يعد مساق الأدب المقارن مساقا طارئا على كثير من أقسام اللغة العربية ، فلا أذكر أنني درسته في مرحلتي البكالوريوس والماجستير في الجامعة الأردنية ، ولا أذكر أنه كان يطرح أصلا ، فالمساق يتطلب إتقان الطالب لغتين ؛ لغته الأم ولغة أجنبية ، وهذا ما لا يتيسر لطلاب قسم اللغة العربية في الجامعات العربية إلا ما ندر .
وحين عينت في قسم اللغة العربية لم يكن المساق يطرح في القسم ، علما بأن مساق اللغة العبرية يعلم منذ تأسيس الجامعة ، وإن كان ما يعلم على مدار فصلين لا يكفي لقراءة نص أدبي يتجاوز خمس صفحات ، وأكتب هذا عن تجربة ، فقد واظبت على تعلم العبرية لفصلين كاملين مكررين ، عدا جهودي الذاتية المتمثلة في متابعة التلفاز الإسرائيلي وما كان يعرضه من أفلام عربية كل يوم جمعة مترجمة إلى العبرية .
عندما حصلت على منحة الدكتوراه عرفت المستشرقة الألمانية ( انجليكا نويفرت ) على زميلي في القسم معلم اللغة العبرية ، وساعدته في الحصول على منحة ، مع أنه يحمل جوائز السفر الإسرائيلي ، وقد حصل على إجازة من الجامعة لمدة ثلاث سنوات ليدرس الأدب المقارن ، فيعود إلى الجامعة أستاذا لهذا التخصص .
كتب زميلي أطروحته في الترجمة من العربية إلى العبرية ومن العبرية إلى العربية ، وعاد إلى وظيفته .
في هذه الأثناء صار القسم يطرح مساق الأدب المقارن ، وقد أوكل مهمة تدريسه لصاحب التخصص ، والطريف أنه ما استمر في تدريسه لأكثر من ثلاثة فصول ؛ درسه فصلين لطلبة البكالولوريوس ومرة ، إن لم تخني الذاكرة ، لطلبة الدراسات العليا ، ولسوء حظه أو لحسن حظه أن انتفاضة الأقصى كانت في ذروتها ، ما جعل تدريس المساق أمرا مشكلا .
إحدى طالبات قسم اللغة العربية ، وقد أشرفت عليها في الماجستير ، قالت لي إننا لم ندرس أكثر من ست محاضرات من أصل خمس عشرة محاضرة ، فالأستاذ ، بسبب الحواجز الإسرائيلية المقامة على الطرق ، لا يتمكن من الحضور ، وعليه فإننا لم ندرس الأدب المقارن .
لا أعرف ما السبب الذي جعل الأستاذ المفترض أنه متخصص في الموضوع يعكف عن تدريس المساق ، فعندما صار القسم يطرح المساق صار تدريسه يعزى إلي ولأستاذ متخصص في الصوفية ولأستاذ الأدب الحديث ، والأخيران ، فيما أعرف ، لا يتقنان أية لغة أجنبية .
عاد الأستاذ المتخصص يعلم اللغة العبرية فقط ، وكفى الله المتخصصين شر التحضير والتثقيف وما شابه .
عندما كنت رئيس قسم اللغة العربية لم تسمح لي الجامعة بتدريس أكثر من ثلاث ساعات إضافية ، وهذا من حقها ، وكنت أتمنى لو التزمت به التزاما صارما ولم تتغير مواقفها بين فترة وأخرى .
مرة احتاج الطلاب إلى مساق اختياري لدراسته فطرح القسم مساق الأدب المقارن ، وعرض تدريسه على المتخصص فاعتذر ، وكان يفترض أن يوكل تدريسه إلي ، فلي غير دراسة في الموضوع ، ولأن إدارة الجامعة في ذلك الوقت كانت حاسمة في تطبيق قراراتها ، فقد أوعزت تدريس المساق لأستاذ لا صلة له في الموضوع نهائيا . وقد يعترض على رأيي أستاذ جامعي واسع الاطلاع ويذكرني بتجربة الدكتور إحسان عباس الذي درس الأدب الأندلسي دون أن يكون كتب شيئا فيه ، وصار بعد ذلك من أبرز ، إن لم يكن أبرز ، المتخصصين فيه .
