تأجل افتتاح برنامج الدكتوراه في القسم عشر سنوات وأكثر ، تقاعد خلالها ما لا يقل عن خمسة من الأساتذة ، ولكنهم ظلوا يحاضرون كأعضاء هيئة تدريس غير متفرغين.
خلال هذه السنوات العشر اقترح أحد أعضاء القسم ، في اجتماع لرئيس الجامعة مع مدرسي كلية الآداب ، افتتاح برنامج دكتوراه لغة عربية ، ما دفعني للاعتراض ثانية ، مكررا وجهة نظري القديمة وهي أنه ينبغي إعادة النظر في برنامج الماجستير .
إن فكرة إعادة النظر في برامج دراسات عليا طبقتها جامعات عربية في بلدان مجاورة لاحظ مدرسوها ضعف برنامجهم وخريجيهم ، فأوقفوا العمل في البرنامج لعام أو عامين ، ثم استانفوا البرنامج بعد وضع شروط جديدة.
الفكرة السابقة نفسها عرفت فكرة قريبة منها وأنا أدرس في ألمانيا ، فقد أخذ قسم ممن هم برتبة أستاذ دكتور ( بروفسور ) في ألمانيا الشرقية يهربون من بلدهم ، ملتجئين إلى ألمانيا الغربية ، ولم تعترف هذه برتبهم إلا بعد أن يعاد أستذتهم ( Rehabilitation ) ، وقد حضرت بنفسي محاضرة أستاذة هاجرت من ألمانيا الشرقية ودرست في جامعتي ( Bamberg ) لتمنح درجة الأستاذية من جديد . إنها الأستاذة ( Wiebke Walter ) التي كتبت مؤلفات عن " المرأة في الإسلام " و " ألف ليلة وليلة " وكنت أحيانا أقرأ معها بعض النصوص العربية حين تشكل عليها بعض المفردات المكتوبة بحروف عربية وهي ليست عربية.
قبل أعوام قليلة اشترطت وزارة التربية والتعليم / التعليم العالي على الجامعات ، إن كنت دقيقا ، ألا يتم افتتاح أكثر من برنامج دكتوراه في الجامعات - يعني لا يجوز أن يفتتح في الأرض المحتلة برنامجا دكتوراه في تخصص اللغة العربية في جامعتين مختلفتين ، وإن لم تعارض الوزارة التنسيق بين جامعتين لافتتاح برنامج دكتوراه موحد.
كانت إدارة الجامعة على علم وطيد بهذا ، فرئيس الجامعة له صلة وثيقة بوزارة التعليم العالي ، كونه رئيس جامعة ورئيس وزراء أيضا.
أخذ رئيس الجامعة القرار السابق بالحسبان ، وخشي أن تسبق جامعة أخرى غير جامعة النجاح جامعته التي ظل محتفظا برئاستها ، إلى جانب كونه رئيس وزراء ، فقرر افتتاح برنامج الدكتوراه في النجاح ليخصها به حتى يكون لها السبق ، فتفاخر باختلافها عن غيرها وبتميزها ووجود برامج دكتوراه فيها .
والحق إن فكرة المنافسة بين الجامعات فكرة لم ترق لي إطلاقا ، وما زالت لا تروق لي ، وهذا شيء آخر .
عندما عرض موضوع برنامج الدكتوراه على القسم وافق جميع أعضاء هيئة التدريس إلا أنا ، وكنت ما زلت أطالب بإعادة النظر في برنامج الماجستير الذي بدأ قويا ثم ترهل لأسباب عديدة كثيرة قد تكون وردت فيما سبق ، ويضاف إليها تدني مستوى قسم من الطلبة المقبولين الجدد . كانت الجامعة تقبل عددا محدودا من المتقدمين للبرنامج بتقدير جيد جدا على الأقل ، ثم صارت تقبل كل من يتقدم للدراسة ، وصار امتحان القبول شكليا ، ولم تفرمل سياسة القبول إلا بعد احتجاجات على مستوى طلاب من جامعات أخرى.
طلب مني أن أشارك في وضع مخطط برنامج الدكتوراه ، فلم أوافق ، وعندما طالبت الإدارة تبيان الأسباب بكتاب خطي ، كتبت وجهة نظري ، والكتاب فيما أعتقد ما زال موجودا.
تلخصت وجهة نظري في أمور عديدة منها أن أكثر حملة درجة الأستاذية غير مؤهلين للإشراف والتدريس ، وأن من هم برتبة أستاذ مشارك لا يختلفون عنهم أيضا . ومنها أن نصاب من هم برتبة أستاذ دكتور اثنتا عشرة ساعة تدريس ، عدا تدريسهم مساقات إضافية ، وتدريسهم في جامعات أخرى .
