المسرح:
ينقسم المسرح إلى قسمين بجدار في المنتصف، على القسم الأيمن غرفة بها نافذة تطل على أبراج سكنية عالية عليها حبال غسيل بها ملابس متنوعة. وفي الغرفة الأخرى نافذة أيضاً ولكنها تطل على حديقة وجبال زرقاء..، الغرفة الأولى مؤثثة بسرير صغير ومقعد ومطفأة سجائر فوق طاولة إلى يسار المقعد. أما الغرفة الثانية فهناك دولاب خشبي، وسرير صغير ولكنه وثير، وهناك ستارة مجموعة على جانبي النافذة ولا تغطيها، أما الحوائط فمزركشة بورق الجدران..وعلى اليسار لأقصى الخلف هناك منضدة بمرآة كبيرة، وعليها عطور وبعض الحاجيات النسائية.
في الغرفة الأولى وعلى المقعد يجلس رجل في الثالثة والستين من العمر بملامح تلك السن، يرتدي قميص أزرق وبنطلون أزرق غامق، ويشمر قميصه حتى منتصف الساعدين. وعلى يده اليسرى ساعة فضية قديمة من النوع المجنزر الكبير.
في الغرفة الأخرى، تقف سيدة خمسينية على النافذة وهي تعطي الجمهور ظهرها..تقف متأملة الأفق، وعلى رأسها لفت قطعة قماش ملونة معقودة من الخلف على شكل فراشة.
في الأداء، يغلب الجلوس على الرجل، والحركة على المرأة، التي تعدد مواقع جلوسها أو وقوفها باستمرار، تفتح الدولاب، ثم تغلقه، تجلس أمام المرأة، تمسح شفتيها بأحمر شفاه، أو تنهض وتقف امام النافذة. تجلس على السرير، أو ترقد نصف رقدة ثم تتحرك مرة اخرى وتنظف الأرض بمكنسة ذات عصا خشبية طويلة..وهكذا..
المرأة: الغرفة نظيفة.. (بقلق) هل هي نظيفة؟ لا أعرف لماذا لم يعد النهار يمنحنا إضاءة كافية..(تعدل من وضع نظارتها) لعله من ضعف نظري..(تفتح الدولاب وتخرج عود ند، ثم تشعله وتعلقه بشكل أفقي على المرآة)..هذا أفضل..لا أحب رائحة الغرف المغلقة..(تنظر إلى النافذة) مع أن النافذة مفتوحة ولكن لا هواء..لا رياح..(تتجه نحو النافذة) كأنما الأرض قد توقفت عن الدوران..(تنظر للسماء) أين الشمس؟ (تترك النافذة وتجلس على السرير وهي تحدق أمامها بفزع) لن تكون هذه هي النهاية..بالتأكيد لا..بالتأكيد لا...(في الغرفة الأخرى يشعل الرجل سجارة ولا يدخنها بل تظل بين أصبعيه) ..لماذا لم تزقزق العصافير هذا الصباح..(تتجه نحو النافذة وتقف بزاوية ممسكة بطرف الستارة رغم أنها لا تغطي النافذة) هذا اليوم طويل جداً..وهذا..هل هو جيد أم سيئ؟ لا أعرف؟ سيمنحني ساعات إضافية من الحياة..ولكنها ستظل ساعات بلا معنى..هنا هدر كامل للزمن..أيْ هدر للحياة..فلا هدر في الموت..لأنه لا زمن هناك..هل من الخطأ أنني تركت دراستي لأتزوج؟ (تترك النافذة وتجلس على طرف السرير..ثم تنهض وتجلس أمام المرآة وتتعطر) وماذا كنت سأفعل بالدراسة؟ إنني كنت أمقتها..ولا زلت أمقت مشاهدة الكتب..بل والصحف..بل حتى لافتات المحلات التجارية..