في تتبع صورة الفلسطيني في الرواية العربية نادرا ما يقرأ المرء عن الفلسطيني المتعاون أو الفلسطيني الخائن . وربما يقرأ المرء عبارات تتهم الفلسطينيين ككل بأنهم باعوا أرضهم لليهود ، وهذا الاتهام وجه إليهم قبل العام ١٩٤١ تقريبا ، تاربخ وفاة الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان الذي كتب قصيدة " نعمة " يخاطب فيها أهل بيروت موضحا لهم أن ما يقولونه ، بغبطة ، من أن الفلسطينيين يعيشون بنعمة ، لأنهم يبيعون اليهود تربا ويحصلون مقابله على التبر - الذهب ، قول خاطيء ، فالتراب أغلى من الذهب وأفضل .
وقد تكرر مثل هذا القول على لسان شخصيات عربية ؛ روائية وغير روائية ؛ سياسية وشعبية ، ودافع الفلسطينيون عنه في أدبياتهم وفي أحاديثهم ، وعزوا البيع إلى عائلات إقطاعية عربية ، وذهبوا إلى أكثر من ذلك ، فاتهموا الحكام العرب بالتخاذل والتبعية ، بل والتعاون مع الدولة الإسرائيلية ، وبلغ دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم ذروته في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، حين أقدمت دول عربية على إقامة علاقات سياسية وتطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي .
هذا الاتهام للفلسطينيين ورد الفلسطينيين عليه بدا ، كما لاحظنا ، في رواية " حقل أرجوان " .
والرواية التي كتبها كاتب سوري ورواها فلسطيني تأتي ، كما لاحظنا أيضا ، على نماذج فلسطينية سلبية ، منها شخصية المتخاذل وشخصية المتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي ، وهو ما لاحظناه أيضا ، وإن لم نضئه بما فيه الكفاية .
هنا سوف أتوقف بقليل من التفصيل أمام هذين النموذجين اللذين برزا أكثر وأكثر في الأدبيات الفلسطينية في الأرض المحتلة ، كما في قصص وروايات كثيرة ، مثل قصة " المخبر . ن " للقاص محمد نفاع ، ومجموعة " العودة " للقاص جمال بنورة ، على سبيل المثال لا الحصر ، ولم تخل منها أدبيات الفلسطينيين في المنفى كما في رواية غسان كنفاني " أم سعد " وإن ارتد الزمن الروائي فيها للكتابة عن النموذج المتخاذل إلى فترة ما قبل العام ١٩٤٨ .
في " حقل أرجوان " يقتل الفدائيون جعفر جبريل ، وهو أحد أفراد المجموعة التي شكلوها بعد هزيمة حزيران لمقاومة الاحتلال ، ويعود السبب إلى أنه لم يواصل معهم طريق المقاومة ، فقد انسحب من المجموعة ، بحجج تتمثل في أنه رب أسرة يريد أن يعيلها ، وفي أن المقاومة لن تؤثر على دولة استطاعت هزيمة ثلاثة جيوش عربية ، وما دفع إلى قتله أيضا أن دورية إسرائيلية داهمت أحد مخازن الذخيرة ، ولم يكن يعرف عن المخزن إلا جعفر والدكتور نافذ . وسيكتشف الدكتور لاحقا ان تصفية جعفر كانت خطأ ، فالرجل اعترف على المخزن ليحافظ على أعضاء الخلية وعدم تسليمهم ، " إذ لو اعترف بشكل كامل لكنا الآن في السجن ، لكن يبدو أنه افتدانا بالأسلحة وقتله ربما كان ارتجالا متسرعا " .
شخصية الشيخ أحمد حسن تبدو مختلفة عن شخصية جعفر جبريل ، فإمام الجامع الذي يقتل بعد عام من اشتباك الدكتور نافذ مع الجيش الإسرائيلي وجدت جثته " على عتبة داره وفي ظهره سكين غاص نصلها حتى القلب ، وقرب الجثة رسالة مختصرة " كتب فيها " لن يتاح لك بعد اليوم أن تخدع الثوار بقنابل إسرائيلية لا تنفجر .
شعب يمهل ولا يهمل " .
