لم يشكل الفلسطينيون الذين لجأوا في عام النكبة إلى العراق نسبة عالية من اللاجئين ، فأكثر ال ٦٥٠ ألفا منهم استقروا في الأردن ولبنان وقطاع غزة وسورية ، وأبرز الكتاب والأدباء الفلسطينيين عاشوا في هذه البيئات أو ولدوا فيها ، وقلة قليلة عاشت في العراق أو ولدت فيه ، ولكن هذه القلة شكلت حضورا لافتا في باب الرواية والنقد ، ويكفي أن نشير إلى ثلاثة أسماء هي جبرا ابراهيم جبرا وخالد علي مصطفى ومحمد الأسعد .
قدم جبرا الفلسطيني في رواياته مسقطا تجربته الشخصية دون أن يقارب حياة اللاجئين في العراق ، وركز خالد علي مصطفى على النقد والتعليم الجامعي وقارب محمد الأسعد ، فيما اطلعت عليه من أعماله وهنا أذكر "أطفال الندى" ، اللجوء مقاربة قصيرة . وهكذا لا نقرأ في كتاباتهم ما نقرؤه عن حياة الفلسطينيين في أدبيات سميرة عزام أو غسان كنفاني أو رشاد أبو شاور أو يحيى يخلف أو ابراهيم نصرالله أو غريب عسقلاني أو عاطف أبو سيف وغيرهم.
الكتابة عن الفلسطينيين في الأدبيات العربية غير الفلسطينية تتفاوت أيضا من قطر إلى آخر ، وهو ما يلاحظ في بعض أعمال اللبناني الياس خوري والسوري حيدر حيدر والمصرية رضوى عاشور وغيرهم.
هل كتب الأدباء العراقيون عن فلسطينيي العراق؟
ثمة ثلاثة أسماء في باب الرواية يمكن الإشارة إليها وهي علي بدر وانعام كجه جي وعواد علي ، أما في جنس الشعر فالأسماء كثيرة ومنها محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب ومظفر النواب وغيرهم.
في " مصابيح أورشليم : رواية عن إدوارد سعيد " ٢٠٠٦ ركز علي بدر على شخصيتين فلسطينيتين مثقفتين ، وأتى إتيانا عابرا على حياة اللاجئين الفلسطينيين ، ومثله أيضا انعام كجه جي في "النبيذة" ، ويبدو أن ما قدماه من نماذج فلسطينية يتقارب وما قدمه جبرا وما عرفه المثقفون العراقيون من نماذج فلسطينية ، وأرجح أنهم لم يقيموا بين اللاجئين ليكتبوا عنهم ، وهنا أيضا يتماثلون مع جبرا.
في "مصابيح أورشليم" ترد الفقرة الآتية عن جموع اللاجئين:
"لقد عاشوا هناك ، فقراء ، لاجئين ، عاشوا في قبور يسكنها أحياء ، فليس للشمس مكان فيها أو منفذ إليها ، كما أن الهواء مطرود منها . بناؤها قديم ، و متآكل يتهدد أرواح ساكنيها ، فيعيشون في قلق دائم وخوف مقيم ..." و"شعب ذكي ونشيط ، فقير ومتحمس ، مقطوع ويائس ، وشيئا فشيئا نقلت هذه الجالية الصغيرة والفقيرة أكلاتها الفلسطينية إلى الشارع البغدادي : الفلافل ، المجدرة ، الحمص ، الكنافة النابلسية ..... لقد دخلوا المجتمع العراقي ولكن على هامش الحياة الاجتماعية ..... مشاعر الغربة والنفي والاغتراب لا يمكن محوها.." (ص ٢٥ وما بعدها).
فما الصورة التي بدا الفلسطينيون عليها في رواية عواد علي "نخلة الواشنطونيا" ٢٠٠٩؟
يختار الروائي نموذجا فلسطينيا ليكتب عنه ولا يأتي على حياة الجموع ، فلا كتابة عن حياتهم في أماكن سكناهم ولا وصف لطبيعة حياتهم ولا تتبع لها منذ لجأوا إلى العراق في ١٩٤٨.
النموذج المختار يتمثل في شخصية أستاذ جامعي ولد في العراق وتعلم العبرية وصار يعلمها في الجامعة . هذه الشخصية لها صداقات مع المثقفين وأساتذة الجامعات ، وتشارك في الحياة وتتعاور معهم الحديث في الثقافة والأدب ، فجهاد يذهب إلى معسكرات الجيش ويتدرب مع المواطنين العراقيين ويشعر أنه عربي في بلد عربي ، وإن كانت توجهاته يسارية . إنه يترجم الأدب العبري ويكتب عنه ويعجب بقصائد شاعر يهودي يساري هو ( أهارون شبتاي ) زوج عالمة اللغويات ( تانيا رينهارت ) تلميذة ( تشومسكي ) والمفكرة النقية والشرسة مثل لبوة ، وإذ يستغرب صديقه كمال أن يسمع منه هذا الكلام يجيبه:
" - لأن رينهارت هذه من ألد أعداء الصهيونية ، ولذا لم تطق البقاء في جامعة تل أبيب ، فغادرت إسرائيل نهائيا".
