p 12 , 13
(26) حسن محمد حماد :تداخل النصوص في الرواية العربية ،دراسات عربية، مطابع الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، د.ط، د.ت، ص148.
(27) حميد لحميداني: بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط3، 2000، ص62 .
(28) المرجع نفسه، ص، 59، 60.
(29) برنار توسان ،ماهي السيميولوجيا ،ترجمة محمد نظيف،دار النشر إفريقيا الشرق، ط1، 1994، ص81.
(30) عادل كامل: الرسم المعاصر في العراق(مرحلة التأسيس وتنوع الخطاب)، الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، ط1، 2008، ص59.
(31) سمير غريب: في تاريخ الفنون الجميلة، دار الشروق،القاهرة،مصر،ط1،1998، ص305.
(32) محمد بن يوب:آلية قراءة الصورة البصرية، ص85.
(33) مجموعة من المؤلفين: الخطّ العربي بين العبارة التشكيلة والمنظومات التواصلية،وزارة الثقافة والمحافظة على التراث،المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، تونس،ط1، 2206، ص83.
(34) المرجع نفسه، ص280.
(35) بشرى البستاني، قراءات في النص الشعري الحديث،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الجزائر، ط1، 2002 ص،42
(36) عياض عبد الرحمن الدوري: دلالات اللّون في الفنّ العربي الإسلامي،دار الشؤون الثقافة العامة،بغداد، العراق،ط1، 2002، ص19.
(37) محمد بن يوب، آلية قراءة الصورة البصرية ص87.
(38) مشوح وليد : الصورة الشعرية عند عبد الله البردوني، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، ط1، 1996، ص181.
(39) عبد المالك أشبهون: عتبات الكتابة في الرواية العربية،دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية،سوريا، ط1، 22009، ص66.
(40) عياض عبد الرحمان بدوي: دلالات اللّون في الفنّ العربي الإسلامي،،دار الشؤون الثقافة العامة،بغداد، العراق،ط1، 2002، ص21..
(41) أحمد مختار عمر: اللغة واللون، عالم الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط2، 1997، ص217.
(42) عفيف بهشي: اتجاهات الفنون التشكلية المعاصرة، مطبعة وزراة الثقافة والإرشاد القومي، ط1، د.س،ص09.
(43) جليلة الطريطر:كتابة الهويّة الأنثوية في السيرة الذاتية العربية الحديثة، مجلة الحياة الثقافية، وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، ع195، تونس،2008.
أ. د. رضا عامر
جامعة -الجزائر.