د. عادل الأسطة - الفلسطينيون ملح الأرض 2: شاتيلا وصبرا في الرواية العربية

ربما لم يحضر اسم الفلسطينيين في الأدب العالمي أو في الأدب العربي قبل العام ١٩٤٨، وأغلب الظن أنه كان ينظر إليهم على أنهم بدو أو أتراك عثمانيون أو عرب أو سكان الأرض المقدسة.
يحتاج المرء ليتأكد مما سبق أن ينظر في كتب الرحالة الأجانب الذين زاروا فلسطين وكتبوا عنها أو في رواية (ثيودور هرتسل) «أرض قديمة - جديدة» ١٩٠٢، أو في الأدبيات الصهيونية التي كتبها أدباء صهيونيون غربيون، مثل روايتي (ليون اوريس) «اكسودس» و»الحاج» ورواية (آرثر كوستلر) «لصوص في الليل»، أو في الأدبيات العبرية التي كتبها يهود وفدوا إلى فلسطين وأقاموا فيها وأتوا، فيما كتبوا على شخصيات عربية (يهوشع وعوز وغروسمان وكانيوك وقبلهم الأدباء الرواد)، وغالبا ما كتب دارسو تلك الأدبيات عن شخصية العربي لا عن شخصية الفلسطيني.
الأدبيات الغربية التي عدت سكان فلسطين فلسطينيين وصورت مأساتهم وتعاطفت معهم ظلت حتى نهاية ق ٢٠ قليلة، وهنا أشير إلى رواية (اثيل مانين) «الطريق إلى بئر سبع» ١٩٦٣، وإلى كتابات (جان جينيه) «أربع ساعات في شاتيلا» و»أسير عاشق» ١٩٨٢ تقريبا.
وهنا أغض الطرف عن الأدبيات التي كتبها فلسطينيون وعرب بلغات أجنبية لعدم اطلاعي عليها اطلاعا وافيا وكاملا وشاملا.
هل كتب الروائيون العرب عن مجزرة شاتيلا وصبرا في رواياتهم؟
ابتداء أشير إلى قلة الأعمال الأدبية الفلسطينية التي أتت على المجزرة، وظلت قصيدة محمود درويش «مديح الظل العالي» الأكثر تمثيلا واستحضارا في ذكرى المجزرة، ومؤخرا، كتب أكرم مسلم رواية «بنت من شاتيلا» التي استقبلت نقديا استقبالا لافتا.
ظل سطر محمود درويش الأكثر حضورا في الذاكرة «صبرا هوية عصرنا حتى الأبد» ولم يكن السطر الوحيد في القصيدة، فثمة فقرات ومقاطع أخرى في المطولة كتبها الشاعر. وربما يتساءل المرء هنا عن سبب غياب الكتابة عن شاتيلا في روايات اميل حبيبي وجبرا إبراهيم جبرا ويحيى يخلف ورشاد أبو شاور وسحر خليفة وآخرين.
اللافت في الكتابة عن شاتيلا هو إتيان الروائيين العرب عليها أكثر من الروائيين الفلسطينيين، فهل يعود السبب إلى أن الكتاب الفلسطينيين المذكورين كانوا خارج لبنان وأن أكثرهم لا يكتب إلا عن تجارب معيشة، مثل حبيبي وجبرا وأبو شاور؟
إن كانت الإجابة بالإيجاب فكيف ننظر إلى كتابة جبرا مسرحية عن نبوخذ نصر «الملك الشمس»، وكتابة يخلف رواية عن يافا في نهاية ق ١٨ وبداية ق ١٩ «راكب الريح»، وكتابة سحر خليفة رواية عن عبد القادر الحسيني «الحب الأول» وثانية عن انطون سعادة «أرض وسماء» وثالثة عن فلسطين قبل ولادتها «أصل وفصل»؟ وقد تكون ثمة روايات فاتتني أو نسيتها، وهنا أشير إلى رسومات ناجي العلي فقد كان للمجزرة حضور فيها، علما بأنني أركز على الرواية.
يعد اللبناني إلياس خوري أبرز روائي عربي كتب عن شاتيلا وصبرا ، ولم تقتصر كتابته على رواية واحدة، فقد امتدت بطريقة متدرجة من الإيجاز إلى الإطناب في ثلاث روايات هي «مملكة الغرباء» ١٩٩٣ و»باب الشمس» ١٩٩٨ و»أولاد الغيتو: اسمي آدم» ٢٠١٦، وهي روايات تتناول الموضوع الفلسطيني بالدرجة الأولى، والطريف أن الكتابة عن المجزرة لم تحضر حضورا لافتا في روايتيه اللتين دارت أحداثهما في لبنان إبان الحرب الأهلية فيها وهما «يالو» ٢٠٠٢ و»سينالكول» ٢٠١٢ والأخيرة كان للموضوع الفلسطيني نصيب فيها.
كتابة إلياس خوري عن شاتيلا وصبرا اعتمدت على الروايات الشفهية التي سمعها من الفلسطينيين مباشرة وعلى مراجع فلسطينية، أهمها كتاب المؤرخة الفلسطينية بيان نويهض الحوت، ومراجع إسرائيلية أبرزها كتاب أمنون كابيلوك «الدماغ الحديدي»، ومراجع عالمية مثل نص (جينيه) «أربع ساعات...» وأعتقد أن تتبع الصورة المتدرجة في روايات خوري تعطي تصورا لا بأس به عن المجزرة.
تتقاطع الكتابة عن شاتيلا في روايات خوري مع روايات عربية أخرى صدرت بعد «مملكة الغرباء» و»باب الشمس» وقبل «أولاد الغيتو ..» مثل رواية الكاتبة رضوى عاشور «الطنطورية» ٢٠١٠، فالروائية التي كتبت عن المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في عام النكبة ١٩٤٨ تابعت مصير الناجين منها، ورصدت معاناتهم في مخيمات لبنان وأتت على ما آلوا إليه في شهر أيلول ١٩٨٢ إبان ارتكاب المجزرة. مجزرة في الوطن ومجزرة في المنفى. محزرة ارتكبتها العصابات الصهيونية وثانية خطط لها الجيش الإسرائيلي ونفذتها عصابات الكتائب. ومثل رواية رضوى رواية الكاتبة جنى فواز الحسن «طابق ٩٩»، فالكاتبة التي حفلت روايتها بشخصية فلسطينية أساسية محورية هي شخصية مجد تصور معاناته ومعاناة أسرته في المخيم، قبل المجزرة وبعدها، وينتهي المطاف بمجد في نيويورك في غرفة في عمارة في الطابق ٩٩.
وكما في رواية عاشور، حيث الناجون من مجزرة الطنطورة يعيشون مجزرة شاتيلا، فإن الدكتور ميخائيل في رواية خوري «أولاد الغيتو» يعيش مجزرة اللد ويستقر في أميركا، وفي العام ١٩٨٢ يذهب إلى شاتيلا ليكتب تقريرا عن المجزرة، وحين يشم رائحة جثث الضحايا يتذكر رائحة جثث ضحايا اللد في ١٩٤٨.
الفلسطينيون صاروا ملح الأرض والمجازر التي ارتكبت بحقهم كثيرة وقد انعكس قسم منها في النصوص الأدبية، فمن يرصد؟


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى