في الايام الاولى لنجاح الثورة الايرانية دارت مساجلة بين الناقد القبطي غالي شكري والكاتبة المصرية صافيناز كاظم. كتب شكري في مجلة الوطن العربي الصادرة في باريس حول ما اعتبره “حرب” الاسلاميين على الفنون. ووجه شكري خطابه الى المثقفين والاعلاميين العرب داعيا اياهم الى “ وقفة” تجاه ما اسماه بموقف الاسلاميين الرافض للفن والفنون. ثم كتبت السيدة صافيناز كاظم في عدد المجلة التالي مقالا بعنوان “ فلتسقط الوثنية ومعها كل الفنون”. اظهرت عواطفها تجاه ثورة الشعب الايراني معتبرة بنفس الوقت ان الموقف من الفن ليس مقياسا للحكم على لحظات التحول الكبرى في تاريخ الامم والشعوب.
لقد تداعت هذه الذكريات في ذهني وانا اشاهد احد ايتام عدي ابن الطاغية صدام الذي ظهر على شاشة احدى الفضائيات متكلما عن “ تحريم” الاسلام للفن. ان جملة تحريم الاسلام للفن الواردة على لسان هذا السيناريست تنطوي على مقدار هائل من الجهل والتعمية. اذ ان اطلاق لفظ الاسلام بالعموم وكذلك لفظ الفنون دليل على جهل المتكلم وان كلامه تعبير عن تشنج شخصي لا اعرف اسبابه. فمن الناحية المنهجية خاض الاسلام في عمره الذي يبتدئ بالوحي المقدس وحتى الساعة تجارب تاريخية متعددة عبرت عن تنوع وثراء الثقافة الاسلامية وكذلك الشعوب التي دخلت رحاب الاسلام. والاسلام اليوم يمتد على رقعة تمثل الكثافة فيها هلالا ممتدا من طنجة حتى كابول. اضافة الى جاليات اسلامية مؤثرة وغنية في تعدد تجاربها في بقية دول العالم خارج هذا الهلال. لقد ابتدا الاسلام في الجزيرة العربية ثم فتح العالم القديم بتجاربه الحضارية وبضمنها الفنون ومرت على الاسلام فترات من الضعف والقوة. كان اخصبها فترة القوة في تخصيب الثقافة الاسلامية بانجازات الحضارات الاوروبية القديمة عن طريق الاندلس. ثم هيمنت على الاسلام الى درجة كبيرة الروح العثمانية والمملوكية حتى بزوغ فجر الدولة الحديثة اواخر القرن الثامن عشر.
ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم تخوض الشعوب الاسلامية تجاربها بنجاحات هنا واخفاقات هناك تعبيرا عن تفاعلها مع الحياة وتوقها الى التحقق الانساني الذي يربط فكرة التوحيد بالسعادة الفردية والجماعية للانسان. وفي كل هذه السياحة في التاريخ والجغرافيا الاسلاميين تباين الموقف من الفنون. على ان الموقف الاكثر جوهرية وتعبيرا عن حقيقة الثقافة الاسلامية هو الاهتمام وحضانة كل ما يمكن ان يؤدي الى سعادة الانسان وتكامله النفسي والبدني والروحي. وياتي الوقف من الفنون تعبيرا عن هذه النقطة المركزية في العقيدة والشريعة الاسلاميتين. اما مسالة التحليل والحرمة فانها تخضع اولا للمنطق العام الذي يحكم اصول العقيدة ثم للاجتهادات التي يراها ممثلو الثقافة والفكر الاسلاميين للتعاطي مع مستجدات الحياة وبضمنها الفنون.
ان الاصل في الاسلام هو الاباحة في نظرته الى التعامل مع الاشياء. فكل ما يمكن ان يعترض الانسان في حاجاته مباح الا في حد الضرر. والضرر ما تقرره العقول الاسلامية في الزمان والمكان المعينين وهذه مسالة تخص القوانين الداخلية لاية ثقافة متماسكة ومعبرة عن صناعة معنى للوجود الاجتماعي والقيمي للانسان والدولة. ولا اريد في هذه العجالة ان أأصل فقهيا لموضوعة الاباحة والضرر لكن من الضروري الاشارة الى ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي يقدم رؤية للعالم تتكامل مع خوض المسلمين تجاربهم الحياتية في مختلف مجالات الحياة. وهذا هو سر قوة وصلابة الاسلام وتمكنه في النفوس وقدرته على البقاء خاتمة للاديان بعد ان استوعبها جميعا سواء بالاعتراف الصريح بها في القرآن الكريم حيث لا يكتمل ايمان المسلم الا باعترافه بالكتب السماوية المقدسة التي سبقت ومهدت للاسلام وبسلسلة الانبياء عليهم السلام الذين جاؤوا وفق معمار الهي للكون يجعل الانسان بمواجهة استحقاقات الاجتماع البشري اخلاقيا “ دينيا” اذ لا انفصال بين الاخلاق والدين على الاطلاق.
