قليلون هم المسرحين الذين حافظوا على وهجهم وكانوا ايقونة تعليمية مستمرة لكل الاجيار ولم تغلفهم الكلاسيكية او يتغيبهم المرحلة , لا بل ان هذا القليل من المبدعين حافظ على اداءه الابداعي حتى اخر رمق من الشيخوخة وظل متوهجا في العطاء وساحرا في الاداء وراهبا في منح المعنى معنى اخر من الفخامة والهيبة .
لعل في العراق يقف في مقدمة هؤلاء المبدعين العصيين على النيسان عميد المسرح العراقي الدكتور سامي عبد الحميد الذي بقي لاخر لحظات عمره درسا مستمرا للاجيال في تحقيق المعادلة الشكسبيرية مسرحا ( اكون او لا اكون ) فكان على الدوام هو الساحر والمعلم والمتجدد , فهذا الراهب الكبير في المسرح العراقي بات ظاهرة مسرحية تجد وتجتهد كثيرا كي تلحق بها ابداعيا او قد لا تلحق , فكيف عاش وماهي مسيرته التي صنعت منه ذلك الساحر والراهب بامتياز هي مايجب ان يقتفيها كل مشتغل في المسرح كي يتعلم كيف يكون او لايكون .
في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى عام 1928 ابصر النور سامي عبد الحميد لعائلة من طبقة النبلاء كون والده كان مدير المال في الحكومة العراقية انذاك,عشق الفن والمسرح واعتلى خشبته لال مرة في مدينة تكريت حينما كان طالبا في متوسطة التفيّض الأهلية بعد أن لعب دورا في مسرحية "البخيل" للشاعر الفرنسي موليير، ولبراعته في المسرح أكمل دراسته الإعدادية في مدينة الديوانية، ومن ثم أكمل الحقوق في بغداد، كما ودرّس العلوم المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، وحصل على ليسانس الحقوق ومن ثم دبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وشهادة الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة الامريكية , كتب ومثل واخرج العديد من الاعمال المسرحية العالمية منها والعربية والعراقية , وشغل منصب رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضوا في لجنة المسرح العراقي وعضوا في المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين , وتزوج من الممثلة فوزية عارف، وانجب منها ابنته الإعلامية أسيل عبد الحميد وانضم مبكرا لفرقة المسرح الحديث منذ وقت تأسيسها عام 1959، وشارك في أغلب أعمالها في الإخراج والتمثيل .
على خشبة المسرح كان هو العارف والمتبصر في تقديم عروض تحفظها الذاكرة المسرحية من عثة النسيان فقدم اهم التجارب المسرحية العراقية اخراجيا اهمها ( ثورة الزنج - وملحمة كلكامش- وبيت برناردا- وألبا- وأنتيغوني- والمفتاح- وفي انتظار غودو- وعطيل في المطبخ- وهاملت عربيا - والقرد كثيف الشعر) كان يعي مايريد عبر طرح هذه القضايا مسرحيا وهو الباحث عن وعي المجتمع وتحفيزه نحو المجتمع المثالي المفترض .
حتى في الاعمال التي لم يكن فيها مخرجا كانت له بصيرته الابداعية في قبول اي الادوار التي تبقيه خالدا في وجدان المتفرج فمثل في اهم الاعمال المسرحية وهي : مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد ومسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) ايضا للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد ومسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل عوني كرومي ومسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي غريغوري غورين و إخراج الراحل فاضل خليل ومسرحية (قمر من دم) ايضا إخراج الراحل فاضل خليل ومسرحية (غربة) اخراج الدكتور كريم خنجر, اعمال ابقته عصيا على النسيان دوما .
وفي رحلته مع السينما كان هو ذاته ذلك الفنان المتبصر في قبول اي الاعمال السينمائية التي تبقى في ذاكرة المتفرج دوما ولا تغادر مخيلته فكانت مسيرته مع فلم (من المسؤول؟ - 1956) إخراج عبد الجبار ولي وفيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج كامل العزاوي وكان أول فيلم عراقي ملون وفيلم (المنعطف 1975) إخراج جعفر علي و فيلم (الأسوار 1979) إخراج محمد شكري جميل وفيلم (المسألة الكبرى 1982) إخراج ايضا محمد شكري جميل وفيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج محمد شكري جميل وفيلم (كرنتينا) للمخرج الشاب عدي رشيد.