اشترطت شخصيا ، لكي أدرس الدكتوراه أن يكون نصابي التدريسي تسع ساعات فقط ، وألا أحضر إلى الجامعة إلا ثلاثة أيام ، فالحضور اليومي دون مبرر يستنزف الطاقة ، ومن الأسباب أيضا عدم قبول عدد كبير من الطلاب ، وهذا ما لم توافق عليه الإدارة.
رفضت الإدارة تخفيف العبء التدريسي ، ولم توافق على الدوام ثلاثة أيام فقط ، وقبلت في الدفعة الأولى خمسة عشر طالبا أضيف إليهم لاحقا عشرة طلاب آخرون ، ولا أظن أن هناك أساتذة أكفاء يشرفون على هذا العدد ، أساتذة لديهم مناهج دراسية نقدية أفادوها من الجامعات التي درسوا فيها . طبعا حين أدرج مساق دكتوراه تحت اسمي لم أعترض ؛ لأنني ما زلت عضو هيئة تدريس تجبره القوانين على ذلك ، وحين سحب المساق لم أكترث ولم أشعر بأسى أو حزن ، وحين سئلت بعد إنهاء عملي أن أدرس مساقا واحدا في البرنامج كررت شروطي لمواصلة التدريس : تسع ساعات أسبوعيا فقط وبعقد سنوي ودون أن أسأل من أي طرف ، لا من رئيس القسم ولا من العميد ولا من رئاسة الجامعة . هكذا كنت أثمن نفسي عموما.
ما سبق لا يعني أن برامج الدكتوراه في كثير من الجامعات العربية أفضل ، فأكثر أعضاء هيئة التدريس في القسم هم من خريجي تلك الجامعات ، وكثير من أبحاثهم لا قيمة كبيرة لها ، وكثير من الرسائل التي أشرفوا عليها ليست لها قيمة علمية كبرى ، والاقتباسات العلمية من هذه الرسائل يمكن أن يقول بالدليل ما أذهب إليه.
حين غادر الدكتور وليد سيف الجامعة الأردنية مستقيلا كتب في سيرته " الشاهد المشهود " شيئا مقاربا لما أكتب ، وربما فصل أكثر حين كتب عن زملائه ، وإن لم تخني الذاكرة فإنه لم يشعر بالندم ، إذ استشهد بأبيات شعرية هي :
" نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق " .
حين أعطيت محاضرتي الأخيرة في الجامعة ، يوم الثلاثين من أيلول ، أعطيتها بفرح كما أعطيت محاضرتي الأولى.
٢ تموز ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2594607654126121
خلال هذه السنوات العشر اقترح أحد أعضاء القسم ، في اجتماع لرئيس الجامعة مع مدرسي كلية الآداب ، افتتاح برنامج دكتوراه لغة عربية ، ما دفعني للاعتراض ثانية ، مكررا وجهة نظري القديمة وهي أنه ينبغي إعادة النظر في برنامج الماجستير .
إن فكرة إعادة النظر في برامج دراسات عليا طبقتها جامعات عربية في بلدان مجاورة لاحظ مدرسوها ضعف برنامجهم وخريجيهم ، فأوقفوا العمل في البرنامج لعام أو عامين ، ثم استانفوا البرنامج بعد وضع شروط جديدة.
الفكرة السابقة نفسها عرفت فكرة قريبة منها وأنا أدرس في ألمانيا ، فقد أخذ قسم ممن هم برتبة أستاذ دكتور ( بروفسور ) في ألمانيا الشرقية يهربون من بلدهم ، ملتجئين إلى ألمانيا الغربية ، ولم تعترف هذه برتبهم إلا بعد أن يعاد أستذتهم ( Rehabilitation ) ، وقد حضرت بنفسي محاضرة أستاذة هاجرت من ألمانيا الشرقية ودرست في جامعتي ( Bamberg ) لتمنح درجة الأستاذية من جديد . إنها الأستاذة ( Wiebke Walter ) التي كتبت مؤلفات عن " المرأة في الإسلام " و " ألف ليلة وليلة " وكنت أحيانا أقرأ معها بعض النصوص العربية حين تشكل عليها بعض المفردات المكتوبة بحروف عربية وهي ليست عربية.
قبل أعوام قليلة اشترطت وزارة التربية والتعليم / التعليم العالي على الجامعات ، إن كنت دقيقا ، ألا يتم افتتاح أكثر من برنامج دكتوراه في الجامعات - يعني لا يجوز أن يفتتح في الأرض المحتلة برنامجا دكتوراه في تخصص اللغة العربية في جامعتين مختلفتين ، وإن لم تعارض الوزارة التنسيق بين جامعتين لافتتاح برنامج دكتوراه موحد.
