البروفيسور عادل الأسطة - حزيران الذي لا ينتهي ) 64 : ( كابوس الاحتلال والأقدام المورقة)

ما بين العام 1980 و1982 أقمت في عمان للحصول على شهادة الماجستير من الجامعة الأردنية.
يقول المثل " رب ضارة نافعة" ، وهذا ما حدث.
في ربيع العام 1980 تقدمت بطلب للعمل في مكتبة جامعة النجاح ، وتقدم معي ثلاثة وستون آخرون ، وكانت الجامعة بحاجة إلى ثمانية موظفين ، ولهذا قررت إجراء اختبارين للمتقدمين ، حتى تختار منهم أفضلها ؛ الاختبار الأول كان في علم المكتبات ، وأما الثاني فكان في الثقافة العامة . وقد كان اسمي الأول بين المتقدمين ، لا لأنني عبقري زمانه ، وإنما لأنني كنت في الجامعة الأردنية ، في فترة البكالوريوس ، من رواد المكتبة باستمرار ، فقد كنت أنفق فيها ساعات ، كما كنت أستعير منها الكتب ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية فإنني لما عينت معلما لم أنقطع عن القراءة ، فلم أختم العلم بالحصول على الشهادة ، وإنما واظبت على تثقيف نفسي ، وواصلت اقتناء الكتب وقراءتها ، بل وحض الطلاب على القراءة.
لم ألتفت إلى المثل الذي قاله لي مدير مدرسة الجاحظ / الصلاحية المرحوم أبو شوقي " كثير النط ،قليل الصيد "، وكان قال لي هذا المثل لما لاحظ أنني ، باستمرار ، أبحث عن فرص عمل أخرى أفضل . ووجدت نفسي أتابع الإعلانات في الجرائد ، بخاصة الإعلانات الصادرة عن جامعة النجاح وجامعات أخرى .
كنت تقدمت للعمل في جامعة النجاح التي كانت توظف حملة البكالوريوس ، ولكني لم أكن ذا حطوة ، أو لم يكن لي رصيد ، وربما لم يكن مرضيا عني ، فلم أكن على علاقة حسنة ببعض المسؤولين ، بل إنني كنت اهاجم قسما منهم ، وكنت أنشر مقالات باسم مستعار هو ( عادل الراوي وعادل بلاطة ) وحصل على الوظيفة بعض زملائي ، لا لأنهم أفضل مني علما ، وإنما لأنه لكل مجتهد نصيب ، على رأي توفيق الحكيم في مسرحيته . ( في هذه الفترة كنت قرأت رواية أميل حبيبي " المتشائل " مرتين ، وأخذت أكتب على غرارها ، رسائل تحت عنوان " رسائل من المخيم " ونشرتها في جريدة " الفجر " التي أشرف المرحوم علي الخليلي عليها ، ولا تنسى جهوده في تطوير الحركة الأدبية ورعايتها . وبعض ما أكتبه هنا كنت أوردته في بعض الرسائل التي نشرتها في 1979 ).
حين لاحظت اسمي في الإعلان قررت أن أذهب لمقابلة اللجنة ، فعدا الامتحان لا بد من مقابلة ترصد لها علامات من أجل التعيين ، وأعتقد أنني كنت موفقا في المقابلة ، ومع ذلك فلم أعين ، ووظف مكاني صديقي مهيب المصري الذي لم يتقدم للامتحانين ، ولم يحضر للمقابلة ، وهذا ، طبعا ، يتماثل مع المثل الشعبي " الذي يحرك العسل يتذوقه "، وكما كتب الحكيم ف " لكل مجتهد نصيب " وقد اجتهد صديقي المرحوم الذي ظللت أذكره بقصة تعيينه كلما التقينا.
كنت أعرف المرحومين يسرى صلاح وشوكت زيد وموسى الجيوسي ، وكانوا من مجلس أمناء الجامعة ، ولما راجعتهم في الأمر قالوا لي : نحن نتابع كتاباتك في الجريدة ، ولا نريد أن تعمل عملا إداريا ، والأفضل أن تحصل على منحة وأن تكمل تعليمك ، فتعود إلى الجامعة لتعمل في سلك التدريس ، ونعتقد أنك ، بهذا ، تفيد أكثر ، وقد تبدع ، وأما المرحوم شوكت زيد فاضاف : أنت لديك وظيفة ونريد أن نثبتك في مكان عملك ، ولما أخبرته أن صديقي مهيب كان يعمل أيضا في سلك التعليم ، ومع ذلك فقد وظفتموه ، ابتسم ، فلكل مجتهد نصيب.
