قال افرانسيس بيكون مرة : " إن أرسطو يسيرُ على الطريقة العثمانية , إنه لا يمكن أنْ يحافظَ على حكمه إلا بقتل إخوته " . جاء ذلك في سياق ميولِ أرسطو الدائم إلى دحض كل الحجج التي سبقته , من أجل إثباتِ , وتمتين رأيه ووجوده.
أما أنا ومنذُ نعومةِ قراءاتي , منذ اخضلالِ شعري ويفاعته, أشمئز من هذه المقولة , إنها تنطوي على حكمٍ قاسٍ جدا,إنها تحكم على أرسطو بالأنانية , والانغلاق .
أنا شاعرٌ أؤمنُ بالتعدد , والانفتاح ,أؤمنُ بالحرية المطلقة التي لا يقيدها أي شيء , الحرية غير المحدودة , والمُمترسة .
حريةُ المرأة...
حرية الشعوب...
حرية المعبدين ... المعذبين
وأخيرا .... حرية الشِعر
***
لا أريدُ أن يبقى الشِعر, حبيسَ تقاليدَ وعاداتٍ , ومتاريس لغوية ,وأخرى خليلية باهتة, أو مدوية كالطبول ... وجوفاء كالطبول أيضا, أي بلا معنى , وبلا قضية , إنها مجرد صخبٍ , وفقاعاتٍ لغوية , وشيء يشبهُ تعاويذ الكهان في القرون الوسطى.
هذه الأرضُ _ ورغم كل الادعاءاتِ_ ينقصها الشُعراء كثيرا
.قليلونَ هم من يتقنونَ اقتناصَ المجاز, أو يتعاملونَ بجدية مع الشعر. الشعرُ هنا وراثيٌ , وجينيٌ كالدين لذلك هو رديء جدا .
حينَ ترثُ لا تبذلُ جهدا , والموروثُ بطبعه غيرُ مدهش , وغير لافتٍ للانتباه .
لا أحبُ الإسهابَ ,ولا الثرثرة , لكنني أماطلُ لكي لا أدخل في الموضوع, أصابعي تؤلمني, أنا عاجز عن كتابة أي شيء يليق بالشاعر " إبراهيم مالك".
هذا الفتى الحداثي, الذي تشبه علاقته بالشعر, علاقة الديناميت بالنار , كلما اقترب من القصيدة , اشتعلت , وهكذا حتى تنتج ثورة من حروف , ومجازاتٍ, وخيال .
إن النص المسالم , والمهادن لا يعولُ عليه , والصوتُ الذي لا ينتج صدى , لا يعول عليه أيضا, و " لوركا" الذي لا يثير غضب الجنرال افرانكو , ولا يستفزه ,ليسَ شاعرا أبدا.
**
من حسن الحظ أن الشعر هنا, ليس كالمناصب السياسية , إنه لا يحتاج إلى وساطة , ولا وشيج قرابة مطلقا , يحتاج فقط إلى شيء من الصبر وكثير من الشعر.
أنا لا أعرف إبراهيم معرفة شخصية, ولا أنحاز له بدافع المودة ِ أو الحب, أنا تقودني إليه مشاعري المنتمية إلى كل ما هو فن , هو يكتب نصا نثريا, وأنا مدلوق في العمودي منذ البدء. لكن الحساسية الشعرية التي لدي , هي التي أغرتني بالدنو منه , أريد أن أحتشد بمفرداته, وأموتَ كأيٍ قارئ, ثم أنبعث مثل "لوركا".
...
لا يُمكنكَ قتل شاعرٍ برصاصةٍ واحدة،
الطّلقة في الجُمجُمَة،
و ليست في الفكرة
كم من الوقت سَيستغرق قَتلُ فكرة!؟
كان وجهكِ شَاحبا يا غَرناطَة
وَحدها دُموع لُوركا سَقطت فوق خَدّيكِ،
لِتغسلَ خَطاياكِ الكثيرة!
...
هذه الفكرة قد لا تكون عميقة, إلى الحد الذي يدفعُ بالقارئ ,إلى استكناه بعدها الفلسفي بمشقة كبيرة ,مع ذلك هي تحتاج إلى قارئٍ يشتركُ مع "ابراهيم ولوركا" في الألم .
كل ما أراد إبراهيم قوله ,هو أن" لوركا " مات برصاص افرانكو, جسدا,لا فكرة ,أما افرانكو فقد ماتَ فكرة وجسدا معا.
وأن المبدع لا يموتُ
قال درويش مرة:"قتلتني لكنني نسيت مثلك أن أموت"
من يعرف افرانكو؟ .....لا أحد .