إنني أمقت القراءة..لا أعرف كيف يزعم البعض أنهم يستمتعون بها؟ يبدو أنهم مدعين...تماما كطليقي السابق..كان مقاول بناء..يقرأ كثيراً دون أن يفهم كلمة فقط ليتجاوز عقدة النقص التي تعشعش داخله..(يطفي الرجل السجارة دون أن يدخنها) .. لماذا أتذكره أساساً بعد أن نسيت حتى اسمه...(تفتح الدولاب وتخرج منه حقيبة نسائية جلدية) سأبحث عن صورته..(تدخل يدها داخل الحقيبة) لا شيء في الحقيبة..(تقلب الحقيبة وتهزها فتسقط صورة)..صورة واحدة؟!! (تهز الحقيبة عدة مرات) لا شيء غير صورة واحدة؟!! إنها صورته هو فقط..(تهمس) لم أعرف رجلاً غيره..(تتأمل الصورة وهي تضم شفتيها وتقرن حاجبيها)..كنت أراه وسيماً..لماذا يا ترى؟..(ينهض الرجل وينظر من خلال النافذة..يضم يديه ويمسح بكفيه ذراعيه محاولاً تدفئة جسده..ثم يغلق النافذة ويعود ليجلس من جديد)..هل كرهته فعلاً؟ لا اتذكر حقاً طبيعة شعوري تجاهه في ذلك الوقت.. (تترك الحقيبة وتتجه إلى النافذة وتقف بجنبها كأنما تتلصص النظر إلى الخارج)..لماذا لا يمضي الوقت؟..السماء كما هي ..يوم طويل جداً...لا أعرف ما إذا كان هذا شيء جيد أم سيئ..يبدو أنه سيئ..هدر بلا مقابل..(تجلس على السرير وتخفت الإضاءة في غرفتها قليلاً)..
الرجل: يجب أن أرحل عن هنا..الأرض جبلية ومرتفعة..الأجواء باردة دائماً..لا يصلح هذا مع رئتَيَّ المريضتين..لا أستطيع تدخين سيجارة واحدة دون أن أسعل..إن التدخين متعتي الوحيدة...لكن إلى أين سأذهب؟..(يشعل سيجارة دون أن يدخنها) البارحة تسلل أحد قرود الجبل وعبث بكل مخزوني من الطعام.. وحين ضبطته متلبساً بيده الممتلئة بالحلوى نظر لي بفزع وقفز قفزات واسعة وغادر عبر النافذة...قرود الجبل قبيحة وغير مستأنسة..وأحيانا تكون خطرة .. خاصة بالنسبة لرجل مثلي..يعيش وحيداً..ويمتلك مقاومة عضلية ضعيفة...(يطفئ السيجارة ثم ينظر متأملاً) ألا يمكن أن أجد شخصاً يسكن معي؟ طالب جامعي..لا لا.. الشباب نزقون..كما..كما أنه لا توجد جامعة هنا...لكن..لكن لابد من أن أجد شخصاً يعش معي هنا..أراقبه ويراقبني.. لكن لا .. لن أتحمل شخصاً غريباً معي.. لم أعتد على الحياة مع الآخرين..(تتحرك المرأة نحو المرأة وتجلس أمامها، في حين ينهض الرجل ويفتح النافذة...يقف امامها ويضم يديه إلى صدره من البرد، يتأمل الأبراج) كل الشرف خالية من البشر..فقط حبال الغسيل..إنهم يغسلون كميات هائلة من الملابس..هل يرتدون كل هذه الملابس حقاً..(يغلق النافذة) برد..(يجلس إلى الكرسي، تنهض المرأة وتفتح الدولاب ثم تعود لتجلس أمام المرآة..يبقى الرجل جالساً..)..ولكن..يجب ألا أفكر كثيراً.. التفكير يعود بذاكرتي إلى الوراء حيث لا أملك حاضراً يشغل عقلي...