روحهُ مشوبةٌ بالحزنِ المطلق، قلبهُ صار يفزع من خفقةِ طيرٍ، ذلك القلبُ الذي صار يجفل من قطراتِ المطرِ الرقيقة، التي تسقطُ على نافذته المغلقة.. التي يَحسِبُ صوتها، لأول وهلةٍ، إطلاقات نارية أو مفرقعات...
في الصباحِ الهادئ، الذي يسبقُ العاصفة، أو يسبقُ الموت المحتوم، في هذا البلدِ المكفهرِ الحزين، كانت هناك يدٌ متعبةٌ ومتغضنةٌ -وإن كانت بعمر الورد- تمسكُ إبريق شايٍ، تتضوعُ منه رائحة الشاي، المعمول على الطريقةِ العراقية الإستثنائية، والفريدة من نوعها في كل العالم -اعتقد أن صنع الشاي، يحتاج من الحزن الكثير ليخرج بنكهةٍ مستطابةٍ، وبمذاقٍ منقطع النظير ولهذا ينجحُ العراقيون، بإجادة إعدادِ الشاي ليخرج بهذه الهيأة المستساغة- ينسلُ البخار من الإبريق، مثل الأرواحِ التي تسافرُ نحو..
الفردوس أو الجحيم...
اليدُ المتعبة تسكبُ الشاي من الإبريق.. موشوشًا في كوبه الرخامي المزخرف.. ينزل الشاي حزينًا وتعسًا و اسودًا ليصطبغَ به يومه الفظيع...
و يرتشفُ من كوبهِ رشفةٌ، ترتجف فيها شفتيه مثل شراع سفينةٍ تتخبط وسط الرياح...
في الصباح، يكون الهواء زنخًا، يهبُ على المدينة:
ليختلط الغبار مع الماء، والبخور مع العفونة..
والأشجار مع الصحراء، و الشوارع مع الخرائب..
و الحضارة مع البداوة، ليلتبس كل شيء في هذا البلد الخراب...
كلها تذهب بعيدًا...
حتى الطيور تسافرُ بعيدًا.. إلا أنت تجلس على ربوةٍ بالقرب من بلدتك بالقرب من مدينتك..
لتدع كل دموع العالم تنفد منك
كأن جميع أطفال العالم محشورون بعينيك
أنت تذرفُ كل الغيوم بكاءً، مغرقاً شجيرات الكالبتوس، التي تشبه الغيم لكثرة ما أرهقها الدمع والمطر، واشتبكت عليها التعاسة الأبدية.
في هذه البلاد، ستظل صفة البكاء لصيقةً بك..
أيها المنكور دومًا...
و ستبقى تردد تلك الأغاني الفلوكلورية المكتئبة، التي يصغي إليها المارة، في شارع الرشيد و الكرخ، و في كل العراق القديم، تلك الأغاني التي تزيد لوعتك و أنت تردد كلماتها التي كتبت، بدمٍ وعرقٍ، من الأجداد والآباء المتعبين..
هذه الأغنيات حرقةٌ أبدية تنبجسُ من الينبوع..
كالماء الحزين الذي يظل يسري إلى أقصى الجنوب إلى أقصى الحروب...
آهٍ عليك أيها الوحيد...
لا مالٌ لديك و لا حتى بنون، على ماذا سوف تحاسب، لا مالٌ و لا بنون!...
27/8/2020
زين العابدين سرحان
في الصباحِ الهادئ، الذي يسبقُ العاصفة، أو يسبقُ الموت المحتوم، في هذا البلدِ المكفهرِ الحزين، كانت هناك يدٌ متعبةٌ ومتغضنةٌ -وإن كانت بعمر الورد- تمسكُ إبريق شايٍ، تتضوعُ منه رائحة الشاي، المعمول على الطريقةِ العراقية الإستثنائية، والفريدة من نوعها في كل العالم -اعتقد أن صنع الشاي، يحتاج من الحزن الكثير ليخرج بنكهةٍ مستطابةٍ، وبمذاقٍ منقطع النظير ولهذا ينجحُ العراقيون، بإجادة إعدادِ الشاي ليخرج بهذه الهيأة المستساغة- ينسلُ البخار من الإبريق، مثل الأرواحِ التي تسافرُ نحو..
الفردوس أو الجحيم...
اليدُ المتعبة تسكبُ الشاي من الإبريق.. موشوشًا في كوبه الرخامي المزخرف.. ينزل الشاي حزينًا وتعسًا و اسودًا ليصطبغَ به يومه الفظيع...
و يرتشفُ من كوبهِ رشفةٌ، ترتجف فيها شفتيه مثل شراع سفينةٍ تتخبط وسط الرياح...
في الصباح، يكون الهواء زنخًا، يهبُ على المدينة:
ليختلط الغبار مع الماء، والبخور مع العفونة..
والأشجار مع الصحراء، و الشوارع مع الخرائب..
و الحضارة مع البداوة، ليلتبس كل شيء في هذا البلد الخراب...
كلها تذهب بعيدًا...
حتى الطيور تسافرُ بعيدًا.. إلا أنت تجلس على ربوةٍ بالقرب من بلدتك بالقرب من مدينتك..
لتدع كل دموع العالم تنفد منك
كأن جميع أطفال العالم محشورون بعينيك
أنت تذرفُ كل الغيوم بكاءً، مغرقاً شجيرات الكالبتوس، التي تشبه الغيم لكثرة ما أرهقها الدمع والمطر، واشتبكت عليها التعاسة الأبدية.
في هذه البلاد، ستظل صفة البكاء لصيقةً بك..
أيها المنكور دومًا...
و ستبقى تردد تلك الأغاني الفلوكلورية المكتئبة، التي يصغي إليها المارة، في شارع الرشيد و الكرخ، و في كل العراق القديم، تلك الأغاني التي تزيد لوعتك و أنت تردد كلماتها التي كتبت، بدمٍ وعرقٍ، من الأجداد والآباء المتعبين..
هذه الأغنيات حرقةٌ أبدية تنبجسُ من الينبوع..
كالماء الحزين الذي يظل يسري إلى أقصى الجنوب إلى أقصى الحروب...
آهٍ عليك أيها الوحيد...
لا مالٌ لديك و لا حتى بنون، على ماذا سوف تحاسب، لا مالٌ و لا بنون!...
27/8/2020
زين العابدين سرحان