من يعرف لوركا؟ ...الشعر.
إذن مات افرانكو.
...
لا زلَ "عرسُ الدم" ,لا زال "بيتُ برناردا آلبا" لا زال لوركا.
...
إبراهيم لا يكتفي بذلك,إنه يبحر أعمق ليقول لنا:
الرّصاصاتُ كثيرة،
و الصّراعات مَريرة
و الأحقادُ قاتلة،
وَحدهُ الحُب
يمنحنا جَسدا للتّحمل
و طاقةً هَائلةً للإسْتمرار،
و ذاكرةً أُخرى للنّسيان
شَبَحُ مَاريَانَا يُلاحِقُنا يا أُمّي
يَنمو داخلنا،
يُحرّضنا على الثّورة،
و شِعرُ لُوركا يَهيم بنا نحو الحُرّية،
فمن يَمنحنا قَصيدةً تُداوي كُل هذا الألم!؟
...
يريد أن يقول لنا :إن الرصاصَ كفكرة ذابحة وعدوانية,تعجز أمام عظمة قُبل العشاق,ولياليهم الحمراء المسكونة باللذة .
أن يقول لنا يريدُ:إن قصائد لوركا تأخذنا إلى فضاءاتِ حرية رحبة,تأخذنا من غرناطة إلى شساعةِ "السافانا" إلى معتقل "مانديلا"لنحرره ,إلى "سويتو" المخذولة ,والمتروكة لرحمة الآبارتايد,كموريتانيا.
يريدنا أن نغني لنتحرر.
**
وفي استحضار لا فتٍ منه لمحمود درويش يأخذنا إبراهيم إلى "ذاكرة النسيان" العمل النثري الفذ لمحمود الحر والثائر ,مثل لوركا.إنه يستدعي الحرية بكل ما أوتيَ من ثقافة ,يستدعيها بحواسه ,مستعينا بالحاسة السابعة للشاعر.
**
شَاحبٌ وجهكَ أيّها العالم،
و نَحيبُنا يَملأُ طُرقاتك،
بِشغف
نغسلُ أجسادنا من آلامك،
و نَبتسمُ للموت
كأنّما -لُوركا-
عاد ليُبعثَ من جَديد، بِداخلنا
**
ما لمْ ينته هذا الألم , يجب أن أتوقف هنا وأترك النص مفتوحا ... والتأويلات مفتوحة .
كأنّما -لُوركا-
عاد ليُبعثَ من جَديد، بِداخلنا
أما أنا ومنذُ نعومةِ قراءاتي , منذ اخضلالِ شعري ويفاعته, أشمئز من هذه المقولة , إنها تنطوي على حكمٍ قاسٍ جدا,إنها تحكم على أرسطو بالأنانية , والانغلاق .
أنا شاعرٌ أؤمنُ بالتعدد , والانفتاح ,أؤمنُ بالحرية المطلقة التي لا يقيدها أي شيء , الحرية غير المحدودة , والمُمترسة .
حريةُ المرأة...
حرية الشعوب...
حرية المعبدين ... المعذبين
وأخيرا .... حرية الشِعر
***
لا أريدُ أن يبقى الشِعر, حبيسَ تقاليدَ وعاداتٍ , ومتاريس لغوية ,وأخرى خليلية باهتة, أو مدوية كالطبول ... وجوفاء كالطبول أيضا, أي بلا معنى , وبلا قضية , إنها مجرد صخبٍ , وفقاعاتٍ لغوية , وشيء يشبهُ تعاويذ الكهان في القرون الوسطى.
هذه الأرضُ _ ورغم كل الادعاءاتِ_ ينقصها الشُعراء كثيرا
.قليلونَ هم من يتقنونَ اقتناصَ المجاز, أو يتعاملونَ بجدية مع الشعر. الشعرُ هنا وراثيٌ , وجينيٌ كالدين لذلك هو رديء جدا .
حينَ ترثُ لا تبذلُ جهدا , والموروثُ بطبعه غيرُ مدهش , وغير لافتٍ للانتباه .
لا أحبُ الإسهابَ ,ولا الثرثرة , لكنني أماطلُ لكي لا أدخل في الموضوع, أصابعي تؤلمني, أنا عاجز عن كتابة أي شيء يليق بالشاعر " إبراهيم مالك".
هذا الفتى الحداثي, الذي تشبه علاقته بالشعر, علاقة الديناميت بالنار , كلما اقترب من القصيدة , اشتعلت , وهكذا حتى تنتج ثورة من حروف , ومجازاتٍ, وخيال .