عاش جهاد في العراق قبل احتلال بغداد وبعده ، ولاحظ اختلاف حياة الفلسطينيين في الفترتين . لقد غدا واقعهم بعد التاسع من نيسان ٢٠٠٣ جحيما ، فقد ارتكبت بحقهم المجازر ولوحقوا وأقيمت لهم المخيمات على الحدود العراقية الأردنية لطردهم وظلوا عالقين فيها إلى أن استقبلتهم إحدى دول أمريكا اللاتينية.
في الحوار بين جهاد وزميله كمال حول ما ألم بالفلسطينيين يسأل كمال جهادا السؤال الآتي:
- لماذا لا تكتب أنت عن عار الميليشيات المناهضة لكم هنا؟
فيجيبه جهاد:
- هذه عارها أكثر خزيا من العار الإسرائيلي . لقد تجاوز عدد ضحاياها من الفلسطينيين حتى الآن ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا.
وحين يطلب كمال منه أن يكتب عن هذا يجيبه:
- كتبت يا صديقي باسم مستعار . كتبت عن شاتيلا بغداد ، ومآسي الحدود في مخيمات الوليد والتنف وطريبيل. (صفحة ٧٢).
ويتلقى جهاد تهديدا بالقتل إن لم يترك منزله ، فيلجأ إلى كمال الذي يرحب به ويستقبله في بيته ويتقاسمه معه إلى أن يأتي الفرج فيهاجر جهاد إلى إحدى دول إفريقيا أو أمريكا اللاتينية إن رأفت بالفلسطينيين الذين طالبت وزيرة المهجرين في العراق بطردهم إلى غزة.
الفلسطيني هنا مولود في العراق ومع ذلك ينظر إليه في زمن ما بعد سقوط بغداد على أنه لاجيء . لقد انتهت الامتيازات التي منحت للفلسطينيين الذين أقاموا في العراق وجعلتهم مقربين من السلطة وموضع حسد من مناهضيها وصار ينبغي طردهم.
وعموما فإن ما توقعه جهاد هو ما تجسد في النهاية على أرض الواقع ، فقد ظل الفلسطينيون مقيمين في المخيمات التي أقيمت لهم إلى أن استقبلتهم إحدى دول أمريكا اللاتينية.
الجمعة
٢٥ أيلول ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2667061496880736
قدم جبرا الفلسطيني في رواياته مسقطا تجربته الشخصية دون أن يقارب حياة اللاجئين في العراق ، وركز خالد علي مصطفى على النقد والتعليم الجامعي وقارب محمد الأسعد ، فيما اطلعت عليه من أعماله وهنا أذكر "أطفال الندى" ، اللجوء مقاربة قصيرة . وهكذا لا نقرأ في كتاباتهم ما نقرؤه عن حياة الفلسطينيين في أدبيات سميرة عزام أو غسان كنفاني أو رشاد أبو شاور أو يحيى يخلف أو ابراهيم نصرالله أو غريب عسقلاني أو عاطف أبو سيف وغيرهم.
الكتابة عن الفلسطينيين في الأدبيات العربية غير الفلسطينية تتفاوت أيضا من قطر إلى آخر ، وهو ما يلاحظ في بعض أعمال اللبناني الياس خوري والسوري حيدر حيدر والمصرية رضوى عاشور وغيرهم.
هل كتب الأدباء العراقيون عن فلسطينيي العراق؟
ثمة ثلاثة أسماء في باب الرواية يمكن الإشارة إليها وهي علي بدر وانعام كجه جي وعواد علي ، أما في جنس الشعر فالأسماء كثيرة ومنها محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب ومظفر النواب وغيرهم.
في " مصابيح أورشليم : رواية عن إدوارد سعيد " ٢٠٠٦ ركز علي بدر على شخصيتين فلسطينيتين مثقفتين ، وأتى إتيانا عابرا على حياة اللاجئين الفلسطينيين ، ومثله أيضا انعام كجه جي في "النبيذة" ، ويبدو أن ما قدماه من نماذج فلسطينية يتقارب وما قدمه جبرا وما عرفه المثقفون العراقيون من نماذج فلسطينية ، وأرجح أنهم لم يقيموا بين اللاجئين ليكتبوا عنهم ، وهنا أيضا يتماثلون مع جبرا.
