مرة قرأت السؤال الآتي :
هل من ضرورة للنقد ؟
والسؤال الذي قرأته بالعربية قرأته بالألمانية أيضا
Ist der Kritik notwendig?
والمطلوب مني هو أن أتحدث عن احتضار النقد ، واحتضار النقد يقود إلى مقولات فلسفية وأدبية كنت قرأتها في كتاب ( ألن روب غرييه ) " نحو رواية جديدة " ( ت. مصطفى ابراهيم مصطفى ، القاهرة ، د.ت ) ومن هذه المقولات :
- موت الله
- موت المؤلف
- موت الشخصية في العمل الروائي .
وأعتقد أننا حين نثير السؤال السابق وهو :
- هل هناك ضرورة للنقد الأدبي؟
نضيف إلى مقولات موت الله وموت المؤلف وموت الشخصية في العمل الروائي مقولة موت الناقد.
لقد اقترح علي أن أتحدث عن احتضار النقد ودور النقد في تسويق الأعمال الأدبية.
إن قراءة في العنوان المقترح تجعل القسم الثاني منه " دور النقد في تسويق الأعمال الأدبية " يلغي القسم الأول " احتضار النقد " - طبعا إذا أقررنا بأن للنقد دورا في تسويق الأعمال الأدبية .
أشير ابتداء إلى أن دال " النقد " دال واسع فضفاض جدا ، فتحته يمكن أن نتحدث عما لا يقل عن عشرة إلى خمسة عشر منهجا نقديا تزدهر وتخبو وتجد لها متلقين يتفاوتون فيما بينهم .
وإذا ما ألقى المرء نظرة على تاريخ النقد الأدبي فإنه يلحظ أن هناك مناهج نقدية ازدهرت وذوت وأخرى ما زال لها حضور .
نستطيع أن نتحدث عن نقد ( سانت بيف ) و ( هيوبوليت تين ) و ( برونتير ) والنقد الوضعي والنقد النفسي والنقد التأثري ، وكله نقد غير نصي باستثناء ( برونتير ) تقريبا ، ونستطيع أن نتحدث عن النقد البنيوي والتفكيكي والأسلوبي ونظرية التلقي ، وهذه كلها نقد نصي تهمل ما هو خارج النص ، وقد حل النقد النصي ، لحين ما زال قائما ، محل النقد غير النصي ، ولكن ماذا يقال اليوم عن النقد البنيوي والتفكيكي والأسلوبي ؟ بل ومن يقرأ ، اليوم وأمس ، الدراسات النقدية التي ينجزها النقاد الذين يطبقون هذه المناهج النقدية ؟
مرة قرأت للدكتور المصري عبده الراجحي دراسة عن الأسلوبية نشرها في عدد من أعداد مجلة " فصول /يناير ١٩٨١ /المجلد الأول ، العدد الثاني " المخصصة لمناهج النقد الأدبي الحديث ، وأثار فيها العديد من الأسئلة ، وخلص في كتابته إلى ملاحظتين منهما الفقرة الآتية :
" أن الباحثين الذين يتصلون بالدرس اللغوي الحديث ومناهجه يطبقون على بحث الأسلوب طريقة الإحصاء تطبيقا شاملا بحيث ينتهي العمل العلمي دون أن نجد نفعا فيما تحتاجه النصوص من تفسير "( ص ١٢١ )
ومرة قرأت في كتاب " البنيوية وما بعدها : من ليفي شتراوس إلى دريدا " ( الترجمة العربية أنجزها د.محمد عصفور وصدرت عن عالم المعرفة في الكويت في شباط ١٩٩٦ ) أن هذا النوع من النقد لا يلتفت إليه إلا قلة لصعوبته واختلافه عن النقد الفرنسي في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين حيث كان الوضوح سمته الأساسية ، وهو عموما ما عرفناه في نقد طه حسين في كتبه الأربعة التي أفاد فيها من النقد الفرنسي والفكر والفرنسي والمنهجية الفرنسية . وإذا ما قارن المرء نقد طه حسين بنقد ناقد عربي آخر درس في فرنسا نفسها في سبعينيات القرن الماضي وأفاد من النقاد الجدد ، وأعني هنا الناقد الفلسطيني فيصل دراج ، لمس الفرق واضحا بين نوعين من النقد ، كان للأول حضوره بين القراء ، وغدا الثاني يخص نخبة القراء ولا يخرج منه حتى طلاب الدراسات العليا بالكثير . لقد قررت مرة بعض دراسات فيصل دراج على طلبة الدراسات العليا فوجدوا صعوبة في استيعابها ، وكان نقده لا يختلف عن النقد الفرنسي في ستينيات القرن العشرين . إن الغموض هو أهم ما يسم ذلك النقد ( هنا أشير إلى ملاحظة ثانية أهم من الأولى فيم يخص نقد فيصل دراج وهي احتفاؤه باللغة احتفاء لافتا حيث ينصرف ذهن المتلقي عن المعنى إلى بلاغة اللغة وطلاوتها ) .