لقد نشأت ثمة علاقة بين الشيخ أحمد وبين الدكتور نافذ ، وجرت بينهما حوارات عديدة ، فمن هو هذا الشيخ ؟
الشيخ من قرية " فلامة " الصغيرة التابعة لمدينة قلقيلية ، وكما يروي عنها ابنها فقد تعرضت في العام ١٩٥١ " لهجوم يهودي قدر عدد أفراده ب " ١٣٠ " جنديا ، هاجموا القرية بالبنادق والرشاشات والألغام " ومني الهجوم بالفشل بعد أن استشهد مختار القرية وجرح بعض أبنائها " بعد ان دافع الحرس الوطني والأهالي عن القرية ببسالة نادرة " .
يكرم أهل عينابوس الشيخ ويجلونه وهو " شاب دون الأربعين ، لحيته سوداء ونظراته ثاقبة " وقد جاء إلى عينابوس " منذ عامين في ظروف غامضة هاربا من جور اليهود وملاحقتهم لعائلته المتدينة في سفارين التابعة لطولكرم " ويتحدث الشيخ عن أجداده المتدينين منذ القرن الثاني عشر ، وفي خطبة الجمعة وسهرات الليل يدعو للحياد عن الأمور السياسية والأحزاب التي تورط الشعب وتؤدي إلى المهالك " وما كان ليترك مناسبة إلا ويتهم فيها الدهريين والملحدين والشيوعيين ، عملاء موسكو ، بأنهم سبب البلاء ، هؤلاء الذين جاؤوا بالبدع الملحدة التي تحل محل الإله وتعيد أصل الكون للطبيعة والمادة " وهذا ما كان ينفر الدكتور نافذ منه الذي كان في أعماقه يرفض الأفكار الانهزامية والمحايدة التي يبثها الشيخ والتي تستغل سذاجة وجهل وغريزة الشعب .. " .
اعتراض الدكتور نافذ على آراء الشيخ كانت تجعل الأخير يمتعض من دهريات الأول وثقافته الطبيعية والمادية " ولكي يهرب من الحوار يغمز من جانبي بأن الملحدين والمشركين لا يمكن أن يحرروا فلسطين أو القدس الشريف " ، وحين يتفوه الشيخ بآرائه هذه يبدو مهتاجا " وفي غمرة هياجه راح يلمح إلى أن العمليات الفدائية ليست أكثر من عمليات انتحارية تقوم بها مجموعة من الشباب الأهوج المورط للشعب البريء " ، وهنا يشيد فجأة بمواقف الحاج أمين الحسيني الذي كان عدوا للانجليز واليهود .
والشيخ الذي يهاجم العمليات الفدائية يخطب في الوقت نفسه ضد إسرائيل والاحتلال ، ولأمر ما (؟) يدبر لمختار القرية طريق الهرب إلى الأردن .
في أثناء غياب الدكتور نافذ عن القرية يتفقده الشيخ ، وحين تموت ابنة الدكتور الطفلة يصلي الشيخ عليها ويعزيه وينفرد به " وأسر بأنه يرغب مقابلتي على انفراد لأمر خاص ومهم وعاجل " ، ويلتقيان لاحقا معا في بيت بعيد عن عينابوس ويقول الشيخ للدكتور كلمة السر بينه وبين القيادة في الأردن ويفاجئه باتصاله بالقيادة ويخبره بأنه حمل له ولمجموعته أموالا وأسلحة ، ويصبح بيت الشيخ " أحد المقرات السرية " للدكتور حين يشعر بالخطر " وفي تلك الليلة استفاض الشيخ بالكلام عن خديعة السلام مع عدو الدين الذي لا يحفظ عهدا ولا يعرف غير سلام السلاح والموت " .
المعركة بين الدكتور نافذ والجيش الإسرائيلي تتم في بيت الشيخ الذي أعطاه قنبلة لا تنفجر وسلمه للعدو .
صورة " الفلسطيني الخائن " في الرواية العربية ستظهر من جديد بعد ما يقارب ٣٦ عاما في رواية الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم و نجمة البحر " وهذا ما سوف أكتب عنه في مقال آخر ، وهنا يمكن إثارة السؤال الآتي :
- هل أراد الروائي علماني التوجه أن يسيء إلى التيارات الإسلامية أم أن الواقع الفلسطيني عرف حالات مثل هذه ؟
رواية " حقل أرجوان " رواية فيها قدر كبير من الأحداث والشخصيات الحقيقية ، وفي فترة الانتفاضة الأولى قتل إمام جامع في أحد مخيمات اللاجئين في مدينة نابلس لتعاونه مع الاحتلال ، وفي السنوات الأخيرة تردد أنه في العام ١٩٤٨ كان هناك حوالي ثمانية عشر إماما في القرى الفلسطينية هم يهود تظاهروا بأنهم فلسطينيون متدينون فأموا بالجوامع ، ومن المؤكد أن صورة الفلسطيني المندين ستختلف كليا بعد تأسيس حماس وحركة الجهاد الإسلامي .
الاثنين ٨ حزيران ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2574515539468666
وقد تكرر مثل هذا القول على لسان شخصيات عربية ؛ روائية وغير روائية ؛ سياسية وشعبية ، ودافع الفلسطينيون عنه في أدبياتهم وفي أحاديثهم ، وعزوا البيع إلى عائلات إقطاعية عربية ، وذهبوا إلى أكثر من ذلك ، فاتهموا الحكام العرب بالتخاذل والتبعية ، بل والتعاون مع الدولة الإسرائيلية ، وبلغ دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم ذروته في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، حين أقدمت دول عربية على إقامة علاقات سياسية وتطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي .
هذا الاتهام للفلسطينيين ورد الفلسطينيين عليه بدا ، كما لاحظنا ، في رواية " حقل أرجوان " .
والرواية التي كتبها كاتب سوري ورواها فلسطيني تأتي ، كما لاحظنا أيضا ، على نماذج فلسطينية سلبية ، منها شخصية المتخاذل وشخصية المتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي ، وهو ما لاحظناه أيضا ، وإن لم نضئه بما فيه الكفاية .
هنا سوف أتوقف بقليل من التفصيل أمام هذين النموذجين اللذين برزا أكثر وأكثر في الأدبيات الفلسطينية في الأرض المحتلة ، كما في قصص وروايات كثيرة ، مثل قصة " المخبر . ن " للقاص محمد نفاع ، ومجموعة " العودة " للقاص جمال بنورة ، على سبيل المثال لا الحصر ، ولم تخل منها أدبيات الفلسطينيين في المنفى كما في رواية غسان كنفاني " أم سعد " وإن ارتد الزمن الروائي فيها للكتابة عن النموذج المتخاذل إلى فترة ما قبل العام ١٩٤٨ .
في " حقل أرجوان " يقتل الفدائيون جعفر جبريل ، وهو أحد أفراد المجموعة التي شكلوها بعد هزيمة حزيران لمقاومة الاحتلال ، ويعود السبب إلى أنه لم يواصل معهم طريق المقاومة ، فقد انسحب من المجموعة ، بحجج تتمثل في أنه رب أسرة يريد أن يعيلها ، وفي أن المقاومة لن تؤثر على دولة استطاعت هزيمة ثلاثة جيوش عربية ، وما دفع إلى قتله أيضا أن دورية إسرائيلية داهمت أحد مخازن الذخيرة ، ولم يكن يعرف عن المخزن إلا جعفر والدكتور نافذ . وسيكتشف الدكتور لاحقا ان تصفية جعفر كانت خطأ ، فالرجل اعترف على المخزن ليحافظ على أعضاء الخلية وعدم تسليمهم ، " إذ لو اعترف بشكل كامل لكنا الآن في السجن ، لكن يبدو أنه افتدانا بالأسلحة وقتله ربما كان ارتجالا متسرعا " .
شخصية الشيخ أحمد حسن تبدو مختلفة عن شخصية جعفر جبريل ، فإمام الجامع الذي يقتل بعد عام من اشتباك الدكتور نافذ مع الجيش الإسرائيلي وجدت جثته " على عتبة داره وفي ظهره سكين غاص نصلها حتى القلب ، وقرب الجثة رسالة مختصرة " كتب فيها " لن يتاح لك بعد اليوم أن تخدع الثوار بقنابل إسرائيلية لا تنفجر .
شعب يمهل ولا يهمل " .
لقد نشأت ثمة علاقة بين الشيخ أحمد وبين الدكتور نافذ ، وجرت بينهما حوارات عديدة ، فمن هو هذا الشيخ ؟
الشيخ من قرية " فلامة " الصغيرة التابعة لمدينة قلقيلية ، وكما يروي عنها ابنها فقد تعرضت في العام ١٩٥١ " لهجوم يهودي قدر عدد أفراده ب " ١٣٠ " جنديا ، هاجموا القرية بالبنادق والرشاشات والألغام " ومني الهجوم بالفشل بعد أن استشهد مختار القرية وجرح بعض أبنائها " بعد ان دافع الحرس الوطني والأهالي عن القرية ببسالة نادرة " .