كانت إدارة الجامعة على علم وطيد بهذا ، فرئيس الجامعة له صلة وثيقة بوزارة التعليم العالي ، كونه رئيس جامعة ورئيس وزراء أيضا.
أخذ رئيس الجامعة القرار السابق بالحسبان ، وخشي أن تسبق جامعة أخرى غير جامعة النجاح جامعته التي ظل محتفظا برئاستها ، إلى جانب كونه رئيس وزراء ، فقرر افتتاح برنامج الدكتوراه في النجاح ليخصها به حتى يكون لها السبق ، فتفاخر باختلافها عن غيرها وبتميزها ووجود برامج دكتوراه فيها .
والحق إن فكرة المنافسة بين الجامعات فكرة لم ترق لي إطلاقا ، وما زالت لا تروق لي ، وهذا شيء آخر .
عندما عرض موضوع برنامج الدكتوراه على القسم وافق جميع أعضاء هيئة التدريس إلا أنا ، وكنت ما زلت أطالب بإعادة النظر في برنامج الماجستير الذي بدأ قويا ثم ترهل لأسباب عديدة كثيرة قد تكون وردت فيما سبق ، ويضاف إليها تدني مستوى قسم من الطلبة المقبولين الجدد . كانت الجامعة تقبل عددا محدودا من المتقدمين للبرنامج بتقدير جيد جدا على الأقل ، ثم صارت تقبل كل من يتقدم للدراسة ، وصار امتحان القبول شكليا ، ولم تفرمل سياسة القبول إلا بعد احتجاجات على مستوى طلاب من جامعات أخرى.
طلب مني أن أشارك في وضع مخطط برنامج الدكتوراه ، فلم أوافق ، وعندما طالبت الإدارة تبيان الأسباب بكتاب خطي ، كتبت وجهة نظري ، والكتاب فيما أعتقد ما زال موجودا.
تلخصت وجهة نظري في أمور عديدة منها أن أكثر حملة درجة الأستاذية غير مؤهلين للإشراف والتدريس ، وأن من هم برتبة أستاذ مشارك لا يختلفون عنهم أيضا . ومنها أن نصاب من هم برتبة أستاذ دكتور اثنتا عشرة ساعة تدريس ، عدا تدريسهم مساقات إضافية ، وتدريسهم في جامعات أخرى .
اشترطت شخصيا ، لكي أدرس الدكتوراه أن يكون نصابي التدريسي تسع ساعات فقط ، وألا أحضر إلى الجامعة إلا ثلاثة أيام ، فالحضور اليومي دون مبرر يستنزف الطاقة ، ومن الأسباب أيضا عدم قبول عدد كبير من الطلاب ، وهذا ما لم توافق عليه الإدارة.
رفضت الإدارة تخفيف العبء التدريسي ، ولم توافق على الدوام ثلاثة أيام فقط ، وقبلت في الدفعة الأولى خمسة عشر طالبا أضيف إليهم لاحقا عشرة طلاب آخرون ، ولا أظن أن هناك أساتذة أكفاء يشرفون على هذا العدد ، أساتذة لديهم مناهج دراسية نقدية أفادوها من الجامعات التي درسوا فيها . طبعا حين أدرج مساق دكتوراه تحت اسمي لم أعترض ؛ لأنني ما زلت عضو هيئة تدريس تجبره القوانين على ذلك ، وحين سحب المساق لم أكترث ولم أشعر بأسى أو حزن ، وحين سئلت بعد إنهاء عملي أن أدرس مساقا واحدا في البرنامج كررت شروطي لمواصلة التدريس : تسع ساعات أسبوعيا فقط وبعقد سنوي ودون أن أسأل من أي طرف ، لا من رئيس القسم ولا من العميد ولا من رئاسة الجامعة . هكذا كنت أثمن نفسي عموما.
ما سبق لا يعني أن برامج الدكتوراه في كثير من الجامعات العربية أفضل ، فأكثر أعضاء هيئة التدريس في القسم هم من خريجي تلك الجامعات ، وكثير من أبحاثهم لا قيمة كبيرة لها ، وكثير من الرسائل التي أشرفوا عليها ليست لها قيمة علمية كبرى ، والاقتباسات العلمية من هذه الرسائل يمكن أن يقول بالدليل ما أذهب إليه.
حين غادر الدكتور وليد سيف الجامعة الأردنية مستقيلا كتب في سيرته " الشاهد المشهود " شيئا مقاربا لما أكتب ، وربما فصل أكثر حين كتب عن زملائه ، وإن لم تخني الذاكرة فإنه لم يشعر بالندم ، إذ استشهد بأبيات شعرية هي :
" نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق " .
حين أعطيت محاضرتي الأخيرة في الجامعة ، يوم الثلاثين من أيلول ، أعطيتها بفرح كما أعطيت محاضرتي الأولى.
٢ تموز ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2594607654126121