د. عادل الاسطة - آخر أدباء المقاومة في فلسطين : " توفيق فياض"

حين أصدر الكاتب القصصي محمد نفاع مجموعته القصصية " التفاحة النهرية " خصصته بمقالة أتيت فيها على أدب المقاومة في فلسطين ١٩٤٨ . وفي فترة متأخرة التقيت به وتحدثنا عن أدباء المقاومة هناك . هل ذكرنا القاص توفيق فياض أم أنه غاب عن ذهنينا.
التقيت بأكثر أدباء المقاومة ، إلا توفيق زياد وسالم جبران وتوفيق فياض وراشد حسين وبعض أدباء آخرين.
أنا دارس للأدب الفلسطيني ومتابع له وكان لزاما علي أن أتعرف على الأدباء الذين أكتب عنهم وأن أحاورهم ، وأظن أنها ميزة أو فضيلة ، ولهذا سعيت غالبا إلى مقابلتهم.
توفيق فياض كاتب قصصي قرأت مجموعته " الشارع الأصفر " في نهاية ٧٠ القرن ٢٠ وراقت لي ، ولما درست الماجستير في الجامعة الأردنية حصلت على مجموعته الثانية " البهلول " من الناقد فخري صالح وما زلت أحتفظ بها . إنني مدين لفخري كثيرا فقد أفادتني النسخة في دراسات عديدة لاحقا.
لم أتواصل مع توفيق فياض إلا في العام الماضي ، وكنت أقريه السلام حين يخبرني شخص أنه مسافر إلى تونس وأنه قد يلتقي به.
كتبت عن قصصه القصيرة ومسرحيته " بيت الجنون " وروايته "وادي الحوارث " في كتبي ودراساتي التي تناولت موضوعي القدس واليهود وفن القصة القصيرة ، ودرست نماذج من أعماله في مساقات " الأدب الفلسطيني" و"القدس في الأدب العربي"و"المدخل إلى تذوق النص الأدبي "و"موضوع خاص في الأدب الفلسطيني".
ونحن نتراسل معا على الماسنجر اتفقنا - إن زار فلسطين - أن نلتقي وأن أستقبله في جامعة النجاح الوطنية ليتحاور مع الطلاب.
توفيق فياض الآن يزور فلسطين وقد التقينا في رام الله.
هناك عبارة شهيرة تقول :
" إذا لم يذهب محمد إلى الجبل ، فعلى الجبل أن يأتي إلى محمد " وأحيانا أقول إن علي أن أذهب إلى الرعيل الأخير من أدباء المقاومة في فلسطين لأحاورهم وأكتب عنهم ، فهم في النهاية فلسطين التي ينبغي أن نعود إليها لا أن نحملها معنا في حقائبنا إلى المنافى ، وكما كتب محمود درويش:
" وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر " .
قال لي توفيق إنه اتصل بي في نابلس وأن هاتفي معطل ويرغب في أن نلتقي وأنه في رام الله حتى الخميس ، فقلت له:
- آتي الخميس إلى رام الله .
منذ سنوات لم أزر مبنى خليل السكاكيني ، وتحديدا منذ وقعت ، بحضور وزيرة الثقافة السيدة سهام البرغوثي ، كتابي " قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية " الذي نشرته وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية في ٢٠١٢ .
الفندق الذي يقيم فيه الكاتب هو فندق (بيوتي . ن) مقابل السكاكيني . قلت هي مناسبة لأذرع الشارع المؤدي إلى هناك ، وهناك التقيت بالشاعر محمود درويش وهي مناسبة لأقرأ الفاتحة على روحه في ذكرى وفاته الحادية عشرة .
كان الموعد في الثانية ظهرا ولما وصلت في الواحدة والربع ، فقد كان علي الانتظار حتى يفرغ الكاتب من التزاماته التي أخبرني عنها.
في الثانية توقفت سيارة عمومي ونزل الكاتب منها ، فقد عرفته من صوره .
حين تلتقي كاتبا قرأت له أو كتبت عنه فأنت لا تسأل كيف سننفق معا خمس ساعات نتحدث معا فيها في اللقاء الأول ، ولسوف تمضي الساعات مضيا سريعا وأنت تشعر أنك قلت شيئا ولم تقل أشياء أخرى كثيرة دون أن تدعي في العلم فلسفة.
سوف تستحضر ، في أثناء حضور الكاتب الذي قرأت له وكتبت عن أعماله ، ما قرأته وما كتبته وأكثر . سوف تستحضر الأدباء الذين كانت له صلة بهم ممن قرأت لهم وكتبت عنهم ، وسوف تستحضر أعمال الأدباء الذين واصلوا رحلتهم أيضا.
سألت توفيق فياض :
- من بقي منكم من كتاب الستينيات في فلسطين؟
وأخذنا معا نعدد الأسماء :
- حنا أبو حنا وحنا ابراهيم ومحمد نفاع ومحمد علي طه.
وقلت له إنني مقصر بحق حنا أبو حنا الذي امتدحه توفيق كثيرا .
حنا أبو حنا ومحمد نفاع كانا حاضرين في اللقاء معنا ، فقد حدثني عن بداية علاقته بهما باستطراد .حدثني أنه هو أول من قرأ قصص نفاع ومدحها وشجع محمود درويش محرر "الجديد " على نشرها ، وذكر لي الدور الريادي لحنا أبو حنا .
محمود درويش وسميح القاسم سيحضران ويجلسان معنا على المائدة ، فقد أصر الكاتب على تناول وجبة الغداء معا.
من توفيق سمعت كلاما كثيرا عن محمود ورحيله وقال لي إن السبب الأساسي لا يعرفه الكثيرون . قال لي أيضا عن ريتا كلاما أصغي إليه أول مرة وحين ذكرت على مسمعه ما قاله الشاعر في المقابلات أصر الكاتب على روايته هو . إن (ريتا) هي (اريت) وقد عكسها ليكون لاسمها ايقاع شعري ، فالشاعر الذي كان يكتب الشعر كانت له طريقة معينة في استساغة الشعر قبل نشره و إشهاره تتمثل في قراءة ما يكتب بصوت عال.
سنأتي ونحن نتحدث عن الأدب والأدباء على رواية الكاتب الياس خوري الذي ولد في بيروت ونشأ فيها وخص مدن فلسطين التي لم يرها بروايتين وأكثر " أولاد الغيتو:اسمي آدم " و"أولاد الغيتو 2 : نجمة البحر " وفيهما خص اللد وحيفا ويافا بمساحة كتابية واسعة.
وأنا أقرأ ما كتبه الياس عن حيفا أحببت أن أتأكد من بعض ما أورده ، إذ كيف يكتب روائي رواية عن مكان لم يقم فيه؟
في " نجمة البحر " أورد الياس قصة مثل حيفاوي هو "أشطر من ضومط على العجم " ولقد سألت أهل المدينة عنه ، فما أفادوني . الوحيد الذي قال لي إن المثل شاع في حيفا هو توفيق فياض وقد صحح في الاسم . ضومط هو ضامط .قال لي توفيق إنه يعرف حيفا جيدا وما زال يتذكرها وله فيها ذكريات منها ما يخص قصته " قطتي الشقراء " التي تردد محمود درويش في نشرها في الجديد ظانا أنها من نماذج القصة القصيرة العالمية ، فلم يكن يومها يعلم أنها من كتابة فلسطيني يقيم في حيفا يكتب باسم مستعار هو " ابن الشاطيء " ، ولم يكن الشاعر تعرف إلى القاص بعد.
وستكون هناك قصة للقصة ، فبعد أن نشرها وقويت علاقته بالشعراء سميح القاسم ومحمود درويش وسالم جبران وآخرين سيسيرون معا في الدرج المؤدي إلى الكرمل ، وستمر بالقرب منهم خمس طالبات كانت إحداهن قرأت القصة وعرفت كاتبها ، ولسوف تموء هذه كما لو أنها القطة في القصة وكان مواؤها مشفرا :" لقد قرأت القصة".
ويتحدث توفيق عن تلك الفترة كما لو أنه ما زال قريبا منها، على الرغم من مرور ٥٤ عاما وأكثر عليها.
- لماذا لم تكتب القصة القصيرة بعد خروجك من فلسطين في ١٩٧٤ ؟
- لقد كتبت ما يقارب العشر قصص ولكنني لم أنشرها في مجموعة ، ثم إنني منذ انتزعت من بيئتي التي نشأت فيها ما عدت قادرا على الكتابة عن بيئات طارئة.
توفيق فياض في مجموعته "البهلول " كان من الكتاب القليلين الذين أنهوا كتاباتهم باختيار المواجهة الدموية بين الفلسطينيين والاحتلال ، ولقد تحدثنا عن الناقد المصري غالي شكري وكتابه " أدب المقاومة" وموقفه من درويش والقاسم وغيرهما ممن عدهم شكري أدباء احتجاج لا أدباء مقاومة.
الكتابة عن اللقاء الذي استمر خمس ساعات تطول والحيز ضيق ، وربما نقرأ الكثير مما دار بيننا من حوار في السيرة الذاتية التي يعكف الكاتب على إنجازها . فهل سينتهي منها عما قريب؟



الجمعة ٢٦تموز ٢٠١٩

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...