اما الموشح الخمري فلا تختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر واشهر شعراء الموشحات الخمرية ابن بقي القرطبي الاندلسي فيقول :
أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجــــــــد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهـــــد
دن بالهــــوى شرعاً
ما عشـــت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطـــــق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح
أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الــــــــــــورد
حفــا بصــدغي آس
يلويهــــمــا الخـــــــد
اما موشحات وصف الطبيعة الاندلسية الرائعة الخلابة فمن افضلها موشح الوزير الشاعر ابي جعفر احمد بن سعيد وفيها وصف الروض ووصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على ماء النهر المفضض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر في الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض فتوحي بالشراب فيمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل فيقول فيها :
ذهبت شمس الأصيل
فضة النهر
أي نهر كالمدامة
صيّر الظل فدامه
نسجته الريح لامه
وثنت للغصن لامه
فهو كالعضب الصقيل
حف بالشـفـــر
مضحكاً ثغر الكمام
مبكــياً جفن الغمام
منطقاً وِرق الحمام
داعــــياً إلى المدام
فلــــهذا بالـــقـــبــــول
خط كالسطـــر
وعد الحب فـــأخــــلــــف
واشتهى المطل وســــوّف
ورســـــــولي قد تعـــــرّف
منـــــــه بما أدري فحرف
بالله قل يارسولي
لش يغب بــــدري
*
كما ان هناك موشحات ظهرت في المديح والفخر والهجاء والرثاء والتصوف والحكمة و كثير من الاغراض اتجاوز عن ذكرها خشية الاطالة .
فالموشح والزجل قد ظهرا في وقت واحد ونرجح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها الاولية فالزَّجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة والزجل فن من فنون الشعر العربي ظهر في الاندلس فهو وليد البيئة الأندلسية ثم تسرب او خرج إلى البيئات العربية الأخرى و انتشر فيها ويعتبر الشاعر أبو بكر بن قزمان الذي عاش في عصر المرابطين بالأندلس هو أول من أبدع في فن الزجل الا انه لم يكن أول من قال فيه ، بل قيلت الأزجال قبله بالأندلس فهناك عدد من شعراء الأندلس من تقدموا أبا بكر ابن قزمان في القول فيه و لكن هؤلاء الشعراء لم يبلغوا ما بلغه ابن قزمان فيه .
فالزجل نشأ أصلا في بيئة أندلسية ثم انطلق منها إلى بيئات عربية أخرى لذا فقيمته الحقيقية تكمن في ما استمده من واقع الحياة الشعبية العامة متمثلا في الجديد من معانيهم و حكمهم و أمثالهم ، و مبتكراتهم وتشبيهاتهم و غيرها من أنواع مجاز الكلام و فيما شاع من مألوف ألفاظهم و صيغهم العامية ،فهو يمثل تصوير لحياتهم العامة بافراحها واتراحها وبجدّها و هزلها و همومها وعلى العموم فهو يعد فن من فنون الادب الشعبي .
والاصل في الزجل انه درجة معينة من درجات شدة الصوت وهي الدرجة الجهرية ذات الجلبة والاصداء مثل صوت الرعد في السحاب او صوت الاحجار والحديد وكل جماد ذي صوت ثم تغيرت فاصبحت تعني اللعب والجلبة والصياح ثم توسع ليشمل اصوات المغنين والمطربين .ومعنى الصوت العالي المُنَغَّم و كلمة زجَّالة ما زالت تُطلق في كثير من المناطق العربية على جماعة الشباب الذين يجتمعون في مكان بعيد ليؤدُّوا الرقص والغناء الصاخب بمصاحبة آلاتهم الموسيقية . واصبحت كلمة زجل في الدوائر الأدبية والغنائية مُصطلحًا يدل على شكل من أشكال النظم العربي .
وينقسم الزجل الى قسمين الاول زجل العامة وهم عامة الناس ويمثل الاغنية الشعبية المحلية وتنبع تلقائيا لديهم من وحدة حدث معـين او حالة يتغنى بها المرء وفتشيع ويرددها الاخرون افرادا او جماعات او قد تحدث خلال تجرية شخصية او من خلال حدث عام فهو بمثابة الاغنية الشعبية الرائعة والاكثر شيوعا وغنائية .