ثمة نقد ونقد إذن ، وأعتقد أن النوعين مازالا حاضرين في الساحة الأدبية العربية المعاصرة ، وأرى أن هناك مجلات ما زالت رسالتها لا تختلف عن رسالة المجلات التي كان طه حسين ينشر فيها ، وهي ترمي إلى التواصل مع جمهور واسع من القراء ، وفي المقابل هناك مجلات متخصصة جدا تنشر لنخبة النخبة ولا تقرأ ما ينشر فيها إلا نخبة النخبة ومنها ، بل وعلى رأسها مجلة " فصول "المصرية . ويقابل النقد الذي ينشر فيها النقد الذي ينشر في الصحف والمجلات وغالبا ما يوجه لقراء الصحف متوسطي الثقافة ويجد فيه هؤلاء متنفسا.
مثل مجلة فصول ومثل النقد الذي نشره فيصل دراج النقد البنيوي الشكلاني ؛ التنظيري والتطبيقي الذي يصدر عن أساتذة جامعيين في المغرب العربي - المغرب وتونس إلى حد كبير . وإذا طلب مني أن أحدد فأشير إلى نقاد أجلهم وأقدرهم وأفيد شخصيا منهم ، وعلى رأسهم محمد مفتاح وسعيد يقطين .
صحيح أن ما يكتبه هذان الناقدان مهم وجديد وتنظيري وتأسيسي ، ولكنه نقد تكاد تقتصر قراءته على طلبة الدكتوراه - إن استوعبوه - وعلى نخبة المتخصصين - إن استوعبوه استيعابا كاملا ودقيقا .
وإذا ما قارن المرء بين متلقي نقد طه حسين والعقاد وحسين مروة ومحمود أمين العالم وبين متلقي نقد سعيد يقطين ومحمد مفتاح يرى الفرق واضحا .
إن متلقي نقد الفئة الأولى كان من قراء المجلة ؛ متخصصين وغير متخصصين ، في حين أن قراء الفئة الثانية هم نخبة النخبة .
هل يثير أي كتاب جديد يصدر لنقاد الفئة الثانية ما كانت الكتب الجديدة لنقاد الفئة الأولى تثيره؟
القسم الثاني :
هل يسهم النفد في تسويق الأعمال الأدبية ؟
أود إيراد الملاحظات والأسئلة الآتية :
- لماذا يهدي الكتاب نسخا من كتبهم للنقاد؟
- لماذا تهدي دور النشر نسخا من كتبها الصادرة حديثا للصحف والمجلات ؟
وغالبا ما تحيل هذه الصحف وتلك المجلات الكتب المهداة إليها إلى كتاب الأعمدة المتخصصين ومحرري الصفحات .
