لا أعرف إن كان المرحوم سميح زار بيروت ، وإن عرفت أنه زار القاهرة وعمان ودمشق وبعض مدن المغرب العربي .
كان الشاعر قبل انهيار الاتحاد السوفيتي يزور البلدان الاشتراكية وبعض العواصم الغربية ، وكانت صلته بالبلدان العربية ، زيارة ، منعدمة ، ومع اتفاقية ( كامب ديفيد ) اختلف الأمر فقد زار القاهرة ، ومع توقيع اتفاقية أوسلو ، بل وقبلها بقليل ، انفتحت أمامه أبواب العالم العربي ، وما عليك إلا أن تعود إلى " معلقة سميح القاسم المعاصرة : بغداد وقصائد أخرى " الصادرة في الناصرة في ٢٠٠٨ عن منشورات " إضاءات " لتقرأ قصائد كتبها في بعض المدن العربية ، وهذه الكتابة لم ينجز مثلها قبل ١٩٩٠ :
- بغداد " معلقة سميح القاسم المعاصرة "
- مصر " وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين "
- عمان " القصيدة العمانية "
- القيروان " القصيدة القيروانية "
- إربد " القصيدة الإربدية "
- دمشق " ما الموت : في رحيل حافظ الأسد "
- الجزائر " القصيدة الجزائرية "
و ...
وفي فترة مبكرة من حياته أتى على بيروت وكتب عنها مبرزا لها صورة لم تصدر عن تخيله الشخصي ، وإنما عن تخيل صديق له أقام فيها وأبرز لها صورة جميلة ، ورمى إلى إغراء الشاعر لترك حيفا والهجرة إلى بيروت .
تخيل صديق الشاعر للحياة في بيروت يقترن مع تخيله لحياة الشاعر في حيفا المحتلة منذ ١٩٤٨ ، وكانت الحياة في المدينتين في نهاية ٦٠ ق ٢٠ ، من حيث الانفتاح والازدهار الثقافي ، تميل لصالح بيروت ، وهو ما يبرز في النص الآتي :
" تحياتي وأشواقي
تطير إليك من بيروت
إليك هناك .. حيث تموت
فدى الباقي من التافه من ميراثك الباقي
تحياتي وأشواقي
أنا أصبحت انسانا جديدا .. غير ما تعهد
ختمت دراستي العليا .. ونلت شهادة المعهد
وأصبح مكتبي أكبر
وصار اسمي هنا أشهر
ولي صاحبة شقراء .. جدتها فرنسية
وأخرى جدها قاد الفتوحات الصليبة
ومثل بقية الأسياد
تربض في فناء الدار .. فارهة خصوصية
أخي الغالي !
لماذا أنت لا تأتي إلى بيروت
وتترك جرحك الممقوت
وتهجر جرحك المغموس في الوحل
وتنسى عيشة الذل
.....
إليك هناك في المستنقع البالي " .
الحياة في بيروت غيرها في حيفا ولا ضرورة لشرح الواضح ، ولكن الشاعر في حيفا له وجهة نظر مختلفة ، فالحياة في بيروت هي الموت لا الحياة ، وتخيل صاحب الرسالة لم يرق لسميح ، فقد رأى الإقامة في بيروت الموت " إليك هناك حيث تموت " .
لم تكن الحرب الأهلية ، حين كتب سميح قصيدته ، بدأت ، ومع ذلك تخيل أن الإقامة في بيروت تعني الموت . هل كان سميح ذا نبوءة ؟
بعد العام ١٩٧٥ تحولت بيروت إلى جحيم وصارت الحياة فيها جحيم ، ولا نعرف ما ألم بكاتب الرسالة وإلى أين قادته الأحداث ، وكل ما نعرفه أن محمود درويش الذي ترك حيفا ندم على فعلته وتمنى لو ظل مقيما فيها " لماذا نزلت عن الكرمل ؟ " ، علما بأن سميح كتب قصيدته قبل هجرة محمود .
قبل درويش عبر راشد حسين عن ندمه لمغادرة حيفا ، وفي المنفى ، وتحديدا في نيويورك ، لم يرها جنة الدنيا فلم ير سوى حيفا :
" ذهبت الطب في نيويورك أطلب منه مستشفى
فقالوا : أنت مجنون ولن يشفى
أمامك جنة الدنيا ولست ترى سوى حيفا " .
أصر القاسم على البقاء في حيفا والموت فيها ، وقبله اميل حبيبي . كلاهما دفن في تراب بلاده ، فماذا لو هاجرا واستقرا في بيروت وامتد بهما العمر وعاشا حتى اللحظة ؟
في مقاله " حنين مكبوت إلى بيروت " كتب درويش إن " ما هو مأثرة أمس يتحول الآن إلى عار ، وما هو عار اليوم يتحول غدا إلى وطن " ويجوز أن نحور في قوله قليلا لنقول إن ما هو مأثرة لشخص هو عار لشخص آخر ، بل إن ما هو أمنية لشخص في زمن ما قد يكون له غدا عذابا وجحيما .
لقد رأى القاسم حياة صديقه في بيروت غير ما رآها الصديق . لقد رأى سميح صديقه هناك :
" كزنبقة بلا جذر
كنهر ضيع المنبع
كأغنية بلا مطلع
وعاصفة بلا عمر .. "
من المؤكد أن الأهم مما رآه كاتب الرسالة والشاعر هو ما يراه أهل بيروت فيها . وكما كتب درويش في مقاله " ولكل منا بيروته " وقد أبرز في كتابه " ذاكرة للنسيان " صورا عديدة لتلك المدينة .
كان الله في عون أهل بيروت وأهل لبنان ؛ لبنانيين وفلسطينيين وسوريين و .... وبقيت إشارة لطالما ذكرتها وهي أن سميح كتب قصيدته قبل هجرة درويش وأن بعض النقاد في زمن لاحق اساؤوا تفسيرها .
كان الشاعر قبل انهيار الاتحاد السوفيتي يزور البلدان الاشتراكية وبعض العواصم الغربية ، وكانت صلته بالبلدان العربية ، زيارة ، منعدمة ، ومع اتفاقية ( كامب ديفيد ) اختلف الأمر فقد زار القاهرة ، ومع توقيع اتفاقية أوسلو ، بل وقبلها بقليل ، انفتحت أمامه أبواب العالم العربي ، وما عليك إلا أن تعود إلى " معلقة سميح القاسم المعاصرة : بغداد وقصائد أخرى " الصادرة في الناصرة في ٢٠٠٨ عن منشورات " إضاءات " لتقرأ قصائد كتبها في بعض المدن العربية ، وهذه الكتابة لم ينجز مثلها قبل ١٩٩٠ :
- بغداد " معلقة سميح القاسم المعاصرة "
- مصر " وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين "
- عمان " القصيدة العمانية "
- القيروان " القصيدة القيروانية "
- إربد " القصيدة الإربدية "
- دمشق " ما الموت : في رحيل حافظ الأسد "
- الجزائر " القصيدة الجزائرية "
و ...
وفي فترة مبكرة من حياته أتى على بيروت وكتب عنها مبرزا لها صورة لم تصدر عن تخيله الشخصي ، وإنما عن تخيل صديق له أقام فيها وأبرز لها صورة جميلة ، ورمى إلى إغراء الشاعر لترك حيفا والهجرة إلى بيروت .