اما الزجل الاخر فهو زجل الشعراء المعربين فيبدو أنه جاء بعد نشأة زجل العامة ، و لعل الشعراء الذين حاولوا اداء هذا النوع من الزجل قبل عصر ابن قزمان كانوا مدفوعين إليه بالرغبة في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة بين الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة أو بالرغبة في أن يعرف لدى العامة معرفتهم لدى الخاصة ، و ذلك بوضع أزجال لهم يتغنون بها و لكن هؤلاء الشعراء المعربين ممن اصطنعوا الزجل اصطناعا لم يستطيعوا في مراحله الأولى أن يتخلصوا فيه من الإعراب، و هذا ما عابه عليهم ابن قزمان حين قال، أنهم يأتون بالإعراب ، و هو أقبح ما يكون في الزجل وقد شهد ابن قزمان للشيخ اخطل بن نماره واعتبره شيخ الزجالين بسبب سهولة زجله وسلاسة طبعه و إشراق معانيه، و ومقدرته على التصرف بأقسام الزجل و قوافيه افضل من غيره .
والزجل في تطوره يمثل الأغنية الشعبية التي تأثرت إلى حدّ ما ببعض أشكال الموشحات وقد شهد الزجل في القرن السادس أي نهاية المرابطين في الأندلس طفرة نوعية وانتشارا واسعا حيث كان بعض ملوك المرابطين لا يتقنون اللغة العربية وانعكست هذه الحالة على شعراء القصائد و الموشحات حيث لم يلقوا تشجيعا من هؤلاء الملوك والامراء فاشتهر الزجل في هذا القرن الا انه لايغيب عن بالنا ان الضعف والوهن اخذ ينخر في هذا المجتمع العربي وبدات تتساقط مدن الاندلس بعد هذا القرن بيد الاسبان واحدة بعد اخرى .
اما موضوات الزجل فهي نفسها اغراض اوفنون الموشحات الاندلسية مثل الغزل والمدح والخمرة ووصف الطبيعة ، و المجون و التصوف و غير ذلك من فنون الشعر التقليدية المعروفة
وبنية الزجل ياتي بأربعة مصاريع، يلتزم الرَّابع منها رويًّا واحدًا في القصيدة، وأمَّا الثَّلاثة فتكون على قافية واحدة،
وتسمَّى ( القراديات ) ومن الزجل هذه المقطوعة :
فلا بثقهم ينسد ولا نهرهم يجري
خلـــو ا منا زلهم وساروا مع الفجر
*
لا تختلف الفنون الشعرية او اغراضها في بلاد الاندلس عن مثيلاتها في المشرق العربي او مغربه في شمال افريقيا الا قليلا وحسب متطلبات الموقع والزمن المعاش وفي كل انواع الشعر كالشعر التقليدي او الموشح او الزجل ومن اشهر الفنون الشعرية الاندلسية هو فن المدح حيث انتقل مع العرب الى تلك البلاد فقد تمجد الشعراء العرب في الاندلس بانفسهم وانسابهم وبالاخص عندما اشتدت المنازعة بين القبائل العدنانية والقحطانية في المشرق وانتقال هذه المنازعة الى الاندلس وانشغال الناس بها في هذا البلد ايضا . ومن اشعر ما قيل في المدْح ما قاله الشاعر لسان الدين بن الخطيب في مدح المعتمد بن عباد في موشح نادر مطلعه :
جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى
يَا زَمَانَ الوَصْلِ بِالأَنْدَلُسِ
لَمْ يَكُنْ وَصْلُكَ إِلاَّ حُلُمًا
فِي الكَرَى أَوْ خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ
وكذلك رائيَّة أبي بكر بن عمَّار في مدح المعتمد بن عباد حيثُ استهلَّها بمدخل رائع لوصف الطبيعة الاندلسية يقول فيه:
أَدِرِ الزُّجَاجَةَ فَالنَّسِيمُ قَدِ انْبَرَى
وَالنَّجْمُ قَدْ صَرَفَ العِنَانَ عَنِ السُّرَى