ولكن..ألا يبدو هذا اليوم طويلاً أكثر مما ينبغي؟ أعتقد ذلك.. لكن..ألم يكن طويلاً كذلك البارحة؟ ألم أتساءل ذات السؤال؟..هل أذهب إلى السينما؟.. سينما؟..هل هناك سينما هنا؟.. لا أعتقد...لكن حتى لو كانت هناك سينما .. هل سأستمتع؟ ربما..هل بالقبلات..لا تجذبني الأفلام الرومانسية.. وأكاذيب الإثارة تبدو سمجة.. لا شيء يبدو مسلياً..لا شيء مُسَلٍّ مثل العودة إلى الذكريات القديمة...(يهمس) الذكريات القديمة..آه.. تبدو كقصص محمولة على الريح..أو على لحن سماوي..(يبتسم).. عالية جداً وبعيدة جداً...ما يخلق الذكريات هي الحماقات..لا حماقات لا ذاكرة.. الصبا والشباب.. الحب..أو الإنهمام بالبحث عن الحب..ثم إيجاده..ثم الصراع داخل أكذوبته..ثم محاولة التملص منه والمروق منه بأقل الخسائر...(تنهض المرأة وتقف بزاوية أمام النافذة) لم تتحمل..لم تصبر..وأنا كذلك لم أتحمل ولم أصبر... لا أتذكر كل شيء بوضوح..بعض الوقائع لا تتناسب مع تاريخها..سأدخن(يشعل سجارة ويدخن..يسعل بشدة فيطفؤها) ماذا أفعل..(يغمض عينيه، تتحرك المرأة تاركة النافذة وتجلس على السرير)..
المرأة: (تنظر للصورة المسجاة على السرير..ترفعها وتحدق فيها)..لست نادمة.. لكن هناك شيء ما يدفعني إلى الشعور بالندم.. ربما هذا النهار الطويل..(يمدد الرجل قدميه ويسترخي مغمضاً عينيه) كم عاماً مضى دون أن أتذكره؟ عشرون عاماً؟ ربما..أكثر....أقل.. لا أتذكر..لا يهم..إن الفراغ هو السبب..نعم.. لكن ما الذي يمكنني أن أفعله؟ أذهب للتسوق؟ لا.. ماذا سأشتري؟ لا شيء حقاً.. هل أحاول تعلم زراعة الزهور؟ ولكن الحديقة بها ما يكفي من الزهور..(تتلفت حولها ناظرة إلى الحيطان) هذه الحيطان مقيتة جداً..مقيتة جداً..(تنهض وتتجه نحو النافذة..تصرخ) متى ستنقضي أيها النهار؟ (تعود وتفتح الدولاب) لا شيء..(تترك الدولاب وتعود للجلوس على السرير.. تنظر للحائط الفاصل بين الغرفتين.. تنهض وتتجه نحوه ثم تقف أمامه.. يفتح الرجل عينيه.. ينظر للحيطان.. ينهض ويتجه نحو الحائط الفاصل ثم يقف أمامه فيصبح مقابلاً للمرأة.. يحدق كلاهما في الحائط أمامه..يرفع الرجل قبضته ويطرق الحائط طرقتين مترددتين..ترفع المرأة رأسها..وبتردد تطرق بقبضتها على الحائط طرقتين مترددتين.. يرفع الرجل رأسه ثم يطرق الحائط بقبضته ثلاث طرقات متسارعة..ترفع المرأة قبضتها وتطرق على الحائط ثلاث طرقات متتابعة..يضع الرجل أذنه على الجدار..ثم يتراجع ويضرب الحائط بقبضته عدة ضربات ثم يضع أذنه على الجدار بسرعة مترقباً..تضع المرأة أذنها على الجدار وتضرب الحائط..يضرب الرجل والمرأة الحائط ضربات متسارعة ومتلهفة بجنون..يستمرا في الضرب ويستمرا حتى إسدال الستار)..
(ستار)..
ينقسم المسرح إلى قسمين بجدار في المنتصف، على القسم الأيمن غرفة بها نافذة تطل على أبراج سكنية عالية عليها حبال غسيل بها ملابس متنوعة. وفي الغرفة الأخرى نافذة أيضاً ولكنها تطل على حديقة وجبال زرقاء..، الغرفة الأولى مؤثثة بسرير صغير ومقعد ومطفأة سجائر فوق طاولة إلى يسار المقعد. أما الغرفة الثانية فهناك دولاب خشبي، وسرير صغير ولكنه وثير، وهناك ستارة مجموعة على جانبي النافذة ولا تغطيها، أما الحوائط فمزركشة بورق الجدران..وعلى اليسار لأقصى الخلف هناك منضدة بمرآة كبيرة، وعليها عطور وبعض الحاجيات النسائية.
في الغرفة الأولى وعلى المقعد يجلس رجل في الثالثة والستين من العمر بملامح تلك السن، يرتدي قميص أزرق وبنطلون أزرق غامق، ويشمر قميصه حتى منتصف الساعدين. وعلى يده اليسرى ساعة فضية قديمة من النوع المجنزر الكبير.
في الغرفة الأخرى، تقف سيدة خمسينية على النافذة وهي تعطي الجمهور ظهرها..تقف متأملة الأفق، وعلى رأسها لفت قطعة قماش ملونة معقودة من الخلف على شكل فراشة.
في الأداء، يغلب الجلوس على الرجل، والحركة على المرأة، التي تعدد مواقع جلوسها أو وقوفها باستمرار، تفتح الدولاب، ثم تغلقه، تجلس أمام المرأة، تمسح شفتيها بأحمر شفاه، أو تنهض وتقف امام النافذة. تجلس على السرير، أو ترقد نصف رقدة ثم تتحرك مرة اخرى وتنظف الأرض بمكنسة ذات عصا خشبية طويلة..وهكذا..
المرأة: الغرفة نظيفة.. (بقلق) هل هي نظيفة؟ لا أعرف لماذا لم يعد النهار يمنحنا إضاءة كافية..(تعدل من وضع نظارتها) لعله من ضعف نظري..(تفتح الدولاب وتخرج عود ند، ثم تشعله وتعلقه بشكل أفقي على المرآة)..هذا أفضل..لا أحب رائحة الغرف المغلقة..(تنظر إلى النافذة) مع أن النافذة مفتوحة ولكن لا هواء..لا رياح..(تتجه نحو النافذة) كأنما الأرض قد توقفت عن الدوران..(تنظر للسماء) أين الشمس؟ (تترك النافذة وتجلس على السرير وهي تحدق أمامها بفزع) لن تكون هذه هي النهاية..بالتأكيد لا..بالتأكيد لا...(في الغرفة الأخرى يشعل الرجل سجارة ولا يدخنها بل تظل بين أصبعيه) ..لماذا لم تزقزق العصافير هذا الصباح..(تتجه نحو النافذة وتقف بزاوية ممسكة بطرف الستارة رغم أنها لا تغطي النافذة) هذا اليوم طويل جداً..وهذا..هل هو جيد أم سيئ؟ لا أعرف؟ سيمنحني ساعات إضافية من الحياة..ولكنها ستظل ساعات بلا معنى..هنا هدر كامل للزمن..أيْ هدر للحياة..فلا هدر في الموت..لأنه لا زمن هناك..هل من الخطأ أنني تركت دراستي لأتزوج؟ (تترك النافذة وتجلس على طرف السرير..ثم تنهض وتجلس أمام المرآة وتتعطر) وماذا كنت سأفعل بالدراسة؟ إنني كنت أمقتها..ولا زلت أمقت مشاهدة الكتب..بل والصحف..بل حتى لافتات المحلات التجارية..