ومن يتابع بتمعن رحلته مع التلفزيون يعرف اننا امام اي عقلية فنية نتحدث , ففي التلفزيون المساحة الاخطر على الفنان عرف كيف يحجز مقعده في ذاكرة الدراما فاختار بتمعن وبصيرة ادواره التي اتسمت بدقة الاختيار والتاثير في مسلسل "النسر وعيون المدينة" عام 1983 وفي مسلسل "رجال الظل" عام 1997 وفي مسلسل "أبو جعفر المنصور" عام 1998
ولم ينسى يوما ان الكتابة حفظت للسومريين والبابليي والاشوريين والفراعنة تاريخهم فراح يكتب ويبحث ويقدم تجربته على ورق فالف عدة كتب منها: ( فن الإلقاء- وفن التمثيل- وفن الإخراج) , فيما ترجم عدة منها: ( العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين- وتصميم الحركة لأوكسنفورد- والمكان الخالي لبروك) و فيما كتب عشرات البحوث من أهمها: ( الملامح العربية في مسرح شكسبير- والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز- والعربية الفصحى والعرض المسرحي- وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي)
حضورة الساحر في المسرح والسينما والدراما كانت جواز سفره للمشاركة في عدة مهرجانات مسرحية ممثلا ومخرجا أو ضيفا منها : ( مهرجان قرطاج- ومهرجان المسرح الأردني- ومهرجان ربيع المسرح في المغرب - ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا - ومهرجان جامعات الخليج العربي - وأيام الشارقة المسرحية) .
لم تكن الجوائز مبتغاه بل كان العطاء غايته ومنتهى مناه الا ان مسيرته سجلت حصوله على الكثير من الجوائز والأوسمة منها: ( جائزة التتويج من مهرجان قرطاج- ووسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس- وجائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية- وجائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول- وجائزة التجريب من مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة, واخر تكريم له هو اطلاق شرف اسمه على مهرجان محترف ميسان المسرحي الدولي اونلاين 2020 .
توفي صباح الأحد 29 سبتمبر 2019 في العاصمة الأردنية عمان عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاما، بعد صراع مع المرض قضى كل سنوات عمره في التجريب والكتابة والبحث وتقديم كل ماهو متجدد للاجيال التي درسها او التي عمل معها فكان بحق مايستروا الاجيال , فمن كان يرى ذلك الاداء الساحر والصوت الكهنوتي على الخشبة في عرض واحد يتعلم الف ياء المسرح كلها من ساحر عرف كيف يطوع المسرح بادواته الفذة ويحيله الى مكان مقدس تتطهر فيه الروح من ادرانها ,لم يكن يقدم مسرحا بمعناه بل كان يقدم روح الكلمة ومعنى الموقف وفخامة الانسان المفترض , سامي عبد الحميد استطاع ان يغير التجربة المسرحية ويجعلها على مر الاجيال تختصر به لا العكس .
لعل في العراق يقف في مقدمة هؤلاء المبدعين العصيين على النيسان عميد المسرح العراقي الدكتور سامي عبد الحميد الذي بقي لاخر لحظات عمره درسا مستمرا للاجيال في تحقيق المعادلة الشكسبيرية مسرحا ( اكون او لا اكون ) فكان على الدوام هو الساحر والمعلم والمتجدد , فهذا الراهب الكبير في المسرح العراقي بات ظاهرة مسرحية تجد وتجتهد كثيرا كي تلحق بها ابداعيا او قد لا تلحق , فكيف عاش وماهي مسيرته التي صنعت منه ذلك الساحر والراهب بامتياز هي مايجب ان يقتفيها كل مشتغل في المسرح كي يتعلم كيف يكون او لايكون .
في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى عام 1928 ابصر النور سامي عبد الحميد لعائلة من طبقة النبلاء كون والده كان مدير المال في الحكومة العراقية انذاك,عشق الفن والمسرح واعتلى خشبته لال مرة في مدينة تكريت حينما كان طالبا في متوسطة التفيّض الأهلية بعد أن لعب دورا في مسرحية "البخيل" للشاعر الفرنسي موليير، ولبراعته في المسرح أكمل دراسته الإعدادية في مدينة الديوانية، ومن ثم أكمل الحقوق في بغداد، كما ودرّس العلوم المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، وحصل على ليسانس الحقوق ومن ثم دبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وشهادة الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة الامريكية , كتب ومثل واخرج العديد من الاعمال المسرحية العالمية منها والعربية والعراقية , وشغل منصب رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضوا في لجنة المسرح العراقي وعضوا في المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين , وتزوج من الممثلة فوزية عارف، وانجب منها ابنته الإعلامية أسيل عبد الحميد وانضم مبكرا لفرقة المسرح الحديث منذ وقت تأسيسها عام 1959، وشارك في أغلب أعمالها في الإخراج والتمثيل .
