النص التالي هو محاضرة من سلسلة محاضرات حول «صنعة الشعر»، ألقاها بورخيس كمحاضر زائر في جامعة هارفرد، في السنة الدراسية 1967-1968. وقد ظلت هذه المحاضرات منسية على أشرطة تسجيل، في أحد مستودعات مكتبة هارفرد، طوال أكثر من ثلاثين عاماً، إلى أن نفض الغبار عنها أخيراً وصدرت في كتاب باللغتين الإنجليزية والإسبانية. وستصدر ترجمة هذه المحاضرات في ترجمة عربية، أوائل العام القادم 2007.
من أجل الوضوح، سأقتصر الآن على الحديث عن مشكلة الترجمة الشعرية. إنها مشكلة صغرى ولكنها شديدة الاتصال بموضوعنا (أي موضوع صنعة الشعر). ولا بد لمناقشة هذه القضية من أن تمهد لنا الطريق إلى موضوع موسيقى الكلمات (أو ربما سحر الكلمات)، إلى معنى الشعر وإيقاعه.
حسب خرافة متجذرة وواسعة الانتشار، كل ترجمة هي خيانة لأصل فريد لا نظير له. ويعبر عن ذلك على أحسن وجه تلاعب الألفاظ الإيطالي المعروف على نطاق واسع (Traduttore, traditore) أي «المترجم خائن»، وهي عبارة يُفترض أنها غير قابلة للدحض. ولأن هذا التلاعب بالكلمتين واسع الشعبية، فلا بد أنه يخفـي بذرة من الحقيقة، نواة من الحقيقة.
سنناقش إمكان (أو استحالة) الترجمة الشعرية ونجاحها (أو نقيض ذلك). ووفقاً لعادتي، سننطلق من بعض الأمثلة، لأني لا أعتقد بإمكانية خوض نقاش دون أمثلة. ولأن ذاكرتي تشبه النسيان إلى حد كبير أحياناً، فسوف أختار أمثلة موجزة، ذلك أن تحليل مقاطع طويلة أو قصائد كاملة سيتخطى وقتنا المحدد وطاقتي.
ولنبدأ بقصيدة أغنية برونانبور وترجمة تنيسون لها(١). هذه القصيدة نُظمت فـي أوائل القرن العاشر (وتواريخي غير مؤكدة تماماً على الدوام) للاحتفال بانتصار رجال ويزيكس Wessex على فايكنغيي دوبلين، وعلى الاسكتلنديين والغاليين. فلننتقل الآن إلى تفحص بعض الأبيات. فـي الأصل السكسوني القديم، نجد شيئاً يُقرأ على هذا النحو تقريباً: (sunne pu ti morgentid mire tyngol) هذا يعني، «الشمس فـي المَّد الصباحي» أو «الشمس فـي ساعات الصباح»، وبعد ذلك «هذه النجمة المشهورة» أو «هذه النجمة المهيبة»، وإن تكن كلمة «مشهورة» هنا، هي الترجمة الأفضل لـِ . (mire tungol) وفـي ما يلي ذلك، يسمي الشاعر الشمس (godes candel beorht): «قنديل الرب الساطع».
وقد قام ابن تنيسون بترجمة هذه القصيدة نفسها إلى الإنجليزية نثراً، ونُشرت فـي مجلة {)weiveR Contemporary ( (٢). وربما شرح الابن لأبيه بعض القواعد الأساسية للشعر الإنجليزي القديم: الإيقاع، استخدام الجناس الاستهلالي بدلاً من القافـية، وأشياء أخرى مشابهة. وبعد ذلك، حاول تنيسون، وكان مولعاً بالتجريب، أن يكتب شعراً إنجليزياً قديماً بإنجليزية حديثة. من المهم الإشارة إلى أنه، بالرغم من أن التجربة كانت نجاحاً باهراً، إلا أنه لم يكررها قط. بحيث أننا إذا ما بحثنا عن أشعار إنجليزية قديمة فـي أعمال اللورد ألفرد تنيسون، سيكون علينا أن نكتفـي بهذا المثال الوحيد والاستثنائي، أغنية برونانبور.
هذان المثالان ـ «الشمس، هذا النجم المشهور» و«الشمس، قنديل الرب الساطع» ـ ترجمهما تنيسون هكذا: (when first the great/ Sun-star of morning-tide) عندما النجم/ الشمسي العظيم فـي المّد الصباحي»)(٣). حسن، (sun-star of morning-tide) إنها، فـي رأيي، ترجمة مؤثرة حقاً. بل إنها أكثر سكسونية أيضاً من الأصل، ذلك أنها تقدم لنا كلمتين جيرمانيتين مركبتين: (sun-star) و(morning-tide) ومما لا شك فـيه، مع أنه يمكن لـ tide-) (morning (المد الصباحي») أن تُفهم على أنها (morning-time) (ساعات الصباح»)، يمكننا أن نفكر أيضاً فـي أن تنيسون أراد أن يوحي لنا بصورة فجر بدأ يطغى على السماء. وهكذا فإن ما لدينا هو جملة غريبة حقاً: (first the great/Sun-star if nirning-tide) when( وعلى الفور، بعد بيت من ذلك، عندما يصل تنيسون إلى «قنديل الرب الساطع»، يترجمها (Lamp of Lord God)) (مصباح السيد الرب»).
فلنتناول الآن مثالاً آخر، وهو ليس ترجمة متقنة لا تشوبها شائبة وحسب، وإنما جميلة أيضاً. وفـي هذه المرة سنتأمل ترجمة عن الإسبانية. إنها القصيدة الرائعة «ليلة الروح القاتمة» (Noche oscura led alma) التي كتبها فـي القرن السادس عشر، واحد من أكبر ـ ويمكننا القول دون خوف إنه أكبر ـ الشعراء الإسبان، وكل البشر الذين استخدموا اللغة الإسبانية لأغراض الشعر. إنني أتحدث، بالطبع، عن سان خوان دي لاكروث(٤). المقطع الأول يقول ما يلي:
En una noche oscuram,
con ansias ne amores inflamada,
oh dichosa ventura!,
laki sin ser notada
estando ya mi casa sosegada.
فـي ليلة مظلمة،
بلهفة غراميات ملتهبة،
آه، أيتها المغامرة السعيدة!
خرجتُ دون أن أُرى
إذ كان مسكني ساكناً.
إنه مقطع رائع. ولكن إذا ما أمعنا النظر فـي البيت الأخير مستخرجاً من سياقه ومعزولاً (من المؤكد أنه من غير المقبول عمل شيء كهذا)، فإنه سيبدو بيتاً أقرب إلى المتوسط:
( estando ya im casa sosegada ) وكان مسكني ساكنا»). لدينا سأسأة السينات (س) الثلاث فـي قوله ( (casa sosegada و sosegada ليست كلمة استثنائية بحد ذاتها. أنا لا أحاول ازدراء النص أو الحط منه. إنني أشير فقط وقريباً جداً سترون لماذا أفعل ذلك) إلى أن البيت، عند عزله، إخراجه من سياقه، هو بيت مبتذل إلى حدّ كبير.
هذه القصيدة ترجمها إلى الإنجليزية أرثر سيمونز فـي أواخر القرن التاسع عشر. الترجمة ليست جيدة(٥)، ولكن إذا أردتم تفحصها، يمكنكم العثور عليها فـي Oxford Book of Modern Verse الذي أعده ييتس. منذ بضع سنوات، قام شاعر اسكوتلندي كبير، وجنوب أفريقي أيضاً، هو روي كامبل، بترجمة «ليلة الروح القاتمة». أرغب لو كان الكتاب لدي هنا، ولكننا نكتفـي بالبيت الذي استشهدت به للتو، «وكان مسكني ساكنا»، ولنر ما الذي فعله به روي كامبيل. لقد ترجمه كما يلي: house was hushed) when all the) (عندما كان البيت كله صامتا»)(٦). نجد كلمة {(all) التي تعطي الإحساس بالمكان، الإحساس بالاتساع، فـي بيت الشعر. وبعد ذلك مباشرة كلمة {(hushed) الإنجليزية الجميلة، البديعة، فتبدو {(hushed) كما لو أنها تقدم لنا موسيقى حقيقية للصمت.
أضيفُ إلى هذين المثالين المناسبين جداً لفن الترجمة، مثالاً ثالثاً. وهذا المثال لن أعلق عليه، ذلك أنه ليس شعراً مترجماً إلى شعر، وإنما هو نثر مرفوع إلى النظم، إلى الشعر. ولنأخذ القول اللاتيني الشائع (وهو مأخوذ عن الإغريق بالطبع) (Ars longa, vita brevis) (الفن مديد، والحياة قصيرة»)، أو كما يجب أن يلفظ، على ما أظن (uita breuis) (وهذا اللفظ يبدو قبيحاً حقاً. فلنرجع إلى (vita brevis)، إلى فـيرجيل وليس إلى «يورجيلوس Uerguilius (كما يجب أن يُلفظ.) إنه قول يراد به التأكيد وحسب، يراد به إبداء رأي. وهو رأي أولي، شفاف. نبرته السطحية صائبة. وهو، عملياً، نوع من النبوءة بالبرقية، من الأدب الذي ولد من البرقيات. «الفن مديد، الحياة قصيرة». هذه العبارة المبتذلة تكررت مرات كثيرة. وفـي القرن الرابع عشر احتاج ))ruetalsnart dnarg nu(،(٧) «(مترجم كبير») ـ المعلم جوفري تشاوسر ـ إلى هذه الجملة. لا شك فـي أنه لم يكن يفكر فـي الطب؛ ربما كان يفكر فـي الشعر. ولكنه ربما... (والنص ليس بين يدي، وهذا يتيح لنا أن نختار)... ربما كان يفكر فـي الحب، وأراد أن يُسرّب هذه الجملة. فكتب: ((( )nrael ot gnol os tfarc eht ,trohs os efil ehT((الحياة بالغة القصر، والفن بالغ الطول لفهمه»)(٨)؛ أو كان يلفظها، مثلما تخيلتم، بإنجليزية ذلك العصر: (.)enrael ot gnol os tfarc eht ,trohs os fyl ehT( هنا لا نجد التأكيد وحسب، وإنما كذلك الموسيقى الحقيقية للكآبة. يمكننا أن نرى كيف أن الشاعر لا يفكر فقط فـي صعوبة الفن وفـي قِصر الحياة؛ بل هو يشعر ذلك أيضاً. وهذا هو ما تضيفه الكلمة المفتاح {)os( التي تبدو، ظاهرياً، غير مرئية وغير مسموعة. )enrael ot gnol os tfarc eht ,trohs os fyl ehT( .