وَالصُّبْحُ قَدْ أَهْدَى لَنَا كَافُورَهُ
لَمَّا اسْتَرَدَّ اللَّيْلُ مِنَّا العَنْبَرَا
ثم ينتقل بعد وصْف الطبيعة إلى مدح الامير المعتمد قائلاً:
أَثْمَرْتَ رُمْحَكَ مِنْ رُؤُوسِ مُلُوكَهُمْ
لَمَّا رَأَيْتَ الغُصْنَ يُعْشَقُ مُثْمِرَا
وَصَبَغْتَ دِرْعَكَ مِنْ دِمَاءِ مُلُوكِهِمْ
لَمَّا رَأَيْتَ الحُسْنَ يُلْبَسُ أَحْمَرَا
وَإِلَيْكَهَا كَالرَّوْضِ زَارَتْهُ الصَّبَا
وَحَنَا عَلَيْهِ الطَّلُّ حَتَّى نَوَّرَا
اما الهجاء فلَم تكُن له سوق رائجة في بلاد الأندلس ولا سيما الهجاء السياسي وذلِك لقلَّة الأحزاب السياسيَّة وعدم وجود الشعوبية وقد تميز عند بعض شُعَراء الأندلس بالتطرُّف والقسْوة،فهذا ابن حزمون مثلاً حين هجا نفسَه هجاها بقسوة لامثيل لها ويذكرني بهجاء الحطيئة لنفسه ويقول في ذلك :
تَأَمَّلْتُ فِي المِرْآةِ وَجْهِي فَخِلْتُهُ
كَوَجْهِ عَجُوزٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى اللَّهْوِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَهْجُو تَأَمَّلْ خَلِيقَتِي
فَإِنَّ بِهَا مَا قَدْ أَرَدْتَ مِنَ الهَجْوِ
والغزل كان من اهم الفنون الشعرية التي توسعت في الاندلس وقال فيه الشعراء الكثير الكثير من الشعر وكان يؤثر على الشعراء الطبيعة الجميلة والحياة الناعمة وغالبا ما يتداخل الغزل بوصف الطبيعة كقول الشاعر ابي الربيع الموحدى:
لِرَكْبٍ أَدْلَجُوا بِسُحَيْرَةٍ
قِفُوا سَاعَةً حَتَّى أَزُورَ رِكَابَهَا
وَأَمْلأَ عَيْنِي مِنْ مَحَاسِنِ وَجْهِهَا
وَأَشْكُو إِلَيْهَا إِنْ أَطَالَتْ عِتَابَهاَ
و يمتاز الغزل الاندلسي برقة الاسلوب وجمال المعنى وقد انشد او اشعر فيه اغلب بل كل الشعراء العرب في الاندلس وتفننوا فيه وكانت المرأة صورة من محاسن الطبيعة، والطبيعة تجد في المرأة ظلها وجمالها، ولذا كانت الحبيبة روضاً وجنةً وشمساً، وهكذا كانت العلاقة شديدة بين جمال المرأة وبين جمال الطبيعة فلا تُذكر المرأة إلا وتُذكر الطبيعة في وصف الحبيب ووصف لوعات الشعراء وهواهم اليه
ومن شعر ابن زيدون في الغزل مخاطبا حبيبته ولادة ابنة الخليفة المستكفي يقول :
اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
والافق طلق ووجه الارض قد را قا
يوم كايام لذات لنا انصرمت
بتنا لها حين نام الد هر سراقا
اما الرثاء فقد قلد شعراء الاندلس شعراء المشرق فيه وتفجعوا على الميت ووصفوا المصيبة الواقعة وعددوا مناقب المرثي ومن ذلك قول الشاعر ابن حزمون في رثاء ( ابي الحملات ) قائد الاعنة في مدينة ( بلنسية ) وقد قتله نصارى ا لاسبان :
يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا … النَّيِّرَا اللامِعْ
وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا … كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ
وقد تميز الرثاء بشدة لوعته وصدق العاطفة فيه ومنه قول الشاعر الحصري في رثاء ابيه:
ارى نير الايام بعد ما اظلما
وبنيان مجدي يوم مت تهدما
وجسمي الذي ابلاه فقدك ان اكن
رحلت به فالقلب عندك خيما
سقى الله غيثا من تعمد وقفة
بقبرك ما استسقى له وترجما
وقال سلام والثواب جزا ء من
أ لم على قبر الغريب فسلما
كما وجد نوع اخر من الرثاء هو رثاء الممالك والمدن الذَّاهِبة، فكان أكثر روْعة من رثاء الشُّعراء في المشرق فقد هالَ الشعراء ان يَرَوا ديارَهم تسقط بلدة بعد أُخْرى في أيدي الأسبان فبكَوْها بكاء الثَّكالى وتفجعوا عليها تفجع من فقد اولاده ومن احبهم ومن أشهر ما قيل في هذا الضَّرب من الرثاء ( راجع مقالتي رثاء الاندلس ) قصيدةُ أبي البقاء الرندي التي يرْثِي فيها الأندلس بأسرها، ومطلعها:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
ومنها هذه الابيات يقول :
دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ
فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً)
وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّانُ)
وأيـن (قُـرطبة)ٌ دارُ الـعلوم فكم
مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ
قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ
اما الوصف وما ادراك ما الوصف في بلاد الاندلس فقد توسع شعراء العربية في الاندلس فيه وتاثروا بطبيعة البلاد الخصبة الخضراء الجميلة الموارد .. ومناظرها الفاتنة الساحرة بين الجبال العالية والوديان الفارهة الغناء الوارفة الظلال روعة وجمالا تلك التي تفتح النفوس لتتيه الارواح سادرة في ظلالها و لتغني القلوب فتطرب الافئدة وتغني لتشنف الاذان بالحانها وتحدق العيون بروعتها بسناء ازاهيرها فتطيرالقلوب فيها كالفراشات الملونة فتمتلىء بنور الحب واشراق الزهر وعبق الشذى وخفة النسيم وتفننوا في الوصف و تعلّق الشاعر الأندلسي ببيئته الطبيعية وهيامه بها هياماً مبالغا ً بلغ حدّ الحلول، إذ إن الطبيعة شكّلت حضوراً في معظم إبداعاته الفنيّة حتى تشظّى معجمها في مختلف الفنون وبلغ هذا التمازح بين الشاعر والطبيعة مرتبة التشخيص ويعد وصف الطبيعة الا ندلسية من جيد الوصوف الشعرية في اللغة العربية وروعتها
منها قول الشاعر ابن خفاجة يصف روضة :-
في روضة جنح الدجى ظل بها
وتجسمت نو را بها الانوا ر
قام الغناء بها وقد نضح الندى
وجه الثرى واسيتيقظ النوا ر
والماء في حلي الحباب مقلد
زرت عليه جيوبها الاشجا ر
وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها
ريحٌ تلفّ فروعـها معـطار
عاطـى بها الصهباءَ أحوى أحورٌ
سَحّابُ أذيال السّـُرى سحّار
والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ
والجذعُ زَندٌ والخـليج سوار
بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها
وتطـلعت شَنَبا بها الأنـوار
رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى
وشـدا الحمامُ وصَفَّق التيار
غَنّاء ألحَـفَ عِطفَـها الوَرَقُ النّدي
والتـفّ في جَنباتها النـوّارُ
فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ
من كل غُصـنٍ صَفحةٌ وعِذارُ
وهناك اغراض اخرى غير هذه الاغراض اذ قال الشعراء في الخمرة كثيرا و في الزهد وفي نظم الملاحم والاحداث والقصص وفي كل ما وقعت عليه اعين الشعراء وهاموا به في هذه الارض ذات الطبيعة الخصبة ذات الرياض الرائعة التي لم ير العرب اجمل منها في بلادهم عامة
.
