(مختصر من كتاب أنتروبولوجيا الجزائر و صراع الهوية و الوطنية)
تأليف علجية عيش
لم تكن الجزائر تعاني من أزمة هوية، لولا الإستعمار الذي حاول مسخها و تشويهها ، بعدما آمن شعبها بالرسالة المحمدية و أعلن انتماءه للإسلام، و تعلم اللغة العربية التي هي لغة القرآن، و رغم ذلك ظلت إشكالية الهوية والانتماء تطرح نفسها بين القضايا الساخنة التي عانت منها الجزائر في مرحلة من المراحل العصيبة، و تداخلت ضمن القضايا الثقافية و السياسية، و بدأت هذه الإشكالية بطرح السؤال التالي: من نحن؟ هل نحن عرب أم أمازيغ؟ ، هل نحن أبناء الوطن أم أبناء العشيرة ؟ هل نحن أبناء الطائفة أم أبناء الدين؟
الإجابة عن هذه الأسئلة أسست رؤية سوسيولوجية بالغة الأهمية ، تمثلت في التعديل الدستوري في الجزائر الذي أقر باللغة الأمازيغية لغة رسمية بعد اللغة العربية، و هذا ليس من باب الجهوية و إنما من باب الإعتزاز بالإنتماء الذي يشكل جذر من جذور الهوية، لأنه يجيب عن سؤال الهوية في صيغة من نحن؟، فالديمقراطية يمكنها أن تؤسس لدولة عصرية تضمن لجميع أفرادها الحق في الوطن والمواطنة على حد سواء وهذا بدوره يشكل المنطلق المنهجي لتغييب مختلف أشكال الولاءات الطائفية والعشائرية و القبلية الضيقة في المجتمع، رغم أن البعض يرى أن ولاء الأفراد للقبيلة قد يكون أشد من ولائهم للدولة لا سيما عندما تكون الدولة غير قادرة على ضمان حقوق الأفراد وتأمين حمايتهم، لقد أدرك الباحثون ما ينجم عن غياب المواطنة و الحياة الديمقراطية داخل المجتمع و أكدوا في أكثر من مناسبة أن الانتماءات الضيقة العشائرية منها والطائفية هي نتاج لغياب الديمقراطية السياسية والاجتماعية و أدركوا أيضا أن التعصب بكل صيغه وتجلياته نتاج واضح لوضعية شمولية ترهب الحياة الديمقراطية وتعلن الحرب الشاملة على مختلف الاتجاهات الديمقراطية القائمة والمحتملة في المجتمع. كما أن التعصب نتاج لفعل استبداد سياسي يتم في غياب الديمقراطية.
فالدفاع عن الهوية تشتعل من أجله بؤر الصراع و في قلب الدولة، مثلما حدث في الجزائر، فيما سُمِّيَ بالربيع الأمازيغي، هو توتر اجتماعي عرقوثقافي، لكن أعطي له طابعا سياسيا في ظل الحرب القائمة و المستمرة بين العروبة و الفرانكفونية francoarabic و العرقية و الثقافة مرتبطان ارتباطا وثيقا، و كما يرى باحثون من الصعب الجزم بوجود عرقي خالص لا يرتبط بالثقافة أو متميزا عنها، فالثقافة مُكَوِّنٌ أسَاسِيٌّ و مُهِمٌّ في كل عرق، فهي إلى حدٍّ كبير وعي العرق بخصوصيته، كما أن الإنتماء الثقافي يمكن أن يقود إلى انتماء عرقي، و لهذا ربط بعض الباحثين بين العرق و الثقافة في مصطلح واحد هو " العرقو ثقافي"، وقد تساءل أوليفر روي ( باحث في المركز الوطني للبحث العلمي بباريس و هو مؤلف كتاب "إخفاق الإسلام السياسي" هل ينتسب مهاجرو منطقة القبائل الكبرى في الجزائر الذين استقروا في باريس خلال الخمسينات إلى القبائل؟ أم إلى الجزائر؟ أم إلى شمال أفريقيا؟ أم إلى العرب؟ و يقول أن السياق هو الذي يحدد ذلك، فعلى الصعيد السياسي، فإنهم أجمعوا على أن يكونوا جزائريين أثناء حرب الاستقلال بين 1954 و 1962، هذا التحول الذي يكلف أحيانا ثمنا باهظا، و يرى أن "الهوية" في مثل هذه الحالات ما هي إلا اختيار، بل اختيار سياسي بمعنى أدق، غير أن سكان القبائل أكدوا دائما على خصوصيتهم القبائلية، تلك الخصوصية التي ناقضت القومية الجزائرية الرسمية التي اتخذت من الهوية العربية الإسلامية أساسا لها.
فالهجرة تولد فرقا بين الهويات المختلفة على نحو لم يكن موجودا في الوطن الأصلي، فهي تعطي الاختيار بين الهوية الصغرى، أو القبلية، و بين هوية أكبر مبنية إما على المواطنة أو الدين، ثم يتساءل : لماذا يستبدل الجزائري الفرنسية بالعربية، و لماذا يختلف جيل اليوم عن الأمس في طريقة اللباس و المأكل، يضيف أن هذا الاختلاف و التغيير لدليل على ابتعادهم عن الأعراف، و لما جاءت الصحوة الإسلامية و دعوة رجال الدين إلى تجديد العهد مع الله، حدث الإنفجار، لأنه ليس من الصعب إصلاح ما تمرست عليه أجيال طيلة عهود، اكتسبت فيها هوية جديدة، و بالتالي هذه الصحوة جاءت متأخرة، كما أنها لبت نداء للأصالة أو العودة إلى الثقافة الأصلية المفقودة، فالحديث عن الإسلام لجماعة أقلية، حتى لو كانت مسلمة في بلد غير مسلم ، يتطلب تعديلات معينة على مدار أربعة عشر قرنا من التاريخ.
يقول الباحثون أن العرقية أو القبلية تعني الوجود الإدراكي الذاتي لمجموعة من الناس تجمعهم لغة واحدة، و تنظمهم أفكار دينية و قضائية و سياسية مشتركة، و المجموعات المؤلفة على هذا النحو هي التي تشكل المصادر الأولية للوعي و الهوية، لأنه لكل جماعة لها ماض حقيقي و ليس خيالي، أما التواصل فهو عامل آخر، و هذه الجماعة التي يؤمن أفرادها [أنهم يمكن لهم أن يكونوا أمة طالما تجمعهم منطقة تاريخية و يجمعهم ماض واحد ، و لهم أساطير و ذكريات مشتركة، و ثقافة عامة عريضة و اقتصاد واحد و يعيشون فوق تراب واحد و حقوق و واجبات يتساوى فيها الجميع، حتى لو اختلفت ألسنتهم ( العرب و الأمازيغ ) ، و لقد عرّفَ اللسانيون أن مفهوم "الأمة" يرجع إلى ضرب محدد من المجتمعات الثقافية و الاجتماعية، هو مجتمع إقليمي ذو تاريخ و ثقافة مشتركين.
في تحليله للمجتمع القبائلي في مرتفعات الأطلس في الجزائر بحث بيار بورديو pierre bourdieu في مسائل تتعلق بالهوية و أشار إلى بعض المصطلحات مثل الشرف و الإحساس بالشرف في اللغة االقبائلية "حُرْمَة" hurma و "نيف" nif ، و الشرف يمس وحدة الجماعة، و لذلك يعملون بالمثل الشعبي عندهم ( البيت المرأة السلاح) و هي تركيبة مقدسة ليس من منظور فردي أو جنسي و إنما من منظور إعادة إنتاج الجماعة أو المجموعة، و قد أجرى بورديو دراسة على البيت القبائلي بصورة أدق، حيث يجعل القبائليون النيف و الإحساس بالشرف مرتبطا بالسلاح، فإذا تعرض الدّاخِلُ للإنجراح بسبب إهانة الحرمة تكون كرامة الجماعة مهددة، و الداخل في المجتمع القبائلي يعبر عنه بـ: الأمّة، و يرون أنه عندما تَدَخَّل الخارج ( الاستعمار الفرنسي) في الأمة تعرض شرف الجماعة للتدمير و فقدت وجهتها، و لذا وجب إعادة إنتاج الشرف عن طريق رد فعل مناسب، فإذا لم يحدث يكون ذلك موت الجماعة الاجتماعي، و يتعلق الأمر هنا من منظور علم الاجتماع بـ: " الهُوِيَّة" التي تعتبر قيمة مقدسة لا ينبغي انتهاكها، فمن تعرض للأمة فقد تعرض لدينها.
إنه السؤال عن "الهوية" الذي يتكرر باستمرار و مع كل مناسبة، و ماهي المرجعية الفكرية و الثقافية و الدينية للجزائريين، و كيف تصدى الشعب الجزائري بقيادة علمائه و قادته و جنوده و المفكرين لمحاولة تجريده من مقوماته الحضارية و الثقافية، و رد الاعتبار لثقافته الأصيلة و الحفاظ على تراثه الفكري ، و إفشال كل محاولات المخادعة و التحايل الفرنسية، لقد جاء الإسلام إلى الجزائر فوجد أمامه المسيحية و الوثنية و الموسوية و هي ديانات كانت شائعة بين البرابرة من سكان شمال أفريقيا، و رغم الأمم التي مرت عليهم، فالأمازيغ الجزائريون واكبوا الأحقاب كلها و رفضوا أن يذوبوا إلى أن جاء الإسلام، فأقبلوا عليه و تعلموا اللغة العربية، و لم ينظر الأمازيغ إلى العرب على أنهم غزاة مستعمرون، و عن طريق التزاوج العربي الأمازيغي تم القضاء على العرقية، كما كانت لهم مساهمة كبيرة في نشر الثقافة الإسلامية و صرح حضارة الإسلام، لا على أساس أنهم أمازيغ و لكن على أساس أنهم مسلمون، و بهذه المعادلة يمكن أن نضع الهوية الإسلامية في الدرجة الأولى و هويتنا كأمازيغ في الدرجة الثانية، حتى نحقق التعادل و التعايش في الوطن الواحد طالما هناك شيء جوهري متعال على التاريخ وملابساته هو ما يميزهم عن الآخرين.
فلا خوف إذن على الهوية الأمازيغية سواء اعتنق أهلها الإسلام أو انفتحوا على الثقافات الأخرى ، وهذا ما فهمه أجدادنا الأمازيغ فاعتنقوا الإسلام وانطلقوا في الآفاق مجاهدين لنشر الدعوة الجديدة، فهذا طارق ابن زياد ومعه آلاف البربر هبّوا لنجدة الأندلس وأسسوا دولا عظيمة أرست دعائم الإسلام وحكّمت شريعته، كل ذلك لتثبيت الإسلام وإقرار السلام والوحدة بالمنطقة، و لما جاء الاستعمار حاملا معه مشروع التنصير عن طريق تأسيس المدارس وتشكيل بعثات طلابية إلى أوربا ليعودوا بأفكار وإيديولوجيات جديدة تخدم أهداف الاستعمار، ظهر الأمازيغ من جديد و قاموا للجهاد لإنقاذ البلاد من خطر التنصير الذي خططت له المسيحية الغربية، واستعملوا لغتهم الأمازيغية كوسيلة اتصال لنشر الدين و تلقينه للناس.
علجية عيش
تأليف علجية عيش
لم تكن الجزائر تعاني من أزمة هوية، لولا الإستعمار الذي حاول مسخها و تشويهها ، بعدما آمن شعبها بالرسالة المحمدية و أعلن انتماءه للإسلام، و تعلم اللغة العربية التي هي لغة القرآن، و رغم ذلك ظلت إشكالية الهوية والانتماء تطرح نفسها بين القضايا الساخنة التي عانت منها الجزائر في مرحلة من المراحل العصيبة، و تداخلت ضمن القضايا الثقافية و السياسية، و بدأت هذه الإشكالية بطرح السؤال التالي: من نحن؟ هل نحن عرب أم أمازيغ؟ ، هل نحن أبناء الوطن أم أبناء العشيرة ؟ هل نحن أبناء الطائفة أم أبناء الدين؟
الإجابة عن هذه الأسئلة أسست رؤية سوسيولوجية بالغة الأهمية ، تمثلت في التعديل الدستوري في الجزائر الذي أقر باللغة الأمازيغية لغة رسمية بعد اللغة العربية، و هذا ليس من باب الجهوية و إنما من باب الإعتزاز بالإنتماء الذي يشكل جذر من جذور الهوية، لأنه يجيب عن سؤال الهوية في صيغة من نحن؟، فالديمقراطية يمكنها أن تؤسس لدولة عصرية تضمن لجميع أفرادها الحق في الوطن والمواطنة على حد سواء وهذا بدوره يشكل المنطلق المنهجي لتغييب مختلف أشكال الولاءات الطائفية والعشائرية و القبلية الضيقة في المجتمع، رغم أن البعض يرى أن ولاء الأفراد للقبيلة قد يكون أشد من ولائهم للدولة لا سيما عندما تكون الدولة غير قادرة على ضمان حقوق الأفراد وتأمين حمايتهم، لقد أدرك الباحثون ما ينجم عن غياب المواطنة و الحياة الديمقراطية داخل المجتمع و أكدوا في أكثر من مناسبة أن الانتماءات الضيقة العشائرية منها والطائفية هي نتاج لغياب الديمقراطية السياسية والاجتماعية و أدركوا أيضا أن التعصب بكل صيغه وتجلياته نتاج واضح لوضعية شمولية ترهب الحياة الديمقراطية وتعلن الحرب الشاملة على مختلف الاتجاهات الديمقراطية القائمة والمحتملة في المجتمع. كما أن التعصب نتاج لفعل استبداد سياسي يتم في غياب الديمقراطية.
فالدفاع عن الهوية تشتعل من أجله بؤر الصراع و في قلب الدولة، مثلما حدث في الجزائر، فيما سُمِّيَ بالربيع الأمازيغي، هو توتر اجتماعي عرقوثقافي، لكن أعطي له طابعا سياسيا في ظل الحرب القائمة و المستمرة بين العروبة و الفرانكفونية francoarabic و العرقية و الثقافة مرتبطان ارتباطا وثيقا، و كما يرى باحثون من الصعب الجزم بوجود عرقي خالص لا يرتبط بالثقافة أو متميزا عنها، فالثقافة مُكَوِّنٌ أسَاسِيٌّ و مُهِمٌّ في كل عرق، فهي إلى حدٍّ كبير وعي العرق بخصوصيته، كما أن الإنتماء الثقافي يمكن أن يقود إلى انتماء عرقي، و لهذا ربط بعض الباحثين بين العرق و الثقافة في مصطلح واحد هو " العرقو ثقافي"، وقد تساءل أوليفر روي ( باحث في المركز الوطني للبحث العلمي بباريس و هو مؤلف كتاب "إخفاق الإسلام السياسي" هل ينتسب مهاجرو منطقة القبائل الكبرى في الجزائر الذين استقروا في باريس خلال الخمسينات إلى القبائل؟ أم إلى الجزائر؟ أم إلى شمال أفريقيا؟ أم إلى العرب؟ و يقول أن السياق هو الذي يحدد ذلك، فعلى الصعيد السياسي، فإنهم أجمعوا على أن يكونوا جزائريين أثناء حرب الاستقلال بين 1954 و 1962، هذا التحول الذي يكلف أحيانا ثمنا باهظا، و يرى أن "الهوية" في مثل هذه الحالات ما هي إلا اختيار، بل اختيار سياسي بمعنى أدق، غير أن سكان القبائل أكدوا دائما على خصوصيتهم القبائلية، تلك الخصوصية التي ناقضت القومية الجزائرية الرسمية التي اتخذت من الهوية العربية الإسلامية أساسا لها.
فالهجرة تولد فرقا بين الهويات المختلفة على نحو لم يكن موجودا في الوطن الأصلي، فهي تعطي الاختيار بين الهوية الصغرى، أو القبلية، و بين هوية أكبر مبنية إما على المواطنة أو الدين، ثم يتساءل : لماذا يستبدل الجزائري الفرنسية بالعربية، و لماذا يختلف جيل اليوم عن الأمس في طريقة اللباس و المأكل، يضيف أن هذا الاختلاف و التغيير لدليل على ابتعادهم عن الأعراف، و لما جاءت الصحوة الإسلامية و دعوة رجال الدين إلى تجديد العهد مع الله، حدث الإنفجار، لأنه ليس من الصعب إصلاح ما تمرست عليه أجيال طيلة عهود، اكتسبت فيها هوية جديدة، و بالتالي هذه الصحوة جاءت متأخرة، كما أنها لبت نداء للأصالة أو العودة إلى الثقافة الأصلية المفقودة، فالحديث عن الإسلام لجماعة أقلية، حتى لو كانت مسلمة في بلد غير مسلم ، يتطلب تعديلات معينة على مدار أربعة عشر قرنا من التاريخ.
يقول الباحثون أن العرقية أو القبلية تعني الوجود الإدراكي الذاتي لمجموعة من الناس تجمعهم لغة واحدة، و تنظمهم أفكار دينية و قضائية و سياسية مشتركة، و المجموعات المؤلفة على هذا النحو هي التي تشكل المصادر الأولية للوعي و الهوية، لأنه لكل جماعة لها ماض حقيقي و ليس خيالي، أما التواصل فهو عامل آخر، و هذه الجماعة التي يؤمن أفرادها [أنهم يمكن لهم أن يكونوا أمة طالما تجمعهم منطقة تاريخية و يجمعهم ماض واحد ، و لهم أساطير و ذكريات مشتركة، و ثقافة عامة عريضة و اقتصاد واحد و يعيشون فوق تراب واحد و حقوق و واجبات يتساوى فيها الجميع، حتى لو اختلفت ألسنتهم ( العرب و الأمازيغ ) ، و لقد عرّفَ اللسانيون أن مفهوم "الأمة" يرجع إلى ضرب محدد من المجتمعات الثقافية و الاجتماعية، هو مجتمع إقليمي ذو تاريخ و ثقافة مشتركين.
في تحليله للمجتمع القبائلي في مرتفعات الأطلس في الجزائر بحث بيار بورديو pierre bourdieu في مسائل تتعلق بالهوية و أشار إلى بعض المصطلحات مثل الشرف و الإحساس بالشرف في اللغة االقبائلية "حُرْمَة" hurma و "نيف" nif ، و الشرف يمس وحدة الجماعة، و لذلك يعملون بالمثل الشعبي عندهم ( البيت المرأة السلاح) و هي تركيبة مقدسة ليس من منظور فردي أو جنسي و إنما من منظور إعادة إنتاج الجماعة أو المجموعة، و قد أجرى بورديو دراسة على البيت القبائلي بصورة أدق، حيث يجعل القبائليون النيف و الإحساس بالشرف مرتبطا بالسلاح، فإذا تعرض الدّاخِلُ للإنجراح بسبب إهانة الحرمة تكون كرامة الجماعة مهددة، و الداخل في المجتمع القبائلي يعبر عنه بـ: الأمّة، و يرون أنه عندما تَدَخَّل الخارج ( الاستعمار الفرنسي) في الأمة تعرض شرف الجماعة للتدمير و فقدت وجهتها، و لذا وجب إعادة إنتاج الشرف عن طريق رد فعل مناسب، فإذا لم يحدث يكون ذلك موت الجماعة الاجتماعي، و يتعلق الأمر هنا من منظور علم الاجتماع بـ: " الهُوِيَّة" التي تعتبر قيمة مقدسة لا ينبغي انتهاكها، فمن تعرض للأمة فقد تعرض لدينها.
إنه السؤال عن "الهوية" الذي يتكرر باستمرار و مع كل مناسبة، و ماهي المرجعية الفكرية و الثقافية و الدينية للجزائريين، و كيف تصدى الشعب الجزائري بقيادة علمائه و قادته و جنوده و المفكرين لمحاولة تجريده من مقوماته الحضارية و الثقافية، و رد الاعتبار لثقافته الأصيلة و الحفاظ على تراثه الفكري ، و إفشال كل محاولات المخادعة و التحايل الفرنسية، لقد جاء الإسلام إلى الجزائر فوجد أمامه المسيحية و الوثنية و الموسوية و هي ديانات كانت شائعة بين البرابرة من سكان شمال أفريقيا، و رغم الأمم التي مرت عليهم، فالأمازيغ الجزائريون واكبوا الأحقاب كلها و رفضوا أن يذوبوا إلى أن جاء الإسلام، فأقبلوا عليه و تعلموا اللغة العربية، و لم ينظر الأمازيغ إلى العرب على أنهم غزاة مستعمرون، و عن طريق التزاوج العربي الأمازيغي تم القضاء على العرقية، كما كانت لهم مساهمة كبيرة في نشر الثقافة الإسلامية و صرح حضارة الإسلام، لا على أساس أنهم أمازيغ و لكن على أساس أنهم مسلمون، و بهذه المعادلة يمكن أن نضع الهوية الإسلامية في الدرجة الأولى و هويتنا كأمازيغ في الدرجة الثانية، حتى نحقق التعادل و التعايش في الوطن الواحد طالما هناك شيء جوهري متعال على التاريخ وملابساته هو ما يميزهم عن الآخرين.
فلا خوف إذن على الهوية الأمازيغية سواء اعتنق أهلها الإسلام أو انفتحوا على الثقافات الأخرى ، وهذا ما فهمه أجدادنا الأمازيغ فاعتنقوا الإسلام وانطلقوا في الآفاق مجاهدين لنشر الدعوة الجديدة، فهذا طارق ابن زياد ومعه آلاف البربر هبّوا لنجدة الأندلس وأسسوا دولا عظيمة أرست دعائم الإسلام وحكّمت شريعته، كل ذلك لتثبيت الإسلام وإقرار السلام والوحدة بالمنطقة، و لما جاء الاستعمار حاملا معه مشروع التنصير عن طريق تأسيس المدارس وتشكيل بعثات طلابية إلى أوربا ليعودوا بأفكار وإيديولوجيات جديدة تخدم أهداف الاستعمار، ظهر الأمازيغ من جديد و قاموا للجهاد لإنقاذ البلاد من خطر التنصير الذي خططت له المسيحية الغربية، واستعملوا لغتهم الأمازيغية كوسيلة اتصال لنشر الدين و تلقينه للناس.
علجية عيش