د. أحمد الخميسي - كـورونا وقضايا الابداع الأدبي..

تروج الآن الكتابة حول تأثير وباء كورونا في الابداع الأدبي، والتغيرات التي قد تتعرض لها طرق وقضايا الابداع في ظل هموم ذلك الوباء. وإذا أردنا الدقة فإن علينا أن نسأل : هل نعني بالابداع الأشكال الأدبية السردية؟ أم مضمون تلك الأشكال؟ أم المدارس الأدبية؟. بالنسبة للمدارس الأدبية فإن مدرسة مثل الرومانسية ظهرت مع الانتقال المزلزل من النظام الاقطاعي إلى مجتمع صناعي تبرز فيه أهمية الفرد، وحريته، وفرديته، كما ظهرت المدرسة الدادية بعد الحرب العالمية الأولى كنوع من الاحتجاج اليائس على الحرب، أما بالنسبة للأشكال الفنية التي استقرت ملامحها العامة من زمن، مثل القصة، والمسرحية، والرواية، وحتى القصيدة، فإن تلك الأشكال ذات طبيعة ثابتة نسبيا لا تتبدل بسهولة، ولهذا فإن لم تتبدل كثيرا المباديء العامة التي قامت عليها القصة بصفتها أداة للكشف عن اللحظة، وكذلك الأمر بالنسبة للأشكال الأخرى. ومن هذه الزاوية فإن وباء كورونا لن يطرح جديدا ولا تجديدا. وستظل تكتب كما كانت تكتب من قبل الرواية، والمسرحية، والقصيدة، والقصة. إلا أن الوباء الأسود سيفرض ظله على مضمون الأعمال الأدبية، بمعنى أن فكرة المصير الانساني الموحد ستتصدر قائمة الاهتمام الفكري إلى حين، بعد أن رأينا، ومازلنا نرى، أن الوباء لا يميز بين فقير وثري، بين من يشغل منصبا مرموقا وبين بائع جوال، بين أبناء الشمال الصناعي وأبناء الجنوب الزراعي. وسيطرح الوباء الذي لا يعرف فروقا وهو يحصد ضحاياه فكرة أنه ما من فوارق بين البشر، وأننا إزاء قضيةوحدة المصير الانساني، وإزاء فكرة أنه لانجاة لأحد من دون الآخرين، ولا نجاة للآخرين من دون كل فرد. وقد سبق أن طرح الأدب فكرة المصير الانساني المشترك لكن على المستوى الاجتماعي عند جورج أوريل في روايته " 1984"، وعند كافكا في رواية " المحاكمة" وغيرها. كما طرحت الفكرة ذاتها لكن على المستوى الكوني بواسطة روايات الخيال العلمي التي تصورت غزوا خارجيا لكوكب الأرض يضع البشرية كلها أمام مصير واحد مشترك. في كل الأحوال قد يجدد وباء كورونا الاهتمام بتلك الفكرة : المصير الانساني المشترك خاصة مع الوقائع التي تمدنا بها الحياة كل يوم لتؤكد أن البشرية كلها في قارب واحد. وعلى سبيل المثال ففقد طالعتنا الصحف بخبر عن مصري مسيحي توفي بسبب كورونا في مستشفى إسنا للعزل الصحي بالأقصر، ولم يجد ابنه الدكتور مينا نبيل أحدا ليدفن والده، فطلب من المسلمين دفنه، فلم يتأخروا لحظة، وتوجهوا إلى المستشفى مع ابن الفقيد ورافقوا الجثمان إلى دير مقبر الشهداء بقرية القرايا بالأقصر ووقفوا حتى انتهت كل اجراءات مراسم الدفن القبطية ثم قاموا بدفنه. وفي منطقة الزاوية الحمراء توفي صيدلي مسيحي يدعى الدكتور ثروت، وكان بشوشا مع الجميع، يساعد الفقراء ويتنازل عن ديونه لمساعدتهم، وحين توفي فوجيء أهل المنطقة بأنهم لا يعرفون عنوان منزله، فأقاموا له من أنفسهم سرادق أمام الصيدلية وجلسوا يعزون أنفسهم في رحيله. هكذا سيطرح الوباء على الأدب فكرة انتصار الانسانية، وقضية المصير المشترك، حيث لا فرق بين مسيحي ومسلم، أو غني وفقير، لأن ثمة مصيرا واحدا يجمعنا، ولأننا جميعا أبناء الكرة الأرضية. وأظن أن الواقع يغذي عالم الابداع بتلك الفكرة الرئيسية ويلح على الخيال بفكرة أننا جميعا أبناء هذا الكوكب الصغير، وأن علينا أن نتطلع إلى الكون بصفته عالمنا المشترك، حتى وأقدام كل منا مغروسة في أرض بلاده. وقد كانت تلك الفكرة إحدى هموم الأدب من زمن بعيد، منذ أن صاح جوته " العالم قريتي". وفي يوم ما كتب ألبير كامو يقول: " إذا فشل الانسان في الجمع بين العدالة والحرية فسوف يفشل في كل شيء". الآن يمكننا أن نضيف إلى عبارة ألبير كامو كلمة أخرى فنقول : " إذا فشل في الجمع بين العدالة والحرية .. والانسانية". هذا هو الموضوع الذي قد يفتح له الابداع الادبي ذراعيه وينصت إلى صوته ويرصد تفاصيله في الحياة ليؤكد على أهمية سيرنا معا وكفاحنا معا من أجل كوكب آمن، وبيئة نظيفة، وحياة عادلة للجميع.
***
السبت 20 يونيو 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
حضور الجائحات والأوبئة والأمراض في الاداب والفنون
المشاهدات
620
آخر تحديث
أعلى