يكرم أهل عينابوس الشيخ ويجلونه وهو " شاب دون الأربعين ، لحيته سوداء ونظراته ثاقبة " وقد جاء إلى عينابوس " منذ عامين في ظروف غامضة هاربا من جور اليهود وملاحقتهم لعائلته المتدينة في سفارين التابعة لطولكرم " ويتحدث الشيخ عن أجداده المتدينين منذ القرن الثاني عشر ، وفي خطبة الجمعة وسهرات الليل يدعو للحياد عن الأمور السياسية والأحزاب التي تورط الشعب وتؤدي إلى المهالك " وما كان ليترك مناسبة إلا ويتهم فيها الدهريين والملحدين والشيوعيين ، عملاء موسكو ، بأنهم سبب البلاء ، هؤلاء الذين جاؤوا بالبدع الملحدة التي تحل محل الإله وتعيد أصل الكون للطبيعة والمادة " وهذا ما كان ينفر الدكتور نافذ منه الذي كان في أعماقه يرفض الأفكار الانهزامية والمحايدة التي يبثها الشيخ والتي تستغل سذاجة وجهل وغريزة الشعب .. " .
اعتراض الدكتور نافذ على آراء الشيخ كانت تجعل الأخير يمتعض من دهريات الأول وثقافته الطبيعية والمادية " ولكي يهرب من الحوار يغمز من جانبي بأن الملحدين والمشركين لا يمكن أن يحرروا فلسطين أو القدس الشريف " ، وحين يتفوه الشيخ بآرائه هذه يبدو مهتاجا " وفي غمرة هياجه راح يلمح إلى أن العمليات الفدائية ليست أكثر من عمليات انتحارية تقوم بها مجموعة من الشباب الأهوج المورط للشعب البريء " ، وهنا يشيد فجأة بمواقف الحاج أمين الحسيني الذي كان عدوا للانجليز واليهود .
والشيخ الذي يهاجم العمليات الفدائية يخطب في الوقت نفسه ضد إسرائيل والاحتلال ، ولأمر ما (؟) يدبر لمختار القرية طريق الهرب إلى الأردن .
في أثناء غياب الدكتور نافذ عن القرية يتفقده الشيخ ، وحين تموت ابنة الدكتور الطفلة يصلي الشيخ عليها ويعزيه وينفرد به " وأسر بأنه يرغب مقابلتي على انفراد لأمر خاص ومهم وعاجل " ، ويلتقيان لاحقا معا في بيت بعيد عن عينابوس ويقول الشيخ للدكتور كلمة السر بينه وبين القيادة في الأردن ويفاجئه باتصاله بالقيادة ويخبره بأنه حمل له ولمجموعته أموالا وأسلحة ، ويصبح بيت الشيخ " أحد المقرات السرية " للدكتور حين يشعر بالخطر " وفي تلك الليلة استفاض الشيخ بالكلام عن خديعة السلام مع عدو الدين الذي لا يحفظ عهدا ولا يعرف غير سلام السلاح والموت " .
المعركة بين الدكتور نافذ والجيش الإسرائيلي تتم في بيت الشيخ الذي أعطاه قنبلة لا تنفجر وسلمه للعدو .
صورة " الفلسطيني الخائن " في الرواية العربية ستظهر من جديد بعد ما يقارب ٣٦ عاما في رواية الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم و نجمة البحر " وهذا ما سوف أكتب عنه في مقال آخر ، وهنا يمكن إثارة السؤال الآتي :
- هل أراد الروائي علماني التوجه أن يسيء إلى التيارات الإسلامية أم أن الواقع الفلسطيني عرف حالات مثل هذه ؟
رواية " حقل أرجوان " رواية فيها قدر كبير من الأحداث والشخصيات الحقيقية ، وفي فترة الانتفاضة الأولى قتل إمام جامع في أحد مخيمات اللاجئين في مدينة نابلس لتعاونه مع الاحتلال ، وفي السنوات الأخيرة تردد أنه في العام ١٩٤٨ كان هناك حوالي ثمانية عشر إماما في القرى الفلسطينية هم يهود تظاهروا بأنهم فلسطينيون متدينون فأموا بالجوامع ، ومن المؤكد أن صورة الفلسطيني المندين ستختلف كليا بعد تأسيس حماس وحركة الجهاد الإسلامي .
الاثنين ٨ حزيران ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2574515539468666