فلنرجع إلى المثالين الأولين: أغنية برونانبور الشهيرة بترجمة تنيسون، و«ليلة الروح القاتمة» لسان خوان دي لاكروث. إذ تأملنا فـي الترجمتين اللتين ذكرتهما، نجد أنهما ليستا أدنى من الأصل، لكننا نلمح اختلافاً. والاختلاف كامن فـي ما هو أبعد من إمكانات الترجمة؛ إنه يرتبط، تحديداً، بالطريقة التي نقرأ بها الشعر. فإذا ما تذكرنا أغنية برونانبور، فإننا نعرف أنها تولدت من عاطفة وانفعال عميقين. نحن نعرف أن السكسونيين قد تعرضوا، مرات كثيرة، للهزائم على يد الدانمركيين، ونعرف كم كان السكسونيون يمقتون ذلك الوضع. ويمكن لنا أن نفكر فـي السعادة التي أحس بها السكسونيون الغربيون عندما تمكنوا، بعد يوم قتال طويل ـ معركة برونانبور، إحدى أكبر المعارك فـي تاريخ إنكلترا العصر الوسيط ـ، من هزيمة أولاف falO، ملك الفايكنغ فـي دوبلين، والاسكوتلنديين والغاليين البغيضين. نفكر فـي ما أحسوا به. فـي ما أحس به الرجل الذي كتب القصيدة. ربما كان راهباً. ولكن الحقيقة هي أنه بدل أن يقدم الشكر للرب (على الطريقة الأرثوذكسية)، وجه الشكر على النصر لسيف ملكه ولسيف الأمير إدموند. لم يقل إن الرب قد وهبهم النصر؛ بل قال إنهم حصلوا عليه {)uoigde addrows(، «بحد السيوف». القصيدة كلها مفعمة بسعادة وحشية، قاسية. تسخر ممن هُزموا. تروي كيف عاد الملك وأخوه إلى وِسكس، إلى موطنه فـي (أرض ساكسونلاند الغربية)، كما يسميها تينسون حين يقول: «(ذهبا إلى ويست ـ ساكسونلاند، راضين عن الحرب»)(٩). بعد ذلك، يوغل متعمقاً فـي تاريخ إنكلترا؛ يفكر فـي الرجال الذين جاؤوا من جوتلانديا، يفكر فـي هينغست وهورسا(٠١). إنه أمر نادر، فلست أظن أن كثيرين كان لديهم مثل هذا الحس بالتاريخ فـي العصر الوسيط. وهكذا علينا أن نعتبر القصيدة ثمرة عاطفة عميقة. علينا أن نعتبرها انجرافاً شعرياً هائلاً.
عندما نشير إلى ترجمة تنيسون، مهما بلغ تقديرنا لها (وأنا عرفتها قبل أن أعرف الأصل السكسوني)، فإننا نعتبرها تجريباً متقناً لترجمة الشعر الإنجليزي القديم، بادر إليه معلم فـي نظم الشعر الإنجليزي الحديث؛ هذا يعني أن السياق مختلف. ولا شك فـي أن المترجم غير مذنب فـي ذلك. ويحدث الشيء نفسه فـي ترجمة روي كامبل لقصيدة سان خوان دي لا كروث: يمكن لنا أن نفكر (وأظن أنه ليس من غير المقبول التفكير فـي الأمر) أن الترجمة الإنجليزية: dehsuh saw esuoh eht lla nehw( هي أسمى حقاً ـ من وجهة النظر الأدبية المحضة ـ من الأصل الإسباني: .)adagesos asac im ay odnatse( ولكن لهذا علاقة ضئيلة بشأن حكمنا على القطعتين، الأصل الإسباني والترجمة الإنجليزية. ففـي الحالة الأولى، نفكر فـي أن سان خوان دي لا كروث قد بلغ أعلى تجربة يمكن لروح الإنسان أن تبلغها: تجربة النشوة، التقاء روح بشرية بروح إلوهية، بالروح الإلهية، بالرب. وبعد أن امتلك هذه التجربة التي لا توصف، كان عليه أن ينقلها ويوصلها، بطريقة ما، من خلال الاستعارات. عندئذ وجد فـي متناول يده نشيد الإنشاد، فأخذ منه (وقد فعل متصوفون كثيرون ذلك) صورة الحب الجنسي كتجسيد للاتحاد التصوفـي بين الإنسان وربه، وكتب القصيدة. وهكذا فإننا نسمع ـ ويمكننا القول إننا نسمع بالمصادفة، مثلما فـي حالة السكسوني ـ الكلمات الدقيقة نفسها التي تلفظ بها سان خوان دي لا كروث.
فلننظر الآن فـي ترجمة روي كامبل. إنها تبدو لنا جيدة، ولكننا ربما نميل إلى التفكير: «أجل، إن عمل هذا الاسكتلندي جيد بالرغم من كل شيء». وهذا مختلف بكل تأكيد. هذا يعني، الفرق بين الترجمة والأصل ليس فرقاً بين النصوص نفسها. أفترض أننا إذا كنا لا نعرف أيهما هو الأصل وأيهما الترجمة، فإننا نستطيع الحكم عليهما بتجرد. ولكن، لسوء الحظ أنه لا يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو. وبالتالي فإننا نفترض أن عمل المترجم أدنى على الدوام ـ بالرغم من أن الترجمة قد تكون بمثل جودة النص.
نصل الآن إلى مشكلة أخرى: مشكلة الترجمة الحرفـية. عندما أتحدث عن ترجمة «حرفـية» فإنني أستخدم استعارة واسعة الانتشار، ذلك أنه إذا كان من غير الممكن للترجمة أن تكون أمينة للأصل كلمة فكلمة، فإنها ستكون أقل أمانة حرفاً فحرفاً. فـي القرن التاسع عشر، أقدم متخصص بالأدب الإغريقي، شبه منسي عملياً، ويدعى نيومان، على ترجمة هوميروس ترجمة حرفـية وبالوزن السداسي (١١). كان هدفه نشر ترجمة «يعارض بها» هوميروس الذي ترجمه بوب. وقد استخدم عبارات من نوع «أمواج رطبة»، و«بحر النبيذ القاتم» وعبارات أخرى من هذا النوع. لكن ماثيو أرنولد كانت له نظرياته الخاصة عن كيفـية ترجمة هوميروس. وعندما ظهر كتاب نيومان، كتب أرنولد مراجعة لهذه الترجمة. وقد ردّ عليه نيومان؛ فعاد ماثيو أرنولد للرد عليه. ويمكننا أن نقرأ هذه المناظرة فـي مقالات ماثيو أرنولد.
كان لديهما الكثير مما يودان قوله عن مظهريّ المسألة. فنيومان يرى أن الترجمة الحرفـية هي الأكثر أمانة. وماثيو أرنولد بدأ بنظرية حول هوميروس. فقال إن صفات عديدة ومتنوعة قد اجتمعت فـي هوميروس، منها: الوضوح، النبل، البساطة، وأشياء أخرى مماثلة. وهو يعتقد أنه على المترجم أن يضع نصب عينيه دائماً نقل انطباع عن هذه الصفات، حتى عندما لا يُبرزها النص. وأشار ماثيو أرنولد إلى أن الترجمة الحرفـية تؤدي إلى المغالاة فـي الغرابة والخشونة.
ونحن فـي اللغات الرومانية، على سبيل المثال، عندما نتحدث عن حالة الجو لا نقول «إنه بارد» ))o?rf ?tsE( بل نقول «يعمل بردا» أي {)o?rf ecaH( بالإسبانية، و )diorf tiaf lI( بالفرنسية، و{)odderf aF( بالإيطالية... إلخ. ولكنني لا أظن أن هناك من يترجم {)diorf tiaf lI( إلى الإنجليزية بـ {)dloc sekam tI( بدلاً من .))dloc si tI( ومثال آخر: نحن نقول بالإنجليزية ))gninroM dooG( (صباح الخير)، بينما نقول بالإسبانية )sa?d soneuB( (أي )syad dooG(). فإذا ما ترجمنا )gninrom dooG( إلى )anaiam aneuB(، فستبدو لنا الترجمة حرفـية، غير أنه سيكون من الصعب اعتبارها ترجمة أمينة.
وأشار أرنولد إلى أننا عندما نقوم بترجمة نص ترجمة حرفـية، تنشأ تفخيمات زائفة. ولست أدري إذا كان قد أخذ فـي اعتباره ترجمة الكابتن بورتن لكتاب ألف ليلة وليلة؛ ربما تكون قد وصلته متأخرة كثيراً. فقد ترجم بورتن «كتاب ألف ليلة وليلة» كما يلي:
thgiN a dna sthgiN dnasuohT eht fo kooB بدلاً من أن يترجمها .sthgiN enO dna dnasuohT eht fo kooB إنها ترجمة حرفـية. وهي أمينة للنص العربي كلمة فكلمة. لكنها ترجمة غير دقيقة بمعنى أن كلمات «كتاب ألف ليلة وليلة» هي صيغة شائعة بالعربية، ولكنها تثير فـينا نوعاً من المفاجأة الخفـيفة بالإنجليزية. وهذا، دون شك، ما لا يرمي إليه النص الأصلي بالعربية.
ينصح ماثيو أرنولد مترجمَ هوميروس بأن يُبقي نسخة من الكتاب المقدس فـي متناول يده. ويقول إنه يمكن للكتاب المقدس بالإنجليزية أن يكون نوعاً من المثال الذي يُحتذى به لترجمة هوميروس. ولكن، لو أن ماثيو أرنولد درس كتابه المقدس بتمعن، لكان انتبه إلى أن الكتاب المقدس بالإنجليزية يغص بترجمات حرفـية، وأن شطراً من الجمال الاستثنائي للكتاب المقدس بالإنجليزية يكمن فـي هذه الترجمات الحرفـية.