تخيل صديق الشاعر للحياة في بيروت يقترن مع تخيله لحياة الشاعر في حيفا المحتلة منذ ١٩٤٨ ، وكانت الحياة في المدينتين في نهاية ٦٠ ق ٢٠ ، من حيث الانفتاح والازدهار الثقافي ، تميل لصالح بيروت ، وهو ما يبرز في النص الآتي :
" تحياتي وأشواقي
تطير إليك من بيروت
إليك هناك .. حيث تموت
فدى الباقي من التافه من ميراثك الباقي
تحياتي وأشواقي
أنا أصبحت انسانا جديدا .. غير ما تعهد
ختمت دراستي العليا .. ونلت شهادة المعهد
وأصبح مكتبي أكبر
وصار اسمي هنا أشهر
ولي صاحبة شقراء .. جدتها فرنسية
وأخرى جدها قاد الفتوحات الصليبة
ومثل بقية الأسياد
تربض في فناء الدار .. فارهة خصوصية
أخي الغالي !
لماذا أنت لا تأتي إلى بيروت
وتترك جرحك الممقوت
وتهجر جرحك المغموس في الوحل
وتنسى عيشة الذل
.....
إليك هناك في المستنقع البالي " .
الحياة في بيروت غيرها في حيفا ولا ضرورة لشرح الواضح ، ولكن الشاعر في حيفا له وجهة نظر مختلفة ، فالحياة في بيروت هي الموت لا الحياة ، وتخيل صاحب الرسالة لم يرق لسميح ، فقد رأى الإقامة في بيروت الموت " إليك هناك حيث تموت " .
لم تكن الحرب الأهلية ، حين كتب سميح قصيدته ، بدأت ، ومع ذلك تخيل أن الإقامة في بيروت تعني الموت . هل كان سميح ذا نبوءة ؟
بعد العام ١٩٧٥ تحولت بيروت إلى جحيم وصارت الحياة فيها جحيم ، ولا نعرف ما ألم بكاتب الرسالة وإلى أين قادته الأحداث ، وكل ما نعرفه أن محمود درويش الذي ترك حيفا ندم على فعلته وتمنى لو ظل مقيما فيها " لماذا نزلت عن الكرمل ؟ " ، علما بأن سميح كتب قصيدته قبل هجرة محمود .
قبل درويش عبر راشد حسين عن ندمه لمغادرة حيفا ، وفي المنفى ، وتحديدا في نيويورك ، لم يرها جنة الدنيا فلم ير سوى حيفا :
" ذهبت الطب في نيويورك أطلب منه مستشفى
فقالوا : أنت مجنون ولن يشفى
أمامك جنة الدنيا ولست ترى سوى حيفا " .
أصر القاسم على البقاء في حيفا والموت فيها ، وقبله اميل حبيبي . كلاهما دفن في تراب بلاده ، فماذا لو هاجرا واستقرا في بيروت وامتد بهما العمر وعاشا حتى اللحظة ؟
في مقاله " حنين مكبوت إلى بيروت " كتب درويش إن " ما هو مأثرة أمس يتحول الآن إلى عار ، وما هو عار اليوم يتحول غدا إلى وطن " ويجوز أن نحور في قوله قليلا لنقول إن ما هو مأثرة لشخص هو عار لشخص آخر ، بل إن ما هو أمنية لشخص في زمن ما قد يكون له غدا عذابا وجحيما .
لقد رأى القاسم حياة صديقه في بيروت غير ما رآها الصديق . لقد رأى سميح صديقه هناك :
" كزنبقة بلا جذر
كنهر ضيع المنبع
كأغنية بلا مطلع
وعاصفة بلا عمر .. "
من المؤكد أن الأهم مما رآه كاتب الرسالة والشاعر هو ما يراه أهل بيروت فيها . وكما كتب درويش في مقاله " ولكل منا بيروته " وقد أبرز في كتابه " ذاكرة للنسيان " صورا عديدة لتلك المدينة .
كان الله في عون أهل بيروت وأهل لبنان ؛ لبنانيين وفلسطينيين وسوريين و .... وبقيت إشارة لطالما ذكرتها وهي أن سميح كتب قصيدته قبل هجرة درويش وأن بعض النقاد في زمن لاحق اساؤوا تفسيرها .