ذهب الدكتور إحسان عباس ليدرس في جامعة الخرطوم ، وأوعز القسم إليه تدريس مساق الأدب الأندلسي ولم يكن كتب فيه أو درسه وقبل الأمر على مضض ، ثم جد واجتهد وكتب وحقق وصار ما صار إليه في هذا التخصص فعلام أعترض إذن ؟
كنت أتمنى لو سار كثير من الأساتذة الجامعيين على نهج الدكتور عباس ، فأكثر الذين يدرسون مساقات لا تدخل في صلب تخصصهم يدرسون كتابا ولا يتثقفون في الموضوع ، فلا يكتبون أبحاثا ولا يقرأون الجديد من الأبحاث .
عندما درست مساق " الأدب في مصر والشام " ولم يكن في صلب تخصصي لم أترك كتابا في أدب تلك الحقبة وقعت عليه عيني دون أن أشتريه ، وعندما عين القسم زميلا متخصصا في الموضوع أعطيته ما لدي من كتب .
أحد الزملاء درس مرة مساق " النقد الأدبي القديم عند العرب " وهو مساق كنت أدرسه وأنا محاضر قبل أن أسافر للحصول على الدكتوراه ، وظل هذا الأستاذ - رحمه الله - يدرس الكتاب الذي استعاره مني حتى نهاية خدمته .
هل يوجد في جامعاتنا كلها أستاذ واحد على شاكلة الدكتور إحسان عباس ؟
لطالما أعجبت بتجربة هذا الأكاديمي الذي أخذت العلم من كتبه ، فأنا لم أحضر له إلا محاضرة واحدة ألقاها في الجامعة الأردنية قادما من الجامعة الأميركية في بيروت ، ليتحدث عن الوزير المغربي .
عندما انتهى عملي في الجامعة توزعت أكثر المساقات التي أنجزت في موضوعاتها عشرات الأبحاث والكتب ومئات المقالات إلى زملاء صلتهم بالموضوع مثل صلتي باللغة الصينية ، ولم يكن أمامي إلا أن أكرر " كله عند العرب صابون " فالمهم تعبئة الفراغات ولست بنادم .
الخميس
٢١ / ٥ / ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2559836014269952
وحين عينت في قسم اللغة العربية لم يكن المساق يطرح في القسم ، علما بأن مساق اللغة العبرية يعلم منذ تأسيس الجامعة ، وإن كان ما يعلم على مدار فصلين لا يكفي لقراءة نص أدبي يتجاوز خمس صفحات ، وأكتب هذا عن تجربة ، فقد واظبت على تعلم العبرية لفصلين كاملين مكررين ، عدا جهودي الذاتية المتمثلة في متابعة التلفاز الإسرائيلي وما كان يعرضه من أفلام عربية كل يوم جمعة مترجمة إلى العبرية .
عندما حصلت على منحة الدكتوراه عرفت المستشرقة الألمانية ( انجليكا نويفرت ) على زميلي في القسم معلم اللغة العبرية ، وساعدته في الحصول على منحة ، مع أنه يحمل جوائز السفر الإسرائيلي ، وقد حصل على إجازة من الجامعة لمدة ثلاث سنوات ليدرس الأدب المقارن ، فيعود إلى الجامعة أستاذا لهذا التخصص .
كتب زميلي أطروحته في الترجمة من العربية إلى العبرية ومن العبرية إلى العربية ، وعاد إلى وظيفته .
في هذه الأثناء صار القسم يطرح مساق الأدب المقارن ، وقد أوكل مهمة تدريسه لصاحب التخصص ، والطريف أنه ما استمر في تدريسه لأكثر من ثلاثة فصول ؛ درسه فصلين لطلبة البكالولوريوس ومرة ، إن لم تخني الذاكرة ، لطلبة الدراسات العليا ، ولسوء حظه أو لحسن حظه أن انتفاضة الأقصى كانت في ذروتها ، ما جعل تدريس المساق أمرا مشكلا .