امير البيــــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق – ديالى – بلـــــد روز
أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجــــــــد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهـــــد
دن بالهــــوى شرعاً
ما عشـــت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطـــــق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح
أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الــــــــــــورد
حفــا بصــدغي آس
يلويهــــمــا الخـــــــد
اما موشحات وصف الطبيعة الاندلسية الرائعة الخلابة فمن افضلها موشح الوزير الشاعر ابي جعفر احمد بن سعيد وفيها وصف الروض ووصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على ماء النهر المفضض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر في الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض فتوحي بالشراب فيمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل فيقول فيها :
ذهبت شمس الأصيل
فضة النهر
أي نهر كالمدامة
صيّر الظل فدامه
نسجته الريح لامه
وثنت للغصن لامه
فهو كالعضب الصقيل
حف بالشـفـــر
مضحكاً ثغر الكمام
مبكــياً جفن الغمام
منطقاً وِرق الحمام
داعــــياً إلى المدام
فلــــهذا بالـــقـــبــــول
خط كالسطـــر
وعد الحب فـــأخــــلــــف
واشتهى المطل وســــوّف
ورســـــــولي قد تعـــــرّف
منـــــــه بما أدري فحرف
بالله قل يارسولي
لش يغب بــــدري
*
كما ان هناك موشحات ظهرت في المديح والفخر والهجاء والرثاء والتصوف والحكمة و كثير من الاغراض اتجاوز عن ذكرها خشية الاطالة .
فالموشح والزجل قد ظهرا في وقت واحد ونرجح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها الاولية فالزَّجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة والزجل فن من فنون الشعر العربي ظهر في الاندلس فهو وليد البيئة الأندلسية ثم تسرب او خرج إلى البيئات العربية الأخرى و انتشر فيها ويعتبر الشاعر أبو بكر بن قزمان الذي عاش في عصر المرابطين بالأندلس هو أول من أبدع في فن الزجل الا انه لم يكن أول من قال فيه ، بل قيلت الأزجال قبله بالأندلس فهناك عدد من شعراء الأندلس من تقدموا أبا بكر ابن قزمان في القول فيه و لكن هؤلاء الشعراء لم يبلغوا ما بلغه ابن قزمان فيه .
فالزجل نشأ أصلا في بيئة أندلسية ثم انطلق منها إلى بيئات عربية أخرى لذا فقيمته الحقيقية تكمن في ما استمده من واقع الحياة الشعبية العامة متمثلا في الجديد من معانيهم و حكمهم و أمثالهم ، و مبتكراتهم وتشبيهاتهم و غيرها من أنواع مجاز الكلام و فيما شاع من مألوف ألفاظهم و صيغهم العامية ،فهو يمثل تصوير لحياتهم العامة بافراحها واتراحها وبجدّها و هزلها و همومها وعلى العموم فهو يعد فن من فنون الادب الشعبي .
والاصل في الزجل انه درجة معينة من درجات شدة الصوت وهي الدرجة الجهرية ذات الجلبة والاصداء مثل صوت الرعد في السحاب او صوت الاحجار والحديد وكل جماد ذي صوت ثم تغيرت فاصبحت تعني اللعب والجلبة والصياح ثم توسع ليشمل اصوات المغنين والمطربين .ومعنى الصوت العالي المُنَغَّم و كلمة زجَّالة ما زالت تُطلق في كثير من المناطق العربية على جماعة الشباب الذين يجتمعون في مكان بعيد ليؤدُّوا الرقص والغناء الصاخب بمصاحبة آلاتهم الموسيقية . واصبحت كلمة زجل في الدوائر الأدبية والغنائية مُصطلحًا يدل على شكل من أشكال النظم العربي .
وينقسم الزجل الى قسمين الاول زجل العامة وهم عامة الناس ويمثل الاغنية الشعبية المحلية وتنبع تلقائيا لديهم من وحدة حدث معـين او حالة يتغنى بها المرء وفتشيع ويرددها الاخرون افرادا او جماعات او قد تحدث خلال تجرية شخصية او من خلال حدث عام فهو بمثابة الاغنية الشعبية الرائعة والاكثر شيوعا وغنائية .
اما الزجل الاخر فهو زجل الشعراء المعربين فيبدو أنه جاء بعد نشأة زجل العامة ، و لعل الشعراء الذين حاولوا اداء هذا النوع من الزجل قبل عصر ابن قزمان كانوا مدفوعين إليه بالرغبة في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة بين الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة أو بالرغبة في أن يعرف لدى العامة معرفتهم لدى الخاصة ، و ذلك بوضع أزجال لهم يتغنون بها و لكن هؤلاء الشعراء المعربين ممن اصطنعوا الزجل اصطناعا لم يستطيعوا في مراحله الأولى أن يتخلصوا فيه من الإعراب، و هذا ما عابه عليهم ابن قزمان حين قال، أنهم يأتون بالإعراب ، و هو أقبح ما يكون في الزجل وقد شهد ابن قزمان للشيخ اخطل بن نماره واعتبره شيخ الزجالين بسبب سهولة زجله وسلاسة طبعه و إشراق معانيه، و ومقدرته على التصرف بأقسام الزجل و قوافيه افضل من غيره .
والزجل في تطوره يمثل الأغنية الشعبية التي تأثرت إلى حدّ ما ببعض أشكال الموشحات وقد شهد الزجل في القرن السادس أي نهاية المرابطين في الأندلس طفرة نوعية وانتشارا واسعا حيث كان بعض ملوك المرابطين لا يتقنون اللغة العربية وانعكست هذه الحالة على شعراء القصائد و الموشحات حيث لم يلقوا تشجيعا من هؤلاء الملوك والامراء فاشتهر الزجل في هذا القرن الا انه لايغيب عن بالنا ان الضعف والوهن اخذ ينخر في هذا المجتمع العربي وبدات تتساقط مدن الاندلس بعد هذا القرن بيد الاسبان واحدة بعد اخرى .
اما موضوات الزجل فهي نفسها اغراض اوفنون الموشحات الاندلسية مثل الغزل والمدح والخمرة ووصف الطبيعة ، و المجون و التصوف و غير ذلك من فنون الشعر التقليدية المعروفة
وبنية الزجل ياتي بأربعة مصاريع، يلتزم الرَّابع منها رويًّا واحدًا في القصيدة، وأمَّا الثَّلاثة فتكون على قافية واحدة،
وتسمَّى ( القراديات ) ومن الزجل هذه المقطوعة :
فلا بثقهم ينسد ولا نهرهم يجري
خلـــو ا منا زلهم وساروا مع الفجر
*
لا تختلف الفنون الشعرية او اغراضها في بلاد الاندلس عن مثيلاتها في المشرق العربي او مغربه في شمال افريقيا الا قليلا وحسب متطلبات الموقع والزمن المعاش وفي كل انواع الشعر كالشعر التقليدي او الموشح او الزجل ومن اشهر الفنون الشعرية الاندلسية هو فن المدح حيث انتقل مع العرب الى تلك البلاد فقد تمجد الشعراء العرب في الاندلس بانفسهم وانسابهم وبالاخص عندما اشتدت المنازعة بين القبائل العدنانية والقحطانية في المشرق وانتقال هذه المنازعة الى الاندلس وانشغال الناس بها في هذا البلد ايضا . ومن اشعر ما قيل في المدْح ما قاله الشاعر لسان الدين بن الخطيب في مدح المعتمد بن عباد في موشح نادر مطلعه :
جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى
يَا زَمَانَ الوَصْلِ بِالأَنْدَلُسِ
لَمْ يَكُنْ وَصْلُكَ إِلاَّ حُلُمًا
فِي الكَرَى أَوْ خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ
وكذلك رائيَّة أبي بكر بن عمَّار في مدح المعتمد بن عباد حيثُ استهلَّها بمدخل رائع لوصف الطبيعة الاندلسية يقول فيه:
أَدِرِ الزُّجَاجَةَ فَالنَّسِيمُ قَدِ انْبَرَى
وَالنَّجْمُ قَدْ صَرَفَ العِنَانَ عَنِ السُّرَى
وَالصُّبْحُ قَدْ أَهْدَى لَنَا كَافُورَهُ
لَمَّا اسْتَرَدَّ اللَّيْلُ مِنَّا العَنْبَرَا
ثم ينتقل بعد وصْف الطبيعة إلى مدح الامير المعتمد قائلاً:
