منصور الصويّم - عبدالغني كرم الله..

من قرأ نصا للروائي والقاص عبد الغني كرم الله، سيدرك فورا أنه أمام قلب إنسانوي كبير يتخذ من السرد أسلوبا لإيصال محبته وطيبته وموقفه الإنساني من العالم. ومن استمع ولو لمدة نصف ساعة لعبدالغني كرم الله وهو يتحدث سيدرك فورا أنه أمام مثثقف نادر، وعقل نقدي جبار، ولسان صوفي جميل، وقدرة عجيبة على الحكي وتلطيف الكلام وتهذيبه وتقديمه في أبهى صوره. ولكونه قلب كبير، وعقل رزين، وثقافة موسوعية، وضع عبدالغني كرم الله "أطفالنا" نصب عينيه وتوجه إليهم في كثير من مشاريعه الإبداعية والجمالية، فهو سارد قصص الأطفال المطعمة بالحكم والاستنارة، وهو رسام رسوم الأطفال الموحي الفنان، وهو الممثل والدرامي والسينمائي الحكاء.. لذا يحبه الأطفال ونحبه نحن أيضا.

في روايته الشهيرة "آلام ظهر حادة"، يستنطق الكاتب عبدالغني كرم الله "حذاء" ما ويحوله إلى راوٍ أساسي عن طريقه نتوصل إلى تفاصيل حياة كاملة خاضها هذا الحذاء في مسيرته في رحلته مع الحياة وبحثه المستمر عن الحرية وعكس صور وأشكال أزماته وطرائق احتجاجه، وكل شيء مرّ به مرصود بدقة إبداعية محببة وقريبة إلى النفس. عن هذه الرواية يقول "كرم الله": "أحببت أن أصور أسئلة وآلام الشباب ورؤيتهم وتخيلهم ومعايشتهم لتعنت الحاضر والماضي وجبروته". ويضيف "أن هذا الحذاء في حراكه يبحث عن الحرية، وهو يمشي عبر قدم بشرية قد لا توافقه في أحلامه وطموحاته، بل قد تقف عائقا أمام انعتاقه من القدم".

وكرم الله لا يجعل من الجماد بطلا لأعماله فقط، إذ نجده في إحدى أشهر قصصه يجعل "حمارا" بطلا لهذه القصة، يتحاور معه ويقدمه كحامل فكرة ورؤية حقيقية أمام هذا العالم المتبدل المتحرك، أو كما يظهر في قصة " حمار الواعظ" المنشورة ضمن مجموعته "آلام ظهر حادة".

هكذا، عبد الغني كرم الله في كل نصوصه يتحاور مع جميع المخلوقات ويجعل منها أيقونات تعكس قيم الحرية والجمال والتسامح، ستلاحظ هذا في روايته "القلب الخشبي"، التي سنكتشف بعد الغوص في عوالمها المدهشة أنها تقدم سيرة "دولاب خشبي"، صورة رمزية غنية، تنقل لنا مسيرة حياة كاملة عبرها هذا الدولاب – القلب.

شارك عبدالغني كرم الله، في مظاهرات "الغضب والخبز" يوم الثلاثاء الماضي، فشخص مثله لا يمكنه التواري عن مثل هذا النداء، فالحرية مطلبه وحياة الناس أمله وهمومهم أولى همومه. ولأنه شفيف وصادق كان في المقدمة فاعتقلته أدوات النظام القامعة، وإلى الآن لم يطلق سراحه رغما عن إطلاق سراح مئات المعتقلين ممن اعتقلوا معه سويا.

هذا مبدع كبير، وفنان نادر وقيمة ثقافية لا يستهان بها. مكانه الطبيعي منصات التكريم والتتويج لا زنازين السجن.

أطلقوا سراح عبدالغني كرم الله، أطلقوا سراح الفكر والخيال والمحبة.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...