ومبدا الاباحة يخص الفنون كما يخص الاطعمة والأشربه وانواع العلاقات الاجتماعية والقانونية للمسلمين ومجتمعاتهم. ويتقرر حد الضرر بمقدار ما تصيبه هذه الفنون من نجاحات في تحقيق التكامل الانساني او العكس. واعتقد ان الراي الذي يطلقه انواع الجهال والسذج حول تحريم الفنون في الاسلام ينطلق اساسا من عقدة النقص الحضاري ازاء الغرب. فمع كامل الاحترام والتقدير للتجربة الغربية في كل مجالات الحياة الا انها تبقى بالنتيجة النهائية تعبيرا عن اخلاقيات الغربيين وطبيعة نظرتهم الى الحياة. ان هذه النظرة ليست ملزمة لجميع الشعوب ولا هي مقدسة للدرجة التي تجعل تعميمها فرضا يعتبر الخروج عليه كفرا بالحداثة او المعاصرة. لقد شهد تاريخ الاسلام تجارب في الفن عبرت عن ثراء وغنى هذه التجربة وتعدد مصادر واسهامات الفنانين المسلمين. حتى ان الشعر نفسه واحد من الفنون التي عبرت عن الفرد “الشاعر” ازاء المجتمع. ورغم التقييدات التي وضعها الاسلام في بداية الدعوة بسبب الحرب التي شنها “ الجهاز” الشعري ضد ثورة الاسلام المسددة بالوحي فقد انطلق الشعر بعد ذلك الى مديات يعلمها الجميع حتى الان. واذا اردنا ان نعدد الفنون التي مارسها المسلمون بما فيها الموسيقى والتي كتب فيها فيلسوف مرموق مثل الفارابي فسوف نعثر على تعدد في هذه المجالات لم تمنعه من الانتشار بعض الاراء الفقهية المغالية. وحتى فن النحت الوثني بقي يشكل في الثقافة الاسلامية تجربة لشعوب عاشت اما بجوار المسلمين او قاسمتهم ظروف الحياة. ومن الادلة المعاصرة على تنوع وتعدد التفكير الاسلامي ازاء قضية الفنون ما حدث في افغانستان عندما قررت حركة طالبان تهديم تماثيل بوذية عملاقة. فغداة اعلان منظمة طالبان “السلفية المغالية” نيتها تفجير هذه التماثيل العملاقة تحركت اوساط المثقفين والمهتمين المسلمين على نطاق واسع. وقد ابدى كثير من هؤلاء المهتمين شجبهم لهذا الفعل الذي اعتبروه ليس حضاريا ولا مدنيا ولا يعبر اصلا عن حضارة المسلمين وتفاعلهم مع الحضارات التي جاورتهم او عاصرت مدنياتهم الكبرى. والاكثر من ذلك قدمت الكثير من الدراسات والبحوث الخاصة بهذا الموضوع رؤية عن تخلف حركة طالبان عن استيعاب تراث الشعوب غير الاسلامية ثم اسلمة هذا التراث او على الاقل إكسابه مضامين توحيدية استنادا الى عمق التدين الفطري المستند الى ما غرزه الله تعالى في نفوس عباده جميعا على توقهم الى خالقهم. ومضت هذه الدراسات الى تاكيد الترابط بين هذه الفنون باعتبارها نتاجا للبحث عن الخالق والخلود في الاخرة وانها جاءت تعبيرا عن هذه الرغبة وان كان ينقصها التوحيد الخالص الذي اكتمل بالوحي المحمدي. وزيادة على ما فات شكلت منظمة المؤتمر الاسلامي وفدا رفيع المستوى من علماء الاسلام يتكون في اغلبه من علماء الازهر وذهبوا كي يفاوضوا منظمة طالبان قبل ان تفجر هذه التماثيل. قدم هذا الوفد ادلة “عقلية ونقلية” على حلية هذه التماثيل وانها ليست تعبيرا عن عبادات وثنية...الخ. طبعا لم ينفع الامر مع هذه المنظمة التكفيرية التي فجرت التماثيل ومعروفة للجميع تفاصيل ما قامت به هذه المنظمة مع الشعب الافغاني حتى سلم قادتها بثمن بخس الى قوات حلف الاطلسي التي اسقطتها بعد احداث 11 ايلول.