فنحن نجد، على سبيل المثال، )htgnerts fo rewot a( (برجُ حصن»). وهذه هي الجملة التي ترجمها مارتن لوثر بـ )gruB etsef nie(، «مدينة حصينة (أو راسخة المنعة»). ولدينا )sgnos fo gnos ehT( أي «نشيد الإنشاد». فقد قرأت عند فراي لويس دي ليون أنه لا وجود لدى العبرانيين لصيغ تفضيل، ولهذا لا يمكنهم أن يقولوا «أعظم الأغاني» أو «أفضل نشيد». فـيقولون «نشيد الإنشاد»، مثلما كان يمكن لهم أن يقولوا «ملك الملوك» بدلاً من «الإمبراطور» أو «الملك الأعظم»؛ أو أن يقولوا «قمر الأقمار» بدلاً من «أكبر قمر»، أو «ليلة الليالي» بدلاً من «أكثر الليالي قداسة». وإذا ما قارنا الترجمة الإنجليزية )sgnoS fo gnoS( بترجمة لوثر الألمانية، نرى أن لوثر الذي لا يولي اهتماماً للجمال، وإنما يريد للألمان أن يفهموا النص وحسب، قد ترجم الكلمات نفسها إلى {)deiL ehoh saD( ، أي «النشيد الطيب». وهكذا نكتشف أن هاتين الترجمتين الحرفـيتين تسهمان فـي إضفاء الجمال.
عملياً، يمكن القول إن الترجمات الحرفـية لا تؤدي إلى الخشونة والمغالاة فـي الغرابة فقط، مثلما يقول ماثيو أرنولد، وإنما هي تؤدي كذلك إلى التجديد والجمال. وأظن أننا جميعنا نلحظ ذلك، لأننا إذا ما تفحصنا ترجمة حرفـية لقصيدة مغالية فـي الغرابة، فإننا ننتظر شيئاً إكزوتيكياً. وإذا لم نجده فسوف نشعر بخيبة الأمل.
نصل الآن إلى واحدة من أفضل الترجمات الإنجليزية وأوسعها شهرة. إنني أتحدث، بالطبع، عن ترجمة فـيتزجيرالد لـ «رباعيات» عمر الخيام(٢١). المقطع الأول منها يقول ما يلي:
thgin fo lwob eht ni gninrom roF !ekawA
;thgilf ot srats eht stup taht enots eht gnulf saH
thguac sah tsaE eht fo retnuh ehT !ol ,dnA
.thgil fo ezad a ni terrut snatluS ehT
(أفـيقوا! فالصباح رمى فـي جفنة الليل
الحجر الذي يطيّر النجوم؛
آه، وصياد الشرق أمسك
برج السلطان بأنشوطة الضياء.)
ومثلما نعرف، فإن سوينبورن وروزيتي هما من اكتشفا الكتاب فـي إحدى المكتبات. وقد أذهلهما جماله. لم يكونا يعرفان أي شيء على الإطلاق عن إدوارد فـيتزجيرالد الذي كان رجل أدب شبه مغمور. وكان قد حاول ترجمة أشعار كالديرون ومنطق الطير لفريد الدين العطار؛ ولم تكن ترجماته تلك على قدر كبير من الجودة. بعد ذلك ظهر عمله المشهور، والذي صار اليوم كلاسيكياً.
لقد التقط روزيتي وسوينبورن جمال الترجمة، ولكننا الآن نتساءل عما إذا كانا سيلتقطان هذا الجمال لو أن فـيتزجيرالد قدم الرباعيات كعمل أصلي (وقد كان أصلياً بطريقة ما) أكثر من كونه ترجمة. أكانا سيقدران بأنه من المسموح لفـيتزجيرالد أن يقول:
gnulf saH /thgin fo lwob eht ni gninrom roF !ekawA
;thgilf ot srats eht stup taht enots eht
(البيت الثاني يحيلنا إلى هامش فـي أسفل الصفحة، يشرح لنا فـيه أن إلقاء حجر فـي إناء هو الإشارة إلى انطلاق القافلة.) وأتساءل إذا ما كان فـيتزجيرالد نفسه سيتقبل إيراد «أنشوطة الضياء» «)))thgil fo esoon( و«برج السلطان» فـي قصيدة له.
لكنني أظن أنه يمكننا أن نطيل التوقف عند بيت واحد، وهو بيت نجده فـي المقاطع المتبقية.
yks eht ni saw dnah tfel snwad nehw gnimaerD
:yrc yrevat eht nihtiw eciov a draeh I
puc eht llif dna ,seno elttil ym ekawA((
.))yrd eb puc sti ni rouqil sefil erofeB
(فـي الحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء
سمعتُ صوتاً وسط صخب الحانة:
«استيقظوا يا صغاري، واملأوا الكأس
قبل أن يجف فـي كؤوسه نسغ الحياة»)
فلنتوقف عند البيت الأول: «فـي الحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء». مما لا شك فـيه أن مفتاح هذا البيت هو فـي كلمة «اليسرى». فلو أنه استخدم أي صفة أخرى، لما كان للبيت من معنى. لكن «يد يسرى» تجعلنا نفكر فـي شيء غريب... فـي شيء مشؤوم. نحن نعلم أن اليد اليمنى مرتبطة بما هو «مستقيم» ـ وبكلام آخر، بالاستقامة، بالصفاء ـ، لكننا نجد هنا الكلمة البغيضة «يسرى». فلنتذكر الجملة الإسبانية القائلة: «طعنة رمح يسرى تخترق القلب»: إنها فكرة شيء مشؤوم. نشعر بأن هناك شيئاً خفـياً من المراوغة، من الخبث، فـي هذه «اليد اليسرى للفجر». فإذا كان الشاعر الفارسي يحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء، فإن حلمه قد تحول على الفور إلى كابوس. ولأننا نكاد لا نعي ذلك، فليس علينا أن نتوقف عند كلمة «يسرى». لكن كلمة «يسرى» هي التي تحدد الاختلاف كله. إن فنية هذا البيت الشعرية شديد الحساسية والسرية. ونحن نتقبل «فـي الحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء» لأننا نفترض أن هناك أصلاً فارسياً يكفله. لكن ما أعرفه هو أن عمر الخيام لا يؤكد ما ذهب إليه فـيتزجيرالد. وهذا يطرح علينا مسألة مثيرة للاهتمام: ترجمة حرفـية أبدعت جمالاً خاصاً بها، ولها وحدها.
لقد تساءلتُ على الدوام عن منشأ الترجمات الحرفـية. إننا اليوم مناصرون لهذا النوع من الترجمات؛ وكثيرون نحن الذين لا نتقبل، عملياً، إلا الترجمات الحرفـية، لأننا نريد أن نعطي لكل ذي حق حقه. وكان يمكن لهذا أن يبدو جريمة فـي نظر مترجمي الماضي الذين كانوا يفكرون فـي شيء يكون أكثر جدارة بكثير. كانوا يريدون أن يثبتوا أن إمكانية اللغة المحلية، فـي قصيدة عظيمة، لا تقل عن إمكانية اللغة الأصلية. وأعتقد أن دون خوان دي خاوريغي(٣١)، كان يفكر فـي هذا الأمر بالذات عندما ترجم لوكانو(٤١) إلى الإسبانية. ولست أظن أن أحداً من معاصري بوب كان يفكر فـي هوميروس وبوب. وإنما أفترض أن القراء، أفضل القراء على الأقل، كانوا يفكرون فـي القصيدة نفسها. ما كان يهمهم هو الإلياذة والأوديسة، ولا يعيرون اهتماماً للترهات اللفظية. وخلال العصور الوسطى كلها، لم يكن الناس ينظرون إلى الترجمة بمعنى النقل الحرفـي، وإنما كإعادة إبداع شيء جديد: أشبه بعمل شاعرٍ، قرأ عملاً ما، وراح يطوره بعد ذلك على طريقته الخاصة، حسب قدراته والإمكانات المعروفة للغته حتى ذلك الحين.
ما هو منشأ الترجمات الحرفـية إذاً؟ لا أظن أنها ظهرت نتيجة التقدم فـي العلم، ولا أظن أنها ظهرت نتيجـة هاجس الدقـة. أعتقـد أنه كان لها منشـأ لاهوتي. فعلى الرغم مـن أن النـاس كانوا يرون أن هوميروس هو أعظم الشعراء، إلا أنهم لا ينسون أن هوميروس كان بشرا (٥١) ))suremoH sunob tatimrod euqodnauq((، ويمكن بالتالي لكلماته أن تتبدل. ولكن عندما صار لا بد من ترجمة الكتاب المقدس، طُرحت مسألة شديدة الاختلاف، إذ كان يفترض أن الكتاب المقدس هو من وضع الروح القدس. وعندما نفكر فـي الروح القدس، عندما نفكر فـي ذكاء الرب غير المتناهي مرتبطاً بمهمة أدبية، فإننا لا نستطيع أن نتصور وجود عناصر طارئة ـ عناصر مصادفة ـ فـي عمله. لا. فإذا ما كتب الرب كتاباً، إذا ما تفضل الرب على الأدب، فإن كل كلمة، كل حرف، مثلما يقول القباليون، يجب أن يكون قد جاء نتيجة تأمل عميق. ويمكن للتلاعب بالنص الذي صاغه الذكاء غير المحدود والسرمدي أن يكون تجديفاً.
وهكذا، أظن أن فكرة الترجمة الحرفـية برزت مع ترجمات الكتاب المقدس. إنه مجرد افتراض مني (يخيل إليّ أن ثمة مختصين كثيرين حاضرين هنا، ويمكن لهم أن يصححوا لي إذا ما كنت مخطئاً)، ولكنه افتراض أعتبره محتملاً إلى حدّ بعيد..وعندما تم التوصل إلى ترجمات حرفية باهرة للكتاب المقدس، بدأ البشر يكتشفون... بدأوا يفكرون فـي أن ثمة جمالاً فـي أساليب التعبير الأجنبية. وصار الجميع اليوم مؤيدين للترجمات الحرفـية، لأن الترجمة الحرفـية تستثير فينا على الدوام هزة الدهشة الخفـيفة التي ننتظرها. وعملياً، يمكن القول إنه لا حاجة إلى الأصل. وربما سيأتي الوقت الذي سيُنظر فـيه إلى الترجمة على أنها شيء قائم بذاته. فلنفكر فـي «سوناتات مترجمة عن البرتغالية» لإليزابيث باريت براونينغ.
لقد جربتُ فـي إحدى المرات استعارة أقرب لأن تكون جريئة، لكنني أدركت أنها ستكون غير مقبولة لأنها صادرة عني (فأنا مجرد معاصر فقط)، وهكذا نسبتها إلى فارسي أو اسكندنافـي قديم. عندئذ قال أصدقائي إنها مدهشة؛ ولم أخبرهم طبعاً بأنني أنا الذي ابتدعتها، لأنني كنت معجباً بتلك الاستعارة. وكان يمكن، فـي نهاية المطاف، أن يكون الفرس أو الاسكندنافـيون هم من ابتدعوا تلك الاستعارة، أو أخريات غيرها أفضل منها بكثير.
وهكذا، فلنعد إلى ما قلته فـي البداية: إنه لا يمكن الحكم على الترجمة من خلال الألفاظ، وإن كان من الممكن محاكمتها من خلال الألفاظ، ولكنها ليست مجرد ألفاظ على الإطلاق. فأنا على سبيل المثال (وآمل ألا تفكروا فـي أنني أقول تجديفاً)، درستُ بتمعن شديد (لكن هذا حدث منذ أربعين سنة، ويمكنني أن أتعلل بأخطاء الشباب]) أزهار الشر lam ud sruelF seL لبودلير وes?B sed nemulB لستيفان جورج. وأعتقد، دون مجال للشك، أن بودلير هو شاعر متفوق على ستيفان جورج، غير أن ستيفان جورج كان أكثر براعة حِرَفـية بكثير. وأعتقد أننا إذا ما قارنا الكتابين بيتاً بيتاً، سنكتشف أن «ترجمة» gnuthcidmU ستيفان جورج (وهذه كلمة ألمانية جميلة لا تعني قصيدة مترجمة عن أخرى، وإنما قصيدة منسوجة انطلاقاً من قصيدة أخرى؛ ولدينا أيضاً بالألمانية كلمة {)gnuthcidhcaN(، ترجمة حرة؛ و nuztesreb، ترجمة عادية)، أظن أن ترجمة ستيفان جورج قد تكون أفضل من كتاب بودلير. ولكن هذا لا ينفع ستيفان جورج بكل تأكيد، لأن المهتمين ببودلير ـ وأنا ممن اهتموا كثيراً ببودلير ـ يدركون أن الكلمات صدرت عن بودلير؛ وهذا يعني أنهم يفكرون فـي سياق حياة بودلير كلها. أما فـي حالة ستيفان جورج فلدينا شاعر متمكن، إنما متحذلق بعض الشيء، ينتمي إلى القرن العشرين، ويصوغ كلمات بودلير الأصلية بلغة أجنبية، هي الألمانية.
لقد تحدثت عن الحاضر. وأقول الآن إن حسنا التاريخي يثقل علينا، يضايقنا. لا نستطيع أن ندرس نصاً قديماً مثلما فعل ذلك رجال العصر الوسيط، أو عصر النهضة، أو حتى القرن الثامن عشر. نحن اليوم تشغلنا الظروف؛ نريد أن نعرف بالضبط ما الذي كان يرمي إليه هوميروس عندما كتب عن «بحر بلون النبيذ» (أجل «بحر بلون النبيذ» هي الترجمة الصحيحة، وهو ما لا أدري حقيقته). ولكن، إذا كانت عقليتنا تاريخية، أظن أنه ربما لا يمكن لنا أن نتصور مجيء يوم لا يكون فـيه التاريخ حاضراً فـي أذهان البشر مثلما هو لدينا. سيأتي يوم لا يكون فـيه اهتمام البشر كبيراً بأحداث الجمال وظروفه؛ وإنما يهتمون بالجمال لذاته. بل قد لا يهتمون بأسماء الشعراء أو سير حياتهم.
وسيكون من دواعي التفاؤل التفكير فـي أن هناك أمماً بكاملها تفكر بهذه الطريقة. فأنا لا أظن بأن لدى الناس فـي الهند،مثلاً، حساً تاريخياً. إحدى الصعوبات التي واجهها الأوربيون الذين يكتبون أو كتبوا تواريخ للفلسفة الهندية هي أن الهنود يعتبرون الفلسفة كلها معاصرة. هذا يعني أن ما يهمهم هي المسائل نفسها، وليس السير الحياتية أو التواريخ، أو المعطيات الكرونولجية. فكون فلان هو معلم فلان، وكان يكتب متأثراً بكذا، كل هذه الأمور هي مجرد تفاهات فـي نظرهم. ما يشغلهم هو لغز الكون. وآمل أن البشر، فـي المستقبل (وأرجو أن يكون هذا المستقبل عند منعطف الناصية)، سيهتمون بالجمال، وليس بظروف الجمال. عندئذ ستكون لدينا ترجمات ليست فقط جيدة (فهذه صارت متوفرة لدينا) وإنما كذلك مشهورة مثل هوميروس شابمان، ورابليه يوركهارت، وأوديسة بوب(٦١). وأظن أنها ذروة جديرة بأن تكون مرغوبة بورع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
٭ [عن دار المدى بدمشق].
(١) ألفرد تنيسون )2981-9081( :nosynneT derflA أعظم شعراء العصر الفـيكتوري فـي إنجلترا.
(٢) نُشرت هذه الترجمة النثرية فـي مجلة {)weiveR yraropmetnoC( (لندن) فـي شهر نوفمبر ٦٧٨١.
(٣) تنيسون «معركة برونانبور» «)))hrubnanurB fo elttaB ehT( فـي «أعمال تنيسون الشعرية الكاملة»، بوسطن، ٨٩٨١، ص ٥٧٤، المقطع ٣، السطران ٦-٧. (ترجمة تنيسون إلى الإنجليزنجليزية الحديثة نجدها فـي «بورخيس أستاذا».
(٤) الاقتباس هو المقطع الأول من المقاطع الثمانية التي تشكل قصيدة «ليلة الروح القاتمة» {)amla led arucso ehcoN( لسان خوان دي لاكروث، أو كما كتب عنها الشاعر القديس: أغنيات الروح التي نعمت ببلوغ أسمى حالات الكمال، ألا وهي الاندماج بالرب، عبر طريق الإنكار الروحي.
(٥) يترجمه سيمونز .))luoS eht fo thgiN erucsbO ehT(( snomyS انظر وليم بتلر ييتس {)5391-2981 ,esreV nredoM fo kooB drofxO ehT( منشورات أوكسفورد يوفـيرسيتي برس، نيويورك ٦٣٩١، ص ٧٧-٨٧.
(٦) روي كامبل llebpmaC yoR، الأعمال الشعرية، لندن ٩٤٩١، ص ٤٦١-٥٦١. يأخذ كامبل البيت الأول الأصلي كعنوان لترجمته: «فـي ليلة مظلمة»
(٧) تعبير {)ruetalsnart dnarg( مصدره قصيدة بالاد للفرنسي spmahcseD ehcatsuE، المعاصر لجيفري شاوسر. واللازمة فـي القصيدة هي: (.))reicuahC yorffoeG elbon ,ruetalsnart te(
)8( الشاهد هو البيت الأول من قصيدة {)selwoF fo tnemelraP( لشاوسر.
(٩) تينسون nosynneT، «معركة برونانبور» )hrubnanurB fo elttaB ehT( فـي «الأعمال الشعرية الكاملة» الصفحة ٦٨٤ (المقطع ٣١، البيتين ٤-٥).
(٠١) حسب الرواية التاريخية التقليدية، كان هينغست tsigneH وهورسا asroH أخوين قادا الغزو على بريطانيا فـي منتصف القرن الخامس، وأسسا مملكة كنت .tneK
)11( فرانسيس وليم نيومان )7981-5081( namweN nailliW sicnarF لم يكن عالماً ومترجماً كلاسيكياً وحسب، وإنما كذلك كاتباً غزيراً فـي الموضوعات الدينية والسياسية والفلسفـية والأخلاقية والاجتماعية. نشرت الإلياذة بترجمته عام ٦٥٨١، فـي لندن.
(٢١) عمر الخيام (٨٤٠١-٢٢١١)، «الرباعيات»، ترجمة إدوارد فـيتزجيرالد (٩٠٨١-٣٨٨١)، نُشرت ترجمة فـيتزجيرالد أول مرة فـي لندن ٩٥٨١.
(٣١) خوان دي خاوريغي :iugeru?J ed nauJ nod رسام وشاعر إسباني، ولد فـي إشبيلية (٣٨٥١-١٤٦١). يعتقد أنه من رسم الصورة الوحيدة لثربانتس المحفوظة لدى أكاديمية اللغة الإسبانية.
(٤١) لوكانو، ماركو أنيو nacuL oennA ocraM شاعر لاتيني (٩٣-٥٦)، ابن أخ سينكا الفـيلسوف. شارك فـي مؤامرة ضد الإمبراطور نيرون، وعند انكشاف أمره انتحر.
(٥١) هذا البيت من الشعر لهوراس، وقد ترجمه بورخيس فـي «سبع ليال» كما يلي: «وأحياناً، يهيمن سلطان النوم على هوميروس الطيب». والمراد هنا هو أن هوميروس، على الرغم من عظمته، ليس إلهاً؛ وإنما هو بشر، يتغلب عليه سلطان النوم أحياناً، أما الآلهة فلا ينامون.
(٦١) طُبعت الإلياذة بترجمة شابمان nampahC عام ٤١٦١؛ وطُبعت ترجمته للأوديسة فـي ٤١٦١-٥١٦١. أما توماس يوركهارت(أو يوركهارد) )dtahuqrU o( trahuqrU samohT، فنشر ترجمته لمجلدات رابليه الخمسة بين عامي ٣٥٦١ و٤٩٦١. وظهرت الأوديسة بترجمة ألكسندر بوب فـي ٥٢٧١-٦٢٧١.
خورخي لويس بورخيس- ترجمة: صالح علماني
من أجل الوضوح، سأقتصر الآن على الحديث عن مشكلة الترجمة الشعرية. إنها مشكلة صغرى ولكنها شديدة الاتصال بموضوعنا (أي موضوع صنعة الشعر). ولا بد لمناقشة هذه القضية من أن تمهد لنا الطريق إلى موضوع موسيقى الكلمات (أو ربما سحر الكلمات)، إلى معنى الشعر وإيقاعه.
حسب خرافة متجذرة وواسعة الانتشار، كل ترجمة هي خيانة لأصل فريد لا نظير له. ويعبر عن ذلك على أحسن وجه تلاعب الألفاظ الإيطالي المعروف على نطاق واسع (Traduttore, traditore) أي «المترجم خائن»، وهي عبارة يُفترض أنها غير قابلة للدحض. ولأن هذا التلاعب بالكلمتين واسع الشعبية، فلا بد أنه يخفـي بذرة من الحقيقة، نواة من الحقيقة.
سنناقش إمكان (أو استحالة) الترجمة الشعرية ونجاحها (أو نقيض ذلك). ووفقاً لعادتي، سننطلق من بعض الأمثلة، لأني لا أعتقد بإمكانية خوض نقاش دون أمثلة. ولأن ذاكرتي تشبه النسيان إلى حد كبير أحياناً، فسوف أختار أمثلة موجزة، ذلك أن تحليل مقاطع طويلة أو قصائد كاملة سيتخطى وقتنا المحدد وطاقتي.
ولنبدأ بقصيدة أغنية برونانبور وترجمة تنيسون لها(١). هذه القصيدة نُظمت فـي أوائل القرن العاشر (وتواريخي غير مؤكدة تماماً على الدوام) للاحتفال بانتصار رجال ويزيكس Wessex على فايكنغيي دوبلين، وعلى الاسكتلنديين والغاليين. فلننتقل الآن إلى تفحص بعض الأبيات. فـي الأصل السكسوني القديم، نجد شيئاً يُقرأ على هذا النحو تقريباً: (sunne pu ti morgentid mire tyngol) هذا يعني، «الشمس فـي المَّد الصباحي» أو «الشمس فـي ساعات الصباح»، وبعد ذلك «هذه النجمة المشهورة» أو «هذه النجمة المهيبة»، وإن تكن كلمة «مشهورة» هنا، هي الترجمة الأفضل لـِ . (mire tungol) وفـي ما يلي ذلك، يسمي الشاعر الشمس (godes candel beorht): «قنديل الرب الساطع».
وقد قام ابن تنيسون بترجمة هذه القصيدة نفسها إلى الإنجليزية نثراً، ونُشرت فـي مجلة {)weiveR Contemporary ( (٢). وربما شرح الابن لأبيه بعض القواعد الأساسية للشعر الإنجليزي القديم: الإيقاع، استخدام الجناس الاستهلالي بدلاً من القافـية، وأشياء أخرى مشابهة. وبعد ذلك، حاول تنيسون، وكان مولعاً بالتجريب، أن يكتب شعراً إنجليزياً قديماً بإنجليزية حديثة. من المهم الإشارة إلى أنه، بالرغم من أن التجربة كانت نجاحاً باهراً، إلا أنه لم يكررها قط. بحيث أننا إذا ما بحثنا عن أشعار إنجليزية قديمة فـي أعمال اللورد ألفرد تنيسون، سيكون علينا أن نكتفـي بهذا المثال الوحيد والاستثنائي، أغنية برونانبور.
هذان المثالان ـ «الشمس، هذا النجم المشهور» و«الشمس، قنديل الرب الساطع» ـ ترجمهما تنيسون هكذا: (when first the great/ Sun-star of morning-tide) عندما النجم/ الشمسي العظيم فـي المّد الصباحي»)(٣). حسن، (sun-star of morning-tide) إنها، فـي رأيي، ترجمة مؤثرة حقاً. بل إنها أكثر سكسونية أيضاً من الأصل، ذلك أنها تقدم لنا كلمتين جيرمانيتين مركبتين: (sun-star) و(morning-tide) ومما لا شك فـيه، مع أنه يمكن لـ tide-) (morning (المد الصباحي») أن تُفهم على أنها (morning-time) (ساعات الصباح»)، يمكننا أن نفكر أيضاً فـي أن تنيسون أراد أن يوحي لنا بصورة فجر بدأ يطغى على السماء. وهكذا فإن ما لدينا هو جملة غريبة حقاً: (first the great/Sun-star if nirning-tide) when( وعلى الفور، بعد بيت من ذلك، عندما يصل تنيسون إلى «قنديل الرب الساطع»، يترجمها (Lamp of Lord God)) (مصباح السيد الرب»).
فلنتناول الآن مثالاً آخر، وهو ليس ترجمة متقنة لا تشوبها شائبة وحسب، وإنما جميلة أيضاً. وفـي هذه المرة سنتأمل ترجمة عن الإسبانية. إنها القصيدة الرائعة «ليلة الروح القاتمة» (Noche oscura led alma) التي كتبها فـي القرن السادس عشر، واحد من أكبر ـ ويمكننا القول دون خوف إنه أكبر ـ الشعراء الإسبان، وكل البشر الذين استخدموا اللغة الإسبانية لأغراض الشعر. إنني أتحدث، بالطبع، عن سان خوان دي لاكروث(٤). المقطع الأول يقول ما يلي:
En una noche oscuram,
con ansias ne amores inflamada,
oh dichosa ventura!,
laki sin ser notada
estando ya mi casa sosegada.
فـي ليلة مظلمة،
بلهفة غراميات ملتهبة،
آه، أيتها المغامرة السعيدة!
خرجتُ دون أن أُرى
إذ كان مسكني ساكناً.
إنه مقطع رائع. ولكن إذا ما أمعنا النظر فـي البيت الأخير مستخرجاً من سياقه ومعزولاً (من المؤكد أنه من غير المقبول عمل شيء كهذا)، فإنه سيبدو بيتاً أقرب إلى المتوسط:
( estando ya im casa sosegada ) وكان مسكني ساكنا»). لدينا سأسأة السينات (س) الثلاث فـي قوله ( (casa sosegada و sosegada ليست كلمة استثنائية بحد ذاتها. أنا لا أحاول ازدراء النص أو الحط منه. إنني أشير فقط وقريباً جداً سترون لماذا أفعل ذلك) إلى أن البيت، عند عزله، إخراجه من سياقه، هو بيت مبتذل إلى حدّ كبير.
هذه القصيدة ترجمها إلى الإنجليزية أرثر سيمونز فـي أواخر القرن التاسع عشر. الترجمة ليست جيدة(٥)، ولكن إذا أردتم تفحصها، يمكنكم العثور عليها فـي Oxford Book of Modern Verse الذي أعده ييتس. منذ بضع سنوات، قام شاعر اسكوتلندي كبير، وجنوب أفريقي أيضاً، هو روي كامبل، بترجمة «ليلة الروح القاتمة». أرغب لو كان الكتاب لدي هنا، ولكننا نكتفـي بالبيت الذي استشهدت به للتو، «وكان مسكني ساكنا»، ولنر ما الذي فعله به روي كامبيل. لقد ترجمه كما يلي: house was hushed) when all the) (عندما كان البيت كله صامتا»)(٦). نجد كلمة {(all) التي تعطي الإحساس بالمكان، الإحساس بالاتساع، فـي بيت الشعر. وبعد ذلك مباشرة كلمة {(hushed) الإنجليزية الجميلة، البديعة، فتبدو {(hushed) كما لو أنها تقدم لنا موسيقى حقيقية للصمت.
أضيفُ إلى هذين المثالين المناسبين جداً لفن الترجمة، مثالاً ثالثاً. وهذا المثال لن أعلق عليه، ذلك أنه ليس شعراً مترجماً إلى شعر، وإنما هو نثر مرفوع إلى النظم، إلى الشعر. ولنأخذ القول اللاتيني الشائع (وهو مأخوذ عن الإغريق بالطبع) (Ars longa, vita brevis) (الفن مديد، والحياة قصيرة»)، أو كما يجب أن يلفظ، على ما أظن (uita breuis) (وهذا اللفظ يبدو قبيحاً حقاً. فلنرجع إلى (vita brevis)، إلى فـيرجيل وليس إلى «يورجيلوس Uerguilius (كما يجب أن يُلفظ.) إنه قول يراد به التأكيد وحسب، يراد به إبداء رأي. وهو رأي أولي، شفاف. نبرته السطحية صائبة. وهو، عملياً، نوع من النبوءة بالبرقية، من الأدب الذي ولد من البرقيات. «الفن مديد، الحياة قصيرة». هذه العبارة المبتذلة تكررت مرات كثيرة. وفـي القرن الرابع عشر احتاج ))ruetalsnart dnarg nu(،(٧) «(مترجم كبير») ـ المعلم جوفري تشاوسر ـ إلى هذه الجملة. لا شك فـي أنه لم يكن يفكر فـي الطب؛ ربما كان يفكر فـي الشعر. ولكنه ربما... (والنص ليس بين يدي، وهذا يتيح لنا أن نختار)... ربما كان يفكر فـي الحب، وأراد أن يُسرّب هذه الجملة. فكتب: ((( )nrael ot gnol os tfarc eht ,trohs os efil ehT((الحياة بالغة القصر، والفن بالغ الطول لفهمه»)(٨)؛ أو كان يلفظها، مثلما تخيلتم، بإنجليزية ذلك العصر: (.)enrael ot gnol os tfarc eht ,trohs os fyl ehT( هنا لا نجد التأكيد وحسب، وإنما كذلك الموسيقى الحقيقية للكآبة. يمكننا أن نرى كيف أن الشاعر لا يفكر فقط فـي صعوبة الفن وفـي قِصر الحياة؛ بل هو يشعر ذلك أيضاً. وهذا هو ما تضيفه الكلمة المفتاح {)os( التي تبدو، ظاهرياً، غير مرئية وغير مسموعة. )enrael ot gnol os tfarc eht ,trohs os fyl ehT( .
فلنرجع إلى المثالين الأولين: أغنية برونانبور الشهيرة بترجمة تنيسون، و«ليلة الروح القاتمة» لسان خوان دي لاكروث. إذ تأملنا فـي الترجمتين اللتين ذكرتهما، نجد أنهما ليستا أدنى من الأصل، لكننا نلمح اختلافاً. والاختلاف كامن فـي ما هو أبعد من إمكانات الترجمة؛ إنه يرتبط، تحديداً، بالطريقة التي نقرأ بها الشعر. فإذا ما تذكرنا أغنية برونانبور، فإننا نعرف أنها تولدت من عاطفة وانفعال عميقين. نحن نعرف أن السكسونيين قد تعرضوا، مرات كثيرة، للهزائم على يد الدانمركيين، ونعرف كم كان السكسونيون يمقتون ذلك الوضع. ويمكن لنا أن نفكر فـي السعادة التي أحس بها السكسونيون الغربيون عندما تمكنوا، بعد يوم قتال طويل ـ معركة برونانبور، إحدى أكبر المعارك فـي تاريخ إنكلترا العصر الوسيط ـ، من هزيمة أولاف falO، ملك الفايكنغ فـي دوبلين، والاسكوتلنديين والغاليين البغيضين. نفكر فـي ما أحسوا به. فـي ما أحس به الرجل الذي كتب القصيدة. ربما كان راهباً. ولكن الحقيقة هي أنه بدل أن يقدم الشكر للرب (على الطريقة الأرثوذكسية)، وجه الشكر على النصر لسيف ملكه ولسيف الأمير إدموند. لم يقل إن الرب قد وهبهم النصر؛ بل قال إنهم حصلوا عليه {)uoigde addrows(، «بحد السيوف». القصيدة كلها مفعمة بسعادة وحشية، قاسية. تسخر ممن هُزموا. تروي كيف عاد الملك وأخوه إلى وِسكس، إلى موطنه فـي (أرض ساكسونلاند الغربية)، كما يسميها تينسون حين يقول: «(ذهبا إلى ويست ـ ساكسونلاند، راضين عن الحرب»)(٩). بعد ذلك، يوغل متعمقاً فـي تاريخ إنكلترا؛ يفكر فـي الرجال الذين جاؤوا من جوتلانديا، يفكر فـي هينغست وهورسا(٠١). إنه أمر نادر، فلست أظن أن كثيرين كان لديهم مثل هذا الحس بالتاريخ فـي العصر الوسيط. وهكذا علينا أن نعتبر القصيدة ثمرة عاطفة عميقة. علينا أن نعتبرها انجرافاً شعرياً هائلاً.
عندما نشير إلى ترجمة تنيسون، مهما بلغ تقديرنا لها (وأنا عرفتها قبل أن أعرف الأصل السكسوني)، فإننا نعتبرها تجريباً متقناً لترجمة الشعر الإنجليزي القديم، بادر إليه معلم فـي نظم الشعر الإنجليزي الحديث؛ هذا يعني أن السياق مختلف. ولا شك فـي أن المترجم غير مذنب فـي ذلك. ويحدث الشيء نفسه فـي ترجمة روي كامبل لقصيدة سان خوان دي لا كروث: يمكن لنا أن نفكر (وأظن أنه ليس من غير المقبول التفكير فـي الأمر) أن الترجمة الإنجليزية: dehsuh saw esuoh eht lla nehw( هي أسمى حقاً ـ من وجهة النظر الأدبية المحضة ـ من الأصل الإسباني: .)adagesos asac im ay odnatse( ولكن لهذا علاقة ضئيلة بشأن حكمنا على القطعتين، الأصل الإسباني والترجمة الإنجليزية. ففـي الحالة الأولى، نفكر فـي أن سان خوان دي لا كروث قد بلغ أعلى تجربة يمكن لروح الإنسان أن تبلغها: تجربة النشوة، التقاء روح بشرية بروح إلوهية، بالروح الإلهية، بالرب. وبعد أن امتلك هذه التجربة التي لا توصف، كان عليه أن ينقلها ويوصلها، بطريقة ما، من خلال الاستعارات. عندئذ وجد فـي متناول يده نشيد الإنشاد، فأخذ منه (وقد فعل متصوفون كثيرون ذلك) صورة الحب الجنسي كتجسيد للاتحاد التصوفـي بين الإنسان وربه، وكتب القصيدة. وهكذا فإننا نسمع ـ ويمكننا القول إننا نسمع بالمصادفة، مثلما فـي حالة السكسوني ـ الكلمات الدقيقة نفسها التي تلفظ بها سان خوان دي لا كروث.
فلننظر الآن فـي ترجمة روي كامبل. إنها تبدو لنا جيدة، ولكننا ربما نميل إلى التفكير: «أجل، إن عمل هذا الاسكتلندي جيد بالرغم من كل شيء». وهذا مختلف بكل تأكيد. هذا يعني، الفرق بين الترجمة والأصل ليس فرقاً بين النصوص نفسها. أفترض أننا إذا كنا لا نعرف أيهما هو الأصل وأيهما الترجمة، فإننا نستطيع الحكم عليهما بتجرد. ولكن، لسوء الحظ أنه لا يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو. وبالتالي فإننا نفترض أن عمل المترجم أدنى على الدوام ـ بالرغم من أن الترجمة قد تكون بمثل جودة النص.
نصل الآن إلى مشكلة أخرى: مشكلة الترجمة الحرفـية. عندما أتحدث عن ترجمة «حرفـية» فإنني أستخدم استعارة واسعة الانتشار، ذلك أنه إذا كان من غير الممكن للترجمة أن تكون أمينة للأصل كلمة فكلمة، فإنها ستكون أقل أمانة حرفاً فحرفاً. فـي القرن التاسع عشر، أقدم متخصص بالأدب الإغريقي، شبه منسي عملياً، ويدعى نيومان، على ترجمة هوميروس ترجمة حرفـية وبالوزن السداسي (١١). كان هدفه نشر ترجمة «يعارض بها» هوميروس الذي ترجمه بوب. وقد استخدم عبارات من نوع «أمواج رطبة»، و«بحر النبيذ القاتم» وعبارات أخرى من هذا النوع. لكن ماثيو أرنولد كانت له نظرياته الخاصة عن كيفـية ترجمة هوميروس. وعندما ظهر كتاب نيومان، كتب أرنولد مراجعة لهذه الترجمة. وقد ردّ عليه نيومان؛ فعاد ماثيو أرنولد للرد عليه. ويمكننا أن نقرأ هذه المناظرة فـي مقالات ماثيو أرنولد.
كان لديهما الكثير مما يودان قوله عن مظهريّ المسألة. فنيومان يرى أن الترجمة الحرفـية هي الأكثر أمانة. وماثيو أرنولد بدأ بنظرية حول هوميروس. فقال إن صفات عديدة ومتنوعة قد اجتمعت فـي هوميروس، منها: الوضوح، النبل، البساطة، وأشياء أخرى مماثلة. وهو يعتقد أنه على المترجم أن يضع نصب عينيه دائماً نقل انطباع عن هذه الصفات، حتى عندما لا يُبرزها النص. وأشار ماثيو أرنولد إلى أن الترجمة الحرفـية تؤدي إلى المغالاة فـي الغرابة والخشونة.
ونحن فـي اللغات الرومانية، على سبيل المثال، عندما نتحدث عن حالة الجو لا نقول «إنه بارد» ))o?rf ?tsE( بل نقول «يعمل بردا» أي {)o?rf ecaH( بالإسبانية، و )diorf tiaf lI( بالفرنسية، و{)odderf aF( بالإيطالية... إلخ. ولكنني لا أظن أن هناك من يترجم {)diorf tiaf lI( إلى الإنجليزية بـ {)dloc sekam tI( بدلاً من .))dloc si tI( ومثال آخر: نحن نقول بالإنجليزية ))gninroM dooG( (صباح الخير)، بينما نقول بالإسبانية )sa?d soneuB( (أي )syad dooG(). فإذا ما ترجمنا )gninrom dooG( إلى )anaiam aneuB(، فستبدو لنا الترجمة حرفـية، غير أنه سيكون من الصعب اعتبارها ترجمة أمينة.
وأشار أرنولد إلى أننا عندما نقوم بترجمة نص ترجمة حرفـية، تنشأ تفخيمات زائفة. ولست أدري إذا كان قد أخذ فـي اعتباره ترجمة الكابتن بورتن لكتاب ألف ليلة وليلة؛ ربما تكون قد وصلته متأخرة كثيراً. فقد ترجم بورتن «كتاب ألف ليلة وليلة» كما يلي:
thgiN a dna sthgiN dnasuohT eht fo kooB بدلاً من أن يترجمها .sthgiN enO dna dnasuohT eht fo kooB إنها ترجمة حرفـية. وهي أمينة للنص العربي كلمة فكلمة. لكنها ترجمة غير دقيقة بمعنى أن كلمات «كتاب ألف ليلة وليلة» هي صيغة شائعة بالعربية، ولكنها تثير فـينا نوعاً من المفاجأة الخفـيفة بالإنجليزية. وهذا، دون شك، ما لا يرمي إليه النص الأصلي بالعربية.
ينصح ماثيو أرنولد مترجمَ هوميروس بأن يُبقي نسخة من الكتاب المقدس فـي متناول يده. ويقول إنه يمكن للكتاب المقدس بالإنجليزية أن يكون نوعاً من المثال الذي يُحتذى به لترجمة هوميروس. ولكن، لو أن ماثيو أرنولد درس كتابه المقدس بتمعن، لكان انتبه إلى أن الكتاب المقدس بالإنجليزية يغص بترجمات حرفـية، وأن شطراً من الجمال الاستثنائي للكتاب المقدس بالإنجليزية يكمن فـي هذه الترجمات الحرفـية.