في "مصابيح أورشليم" ترد الفقرة الآتية عن جموع اللاجئين:
"لقد عاشوا هناك ، فقراء ، لاجئين ، عاشوا في قبور يسكنها أحياء ، فليس للشمس مكان فيها أو منفذ إليها ، كما أن الهواء مطرود منها . بناؤها قديم ، و متآكل يتهدد أرواح ساكنيها ، فيعيشون في قلق دائم وخوف مقيم ..." و"شعب ذكي ونشيط ، فقير ومتحمس ، مقطوع ويائس ، وشيئا فشيئا نقلت هذه الجالية الصغيرة والفقيرة أكلاتها الفلسطينية إلى الشارع البغدادي : الفلافل ، المجدرة ، الحمص ، الكنافة النابلسية ..... لقد دخلوا المجتمع العراقي ولكن على هامش الحياة الاجتماعية ..... مشاعر الغربة والنفي والاغتراب لا يمكن محوها.." (ص ٢٥ وما بعدها).
فما الصورة التي بدا الفلسطينيون عليها في رواية عواد علي "نخلة الواشنطونيا" ٢٠٠٩؟
يختار الروائي نموذجا فلسطينيا ليكتب عنه ولا يأتي على حياة الجموع ، فلا كتابة عن حياتهم في أماكن سكناهم ولا وصف لطبيعة حياتهم ولا تتبع لها منذ لجأوا إلى العراق في ١٩٤٨.
النموذج المختار يتمثل في شخصية أستاذ جامعي ولد في العراق وتعلم العبرية وصار يعلمها في الجامعة . هذه الشخصية لها صداقات مع المثقفين وأساتذة الجامعات ، وتشارك في الحياة وتتعاور معهم الحديث في الثقافة والأدب ، فجهاد يذهب إلى معسكرات الجيش ويتدرب مع المواطنين العراقيين ويشعر أنه عربي في بلد عربي ، وإن كانت توجهاته يسارية . إنه يترجم الأدب العبري ويكتب عنه ويعجب بقصائد شاعر يهودي يساري هو ( أهارون شبتاي ) زوج عالمة اللغويات ( تانيا رينهارت ) تلميذة ( تشومسكي ) والمفكرة النقية والشرسة مثل لبوة ، وإذ يستغرب صديقه كمال أن يسمع منه هذا الكلام يجيبه:
" - لأن رينهارت هذه من ألد أعداء الصهيونية ، ولذا لم تطق البقاء في جامعة تل أبيب ، فغادرت إسرائيل نهائيا".
عاش جهاد في العراق قبل احتلال بغداد وبعده ، ولاحظ اختلاف حياة الفلسطينيين في الفترتين . لقد غدا واقعهم بعد التاسع من نيسان ٢٠٠٣ جحيما ، فقد ارتكبت بحقهم المجازر ولوحقوا وأقيمت لهم المخيمات على الحدود العراقية الأردنية لطردهم وظلوا عالقين فيها إلى أن استقبلتهم إحدى دول أمريكا اللاتينية.
في الحوار بين جهاد وزميله كمال حول ما ألم بالفلسطينيين يسأل كمال جهادا السؤال الآتي:
- لماذا لا تكتب أنت عن عار الميليشيات المناهضة لكم هنا؟
فيجيبه جهاد:
- هذه عارها أكثر خزيا من العار الإسرائيلي . لقد تجاوز عدد ضحاياها من الفلسطينيين حتى الآن ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا.
وحين يطلب كمال منه أن يكتب عن هذا يجيبه:
- كتبت يا صديقي باسم مستعار . كتبت عن شاتيلا بغداد ، ومآسي الحدود في مخيمات الوليد والتنف وطريبيل. (صفحة ٧٢).
ويتلقى جهاد تهديدا بالقتل إن لم يترك منزله ، فيلجأ إلى كمال الذي يرحب به ويستقبله في بيته ويتقاسمه معه إلى أن يأتي الفرج فيهاجر جهاد إلى إحدى دول إفريقيا أو أمريكا اللاتينية إن رأفت بالفلسطينيين الذين طالبت وزيرة المهجرين في العراق بطردهم إلى غزة.
الفلسطيني هنا مولود في العراق ومع ذلك ينظر إليه في زمن ما بعد سقوط بغداد على أنه لاجيء . لقد انتهت الامتيازات التي منحت للفلسطينيين الذين أقاموا في العراق وجعلتهم مقربين من السلطة وموضع حسد من مناهضيها وصار ينبغي طردهم.
وعموما فإن ما توقعه جهاد هو ما تجسد في النهاية على أرض الواقع ، فقد ظل الفلسطينيون مقيمين في المخيمات التي أقيمت لهم إلى أن استقبلتهم إحدى دول أمريكا اللاتينية.
الجمعة
٢٥ أيلول ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2667061496880736