ان تحريم الاسلام لبعض الفنون ياتي تعبيرا عن قدرة الاسلام على رؤية الصح من الخطا استنادا اولا الى انظمة الوحي الكلية ثم تجربة المسلمين الاجتهادية ممتزجة بتجاربهم التاريخية. واظن ان المراد بعتاولة الحداثة كي يرضوا عن التشريع الاسلامي ان يبيح هذا التشريع فنون الخلاعة والتسيب الجنسي حتى يقولون ان الاسلام يبيح الفنون فعلا. لقد وصل التشوه في اذهان “مدمني” التجربة الغربية حدا ربطوا به بين حرية الفن واباحة المباذل الجنسية. وتشكل عقدة الانسحاق الحضاري لب الاشكال في نظرة هؤلاء الى موقف الاسلام من الفن. والمعروف ان الفن الياباني ما يزال على حاله في الاستناد الى تراث الشعب الياباني القديم وان الفنان الياباني لم ينسحق تحت وطاة هذه العقدة وبقي محافظا على حدود الروح الياباني في التشكيل والسينما والمسرح والموسيقى وغيرها. ولا تخلو الحياة اليابانية ايضا من دعاة الى التغريب الا انهم لا يشكلون الا نسبة ضئيلة جدا بالقياس الى اليابانيين خارج سطوة معايير الغرب.
ان عنفوان الفن الاسلامي وجدارته بتمثيل امنيات الشعوب وحقها في الحياة والكرامة والسعادة هو في ايفائه لهذه الامنيات دون الحاجة الى مركبات الشعور بالنقص تجاه الغرب ودون الوقوع في الوعظية الساذجة والمباشرة التي تجعل من العمل الفني خطبة “ عصماء” تعطي مجالا لحاخامات الحداثة الغربية من العرب والعراقيين فسحة من الحديث عن عداء وهمي بين الاسلام والفنون.
ومن الادلة الساطعة على هذا التمازج بين المضمون والشكل البريق الذي احدثته تجربة الدراما الايرانية “ السينمائية والتلفزيونية” التي مزجت بحرفية عالية بين الموضوع ودرق الاداء المهنية أي بين التشويق وسلامة المضامين حتى كسبت جمهورا واسعا جدا شكل حضوره وشغفه احساسا بقدرة الاسلام على اجتراح مفاهيم رفيعة للانسانية “افرادا وجماعات”.
لقد تداعت هذه الذكريات في ذهني وانا اشاهد احد ايتام عدي ابن الطاغية صدام الذي ظهر على شاشة احدى الفضائيات متكلما عن “ تحريم” الاسلام للفن. ان جملة تحريم الاسلام للفن الواردة على لسان هذا السيناريست تنطوي على مقدار هائل من الجهل والتعمية. اذ ان اطلاق لفظ الاسلام بالعموم وكذلك لفظ الفنون دليل على جهل المتكلم وان كلامه تعبير عن تشنج شخصي لا اعرف اسبابه. فمن الناحية المنهجية خاض الاسلام في عمره الذي يبتدئ بالوحي المقدس وحتى الساعة تجارب تاريخية متعددة عبرت عن تنوع وثراء الثقافة الاسلامية وكذلك الشعوب التي دخلت رحاب الاسلام. والاسلام اليوم يمتد على رقعة تمثل الكثافة فيها هلالا ممتدا من طنجة حتى كابول. اضافة الى جاليات اسلامية مؤثرة وغنية في تعدد تجاربها في بقية دول العالم خارج هذا الهلال. لقد ابتدا الاسلام في الجزيرة العربية ثم فتح العالم القديم بتجاربه الحضارية وبضمنها الفنون ومرت على الاسلام فترات من الضعف والقوة. كان اخصبها فترة القوة في تخصيب الثقافة الاسلامية بانجازات الحضارات الاوروبية القديمة عن طريق الاندلس. ثم هيمنت على الاسلام الى درجة كبيرة الروح العثمانية والمملوكية حتى بزوغ فجر الدولة الحديثة اواخر القرن الثامن عشر.
ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم تخوض الشعوب الاسلامية تجاربها بنجاحات هنا واخفاقات هناك تعبيرا عن تفاعلها مع الحياة وتوقها الى التحقق الانساني الذي يربط فكرة التوحيد بالسعادة الفردية والجماعية للانسان. وفي كل هذه السياحة في التاريخ والجغرافيا الاسلاميين تباين الموقف من الفنون. على ان الموقف الاكثر جوهرية وتعبيرا عن حقيقة الثقافة الاسلامية هو الاهتمام وحضانة كل ما يمكن ان يؤدي الى سعادة الانسان وتكامله النفسي والبدني والروحي. وياتي الوقف من الفنون تعبيرا عن هذه النقطة المركزية في العقيدة والشريعة الاسلاميتين. اما مسالة التحليل والحرمة فانها تخضع اولا للمنطق العام الذي يحكم اصول العقيدة ثم للاجتهادات التي يراها ممثلو الثقافة والفكر الاسلاميين للتعاطي مع مستجدات الحياة وبضمنها الفنون.
ان الاصل في الاسلام هو الاباحة في نظرته الى التعامل مع الاشياء. فكل ما يمكن ان يعترض الانسان في حاجاته مباح الا في حد الضرر. والضرر ما تقرره العقول الاسلامية في الزمان والمكان المعينين وهذه مسالة تخص القوانين الداخلية لاية ثقافة متماسكة ومعبرة عن صناعة معنى للوجود الاجتماعي والقيمي للانسان والدولة. ولا اريد في هذه العجالة ان أأصل فقهيا لموضوعة الاباحة والضرر لكن من الضروري الاشارة الى ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي يقدم رؤية للعالم تتكامل مع خوض المسلمين تجاربهم الحياتية في مختلف مجالات الحياة. وهذا هو سر قوة وصلابة الاسلام وتمكنه في النفوس وقدرته على البقاء خاتمة للاديان بعد ان استوعبها جميعا سواء بالاعتراف الصريح بها في القرآن الكريم حيث لا يكتمل ايمان المسلم الا باعترافه بالكتب السماوية المقدسة التي سبقت ومهدت للاسلام وبسلسلة الانبياء عليهم السلام الذين جاؤوا وفق معمار الهي للكون يجعل الانسان بمواجهة استحقاقات الاجتماع البشري اخلاقيا “ دينيا” اذ لا انفصال بين الاخلاق والدين على الاطلاق.
ومبدا الاباحة يخص الفنون كما يخص الاطعمة والأشربه وانواع العلاقات الاجتماعية والقانونية للمسلمين ومجتمعاتهم. ويتقرر حد الضرر بمقدار ما تصيبه هذه الفنون من نجاحات في تحقيق التكامل الانساني او العكس. واعتقد ان الراي الذي يطلقه انواع الجهال والسذج حول تحريم الفنون في الاسلام ينطلق اساسا من عقدة النقص الحضاري ازاء الغرب. فمع كامل الاحترام والتقدير للتجربة الغربية في كل مجالات الحياة الا انها تبقى بالنتيجة النهائية تعبيرا عن اخلاقيات الغربيين وطبيعة نظرتهم الى الحياة. ان هذه النظرة ليست ملزمة لجميع الشعوب ولا هي مقدسة للدرجة التي تجعل تعميمها فرضا يعتبر الخروج عليه كفرا بالحداثة او المعاصرة. لقد شهد تاريخ الاسلام تجارب في الفن عبرت عن ثراء وغنى هذه التجربة وتعدد مصادر واسهامات الفنانين المسلمين. حتى ان الشعر نفسه واحد من الفنون التي عبرت عن الفرد “الشاعر” ازاء المجتمع. ورغم التقييدات التي وضعها الاسلام في بداية الدعوة بسبب الحرب التي شنها “ الجهاز” الشعري ضد ثورة الاسلام المسددة بالوحي فقد انطلق الشعر بعد ذلك الى مديات يعلمها الجميع حتى الان. واذا اردنا ان نعدد الفنون التي مارسها المسلمون بما فيها الموسيقى والتي كتب فيها فيلسوف مرموق مثل الفارابي فسوف نعثر على تعدد في هذه المجالات لم تمنعه من الانتشار بعض الاراء الفقهية المغالية. وحتى فن النحت الوثني بقي يشكل في الثقافة الاسلامية تجربة لشعوب عاشت اما بجوار المسلمين او قاسمتهم ظروف الحياة. ومن الادلة