- كم من كتاب اشتريته أنا أو اشتريته أنت بعد قراءة دراسة أو مراجعة نقدية له؟
الآن أنا شخصيا أخوض تجربة جديدة في النقد الأدبي تتمثل في تسخير وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) للتواصل مع القراء ، فماذا ألاحظ ؟
أشير ابتداء إلى أن ما أكتبه من نقد على صفحات التواصل الاجتماعي هو ضرب من مواصلة كتابة النقد الصحفي بل والنقد الذي ينشر في مجلات ، ويمكن أن أوضح ذلك لمن يستفسر .
كتبت على صفحات التواصل الاجتماعي عن روايات عربية فازت بجائزة الرواية العربية وجائزة مان بوكر العالمية للرواية ؛ كتبت عن روايتي ربعي المدهون " السيدة من تل أبيب " و " مصائر "وروايتي يحيى يخلف الأخيرتين " راكب الريح " و " اليد الدافئة " وعن رواية واسيني الأعرج Waciny Laredj " مي . ليالي ايزيس كوبيا " وعن رواية الياس خوري Khouri Khoury Elias "أولاد الغيتو ٢ : نجمة البحر " وعن رواية جوخة الحارثي Alharethi Jokha " سيدات القمر " التي فازت بجائزة مان بوكر العالمية ، كتبت عن هذه الروايات ، وغيرها ، بصورة يومية وعلى مدار أسابيع ولاحظت تفاعل القراء مع الكتابة تفاعلا لافتا ومغيدا ، فقد أفدت الكثير من ملاحظاتهم ، وعرفت مدى تأثير ما أكتب في ترويج الأعمال الأدبية التي كتبت عنها ، فهناك قراء كثر سألوني عن الرواية وإمكانية الحصول عليها ، وحين سألت بعض أصحاب المكتبات إن باعوا نسخا من الروايات المكتوب عنها ، أجابوا بالإيجاب . لقد حقق ال " فيس بوك " ما تحققه الصحيفة في هذا المجال .
والسؤال هو :
- لو سألنا دور النشر عن طباعة كتب النقد وتوزيعها ، فماذا تقول ؟
إن إجابة دور النشر يمكن أن تعطي مؤشرا إلى اتجاه النقد وأين يسير .
مرة في عمان أخذت اسأل عن كتب دراسات عن أشعار الشاعر مظفر النواب ، فقد كنت مشرفا على رسالة ماجستير حول طبعات أعماله وتلقيها نقديا ، وسألت في المكتبات التي أتردد عليها فلم أعثر ، وقيل لي إن كتب الدراسات سوقها ضعيف والاهتمام أكثر ما يكون بالكتب المقررة والروايات ، وكان علي أن أذهب إلى المكتبات القليلة التي تركز على كتب الدراسات .
في مكتبات نابلس مثلا سألت عن المهتمين بمجلة " فصول " المصرية ، فأجابني صاحب المكتبة بأن خمسة قراء فقط يقتنونها أنا أقتني نسختين منها ، ولكن من يقرأ ما ينشر في هذه المجلة سوى المتخصصين . في نابلس جامعة فيها قسم لغة عربية وقسم لغة انجليزية يتجاوز أعضاء الهيئة التدريسية فيهما الأربعين ، وإذا أضفنا إليهم حملة الماجستير والدكتوراه في المدينة فإن عددهم يتجاوز المائة ، هذا إذا لم نذكر عدد المهتمين بالأدب من شعراء وقصاصين وروائيين ، ومع ذلك يباع من المجلة العدد المذكور .
إن اعتمدنا توزيع مجلة "فصول " مقياسا لازدهار النقد واحتضاره فيمكن القول بلا تردد إن النقد يحتضر . ولكن هل النقد ينشر في المجلة فقط ؟ ثم إن مجلة " فصول " ليست المجلة الوحيدة التي ينشر النقد على صفحاتها . هناك مجلات أخر ، وإلى جانب المجلات هناك الصحف الورقية التي مازالت تصدر ، وعلى صفحاتها نشر نقاد كبار مقالات نقدية حققت انتشارا واسعا .