إنني أمقت القراءة..لا أعرف كيف يزعم البعض أنهم يستمتعون بها؟ يبدو أنهم مدعين...تماما كطليقي السابق..كان مقاول بناء..يقرأ كثيراً دون أن يفهم كلمة فقط ليتجاوز عقدة النقص التي تعشعش داخله..(يطفي الرجل السجارة دون أن يدخنها) .. لماذا أتذكره أساساً بعد أن نسيت حتى اسمه...(تفتح الدولاب وتخرج منه حقيبة نسائية جلدية) سأبحث عن صورته..(تدخل يدها داخل الحقيبة) لا شيء في الحقيبة..(تقلب الحقيبة وتهزها فتسقط صورة)..صورة واحدة؟!! (تهز الحقيبة عدة مرات) لا شيء غير صورة واحدة؟!! إنها صورته هو فقط..(تهمس) لم أعرف رجلاً غيره..(تتأمل الصورة وهي تضم شفتيها وتقرن حاجبيها)..كنت أراه وسيماً..لماذا يا ترى؟..(ينهض الرجل وينظر من خلال النافذة..يضم يديه ويمسح بكفيه ذراعيه محاولاً تدفئة جسده..ثم يغلق النافذة ويعود ليجلس من جديد)..هل كرهته فعلاً؟ لا اتذكر حقاً طبيعة شعوري تجاهه في ذلك الوقت.. (تترك الحقيبة وتتجه إلى النافذة وتقف بجنبها كأنما تتلصص النظر إلى الخارج)..لماذا لا يمضي الوقت؟..السماء كما هي ..يوم طويل جداً...لا أعرف ما إذا كان هذا شيء جيد أم سيئ..يبدو أنه سيئ..هدر بلا مقابل..(تجلس على السرير وتخفت الإضاءة في غرفتها قليلاً)..
الرجل: يجب أن أرحل عن هنا..الأرض جبلية ومرتفعة..الأجواء باردة دائماً..لا يصلح هذا مع رئتَيَّ المريضتين..لا أستطيع تدخين سيجارة واحدة دون أن أسعل..إن التدخين متعتي الوحيدة...لكن إلى أين سأذهب؟..(يشعل سيجارة دون أن يدخنها) البارحة تسلل أحد قرود الجبل وعبث بكل مخزوني من الطعام.. وحين ضبطته متلبساً بيده الممتلئة بالحلوى نظر لي بفزع وقفز قفزات واسعة وغادر عبر النافذة...قرود الجبل قبيحة وغير مستأنسة..وأحيانا تكون خطرة .. خاصة بالنسبة لرجل مثلي..يعيش وحيداً..ويمتلك مقاومة عضلية ضعيفة...(يطفئ السيجارة ثم ينظر متأملاً) ألا يمكن أن أجد شخصاً يسكن معي؟ طالب جامعي..لا لا.. الشباب نزقون..كما..كما أنه لا توجد جامعة هنا...لكن..لكن لابد من أن أجد شخصاً يعش معي هنا..أراقبه ويراقبني.. لكن لا .. لن أتحمل شخصاً غريباً معي.. لم أعتد على الحياة مع الآخرين..(تتحرك المرأة نحو المرأة وتجلس أمامها، في حين ينهض الرجل ويفتح النافذة...يقف امامها ويضم يديه إلى صدره من البرد، يتأمل الأبراج) كل الشرف خالية من البشر..فقط حبال الغسيل..إنهم يغسلون كميات هائلة من الملابس..هل يرتدون كل هذه الملابس حقاً..(يغلق النافذة) برد..(يجلس إلى الكرسي، تنهض المرأة وتفتح الدولاب ثم تعود لتجلس أمام المرآة..يبقى الرجل جالساً..)..ولكن..يجب ألا أفكر كثيراً.. التفكير يعود بذاكرتي إلى الوراء حيث لا أملك حاضراً يشغل عقلي...ولكن..ألا يبدو هذا اليوم طويلاً أكثر مما ينبغي؟ أعتقد ذلك.. لكن..ألم يكن طويلاً كذلك البارحة؟ ألم أتساءل ذات السؤال؟..هل أذهب إلى السينما؟.. سينما؟..هل هناك سينما هنا؟.. لا أعتقد...لكن حتى لو كانت هناك سينما .. هل سأستمتع؟ ربما..هل بالقبلات..لا تجذبني الأفلام الرومانسية.. وأكاذيب الإثارة تبدو سمجة.. لا شيء يبدو مسلياً..لا شيء مُسَلٍّ مثل العودة إلى الذكريات القديمة...(يهمس) الذكريات القديمة..آه.. تبدو كقصص محمولة على الريح..أو على لحن سماوي..(يبتسم).. عالية جداً وبعيدة جداً...ما يخلق الذكريات هي الحماقات..لا حماقات لا ذاكرة.. الصبا والشباب.. الحب..أو الإنهمام بالبحث عن الحب..ثم إيجاده..ثم الصراع داخل أكذوبته..ثم محاولة التملص منه والمروق منه بأقل الخسائر...(تنهض المرأة وتقف بزاوية أمام النافذة) لم تتحمل..لم تصبر..وأنا كذلك لم أتحمل ولم أصبر... لا أتذكر كل شيء بوضوح..بعض الوقائع لا تتناسب مع تاريخها..سأدخن(يشعل سجارة ويدخن..يسعل بشدة فيطفؤها) ماذا أفعل..(يغمض عينيه، تتحرك المرأة تاركة النافذة وتجلس على السرير)..
المرأة: (تنظر للصورة المسجاة على السرير..ترفعها وتحدق فيها)..لست نادمة.. لكن هناك شيء ما يدفعني إلى الشعور بالندم.. ربما هذا النهار الطويل..(يمدد الرجل قدميه ويسترخي مغمضاً عينيه) كم عاماً مضى دون أن أتذكره؟ عشرون عاماً؟ ربما..أكثر....أقل.. لا أتذكر..لا يهم..إن الفراغ هو السبب..نعم.. لكن ما الذي يمكنني أن أفعله؟ أذهب للتسوق؟ لا.. ماذا سأشتري؟ لا شيء حقاً.. هل أحاول تعلم زراعة الزهور؟ ولكن الحديقة بها ما يكفي من الزهور..(تتلفت حولها ناظرة إلى الحيطان) هذه الحيطان مقيتة جداً..مقيتة جداً..(تنهض وتتجه نحو النافذة..تصرخ) متى ستنقضي أيها النهار؟ (تعود وتفتح الدولاب) لا شيء..(تترك الدولاب وتعود للجلوس على السرير.. تنظر للحائط الفاصل بين الغرفتين.. تنهض وتتجه نحوه ثم تقف أمامه.. يفتح الرجل عينيه.. ينظر للحيطان.. ينهض ويتجه نحو الحائط الفاصل ثم يقف أمامه فيصبح مقابلاً للمرأة.. يحدق كلاهما في الحائط أمامه..يرفع الرجل قبضته ويطرق الحائط طرقتين مترددتين..ترفع المرأة رأسها..وبتردد تطرق بقبضتها على الحائط طرقتين مترددتين.. يرفع الرجل رأسه ثم يطرق الحائط بقبضته ثلاث طرقات متسارعة..ترفع المرأة قبضتها وتطرق على الحائط ثلاث طرقات متتابعة..يضع الرجل أذنه على الجدار..ثم يتراجع ويضرب الحائط بقبضته عدة ضربات ثم يضع أذنه على الجدار بسرعة مترقباً..تضع المرأة أذنها على الجدار وتضرب الحائط..يضرب الرجل والمرأة الحائط ضربات متسارعة ومتلهفة بجنون..يستمرا في الضرب ويستمرا حتى إسدال الستار)..
(ستار)..