فنحن نجد، على سبيل المثال، )htgnerts fo rewot a( (برجُ حصن»). وهذه هي الجملة التي ترجمها مارتن لوثر بـ )gruB etsef nie(، «مدينة حصينة (أو راسخة المنعة»). ولدينا )sgnos fo gnos ehT( أي «نشيد الإنشاد». فقد قرأت عند فراي لويس دي ليون أنه لا وجود لدى العبرانيين لصيغ تفضيل، ولهذا لا يمكنهم أن يقولوا «أعظم الأغاني» أو «أفضل نشيد». فـيقولون «نشيد الإنشاد»، مثلما كان يمكن لهم أن يقولوا «ملك الملوك» بدلاً من «الإمبراطور» أو «الملك الأعظم»؛ أو أن يقولوا «قمر الأقمار» بدلاً من «أكبر قمر»، أو «ليلة الليالي» بدلاً من «أكثر الليالي قداسة». وإذا ما قارنا الترجمة الإنجليزية )sgnoS fo gnoS( بترجمة لوثر الألمانية، نرى أن لوثر الذي لا يولي اهتماماً للجمال، وإنما يريد للألمان أن يفهموا النص وحسب، قد ترجم الكلمات نفسها إلى {)deiL ehoh saD( ، أي «النشيد الطيب». وهكذا نكتشف أن هاتين الترجمتين الحرفـيتين تسهمان فـي إضفاء الجمال.
عملياً، يمكن القول إن الترجمات الحرفـية لا تؤدي إلى الخشونة والمغالاة فـي الغرابة فقط، مثلما يقول ماثيو أرنولد، وإنما هي تؤدي كذلك إلى التجديد والجمال. وأظن أننا جميعنا نلحظ ذلك، لأننا إذا ما تفحصنا ترجمة حرفـية لقصيدة مغالية فـي الغرابة، فإننا ننتظر شيئاً إكزوتيكياً. وإذا لم نجده فسوف نشعر بخيبة الأمل.
نصل الآن إلى واحدة من أفضل الترجمات الإنجليزية وأوسعها شهرة. إنني أتحدث، بالطبع، عن ترجمة فـيتزجيرالد لـ «رباعيات» عمر الخيام(٢١). المقطع الأول منها يقول ما يلي:
thgin fo lwob eht ni gninrom roF !ekawA
;thgilf ot srats eht stup taht enots eht gnulf saH
thguac sah tsaE eht fo retnuh ehT !ol ,dnA
.thgil fo ezad a ni terrut snatluS ehT
(أفـيقوا! فالصباح رمى فـي جفنة الليل
الحجر الذي يطيّر النجوم؛
آه، وصياد الشرق أمسك
برج السلطان بأنشوطة الضياء.)
ومثلما نعرف، فإن سوينبورن وروزيتي هما من اكتشفا الكتاب فـي إحدى المكتبات. وقد أذهلهما جماله. لم يكونا يعرفان أي شيء على الإطلاق عن إدوارد فـيتزجيرالد الذي كان رجل أدب شبه مغمور. وكان قد حاول ترجمة أشعار كالديرون ومنطق الطير لفريد الدين العطار؛ ولم تكن ترجماته تلك على قدر كبير من الجودة. بعد ذلك ظهر عمله المشهور، والذي صار اليوم كلاسيكياً.
لقد التقط روزيتي وسوينبورن جمال الترجمة، ولكننا الآن نتساءل عما إذا كانا سيلتقطان هذا الجمال لو أن فـيتزجيرالد قدم الرباعيات كعمل أصلي (وقد كان أصلياً بطريقة ما) أكثر من كونه ترجمة. أكانا سيقدران بأنه من المسموح لفـيتزجيرالد أن يقول:
gnulf saH /thgin fo lwob eht ni gninrom roF !ekawA
;thgilf ot srats eht stup taht enots eht
(البيت الثاني يحيلنا إلى هامش فـي أسفل الصفحة، يشرح لنا فـيه أن إلقاء حجر فـي إناء هو الإشارة إلى انطلاق القافلة.) وأتساءل إذا ما كان فـيتزجيرالد نفسه سيتقبل إيراد «أنشوطة الضياء» «)))thgil fo esoon( و«برج السلطان» فـي قصيدة له.
لكنني أظن أنه يمكننا أن نطيل التوقف عند بيت واحد، وهو بيت نجده فـي المقاطع المتبقية.
yks eht ni saw dnah tfel snwad nehw gnimaerD
:yrc yrevat eht nihtiw eciov a draeh I
puc eht llif dna ,seno elttil ym ekawA((
.))yrd eb puc sti ni rouqil sefil erofeB
(فـي الحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء
سمعتُ صوتاً وسط صخب الحانة:
«استيقظوا يا صغاري، واملأوا الكأس
قبل أن يجف فـي كؤوسه نسغ الحياة»)
فلنتوقف عند البيت الأول: «فـي الحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء». مما لا شك فـيه أن مفتاح هذا البيت هو فـي كلمة «اليسرى». فلو أنه استخدم أي صفة أخرى، لما كان للبيت من معنى. لكن «يد يسرى» تجعلنا نفكر فـي شيء غريب... فـي شيء مشؤوم. نحن نعلم أن اليد اليمنى مرتبطة بما هو «مستقيم» ـ وبكلام آخر، بالاستقامة، بالصفاء ـ، لكننا نجد هنا الكلمة البغيضة «يسرى». فلنتذكر الجملة الإسبانية القائلة: «طعنة رمح يسرى تخترق القلب»: إنها فكرة شيء مشؤوم. نشعر بأن هناك شيئاً خفـياً من المراوغة، من الخبث، فـي هذه «اليد اليسرى للفجر». فإذا كان الشاعر الفارسي يحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء، فإن حلمه قد تحول على الفور إلى كابوس. ولأننا نكاد لا نعي ذلك، فليس علينا أن نتوقف عند كلمة «يسرى». لكن كلمة «يسرى» هي التي تحدد الاختلاف كله. إن فنية هذا البيت الشعرية شديد الحساسية والسرية. ونحن نتقبل «فـي الحلم، بينما يد الفجر اليسرى فـي السماء» لأننا نفترض أن هناك أصلاً فارسياً يكفله. لكن ما أعرفه هو أن عمر الخيام لا يؤكد ما ذهب إليه فـيتزجيرالد. وهذا يطرح علينا مسألة مثيرة للاهتمام: ترجمة حرفـية أبدعت جمالاً خاصاً بها، ولها وحدها.
لقد تساءلتُ على الدوام عن منشأ الترجمات الحرفـية. إننا اليوم مناصرون لهذا النوع من الترجمات؛ وكثيرون نحن الذين لا نتقبل، عملياً، إلا الترجمات الحرفـية، لأننا نريد أن نعطي لكل ذي حق حقه. وكان يمكن لهذا أن يبدو جريمة فـي نظر مترجمي الماضي الذين كانوا يفكرون فـي شيء يكون أكثر جدارة بكثير. كانوا يريدون أن يثبتوا أن إمكانية اللغة المحلية، فـي قصيدة عظيمة، لا تقل عن إمكانية اللغة الأصلية. وأعتقد أن دون خوان دي خاوريغي(٣١)، كان يفكر فـي هذا الأمر بالذات عندما ترجم لوكانو(٤١) إلى الإسبانية. ولست أظن أن أحداً من معاصري بوب كان يفكر فـي هوميروس وبوب. وإنما أفترض أن القراء، أفضل القراء على الأقل، كانوا يفكرون فـي القصيدة نفسها. ما كان يهمهم هو الإلياذة والأوديسة، ولا يعيرون اهتماماً للترهات اللفظية. وخلال العصور الوسطى كلها، لم يكن الناس ينظرون إلى الترجمة بمعنى النقل الحرفـي، وإنما كإعادة إبداع شيء جديد: أشبه بعمل شاعرٍ، قرأ عملاً ما، وراح يطوره بعد ذلك على طريقته الخاصة، حسب قدراته والإمكانات المعروفة للغته حتى ذلك الحين.
ما هو منشأ الترجمات الحرفـية إذاً؟ لا أظن أنها ظهرت نتيجة التقدم فـي العلم، ولا أظن أنها ظهرت نتيجـة هاجس الدقـة. أعتقـد أنه كان لها منشـأ لاهوتي. فعلى الرغم مـن أن النـاس كانوا يرون أن هوميروس هو أعظم الشعراء، إلا أنهم لا ينسون أن هوميروس كان بشرا (٥١) ))suremoH sunob tatimrod euqodnauq((، ويمكن بالتالي لكلماته أن تتبدل. ولكن عندما صار لا بد من ترجمة الكتاب المقدس، طُرحت مسألة شديدة الاختلاف، إذ كان يفترض أن الكتاب المقدس هو من وضع الروح القدس. وعندما نفكر فـي الروح القدس، عندما نفكر فـي ذكاء الرب غير المتناهي مرتبطاً بمهمة أدبية، فإننا لا نستطيع أن نتصور وجود عناصر طارئة ـ عناصر مصادفة ـ فـي عمله. لا. فإذا ما كتب الرب كتاباً، إذا ما تفضل الرب على الأدب، فإن كل كلمة، كل حرف، مثلما يقول القباليون، يجب أن يكون قد جاء نتيجة تأمل عميق. ويمكن للتلاعب بالنص الذي صاغه الذكاء غير المحدود والسرمدي أن يكون تجديفاً.
وهكذا، أظن أن فكرة الترجمة الحرفـية برزت مع ترجمات الكتاب المقدس. إنه مجرد افتراض مني (يخيل إليّ أن ثمة مختصين كثيرين حاضرين هنا، ويمكن لهم أن يصححوا لي إذا ما كنت مخطئاً)، ولكنه افتراض أعتبره محتملاً إلى حدّ بعيد..وعندما تم التوصل إلى ترجمات حرفية باهرة للكتاب المقدس، بدأ البشر يكتشفون... بدأوا يفكرون فـي أن ثمة جمالاً فـي أساليب التعبير الأجنبية. وصار الجميع اليوم مؤيدين للترجمات الحرفـية، لأن الترجمة الحرفـية تستثير فينا على الدوام هزة الدهشة الخفـيفة التي ننتظرها. وعملياً، يمكن القول إنه لا حاجة إلى الأصل. وربما سيأتي الوقت الذي سيُنظر فـيه إلى الترجمة على أنها شيء قائم بذاته. فلنفكر فـي «سوناتات مترجمة عن البرتغالية» لإليزابيث باريت براونينغ.