قد يقول قائل الآن إن الصحافة الورقية في طريقها إلى التلاشي ومع احتجابها سيتراجع النقد الأدبي في الصحافة وقد يختفي . قد .
ولكن كما أن الكتاب الالكتروني يحل محل الكتاب الورقي ، فإن النقد في الصحف والمجلات الالكترونية سيجد له مكانا ومتسعا ، وهناك مجلات أدبية متخصصة في النقد تصدر الكترونيا ومنها مجلة " الكلمة " التي يصدرها الناقد المصري صبري حافظ.
سوف أتحدث عن تجربة شخصية أخذت أمارسها من أعوام قليلة وهي كتابة النقد في ال "فيس بوك".
أنا أنشر مقالا أسبوعيا في جريدة الأيام الفلسطينية ، ومنذ ثلاثة أعوام أخذت أنشر مقالا ثانيا في موقع " رمان " ، وهو موقع الكتروني ، وعملت على إعادة نشر المقالين على صفحتي ، وعلى الرغم من طولهما إلا أنني لاحظت إقبالا من القراء على قراءتهما ، وحقق انتشارهما حضورا معقولا ، ولم أكتف بهذا ، فقد أخذت أقرأ روايات معينة وصرت أدون رأيي النقدي فيها يوميا على مدار شهر أو أربعين يوميا ، ثم قمت بجمعها معا لتشكل دراسة نقدية لها سماتها الخاصة ، وغالبا ما يطلبها مني الدارسون لقراءتها ، وقد قمت بإدراجها على موقع جامعة النجاح الوطنية ، وغدا الموقع مرجعا للمهتمين .
ما أود قوله هو إن النقد الأدبي مازال يحقق حضورا حتى لو كانت مؤشرات دور النشر تقول عكس ذلك .
وأعتقد أنه مادامت هناك جامعات وطلاب يدرسون الأدب ، ومادامت هناك نصوص أدبية فإن النقد سيظل يلازمها وسيظل قراء الأدب ودارسوه بحاجة إليه.
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2283093035277586
هل من ضرورة للنقد ؟
والسؤال الذي قرأته بالعربية قرأته بالألمانية أيضا
Ist der Kritik notwendig?
والمطلوب مني هو أن أتحدث عن احتضار النقد ، واحتضار النقد يقود إلى مقولات فلسفية وأدبية كنت قرأتها في كتاب ( ألن روب غرييه ) " نحو رواية جديدة " ( ت. مصطفى ابراهيم مصطفى ، القاهرة ، د.ت ) ومن هذه المقولات :
- موت الله
- موت المؤلف
- موت الشخصية في العمل الروائي .
وأعتقد أننا حين نثير السؤال السابق وهو :
- هل هناك ضرورة للنقد الأدبي؟
نضيف إلى مقولات موت الله وموت المؤلف وموت الشخصية في العمل الروائي مقولة موت الناقد.
لقد اقترح علي أن أتحدث عن احتضار النقد ودور النقد في تسويق الأعمال الأدبية.
إن قراءة في العنوان المقترح تجعل القسم الثاني منه " دور النقد في تسويق الأعمال الأدبية " يلغي القسم الأول " احتضار النقد " - طبعا إذا أقررنا بأن للنقد دورا في تسويق الأعمال الأدبية .
أشير ابتداء إلى أن دال " النقد " دال واسع فضفاض جدا ، فتحته يمكن أن نتحدث عما لا يقل عن عشرة إلى خمسة عشر منهجا نقديا تزدهر وتخبو وتجد لها متلقين يتفاوتون فيما بينهم .
وإذا ما ألقى المرء نظرة على تاريخ النقد الأدبي فإنه يلحظ أن هناك مناهج نقدية ازدهرت وذوت وأخرى ما زال لها حضور .
نستطيع أن نتحدث عن نقد ( سانت بيف ) و ( هيوبوليت تين ) و ( برونتير ) والنقد الوضعي والنقد النفسي والنقد التأثري ، وكله نقد غير نصي باستثناء ( برونتير ) تقريبا ، ونستطيع أن نتحدث عن النقد البنيوي والتفكيكي والأسلوبي ونظرية التلقي ، وهذه كلها نقد نصي تهمل ما هو خارج النص ، وقد حل النقد النصي ، لحين ما زال قائما ، محل النقد غير النصي ، ولكن ماذا يقال اليوم عن النقد البنيوي والتفكيكي والأسلوبي ؟ بل ومن يقرأ ، اليوم وأمس ، الدراسات النقدية التي ينجزها النقاد الذين يطبقون هذه المناهج النقدية ؟
مرة قرأت للدكتور المصري عبده الراجحي دراسة عن الأسلوبية نشرها في عدد من أعداد مجلة " فصول /يناير ١٩٨١ /المجلد الأول ، العدد الثاني " المخصصة لمناهج النقد الأدبي الحديث ، وأثار فيها العديد من الأسئلة ، وخلص في كتابته إلى ملاحظتين منهما الفقرة الآتية :
" أن الباحثين الذين يتصلون بالدرس اللغوي الحديث ومناهجه يطبقون على بحث الأسلوب طريقة الإحصاء تطبيقا شاملا بحيث ينتهي العمل العلمي دون أن نجد نفعا فيما تحتاجه النصوص من تفسير "( ص ١٢١ )
ومرة قرأت في كتاب " البنيوية وما بعدها : من ليفي شتراوس إلى دريدا " ( الترجمة العربية أنجزها د.محمد عصفور وصدرت عن عالم المعرفة في الكويت في شباط ١٩٩٦ ) أن هذا النوع من النقد لا يلتفت إليه إلا قلة لصعوبته واختلافه عن النقد الفرنسي في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين حيث كان الوضوح سمته الأساسية ، وهو عموما ما عرفناه في نقد طه حسين في كتبه الأربعة التي أفاد فيها من النقد الفرنسي والفكر والفرنسي والمنهجية الفرنسية . وإذا ما قارن المرء نقد طه حسين بنقد ناقد عربي آخر درس في فرنسا نفسها في سبعينيات القرن الماضي وأفاد من النقاد الجدد ، وأعني هنا الناقد الفلسطيني فيصل دراج ، لمس الفرق واضحا بين نوعين من النقد ، كان للأول حضوره بين القراء ، وغدا الثاني يخص نخبة القراء ولا يخرج منه حتى طلاب الدراسات العليا بالكثير . لقد قررت مرة بعض دراسات فيصل دراج على طلبة الدراسات العليا فوجدوا صعوبة في استيعابها ، وكان نقده لا يختلف عن النقد الفرنسي في ستينيات القرن العشرين . إن الغموض هو أهم ما يسم ذلك النقد ( هنا أشير إلى ملاحظة ثانية أهم من الأولى فيم يخص نقد فيصل دراج وهي احتفاؤه باللغة احتفاء لافتا حيث ينصرف ذهن المتلقي عن المعنى إلى بلاغة اللغة وطلاوتها ) .
ثمة نقد ونقد إذن ، وأعتقد أن النوعين مازالا حاضرين في الساحة الأدبية العربية المعاصرة ، وأرى أن هناك مجلات ما زالت رسالتها لا تختلف عن رسالة المجلات التي كان طه حسين ينشر فيها ، وهي ترمي إلى التواصل مع جمهور واسع من القراء ، وفي المقابل هناك مجلات متخصصة جدا تنشر لنخبة النخبة ولا تقرأ ما ينشر فيها إلا نخبة النخبة ومنها ، بل وعلى رأسها مجلة " فصول "المصرية . ويقابل النقد الذي ينشر فيها النقد الذي ينشر في الصحف والمجلات وغالبا ما يوجه لقراء الصحف متوسطي الثقافة ويجد فيه هؤلاء متنفسا.
مثل مجلة فصول ومثل النقد الذي نشره فيصل دراج النقد البنيوي الشكلاني ؛ التنظيري والتطبيقي الذي يصدر عن أساتذة جامعيين في المغرب العربي - المغرب وتونس إلى حد كبير . وإذا طلب مني أن أحدد فأشير إلى نقاد أجلهم وأقدرهم وأفيد شخصيا منهم ، وعلى رأسهم محمد مفتاح وسعيد يقطين .
صحيح أن ما يكتبه هذان الناقدان مهم وجديد وتنظيري وتأسيسي ، ولكنه نقد تكاد تقتصر قراءته على طلبة الدكتوراه - إن استوعبوه - وعلى نخبة المتخصصين - إن استوعبوه استيعابا كاملا ودقيقا .
وإذا ما قارن المرء بين متلقي نقد طه حسين والعقاد وحسين مروة ومحمود أمين العالم وبين متلقي نقد سعيد يقطين ومحمد مفتاح يرى الفرق واضحا .
إن متلقي نقد الفئة الأولى كان من قراء المجلة ؛ متخصصين وغير متخصصين ، في حين أن قراء الفئة الثانية هم نخبة النخبة .
هل يثير أي كتاب جديد يصدر لنقاد الفئة الثانية ما كانت الكتب الجديدة لنقاد الفئة الأولى تثيره؟
القسم الثاني :
هل يسهم النفد في تسويق الأعمال الأدبية ؟
أود إيراد الملاحظات والأسئلة الآتية :
- لماذا يهدي الكتاب نسخا من كتبهم للنقاد؟
- لماذا تهدي دور النشر نسخا من كتبها الصادرة حديثا للصحف والمجلات ؟
وغالبا ما تحيل هذه الصحف وتلك المجلات الكتب المهداة إليها إلى كتاب الأعمدة المتخصصين ومحرري الصفحات .
- كم من كتاب اشتريته أنا أو اشتريته أنت بعد قراءة دراسة أو مراجعة نقدية له؟
الآن أنا شخصيا أخوض تجربة جديدة في النقد الأدبي تتمثل في تسخير وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) للتواصل مع القراء ، فماذا ألاحظ ؟
أشير ابتداء إلى أن ما أكتبه من نقد على صفحات التواصل الاجتماعي هو ضرب من مواصلة كتابة النقد الصحفي بل والنقد الذي ينشر في مجلات ، ويمكن أن أوضح ذلك لمن يستفسر .
كتبت على صفحات التواصل الاجتماعي عن روايات عربية فازت بجائزة الرواية العربية وجائزة مان بوكر العالمية للرواية ؛ كتبت عن روايتي ربعي المدهون " السيدة من تل أبيب " و " مصائر "وروايتي يحيى يخلف الأخيرتين " راكب الريح " و " اليد الدافئة " وعن رواية واسيني الأعرج Waciny Laredj " مي . ليالي ايزيس كوبيا " وعن رواية الياس خوري Khouri Khoury Elias "أولاد الغيتو ٢ : نجمة البحر " وعن رواية جوخة الحارثي Alharethi Jokha " سيدات القمر " التي فازت بجائزة مان بوكر العالمية ، كتبت عن هذه الروايات ، وغيرها ، بصورة يومية وعلى مدار أسابيع ولاحظت تفاعل القراء مع الكتابة تفاعلا لافتا ومغيدا ، فقد أفدت الكثير من ملاحظاتهم ، وعرفت مدى تأثير ما أكتب في ترويج الأعمال الأدبية التي كتبت عنها ، فهناك قراء كثر سألوني عن الرواية وإمكانية الحصول عليها ، وحين سألت بعض أصحاب المكتبات إن باعوا نسخا من الروايات المكتوب عنها ، أجابوا بالإيجاب . لقد حقق ال " فيس بوك " ما تحققه الصحيفة في هذا المجال .
والسؤال هو :
- لو سألنا دور النشر عن طباعة كتب النقد وتوزيعها ، فماذا تقول ؟
إن إجابة دور النشر يمكن أن تعطي مؤشرا إلى اتجاه النقد وأين يسير .