إن النص المسالم , والمهادن لا يعولُ عليه , والصوتُ الذي لا ينتج صدى , لا يعول عليه أيضا, و " لوركا" الذي لا يثير غضب الجنرال افرانكو , ولا يستفزه ,ليسَ شاعرا أبدا.
**
من حسن الحظ أن الشعر هنا, ليس كالمناصب السياسية , إنه لا يحتاج إلى وساطة , ولا وشيج قرابة مطلقا , يحتاج فقط إلى شيء من الصبر وكثير من الشعر.
أنا لا أعرف إبراهيم معرفة شخصية, ولا أنحاز له بدافع المودة ِ أو الحب, أنا تقودني إليه مشاعري المنتمية إلى كل ما هو فن , هو يكتب نصا نثريا, وأنا مدلوق في العمودي منذ البدء. لكن الحساسية الشعرية التي لدي , هي التي أغرتني بالدنو منه , أريد أن أحتشد بمفرداته, وأموتَ كأيٍ قارئ, ثم أنبعث مثل "لوركا".
...
لا يُمكنكَ قتل شاعرٍ برصاصةٍ واحدة،
الطّلقة في الجُمجُمَة،
و ليست في الفكرة
كم من الوقت سَيستغرق قَتلُ فكرة!؟
كان وجهكِ شَاحبا يا غَرناطَة
وَحدها دُموع لُوركا سَقطت فوق خَدّيكِ،
لِتغسلَ خَطاياكِ الكثيرة!
...
هذه الفكرة قد لا تكون عميقة, إلى الحد الذي يدفعُ بالقارئ ,إلى استكناه بعدها الفلسفي بمشقة كبيرة ,مع ذلك هي تحتاج إلى قارئٍ يشتركُ مع "ابراهيم ولوركا" في الألم .
كل ما أراد إبراهيم قوله ,هو أن" لوركا " مات برصاص افرانكو, جسدا,لا فكرة ,أما افرانكو فقد ماتَ فكرة وجسدا معا.
وأن المبدع لا يموتُ
قال درويش مرة:"قتلتني لكنني نسيت مثلك أن أموت"
من يعرف افرانكو؟ .....لا أحد .
من يعرف لوركا؟ ...الشعر.
إذن مات افرانكو.
...
لا زلَ "عرسُ الدم" ,لا زال "بيتُ برناردا آلبا" لا زال لوركا.
...
إبراهيم لا يكتفي بذلك,إنه يبحر أعمق ليقول لنا:
الرّصاصاتُ كثيرة،
و الصّراعات مَريرة
و الأحقادُ قاتلة،
وَحدهُ الحُب
يمنحنا جَسدا للتّحمل
و طاقةً هَائلةً للإسْتمرار،
و ذاكرةً أُخرى للنّسيان
شَبَحُ مَاريَانَا يُلاحِقُنا يا أُمّي
يَنمو داخلنا،
يُحرّضنا على الثّورة،
و شِعرُ لُوركا يَهيم بنا نحو الحُرّية،
فمن يَمنحنا قَصيدةً تُداوي كُل هذا الألم!؟
...
يريد أن يقول لنا :إن الرصاصَ كفكرة ذابحة وعدوانية,تعجز أمام عظمة قُبل العشاق,ولياليهم الحمراء المسكونة باللذة .
أن يقول لنا يريدُ:إن قصائد لوركا تأخذنا إلى فضاءاتِ حرية رحبة,تأخذنا من غرناطة إلى شساعةِ "السافانا" إلى معتقل "مانديلا"لنحرره ,إلى "سويتو" المخذولة ,والمتروكة لرحمة الآبارتايد,كموريتانيا.
يريدنا أن نغني لنتحرر.
**
وفي استحضار لا فتٍ منه لمحمود درويش يأخذنا إبراهيم إلى "ذاكرة النسيان" العمل النثري الفذ لمحمود الحر والثائر ,مثل لوركا.إنه يستدعي الحرية بكل ما أوتيَ من ثقافة ,يستدعيها بحواسه ,مستعينا بالحاسة السابعة للشاعر.
**
شَاحبٌ وجهكَ أيّها العالم،
و نَحيبُنا يَملأُ طُرقاتك،
بِشغف
نغسلُ أجسادنا من آلامك،
و نَبتسمُ للموت
كأنّما -لُوركا-
عاد ليُبعثَ من جَديد، بِداخلنا
**
ما لمْ ينته هذا الألم , يجب أن أتوقف هنا وأترك النص مفتوحا ... والتأويلات مفتوحة .
كأنّما -لُوركا-
عاد ليُبعثَ من جَديد، بِداخلنا