اقترحت علي المرحومة يسرى صلاح أن تساعدني في الحصول على بعثة دراسية ، إن أنا حصلت على قبول من جامعة ما لمواصلة دراستي العليا ، واتكأت في كلامها على صلة المرحوم موسى الجيوسي بصندوق الطلبة الفلسطينيين في بيروت ، و قد أحضر لي المرحوم طلبا لاعبئه ، من أجل المنحة ، وهذا ما لم يتحقق ، على الرغم من حصولي على مقعد لدراسة الماجستير في الجامعة ، ( هنا اشير إلى أنني أخبرت الدكتور محمود السمرة بالأمر ، فكتب رسالة وجهها إلى زميله وصديقه د.محمد يوسف نجم ، يطلب فيها منه مساعدتي واعطائي منحة ، وهذا ما تم ، فقد وافق صندوق الطلبة على منحي قرضا ، لمدة ثاثة فصول ، دفعتها رسوما ، فلم يغط القرض أكثر من هذا ) ، ومع ذلك فقد سافرت واعتمدت على نفسي ، فعملت في مكتبة الجامعة ، وفي إحدى الجرائد الأردنية ، أكتب مقالات وتحقيقات ،مقابل مكافآت.
كان الكابوس الذي يلاحقني هناك مرعبا . غالبا ما حلمت بأنني في سيارة في طريقي إلى الجامعة الأردنية ، والأعشاب تنمو على قدمي . وكنت أصحو من النوم فزعا مرتعبا أتحسس قدمي.
في صيف العام 1981 كتب قصة عنوانها " الأقدام المورقة "ونشرتها ، ابتداء ، في مجلة الجديد الحيفاوية الشيوعية ،ثم أعدت نشرها ، لاحقا ، تحت عنوان " مكان آخر للعشب".
في صيف العام 1980 ، إن لم تخني الذاكرة ، صحا أهل الضفة الغربية على خبر مفزع ومؤلم ، وهو " تفجير سيارات رؤساء البلديات " ، ومنهم السيد بسام الشكعة ، وكريم خلف /رام الله ، ومحمد ملحم/ حلحول . وقد أصيب أكثر هؤلاء إصابات بالغة ، وبترت قدما السيد الشكعة.
في الثانية ظهرا ، وكان منع التجول فرض على المدينة ، كنت في بيت خالتي ، قرب المقبرة الغربية ، وإذا بسيارة تأتي وينزل منها رجال بأيديهم كيس نايلون ، وفيه قدما بسام الشكعة . لقد دفنا جزءا من الرجل الذي ما زال على قيد الحياة ، وأظن أن الكابوس الذي عانيت منه ، في عمان ، وأنا أدرس الماجستير ، لم يبتعد كثيرا عما شاهدته وشاركت فيه .
سأنهي الماجستير في عامين ، وسأعود إلى الضفة ، وعيني على جامعة ما ، مثل النجاح أو بير زيت أو بيت لحم ، ولم يمر شهران على عودتي حتى عينت في جامعة النجاح.
هناك مقولة يكررها الناس في بلادنا عن مدينة عمان والدولة الأردنية هي : إنها تزدهر على مصائب الآخرين : مأساة 1948 ، وحرب1967، والحرب الأهلية اللبنانية 1975، والحرب العراقية 1980 وما تلاها ، ثم حرب الخليج 1991 ، وأخيرا ما يجري في سورية . ويبدو أنني مثل عمان ازدهرت على نكسات وتبعاتها.
في أثناء بحثي عن عمل في الجامعات لم أجد شاغرا ، فالتخصص المطلوب كان البلاغة ، وأنا كتبت في الأدب الفلسطيني والنقد ، ومع ذلك فقد عينت .
كانت سلطات الاحتلال طلبت من أساتذة الجامعات القادمين ، بتصاريح زيارة ، أن يوقعوا على قرار ما،وهذا ما رفضته م.ت.ف ، فأبعدت سلطات الاحتلال هؤلاء المدرسين ، وكان لا بد من تعبئة الفراغ.
أنا من حراس الفراغ ، ومصائب قوم عند قوم فوائد.
خربشات 29/7/2016


https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/1730539883866240

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...