أ. د. عادل الأسطة - العيد في زمن الكورونا

منذ بداية الالتفات إلى " الكورونا " ، قبل فرض الحجر الصحي ، انشغلت بالكتابة عنها ، فأنجزت ما يقارب ال ٩١ يومية تحت عنوان " الست كورونا " يتبعه عنوان فرعي تتمحور الكتابة حوله أساسا .
التفت بعض القراء إلى ما أنشر وأشاروا إليه ، مثل الأستاذ علي موسى الذي كتب عن كتابة اليوميات في ظل الكورونا ، وذكر ، فلسطينيا ، ثلاثة أسماء هي نبال ثوابتة وابراهيم جوهر وعادل الاسطة ، والتفتت مواقع إلكترونية إلى ما أكتب ، فالأستاذ ناقوس المهدي الذي بشرف على موقع " الانطولوجيا " ( alantologia ) ، وهو من المغرب ، خصص حيزا لأدب الجوائح قديما وحديثا ، والتفت إلى سلسلة كتاباتي وفاجأني بجمعها معا ، وواظب ، وما زال ، على مهمته .
لم يكن موقع " الانطولوجيا " الوحيد الذي التفت إلى أدب الجوائح ، فهناك فضائيات خصته بتقارير وبرامج ومنها فضائية " الجزيرة " التي أطلعت المشاهدين على نماذج منه في العصور السابقة .
ما أخذت أكتبه التفتت إليه مواقع إلكترونية أخرى مثل " روافد Rawafid " / أحمد دلول و " الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام " / كمال الرواغ Kamal Al-rawagh ، وصارتا تنشرانه .
وهناك كتاب أعمدة خصصوا قسما مما يكتبون لتناول الأعمال الأدبية العالمية والعربية التي كتبت في أزمنة الأوبئة أو بعدها ، ومن هؤلاء الكتاب الياس خوري وعبدالله ابراهيم وآخرون ، وقد تناولوا روايات مثل " العمى " الشهيرة ل ( جوزيه ساراماغو ) ورواية " الطاعون " ل ( البير كامو ) و" يوميات سنة الطاعون " ل ( دانيال ديفو ) ومقدمة قصص " الديكاميرون " ل ( بوكاشيو ) وقد أفادتني بعض هذه الأعمال فاتكأت عليها واقتبست منها أو أشرت إليها .
مقالات الكتاب وما كتبته أحيت الأعمال الأدبية العالمية والعربية التي أتت على الأوبئة وأقبل الناشرون على إعادة طباعتها .
لا أتذكر الأعياد كلها التي شهدتها في حياتي منذ طفولتي ، ولكن ثمة أعياد كانت وردية وأخرى كانت محزنة وثالثة ، بخاصة حين أنفقت أربع سنوات في ألمانيا ، لم أعرف فيها للعيد بهجة ما ، وربما عرفت فقط أن هناك عيدا في بلادي ، وإن لم تخني الذاكرة فإن أسوأ أعيادنا ، نحن الفلسطينيين ، كان في العام ١٩٨٢ في أيلول حيث ارتكبت مجزرتا صبرا وشاتيلا .
كيف ستكون الحياة في أيام العيد التي ستكون فيها الحياة معطلة تقريبا بالكامل ؟
المصرح لنا هو الخروج من البيت لأمرين اثنين فقط ؛ شراء الخبز من الأفران وشراء الأدوية من الصيدلية ، ودون ذلك يجب البقاء في البيوت " خليك بالبيت " ، وهذا الشعار هو الذي طغى وساد منذ نهاية آذار حتى بداية آيار .
في العيد سنظل في البيوت ، فلا صلاة عيد في الجوامع للذين يصلون ، ولا صلاة للأقصى الذي هجر تقريبا هجرانا إجباريا ، وهذا أمر نادر الحدوث ، حدث في أثناء الاحتلال الصليبي لبيت المقدس الذي دام تسعين عاما تقريبا ، وفي فترات لاحقة متقطعة .
وفي العيد لن يتمكن كثيرون من زيارة بناتهم وأخواتهم وأنسبائهم و .. و .. و كان الله في عون الخاطبين والخاطبات ممن يقيمون في مدن أو قرى مختلفة .
سيأكل الناس الحلوى في هذا العيد في نطاق أسرتهم النووية لا أسرتهم الممتدة ، وستشعر كثير من الشابات بالأسى والغصة ، فالعيديات لن تأتي وإن أتت فسوف تأتي متأخرة .
لا رحلات في عيد الكورونا خارج المدن ، وتحديدا إلى المناطق السياحية كالغور والباذان ومناطق أخرى .
العيد في زمن الكورونا سيكون أشبه بإقامة جبرية مفروضة على الشعب كله . هل سنتذكر قانون الإقامة الجبرية في زمن الاحتلال وتطبيقه ، منذ العام ١٩٤٨ ، على كثيرين . صالح برانسي ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم وغيرهم وبسام الشكعة وبشير البرغوثي وأكرم هنية وعشرات آخرين ؟
هل هي نقمة أم نعمة ؟ فالكورونا التي ستحرمنا مما سبق ومن أشياء أخرى ستجبرنا على ممارسة المشي ، والمشي من سلوكياتنا أيام الفقر يوم لم نكن نملك سيارات عودتنا على الكسل ، فوجدت السمنة طريقها إلى أجسادنا وتسللت إليها ليصاب القلب بما يصاب به من أوجاع وأمراض .
" لو كان المشي يباع في الصيدليات لاشتراه الناس بالنقود لفوائده " هل الكورونا كلها سيئات إذن ، وكم من شريط فيديو سبح الناطقون به باسم الست كورونا ؟
كيف يمكن أن ألخص تسعين يومية ويومية في ٦٠٠ كلمة تزيد قليلا أو تنقص قليلا .
العيد في زمن الكورونا ذكرني بقصيدة محمود درويش عن الإمبراطور في يوم الأحد ؟ ترى ماذا يفعل السيد جورج بوش الابن في عيده يوم الأحد في زمن الكورونا ؟
" في البيت أجلس ، لا حزينا لا سعيدا
لا أنا ، أو لا أحد

صحف مبعثرة وورد المزهرية لا يذكرني بمن قطفته لي ، فاليوم عطلتنا عن الذكرى ،
وعطلة كل شيء ... إنه يوم الأحد

يوم نرتب فيه مطبخنا وغرفة نومنا ،
كل على حدة ، ونسمع نشرة الأخبار
هادئة ، فلا حرب تشن على بلد

الإمبراطور السعيد يداعب اليوم الكلاب ،
ويشرب الشمبانيا في ملتقى نهدين من
عاج ... ويسبح في الزبد "
وثمة شريط فيديو لمواطن عراقي ، فقد في الحرب أسرته كلها ،
يطلب فيه ، وهو في الكعبة ، من الله أن يأخذ له حقه من أميركا .

نابلس
٢٢ أيار ٢٠٢٠ .




تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
حضور الجائحات والأوبئة والأمراض في الاداب والفنون
المشاهدات
632
آخر تحديث
أعلى