عدي المختار - مسلسل (الزعيمان): اقتحام ليبي متوقع للدراما العربية

لم يصلنا من ليبيا على مدى الاجيال, غير الفلم السينمائي الملحمي (أسد الصحراء - Lion of the Desert)‏ والذي سميت النسخة العربية منه باسم (عمر المختار) سيناريو هاري كريج واخراج المخرج السوري مصطفى العقاد عام 1981, بطولة أنتوني كوين وانتاج الحكومة الليبية انذاك والذي يتحدث عن بطولة المقاوم الليبي العربي عمر المختار، في ليبيا ابان الاحتلال الايطالي لها. وبلغت ميزانيته حوالي 35 مليون دولار أمريكي، وقد اشترك في الفيلم ما يقارب 250 ممثلاً، من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان ويوغسلافيا وأسبانيا ومالطا ومصر ولبنان وتونس والسودان وليبيا وسيرلنكا، بالإضافة إلى أكثر من 5000 من الممثلين المساعدين, وهذا العمل جعل ليبيا على خارطة اهتمام المتفرج عربياً في حينها. ومنه تعرف المتفرج العربي الى الكثير عن المجتمع الليبي ايام الاحتلال الايطالي, الا ان هذا الفلم الذي لم يصنع وقتها بايادي ليبية، لم يسعف الفن الليبي ليتصدر الواجهة الفنية العربية وبقيت السينما والدراما الليبية، حبيسة اهلها، ولربما الباحثين عن عوالم اخرى من المهتمين.

في عام 2016 حاز فيلم (العشوائي) اخراج المخرج الليبي اسامة رزق على المركز الاول، كأفضل فلم روائي في مهرجان المقاومة السينمائي الدولي، الذي كنت اتولى ادارته في محافظة ميسان، وكان بمثابة صدمة بالنسبة لنا، ليس الفوز طبعا، بل الفلم وما طرح فيه من جرأة لليبيا مابعد القذافي. والمعالجة الدرامية المبهرة وايضا ما تميز به من لغة بصرية جمالية ورؤية اخراجية محترفة كانت تنبئ بولادة مخرج سيكون له شأن كبير في الدراما العربية.

في رمضان 2020 اطلت علينا ليبيا بفتح درامي يستحق المشاهدة تمثل بمسلسل (الزعيمان) تأليف عزة شلبي وأحمد نبيل, واخراج اسامة رزق، انتاج المنتج وليد اللافي، لصالح قناة سلام الليبية، وبمشاركة مجموعة من النجوم العرب من (ليبيا – الأردن – سوريا – تونس – المغرب – الجزائر). وتتناول حقبة تاريخية مهمة من حياة الليبيين، ابان حياة سليمان الباروني وبشير السعداوي في الفترة من سنة 1887 حتى سنة 1923.

ما يميز العمل اثنان: الخط الدرامي للنص، والاخراج؛ فالنص الذي اتخذ منحى السرد الدرامي على لسان ما يطلق عليها الليبيين ببنت الوطن السيدة (زعيمة الباروني) التي جسدت دورها الفنانة نادرة عمران، والتي من ظلال شخصيتها جاء التوغل الدرامي لأهم الأحداث في تاريخ النضال الليبي ضد الاحتلال الايطالي ومساهمة الزعيمين مع باقي الزعماء الليبيين في جمع كلمة الناس، لتوحيد الصفوف لتحقيق الاستقلال. في التفاتة تاريخية مهمة لتسويق قادة وزعماء غيبهم التاريخ العربي وكانوا عند الليبيين لا يقلون اهمية عن حركة ومقاومة المجاهد (عمر المختار), فضلا عن ان هذا العمل يريد بطريقة غير مباشرة، تذكير الليبيين بوحدة كلمتهم وزمنهم الجميل وعدم تفرقهم انذاك الذي تحقق بفضله النصر.

انه يريد ان يشحن الروح الليبية ويوقظ فيها روح ليبيا الوطن للجميع بلا فرقة او نزعات؛ فحقق المسلسل ما يريد بتسويق ابطال وزعماء غيبهم التاريخ وكذلك وحد الليبيين، امام شاشة واحدة اسمها شاشة وطن، وذلك حسب نسبة المشاهدة التي حققها المسلسل، من قبل ابناء الوطن الواحد انفسهم والمشاهدة العربية كذلك. وكم نحن بأمس الحاجة لمثل هكذا اهداف درامية نبيلة، تلملم شتاتنا الضائع.

والاهم من كل هذا، أن المسلسل حقق شراكة درامية عربية من خلال النجوم العرب الذين استعان بهم في تجسيد الادوار في حركة ذكية اخرى لتسويق الدراما الليبية عربيا، من خلال استغلال جمهور هؤلاء النجوم, وما يحسب للعمل استخدم اللغة العربية المبسطة مع بعض مفردات اللهجة الليبية، لضمان وصول العمل لكل المتفرجين في العالم العربي.

عند مشاهدة حلقات المسلسل، تشعر بفخامة الايقاع ورشد الصورة واحترافيتها وانسيابية البناء الدرامي، وذكاء كتابه في طرح الموضوعة التاريخية بحرفية عالية، نصياً دون رتابة او ملل او خلط ما بين حس الدراما وجلدة الوثيقة، بل تشاهد عملا دراميا تمت كتابته بعناية فائقة. وجسّد ادواره الممثلون بوعي تام لهذه الشخصيات, وتم اخراجه بشكل يليق بعين المتفرج العربي، الذي لا يتسمر امام اي شاشة، ما لم يكن منتجها احترافيا، يحترم عقله وفكره ويتعامل معه بذكاء.

استطاع مسلسل (الزعيمان) ان يسوق ذاته وبيئته واهله وتاريخه بطريقة درامية ذكية، وفي اعلى درجات الاحتراف, فالمخرج اسامة الرزق، حدد خطوات نجاحه في وقت مبكر من دخوله هذا العالم، حتى استطاع وبجدارة ان يقتحم الدراما العربية، ويسوق دراما بلده للاخر، بوعي ومسؤولية. هذا هو حال البلد حينما يؤمن بقدرات شبابه بالتأكيد تكون هذه النتائج .. فمبارك لليبيا هذا التوهج الدرامي الذي صنعه الشباب.. ومبارك لليبيا صناع الدراما فيها، المنتمين للجمال الدرامي حد اللعنة.. ومبارك لليبيا باسامة رزق وفريقه المحترف, فشبابنا المبدع قادر على تغيير المعادلة دائماً.




- عدي المختار* كاتب ومخرج عراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى