غدا الفلسطينيون ملح الأرض بعد أن كان اليهود كذلك ، وثمة تبادل عوالم ومواقع بين الشعبين بدأت الإشارة إليه في رواية اسحق الحسيني " مذكرات دجاجة" (١٩٤٣) ، فالدجاجة الفلسطينية الحكيمة تقترح على الزعيم وأتباعه أن ينتشروا في الأرض لينشروا الفضيلة ، مخلين المأوى للدجاج الغريب الطاريء.
بطريقة مواربة عبر كنفاني عن شتات الفلسطينيين بعد ١٩٤٨ في " رجال في الشمس" (١٩٦٣) ، وتطرق في " عائد إلى حيفا" (١٩٦٩) إلى فكرة الضحية التي تحولت إلى جلاد وأقامت في بيوت الفلسطينيين الذين شردتهم العصابات الصهيونية في ١٩٤٨ ، وهي الفكرة التي لخصها محمود درويش في سطر واحد في قصيدته " مديح الظل العالي" (١٩٨٢):
" ضحية قتلت ضحيتها وصارت لي هويتها".
لا يخلو الأدب العالمي من الكتابة عن الشخصيات اليهودية ، ولكنه إلى عقود قريبة خلا من حضور شخصيات فلسطينية . وإذا ما عدنا إلى كتب متخصصة في موضوعات الأدب العالمي وأفكاره ومواده / " التيمات والموتيفات " مثل كتب الألمانية ( Elisabeth Frenzel ) أو الثنائي ( Horst S. Und Ingrid Daemmrich ) فإننا نقرأ عن اليهود وعن شخصيات يهودية ، ولكننا لا نقرأ عن فلسطينيين أو شخصيات فلسطينية.
وأنا أعد رسالة الدكتوراه قرأت دراسات عن اليهود في الأدب الروسي والإنجليزي والفرنسي والألماني ... إلخ ( صدر كتاب بالألمانية في ١٩٨٥ ضم بعض هذه الدراسات عن دار نشر dtv ) ، ولم أقرأ دراسات عن فلسطينيين أو شخصيات فلسطينية في تلك الآداب . والسبب يكمن في وجود اليهود في بلدان تلك الآداب وعدم وجود الفلسطينيين.
منذ ١٩٤٨ تبادلنا واليهود الأماكن " ثمة تبديل عوالم" ، فالدولة العبرية سمحت ليهود العالم بالعودة إليها والإقامة فيها وشنعت على يهود المنفى لبقائهم فيه ، وفي الوقت نفسه طردت الفلسطينيين من أرضهم وشددت الحصار على من بقي منهم ليرحل ، ومنذ ١٩٨٢ اتسعت رقعة منفى هؤلاء . هاجروا بسبب حرب ١٩٨٢ من بيروت إلى أوروبا ، وبسبب غزو الكويت في١٩٩٠ منها إلى أماكن جديدة ، ثم جاء احتلال بغداد ليجد الفلسطينيون أنفسهم غير مرغوب فيهم في بلد أكرمهم ووصل قسم منهم فيه إلى أعلى المناصب ، ومنذ الربيع العربى في سوريا ألم بالفلسطينيين فيها ما ألم بفلسطينيي العراق ، وهاجر كثيرون منهم في العقد الأخير إلى أوروبا والدول الاسكندنافية ، ولعلنا بعد عقد أو عقدين نقرأ أعمالا أدبية أوروبية يشكل فيها الفلسطينيون شخصيات روائية فيحلون محل الشخصيات اليهودية . هل سيتضاءل حضور الشخصيات اليهودية في الرواية العالمية في القرن الحالي لتحل الشخصيات الفلسطينية محلها ؟ وهل يقرأ القراء في نهاية القرن الحالي دراسات عن الفلسطينيين والشخصيات الفلسطينية في الرواية الروسية والانجليزية والفرنسية والألمانية والسويدية والدنمركية والأميركية؟
كنت كتبت سلسلة مقالات عن صورة الفلسطيني في الرواية العربية في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، وهذه الصورة كانت قليلة نسبيا حتى ستينيات ق ٢٠ ، ثم كثرت بوتيرة سريعة ، ومع بدايات ق ٢١ ازداد حضورها.
منذ فترة وأنا أتابع الموضوع وأمامي الآن ست روايات عربية يحضر فيها الفلسطيني في ال ١٢ سنة الأخيرة ، عدا روايات الياس خوري وغيره ، ومع اكتمال الكتابة عنها يكون كتابي في الموضوع اكتمل تقريبا.
الروايات الستة تقول صراحة إن الفلسطينيين الآن هم ملح الأرض ، لا ملح الأرض العربية فقط كما كانوا منذ ١٩٤٨ حتى مجازر صبرا وشاتيلا .
والروايات هي " نخلة الواشنطونيا" 2009 للعراقي عواد علي و" سوناتا لأشباح القدس" 2009 للجزائري واسيني الأعرج و " طابق ٩٩" 2014 للسورية جنى فواز الحسن و" الطنطورية" 2010 للمصرية رضوى عاشور و " عواطف وزوارها" 2013 للتونسي الحبيب السالمي و " من يتذكر تاي" 2011 للسوري ياسين رفاعية.
يقيم الفلسطينيون في الروايات في بيئات عربية وعالمية هي بغداد ونيويورك وبيروت وباريس والاسكندرية ودمشق وفي مناطق أخرى حضورها أقل ، منها مناطق فلسطينية مثل غزة والقدس ويافا وعكا وهي المدن التي عاشت فيها الشخصيات طفولتها ، وهذه الشخصيات قسم منها شخصيات حقيقية ، مثل غسان كنفاني ومعين بسيسو ، وقسم آخر شخصيات روائية لها شبيه في الواقع ، ومن المؤكد أيضا أنها شخصيات تتأثر بالبيئة التي تقيم فيها ، ولكن الأهم هو تأثر الكاتب وهو يكتب بمعطيات البيئة التي يعيش فيها في أثناء الزمن الكتابي ، وهذا ما نلحظه بوضوح حين نتوقف أمام بعض الروايات السابقة ، فلأول مرة نقرأ عن فلسطيني مثلي يعيش في وسط يتقبله ويمارس حياته بأريحية غير عابيء بما نشأ عليه في مجتمع يعد سلوكه محرما وعيبا وينزل اللعنات عليه ، ولأول مرة نقرأ ، في رواية ، عن غسان كنفاني شخصا محبا عاشقا يدمن شرب الخمر ، ومثله الشاعر معين بسيسو . إن الصورة التي يقدمها ياسين رفاعية للكاتبين ، عن حياتهما في بيروت ، تختلف عما كتب عنهما ، وتحديدا كنفاني ، في روايات فلسطينية وعربية ( مقالي في " الأيام" الفلسطينية في ٣ تموز ٢٠١٦) ، فغالبا ما تم التناص مع أعمال الكاتب ونادرا جدا ما كتب عن عشقه وعلاقته بالروائية غادة السمان.
الفلسطينيون صاروا ملح الأرض وعلى الأرجح أنهم سيحلون محل الشخصيات اليهودية في الرواية العالمية !!؟؟
الجمعة والسبت
١١ و ١٢ أيلول ٢٠٢٠
بطريقة مواربة عبر كنفاني عن شتات الفلسطينيين بعد ١٩٤٨ في " رجال في الشمس" (١٩٦٣) ، وتطرق في " عائد إلى حيفا" (١٩٦٩) إلى فكرة الضحية التي تحولت إلى جلاد وأقامت في بيوت الفلسطينيين الذين شردتهم العصابات الصهيونية في ١٩٤٨ ، وهي الفكرة التي لخصها محمود درويش في سطر واحد في قصيدته " مديح الظل العالي" (١٩٨٢):
" ضحية قتلت ضحيتها وصارت لي هويتها".
لا يخلو الأدب العالمي من الكتابة عن الشخصيات اليهودية ، ولكنه إلى عقود قريبة خلا من حضور شخصيات فلسطينية . وإذا ما عدنا إلى كتب متخصصة في موضوعات الأدب العالمي وأفكاره ومواده / " التيمات والموتيفات " مثل كتب الألمانية ( Elisabeth Frenzel ) أو الثنائي ( Horst S. Und Ingrid Daemmrich ) فإننا نقرأ عن اليهود وعن شخصيات يهودية ، ولكننا لا نقرأ عن فلسطينيين أو شخصيات فلسطينية.
وأنا أعد رسالة الدكتوراه قرأت دراسات عن اليهود في الأدب الروسي والإنجليزي والفرنسي والألماني ... إلخ ( صدر كتاب بالألمانية في ١٩٨٥ ضم بعض هذه الدراسات عن دار نشر dtv ) ، ولم أقرأ دراسات عن فلسطينيين أو شخصيات فلسطينية في تلك الآداب . والسبب يكمن في وجود اليهود في بلدان تلك الآداب وعدم وجود الفلسطينيين.