أَثْمَرْتَ رُمْحَكَ مِنْ رُؤُوسِ مُلُوكَهُمْ
لَمَّا رَأَيْتَ الغُصْنَ يُعْشَقُ مُثْمِرَا
وَصَبَغْتَ دِرْعَكَ مِنْ دِمَاءِ مُلُوكِهِمْ
لَمَّا رَأَيْتَ الحُسْنَ يُلْبَسُ أَحْمَرَا
وَإِلَيْكَهَا كَالرَّوْضِ زَارَتْهُ الصَّبَا
وَحَنَا عَلَيْهِ الطَّلُّ حَتَّى نَوَّرَا
اما الهجاء فلَم تكُن له سوق رائجة في بلاد الأندلس ولا سيما الهجاء السياسي وذلِك لقلَّة الأحزاب السياسيَّة وعدم وجود الشعوبية وقد تميز عند بعض شُعَراء الأندلس بالتطرُّف والقسْوة،فهذا ابن حزمون مثلاً حين هجا نفسَه هجاها بقسوة لامثيل لها ويذكرني بهجاء الحطيئة لنفسه ويقول في ذلك :
تَأَمَّلْتُ فِي المِرْآةِ وَجْهِي فَخِلْتُهُ
كَوَجْهِ عَجُوزٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى اللَّهْوِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَهْجُو تَأَمَّلْ خَلِيقَتِي
فَإِنَّ بِهَا مَا قَدْ أَرَدْتَ مِنَ الهَجْوِ
والغزل كان من اهم الفنون الشعرية التي توسعت في الاندلس وقال فيه الشعراء الكثير الكثير من الشعر وكان يؤثر على الشعراء الطبيعة الجميلة والحياة الناعمة وغالبا ما يتداخل الغزل بوصف الطبيعة كقول الشاعر ابي الربيع الموحدى:
لِرَكْبٍ أَدْلَجُوا بِسُحَيْرَةٍ
قِفُوا سَاعَةً حَتَّى أَزُورَ رِكَابَهَا
وَأَمْلأَ عَيْنِي مِنْ مَحَاسِنِ وَجْهِهَا
وَأَشْكُو إِلَيْهَا إِنْ أَطَالَتْ عِتَابَهاَ
و يمتاز الغزل الاندلسي برقة الاسلوب وجمال المعنى وقد انشد او اشعر فيه اغلب بل كل الشعراء العرب في الاندلس وتفننوا فيه وكانت المرأة صورة من محاسن الطبيعة، والطبيعة تجد في المرأة ظلها وجمالها، ولذا كانت الحبيبة روضاً وجنةً وشمساً، وهكذا كانت العلاقة شديدة بين جمال المرأة وبين جمال الطبيعة فلا تُذكر المرأة إلا وتُذكر الطبيعة في وصف الحبيب ووصف لوعات الشعراء وهواهم اليه
ومن شعر ابن زيدون في الغزل مخاطبا حبيبته ولادة ابنة الخليفة المستكفي يقول :
اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
والافق طلق ووجه الارض قد را قا
يوم كايام لذات لنا انصرمت
بتنا لها حين نام الد هر سراقا
اما الرثاء فقد قلد شعراء الاندلس شعراء المشرق فيه وتفجعوا على الميت ووصفوا المصيبة الواقعة وعددوا مناقب المرثي ومن ذلك قول الشاعر ابن حزمون في رثاء ( ابي الحملات ) قائد الاعنة في مدينة ( بلنسية ) وقد قتله نصارى ا لاسبان :
يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا … النَّيِّرَا اللامِعْ
وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا … كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ
وقد تميز الرثاء بشدة لوعته وصدق العاطفة فيه ومنه قول الشاعر الحصري في رثاء ابيه:
ارى نير الايام بعد ما اظلما
وبنيان مجدي يوم مت تهدما
وجسمي الذي ابلاه فقدك ان اكن
رحلت به فالقلب عندك خيما
سقى الله غيثا من تعمد وقفة
بقبرك ما استسقى له وترجما
وقال سلام والثواب جزا ء من
أ لم على قبر الغريب فسلما
كما وجد نوع اخر من الرثاء هو رثاء الممالك والمدن الذَّاهِبة، فكان أكثر روْعة من رثاء الشُّعراء في المشرق فقد هالَ الشعراء ان يَرَوا ديارَهم تسقط بلدة بعد أُخْرى في أيدي الأسبان فبكَوْها بكاء الثَّكالى وتفجعوا عليها تفجع من فقد اولاده ومن احبهم ومن أشهر ما قيل في هذا الضَّرب من الرثاء ( راجع مقالتي رثاء الاندلس ) قصيدةُ أبي البقاء الرندي التي يرْثِي فيها الأندلس بأسرها، ومطلعها:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