مرة في عمان أخذت اسأل عن كتب دراسات عن أشعار الشاعر مظفر النواب ، فقد كنت مشرفا على رسالة ماجستير حول طبعات أعماله وتلقيها نقديا ، وسألت في المكتبات التي أتردد عليها فلم أعثر ، وقيل لي إن كتب الدراسات سوقها ضعيف والاهتمام أكثر ما يكون بالكتب المقررة والروايات ، وكان علي أن أذهب إلى المكتبات القليلة التي تركز على كتب الدراسات .
في مكتبات نابلس مثلا سألت عن المهتمين بمجلة " فصول " المصرية ، فأجابني صاحب المكتبة بأن خمسة قراء فقط يقتنونها أنا أقتني نسختين منها ، ولكن من يقرأ ما ينشر في هذه المجلة سوى المتخصصين . في نابلس جامعة فيها قسم لغة عربية وقسم لغة انجليزية يتجاوز أعضاء الهيئة التدريسية فيهما الأربعين ، وإذا أضفنا إليهم حملة الماجستير والدكتوراه في المدينة فإن عددهم يتجاوز المائة ، هذا إذا لم نذكر عدد المهتمين بالأدب من شعراء وقصاصين وروائيين ، ومع ذلك يباع من المجلة العدد المذكور .
إن اعتمدنا توزيع مجلة "فصول " مقياسا لازدهار النقد واحتضاره فيمكن القول بلا تردد إن النقد يحتضر . ولكن هل النقد ينشر في المجلة فقط ؟ ثم إن مجلة " فصول " ليست المجلة الوحيدة التي ينشر النقد على صفحاتها . هناك مجلات أخر ، وإلى جانب المجلات هناك الصحف الورقية التي مازالت تصدر ، وعلى صفحاتها نشر نقاد كبار مقالات نقدية حققت انتشارا واسعا .
قد يقول قائل الآن إن الصحافة الورقية في طريقها إلى التلاشي ومع احتجابها سيتراجع النقد الأدبي في الصحافة وقد يختفي . قد .
ولكن كما أن الكتاب الالكتروني يحل محل الكتاب الورقي ، فإن النقد في الصحف والمجلات الالكترونية سيجد له مكانا ومتسعا ، وهناك مجلات أدبية متخصصة في النقد تصدر الكترونيا ومنها مجلة " الكلمة " التي يصدرها الناقد المصري صبري حافظ.
سوف أتحدث عن تجربة شخصية أخذت أمارسها من أعوام قليلة وهي كتابة النقد في ال "فيس بوك".
أنا أنشر مقالا أسبوعيا في جريدة الأيام الفلسطينية ، ومنذ ثلاثة أعوام أخذت أنشر مقالا ثانيا في موقع " رمان " ، وهو موقع الكتروني ، وعملت على إعادة نشر المقالين على صفحتي ، وعلى الرغم من طولهما إلا أنني لاحظت إقبالا من القراء على قراءتهما ، وحقق انتشارهما حضورا معقولا ، ولم أكتف بهذا ، فقد أخذت أقرأ روايات معينة وصرت أدون رأيي النقدي فيها يوميا على مدار شهر أو أربعين يوميا ، ثم قمت بجمعها معا لتشكل دراسة نقدية لها سماتها الخاصة ، وغالبا ما يطلبها مني الدارسون لقراءتها ، وقد قمت بإدراجها على موقع جامعة النجاح الوطنية ، وغدا الموقع مرجعا للمهتمين .
ما أود قوله هو إن النقد الأدبي مازال يحقق حضورا حتى لو كانت مؤشرات دور النشر تقول عكس ذلك .
وأعتقد أنه مادامت هناك جامعات وطلاب يدرسون الأدب ، ومادامت هناك نصوص أدبية فإن النقد سيظل يلازمها وسيظل قراء الأدب ودارسوه بحاجة إليه.
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2283093035277586