منذ ١٩٤٨ تبادلنا واليهود الأماكن " ثمة تبديل عوالم" ، فالدولة العبرية سمحت ليهود العالم بالعودة إليها والإقامة فيها وشنعت على يهود المنفى لبقائهم فيه ، وفي الوقت نفسه طردت الفلسطينيين من أرضهم وشددت الحصار على من بقي منهم ليرحل ، ومنذ ١٩٨٢ اتسعت رقعة منفى هؤلاء . هاجروا بسبب حرب ١٩٨٢ من بيروت إلى أوروبا ، وبسبب غزو الكويت في١٩٩٠ منها إلى أماكن جديدة ، ثم جاء احتلال بغداد ليجد الفلسطينيون أنفسهم غير مرغوب فيهم في بلد أكرمهم ووصل قسم منهم فيه إلى أعلى المناصب ، ومنذ الربيع العربى في سوريا ألم بالفلسطينيين فيها ما ألم بفلسطينيي العراق ، وهاجر كثيرون منهم في العقد الأخير إلى أوروبا والدول الاسكندنافية ، ولعلنا بعد عقد أو عقدين نقرأ أعمالا أدبية أوروبية يشكل فيها الفلسطينيون شخصيات روائية فيحلون محل الشخصيات اليهودية . هل سيتضاءل حضور الشخصيات اليهودية في الرواية العالمية في القرن الحالي لتحل الشخصيات الفلسطينية محلها ؟ وهل يقرأ القراء في نهاية القرن الحالي دراسات عن الفلسطينيين والشخصيات الفلسطينية في الرواية الروسية والانجليزية والفرنسية والألمانية والسويدية والدنمركية والأميركية؟
كنت كتبت سلسلة مقالات عن صورة الفلسطيني في الرواية العربية في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، وهذه الصورة كانت قليلة نسبيا حتى ستينيات ق ٢٠ ، ثم كثرت بوتيرة سريعة ، ومع بدايات ق ٢١ ازداد حضورها.
منذ فترة وأنا أتابع الموضوع وأمامي الآن ست روايات عربية يحضر فيها الفلسطيني في ال ١٢ سنة الأخيرة ، عدا روايات الياس خوري وغيره ، ومع اكتمال الكتابة عنها يكون كتابي في الموضوع اكتمل تقريبا.
الروايات الستة تقول صراحة إن الفلسطينيين الآن هم ملح الأرض ، لا ملح الأرض العربية فقط كما كانوا منذ ١٩٤٨ حتى مجازر صبرا وشاتيلا .
والروايات هي " نخلة الواشنطونيا" 2009 للعراقي عواد علي و" سوناتا لأشباح القدس" 2009 للجزائري واسيني الأعرج و " طابق ٩٩" 2014 للسورية جنى فواز الحسن و" الطنطورية" 2010 للمصرية رضوى عاشور و " عواطف وزوارها" 2013 للتونسي الحبيب السالمي و " من يتذكر تاي" 2011 للسوري ياسين رفاعية.
يقيم الفلسطينيون في الروايات في بيئات عربية وعالمية هي بغداد ونيويورك وبيروت وباريس والاسكندرية ودمشق وفي مناطق أخرى حضورها أقل ، منها مناطق فلسطينية مثل غزة والقدس ويافا وعكا وهي المدن التي عاشت فيها الشخصيات طفولتها ، وهذه الشخصيات قسم منها شخصيات حقيقية ، مثل غسان كنفاني ومعين بسيسو ، وقسم آخر شخصيات روائية لها شبيه في الواقع ، ومن المؤكد أيضا أنها شخصيات تتأثر بالبيئة التي تقيم فيها ، ولكن الأهم هو تأثر الكاتب وهو يكتب بمعطيات البيئة التي يعيش فيها في أثناء الزمن الكتابي ، وهذا ما نلحظه بوضوح حين نتوقف أمام بعض الروايات السابقة ، فلأول مرة نقرأ عن فلسطيني مثلي يعيش في وسط يتقبله ويمارس حياته بأريحية غير عابيء بما نشأ عليه في مجتمع يعد سلوكه محرما وعيبا وينزل اللعنات عليه ، ولأول مرة نقرأ ، في رواية ، عن غسان كنفاني شخصا محبا عاشقا يدمن شرب الخمر ، ومثله الشاعر معين بسيسو . إن الصورة التي يقدمها ياسين رفاعية للكاتبين ، عن حياتهما في بيروت ، تختلف عما كتب عنهما ، وتحديدا كنفاني ، في روايات فلسطينية وعربية ( مقالي في " الأيام" الفلسطينية في ٣ تموز ٢٠١٦) ، فغالبا ما تم التناص مع أعمال الكاتب ونادرا جدا ما كتب عن عشقه وعلاقته بالروائية غادة السمان.
الفلسطينيون صاروا ملح الأرض وعلى الأرجح أنهم سيحلون محل الشخصيات اليهودية في الرواية العالمية !!؟؟
الجمعة والسبت
١١ و ١٢ أيلول ٢٠٢٠