على خشبة المسرح كان هو العارف والمتبصر في تقديم عروض تحفظها الذاكرة المسرحية من عثة النسيان فقدم اهم التجارب المسرحية العراقية اخراجيا اهمها ( ثورة الزنج - وملحمة كلكامش- وبيت برناردا- وألبا- وأنتيغوني- والمفتاح- وفي انتظار غودو- وعطيل في المطبخ- وهاملت عربيا - والقرد كثيف الشعر) كان يعي مايريد عبر طرح هذه القضايا مسرحيا وهو الباحث عن وعي المجتمع وتحفيزه نحو المجتمع المثالي المفترض .
حتى في الاعمال التي لم يكن فيها مخرجا كانت له بصيرته الابداعية في قبول اي الادوار التي تبقيه خالدا في وجدان المتفرج فمثل في اهم الاعمال المسرحية وهي : مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد ومسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) ايضا للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد ومسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل عوني كرومي ومسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي غريغوري غورين و إخراج الراحل فاضل خليل ومسرحية (قمر من دم) ايضا إخراج الراحل فاضل خليل ومسرحية (غربة) اخراج الدكتور كريم خنجر, اعمال ابقته عصيا على النسيان دوما .
وفي رحلته مع السينما كان هو ذاته ذلك الفنان المتبصر في قبول اي الاعمال السينمائية التي تبقى في ذاكرة المتفرج دوما ولا تغادر مخيلته فكانت مسيرته مع فلم (من المسؤول؟ - 1956) إخراج عبد الجبار ولي وفيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج كامل العزاوي وكان أول فيلم عراقي ملون وفيلم (المنعطف 1975) إخراج جعفر علي و فيلم (الأسوار 1979) إخراج محمد شكري جميل وفيلم (المسألة الكبرى 1982) إخراج ايضا محمد شكري جميل وفيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج محمد شكري جميل وفيلم (كرنتينا) للمخرج الشاب عدي رشيد.
ومن يتابع بتمعن رحلته مع التلفزيون يعرف اننا امام اي عقلية فنية نتحدث , ففي التلفزيون المساحة الاخطر على الفنان عرف كيف يحجز مقعده في ذاكرة الدراما فاختار بتمعن وبصيرة ادواره التي اتسمت بدقة الاختيار والتاثير في مسلسل "النسر وعيون المدينة" عام 1983 وفي مسلسل "رجال الظل" عام 1997 وفي مسلسل "أبو جعفر المنصور" عام 1998
ولم ينسى يوما ان الكتابة حفظت للسومريين والبابليي والاشوريين والفراعنة تاريخهم فراح يكتب ويبحث ويقدم تجربته على ورق فالف عدة كتب منها: ( فن الإلقاء- وفن التمثيل- وفن الإخراج) , فيما ترجم عدة منها: ( العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين- وتصميم الحركة لأوكسنفورد- والمكان الخالي لبروك) و فيما كتب عشرات البحوث من أهمها: ( الملامح العربية في مسرح شكسبير- والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز- والعربية الفصحى والعرض المسرحي- وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي)
حضورة الساحر في المسرح والسينما والدراما كانت جواز سفره للمشاركة في عدة مهرجانات مسرحية ممثلا ومخرجا أو ضيفا منها : ( مهرجان قرطاج- ومهرجان المسرح الأردني- ومهرجان ربيع المسرح في المغرب - ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا - ومهرجان جامعات الخليج العربي - وأيام الشارقة المسرحية) .
لم تكن الجوائز مبتغاه بل كان العطاء غايته ومنتهى مناه الا ان مسيرته سجلت حصوله على الكثير من الجوائز والأوسمة منها: ( جائزة التتويج من مهرجان قرطاج- ووسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس- وجائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية- وجائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول- وجائزة التجريب من مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة, واخر تكريم له هو اطلاق شرف اسمه على مهرجان محترف ميسان المسرحي الدولي اونلاين 2020 .
توفي صباح الأحد 29 سبتمبر 2019 في العاصمة الأردنية عمان عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاما، بعد صراع مع المرض قضى كل سنوات عمره في التجريب والكتابة والبحث وتقديم كل ماهو متجدد للاجيال التي درسها او التي عمل معها فكان بحق مايستروا الاجيال , فمن كان يرى ذلك الاداء الساحر والصوت الكهنوتي على الخشبة في عرض واحد يتعلم الف ياء المسرح كلها من ساحر عرف كيف يطوع المسرح بادواته الفذة ويحيله الى مكان مقدس تتطهر فيه الروح من ادرانها ,لم يكن يقدم مسرحا بمعناه بل كان يقدم روح الكلمة ومعنى الموقف وفخامة الانسان المفترض , سامي عبد الحميد استطاع ان يغير التجربة المسرحية ويجعلها على مر الاجيال تختصر به لا العكس .