ومنها هذه الابيات يقول :
دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ
فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً)
وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّانُ)
وأيـن (قُـرطبة)ٌ دارُ الـعلوم فكم
مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ
قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ
اما الوصف وما ادراك ما الوصف في بلاد الاندلس فقد توسع شعراء العربية في الاندلس فيه وتاثروا بطبيعة البلاد الخصبة الخضراء الجميلة الموارد .. ومناظرها الفاتنة الساحرة بين الجبال العالية والوديان الفارهة الغناء الوارفة الظلال روعة وجمالا تلك التي تفتح النفوس لتتيه الارواح سادرة في ظلالها و لتغني القلوب فتطرب الافئدة وتغني لتشنف الاذان بالحانها وتحدق العيون بروعتها بسناء ازاهيرها فتطيرالقلوب فيها كالفراشات الملونة فتمتلىء بنور الحب واشراق الزهر وعبق الشذى وخفة النسيم وتفننوا في الوصف و تعلّق الشاعر الأندلسي ببيئته الطبيعية وهيامه بها هياماً مبالغا ً بلغ حدّ الحلول، إذ إن الطبيعة شكّلت حضوراً في معظم إبداعاته الفنيّة حتى تشظّى معجمها في مختلف الفنون وبلغ هذا التمازح بين الشاعر والطبيعة مرتبة التشخيص ويعد وصف الطبيعة الا ندلسية من جيد الوصوف الشعرية في اللغة العربية وروعتها
منها قول الشاعر ابن خفاجة يصف روضة :-
في روضة جنح الدجى ظل بها
وتجسمت نو را بها الانوا ر
قام الغناء بها وقد نضح الندى
وجه الثرى واسيتيقظ النوا ر
والماء في حلي الحباب مقلد
زرت عليه جيوبها الاشجا ر
وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها
ريحٌ تلفّ فروعـها معـطار
عاطـى بها الصهباءَ أحوى أحورٌ
سَحّابُ أذيال السّـُرى سحّار
والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ
والجذعُ زَندٌ والخـليج سوار
بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها
وتطـلعت شَنَبا بها الأنـوار
رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى
وشـدا الحمامُ وصَفَّق التيار
غَنّاء ألحَـفَ عِطفَـها الوَرَقُ النّدي
والتـفّ في جَنباتها النـوّارُ
فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ
من كل غُصـنٍ صَفحةٌ وعِذارُ
وهناك اغراض اخرى غير هذه الاغراض اذ قال الشعراء في الخمرة كثيرا و في الزهد وفي نظم الملاحم والاحداث والقصص وفي كل ما وقعت عليه اعين الشعراء وهاموا به في هذه الارض ذات الطبيعة الخصبة ذات الرياض الرائعة التي لم ير العرب اجمل منها في بلادهم عامة
.
امير البيــــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق – ديالى – بلـــــد روز
الشعر العربي في بلاد الاندلس (القسم السادس-الاخير) بقلم: د. فالح الكيــــلاني - الناقد العراقي
إشارة : أمام هذا النشاط الدؤوب والعطاء الإبداعي الغزير والثر للمبدع الشاعر والناقد والباحث العراقي الدكتور “فالح الكيلاني” ، لا يسع المرء إلا أن ينحني احتراما وتقديرا وتبجيلا له. تتمنى أسرة موقع الناقد العراقي لأستاذنا الفذّ الصحة الدائمة والابداع المتجدد ليبقى علما خفاقا في سماء الثقافة...
www.alnaked-aliraqi.net