لقد جربتُ فـي إحدى المرات استعارة أقرب لأن تكون جريئة، لكنني أدركت أنها ستكون غير مقبولة لأنها صادرة عني (فأنا مجرد معاصر فقط)، وهكذا نسبتها إلى فارسي أو اسكندنافـي قديم. عندئذ قال أصدقائي إنها مدهشة؛ ولم أخبرهم طبعاً بأنني أنا الذي ابتدعتها، لأنني كنت معجباً بتلك الاستعارة. وكان يمكن، فـي نهاية المطاف، أن يكون الفرس أو الاسكندنافـيون هم من ابتدعوا تلك الاستعارة، أو أخريات غيرها أفضل منها بكثير.
وهكذا، فلنعد إلى ما قلته فـي البداية: إنه لا يمكن الحكم على الترجمة من خلال الألفاظ، وإن كان من الممكن محاكمتها من خلال الألفاظ، ولكنها ليست مجرد ألفاظ على الإطلاق. فأنا على سبيل المثال (وآمل ألا تفكروا فـي أنني أقول تجديفاً)، درستُ بتمعن شديد (لكن هذا حدث منذ أربعين سنة، ويمكنني أن أتعلل بأخطاء الشباب]) أزهار الشر lam ud sruelF seL لبودلير وes?B sed nemulB لستيفان جورج. وأعتقد، دون مجال للشك، أن بودلير هو شاعر متفوق على ستيفان جورج، غير أن ستيفان جورج كان أكثر براعة حِرَفـية بكثير. وأعتقد أننا إذا ما قارنا الكتابين بيتاً بيتاً، سنكتشف أن «ترجمة» gnuthcidmU ستيفان جورج (وهذه كلمة ألمانية جميلة لا تعني قصيدة مترجمة عن أخرى، وإنما قصيدة منسوجة انطلاقاً من قصيدة أخرى؛ ولدينا أيضاً بالألمانية كلمة {)gnuthcidhcaN(، ترجمة حرة؛ و nuztesreb، ترجمة عادية)، أظن أن ترجمة ستيفان جورج قد تكون أفضل من كتاب بودلير. ولكن هذا لا ينفع ستيفان جورج بكل تأكيد، لأن المهتمين ببودلير ـ وأنا ممن اهتموا كثيراً ببودلير ـ يدركون أن الكلمات صدرت عن بودلير؛ وهذا يعني أنهم يفكرون فـي سياق حياة بودلير كلها. أما فـي حالة ستيفان جورج فلدينا شاعر متمكن، إنما متحذلق بعض الشيء، ينتمي إلى القرن العشرين، ويصوغ كلمات بودلير الأصلية بلغة أجنبية، هي الألمانية.
لقد تحدثت عن الحاضر. وأقول الآن إن حسنا التاريخي يثقل علينا، يضايقنا. لا نستطيع أن ندرس نصاً قديماً مثلما فعل ذلك رجال العصر الوسيط، أو عصر النهضة، أو حتى القرن الثامن عشر. نحن اليوم تشغلنا الظروف؛ نريد أن نعرف بالضبط ما الذي كان يرمي إليه هوميروس عندما كتب عن «بحر بلون النبيذ» (أجل «بحر بلون النبيذ» هي الترجمة الصحيحة، وهو ما لا أدري حقيقته). ولكن، إذا كانت عقليتنا تاريخية، أظن أنه ربما لا يمكن لنا أن نتصور مجيء يوم لا يكون فـيه التاريخ حاضراً فـي أذهان البشر مثلما هو لدينا. سيأتي يوم لا يكون فـيه اهتمام البشر كبيراً بأحداث الجمال وظروفه؛ وإنما يهتمون بالجمال لذاته. بل قد لا يهتمون بأسماء الشعراء أو سير حياتهم.
وسيكون من دواعي التفاؤل التفكير فـي أن هناك أمماً بكاملها تفكر بهذه الطريقة. فأنا لا أظن بأن لدى الناس فـي الهند،مثلاً، حساً تاريخياً. إحدى الصعوبات التي واجهها الأوربيون الذين يكتبون أو كتبوا تواريخ للفلسفة الهندية هي أن الهنود يعتبرون الفلسفة كلها معاصرة. هذا يعني أن ما يهمهم هي المسائل نفسها، وليس السير الحياتية أو التواريخ، أو المعطيات الكرونولجية. فكون فلان هو معلم فلان، وكان يكتب متأثراً بكذا، كل هذه الأمور هي مجرد تفاهات فـي نظرهم. ما يشغلهم هو لغز الكون. وآمل أن البشر، فـي المستقبل (وأرجو أن يكون هذا المستقبل عند منعطف الناصية)، سيهتمون بالجمال، وليس بظروف الجمال. عندئذ ستكون لدينا ترجمات ليست فقط جيدة (فهذه صارت متوفرة لدينا) وإنما كذلك مشهورة مثل هوميروس شابمان، ورابليه يوركهارت، وأوديسة بوب(٦١). وأظن أنها ذروة جديرة بأن تكون مرغوبة بورع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
٭ [عن دار المدى بدمشق].
(١) ألفرد تنيسون )2981-9081( :nosynneT derflA أعظم شعراء العصر الفـيكتوري فـي إنجلترا.
(٢) نُشرت هذه الترجمة النثرية فـي مجلة {)weiveR yraropmetnoC( (لندن) فـي شهر نوفمبر ٦٧٨١.
(٣) تنيسون «معركة برونانبور» «)))hrubnanurB fo elttaB ehT( فـي «أعمال تنيسون الشعرية الكاملة»، بوسطن، ٨٩٨١، ص ٥٧٤، المقطع ٣، السطران ٦-٧. (ترجمة تنيسون إلى الإنجليزنجليزية الحديثة نجدها فـي «بورخيس أستاذا».
(٤) الاقتباس هو المقطع الأول من المقاطع الثمانية التي تشكل قصيدة «ليلة الروح القاتمة» {)amla led arucso ehcoN( لسان خوان دي لاكروث، أو كما كتب عنها الشاعر القديس: أغنيات الروح التي نعمت ببلوغ أسمى حالات الكمال، ألا وهي الاندماج بالرب، عبر طريق الإنكار الروحي.
(٥) يترجمه سيمونز .))luoS eht fo thgiN erucsbO ehT(( snomyS انظر وليم بتلر ييتس {)5391-2981 ,esreV nredoM fo kooB drofxO ehT( منشورات أوكسفورد يوفـيرسيتي برس، نيويورك ٦٣٩١، ص ٧٧-٨٧.
(٦) روي كامبل llebpmaC yoR، الأعمال الشعرية، لندن ٩٤٩١، ص ٤٦١-٥٦١. يأخذ كامبل البيت الأول الأصلي كعنوان لترجمته: «فـي ليلة مظلمة»
(٧) تعبير {)ruetalsnart dnarg( مصدره قصيدة بالاد للفرنسي spmahcseD ehcatsuE، المعاصر لجيفري شاوسر. واللازمة فـي القصيدة هي: (.))reicuahC yorffoeG elbon ,ruetalsnart te(
)8( الشاهد هو البيت الأول من قصيدة {)selwoF fo tnemelraP( لشاوسر.
(٩) تينسون nosynneT، «معركة برونانبور» )hrubnanurB fo elttaB ehT( فـي «الأعمال الشعرية الكاملة» الصفحة ٦٨٤ (المقطع ٣١، البيتين ٤-٥).
(٠١) حسب الرواية التاريخية التقليدية، كان هينغست tsigneH وهورسا asroH أخوين قادا الغزو على بريطانيا فـي منتصف القرن الخامس، وأسسا مملكة كنت .tneK
)11( فرانسيس وليم نيومان )7981-5081( namweN nailliW sicnarF لم يكن عالماً ومترجماً كلاسيكياً وحسب، وإنما كذلك كاتباً غزيراً فـي الموضوعات الدينية والسياسية والفلسفـية والأخلاقية والاجتماعية. نشرت الإلياذة بترجمته عام ٦٥٨١، فـي لندن.
(٢١) عمر الخيام (٨٤٠١-٢٢١١)، «الرباعيات»، ترجمة إدوارد فـيتزجيرالد (٩٠٨١-٣٨٨١)، نُشرت ترجمة فـيتزجيرالد أول مرة فـي لندن ٩٥٨١.
(٣١) خوان دي خاوريغي :iugeru?J ed nauJ nod رسام وشاعر إسباني، ولد فـي إشبيلية (٣٨٥١-١٤٦١). يعتقد أنه من رسم الصورة الوحيدة لثربانتس المحفوظة لدى أكاديمية اللغة الإسبانية.
(٤١) لوكانو، ماركو أنيو
(٥١) هذا البيت من الشعر لهوراس، وقد ترجمه بورخيس فـي «سبع ليال» كما يلي: «وأحياناً، يهيمن سلطان النوم على هوميروس الطيب». والمراد هنا هو أن هوميروس، على الرغم من عظمته، ليس إلهاً؛ وإنما هو بشر، يتغلب عليه سلطان النوم أحياناً، أما الآلهة فلا ينامون.
(٦١) طُبعت الإلياذة بترجمة شابمان nampahC عام ٤١٦١؛ وطُبعت ترجمته للأوديسة فـي ٤١٦١-٥١٦١. أما توماس يوركهارت(أو يوركهارد) )dtahuqrU o( trahuqrU samohT، فنشر ترجمته لمجلدات رابليه الخمسة بين عامي ٣٥٦١ و٤٩٦١. وظهرت الأوديسة بترجمة ألكسندر بوب فـي ٥٢٧١-٦٢٧١.
خورخي لويس بورخيس- ترجمة: صالح علماني