المعاصرة على تنوع وتعدد التفكير الاسلامي ازاء قضية الفنون ما حدث في افغانستان عندما قررت حركة طالبان تهديم تماثيل بوذية عملاقة. فغداة اعلان منظمة طالبان “السلفية المغالية” نيتها تفجير هذه التماثيل العملاقة تحركت اوساط المثقفين والمهتمين المسلمين على نطاق واسع. وقد ابدى كثير من هؤلاء المهتمين شجبهم لهذا الفعل الذي اعتبروه ليس حضاريا ولا مدنيا ولا يعبر اصلا عن حضارة المسلمين وتفاعلهم مع الحضارات التي جاورتهم او عاصرت مدنياتهم الكبرى. والاكثر من ذلك قدمت الكثير من الدراسات والبحوث الخاصة بهذا الموضوع رؤية عن تخلف حركة طالبان عن استيعاب تراث الشعوب غير الاسلامية ثم اسلمة هذا التراث او على الاقل إكسابه مضامين توحيدية استنادا الى عمق التدين الفطري المستند الى ما غرزه الله تعالى في نفوس عباده جميعا على توقهم الى خالقهم. ومضت هذه الدراسات الى تاكيد الترابط بين هذه الفنون باعتبارها نتاجا للبحث عن الخالق والخلود في الاخرة وانها جاءت تعبيرا عن هذه الرغبة وان كان ينقصها التوحيد الخالص الذي اكتمل بالوحي المحمدي. وزيادة على ما فات شكلت منظمة المؤتمر الاسلامي وفدا رفيع المستوى من علماء الاسلام يتكون في اغلبه من علماء الازهر وذهبوا كي يفاوضوا منظمة طالبان قبل ان تفجر هذه التماثيل. قدم هذا الوفد ادلة “عقلية ونقلية” على حلية هذه التماثيل وانها ليست تعبيرا عن عبادات وثنية...الخ. طبعا لم ينفع الامر مع هذه المنظمة التكفيرية التي فجرت التماثيل ومعروفة للجميع تفاصيل ما قامت به هذه المنظمة مع الشعب الافغاني حتى سلم قادتها بثمن بخس الى قوات حلف الاطلسي التي اسقطتها بعد احداث 11 ايلول.
ان تحريم الاسلام لبعض الفنون ياتي تعبيرا عن قدرة الاسلام على رؤية الصح من الخطا استنادا اولا الى انظمة الوحي الكلية ثم تجربة المسلمين الاجتهادية ممتزجة بتجاربهم التاريخية. واظن ان المراد بعتاولة الحداثة كي يرضوا عن التشريع الاسلامي ان يبيح هذا التشريع فنون الخلاعة والتسيب الجنسي حتى يقولون ان الاسلام يبيح الفنون فعلا. لقد وصل التشوه في اذهان “مدمني” التجربة الغربية حدا ربطوا به بين حرية الفن واباحة المباذل الجنسية. وتشكل عقدة الانسحاق الحضاري لب الاشكال في نظرة هؤلاء الى موقف الاسلام من الفن. والمعروف ان الفن الياباني ما يزال على حاله في الاستناد الى تراث الشعب الياباني القديم وان الفنان الياباني لم ينسحق تحت وطاة هذه العقدة وبقي محافظا على حدود الروح الياباني في التشكيل والسينما والمسرح والموسيقى وغيرها. ولا تخلو الحياة اليابانية ايضا من دعاة الى التغريب الا انهم لا يشكلون الا نسبة ضئيلة جدا بالقياس الى اليابانيين خارج سطوة معايير الغرب.
ان عنفوان الفن الاسلامي وجدارته بتمثيل امنيات الشعوب وحقها في الحياة والكرامة والسعادة هو في ايفائه لهذه الامنيات دون الحاجة الى مركبات الشعور بالنقص تجاه الغرب ودون الوقوع في الوعظية الساذجة والمباشرة التي تجعل من العمل الفني خطبة “ عصماء” تعطي مجالا لحاخامات الحداثة الغربية من العرب والعراقيين فسحة من الحديث عن عداء وهمي بين الاسلام والفنون.
ومن الادلة الساطعة على هذا التمازج بين المضمون والشكل البريق الذي احدثته تجربة الدراما الايرانية “ السينمائية والتلفزيونية” التي مزجت بحرفية عالية بين الموضوع ودرق الاداء المهنية أي بين التشويق وسلامة المضامين حتى كسبت جمهورا واسعا جدا شكل حضوره وشغفه احساسا بقدرة الاسلام على اجتراح مفاهيم رفيعة للانسانية “افرادا وجماعات”.