إحدى طالبات قسم اللغة العربية ، وقد أشرفت عليها في الماجستير ، قالت لي إننا لم ندرس أكثر من ست محاضرات من أصل خمس عشرة محاضرة ، فالأستاذ ، بسبب الحواجز الإسرائيلية المقامة على الطرق ، لا يتمكن من الحضور ، وعليه فإننا لم ندرس الأدب المقارن .
لا أعرف ما السبب الذي جعل الأستاذ المفترض أنه متخصص في الموضوع يعكف عن تدريس المساق ، فعندما صار القسم يطرح المساق صار تدريسه يعزى إلي ولأستاذ متخصص في الصوفية ولأستاذ الأدب الحديث ، والأخيران ، فيما أعرف ، لا يتقنان أية لغة أجنبية .
عاد الأستاذ المتخصص يعلم اللغة العبرية فقط ، وكفى الله المتخصصين شر التحضير والتثقيف وما شابه .
عندما كنت رئيس قسم اللغة العربية لم تسمح لي الجامعة بتدريس أكثر من ثلاث ساعات إضافية ، وهذا من حقها ، وكنت أتمنى لو التزمت به التزاما صارما ولم تتغير مواقفها بين فترة وأخرى .
مرة احتاج الطلاب إلى مساق اختياري لدراسته فطرح القسم مساق الأدب المقارن ، وعرض تدريسه على المتخصص فاعتذر ، وكان يفترض أن يوكل تدريسه إلي ، فلي غير دراسة في الموضوع ، ولأن إدارة الجامعة في ذلك الوقت كانت حاسمة في تطبيق قراراتها ، فقد أوعزت تدريس المساق لأستاذ لا صلة له في الموضوع نهائيا . وقد يعترض على رأيي أستاذ جامعي واسع الاطلاع ويذكرني بتجربة الدكتور إحسان عباس الذي درس الأدب الأندلسي دون أن يكون كتب شيئا فيه ، وصار بعد ذلك من أبرز ، إن لم يكن أبرز ، المتخصصين فيه .
ذهب الدكتور إحسان عباس ليدرس في جامعة الخرطوم ، وأوعز القسم إليه تدريس مساق الأدب الأندلسي ولم يكن كتب فيه أو درسه وقبل الأمر على مضض ، ثم جد واجتهد وكتب وحقق وصار ما صار إليه في هذا التخصص فعلام أعترض إذن ؟
كنت أتمنى لو سار كثير من الأساتذة الجامعيين على نهج الدكتور عباس ، فأكثر الذين يدرسون مساقات لا تدخل في صلب تخصصهم يدرسون كتابا ولا يتثقفون في الموضوع ، فلا يكتبون أبحاثا ولا يقرأون الجديد من الأبحاث .
عندما درست مساق " الأدب في مصر والشام " ولم يكن في صلب تخصصي لم أترك كتابا في أدب تلك الحقبة وقعت عليه عيني دون أن أشتريه ، وعندما عين القسم زميلا متخصصا في الموضوع أعطيته ما لدي من كتب .
أحد الزملاء درس مرة مساق " النقد الأدبي القديم عند العرب " وهو مساق كنت أدرسه وأنا محاضر قبل أن أسافر للحصول على الدكتوراه ، وظل هذا الأستاذ - رحمه الله - يدرس الكتاب الذي استعاره مني حتى نهاية خدمته .
هل يوجد في جامعاتنا كلها أستاذ واحد على شاكلة الدكتور إحسان عباس ؟
لطالما أعجبت بتجربة هذا الأكاديمي الذي أخذت العلم من كتبه ، فأنا لم أحضر له إلا محاضرة واحدة ألقاها في الجامعة الأردنية قادما من الجامعة الأميركية في بيروت ، ليتحدث عن الوزير المغربي .
عندما انتهى عملي في الجامعة توزعت أكثر المساقات التي أنجزت في موضوعاتها عشرات الأبحاث والكتب ومئات المقالات إلى زملاء صلتهم بالموضوع مثل صلتي باللغة الصينية ، ولم يكن أمامي إلا أن أكرر " كله عند العرب صابون " فالمهم تعبئة الفراغات ولست بنادم .
الخميس
٢١ / ٥ / ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2559836014269952