ما من سارد لم يسمع بقول دستويفسكي (كلنا خرجنا من تحت معطف غوغول) والواقع أن زمن العولمة الذي جعل علاقة الساردين فيما بينهم علاقة تحكمها شريعة الغاب، أستوجب منا تكملة لعبارة دستويفسكي، ولأن مثل هذا الاستدراك فيه تجني على قائل العبارة، وهو المبدع الذي مازلنا كلنا وبعد ما يقرب المئة وخمسين عاما على وفاته نقرأ له منبهرين برائحة حبر قلمه، فسنترك الاستدراك ونسأل:
- لكن بعد أن خرجنا من تحت ذاك المعطف، أبقينا على تلّة المعطف، أم ذهب كل واحد منا يحفر جحره في جانب منها؟.
ولتقريب الأمر وفهمه لنتخيل التالي:
لو انك أجلست روائيَين أمامك وقرأت لهما رواية من تأليفك، ثم طلبت منهما أن يكتباها كل وفق المذهب الذي ينتمي له قلمه، فأنك ستستلم بالنهاية ثلاث روايات تتشابه في: محورها العام، وثيمتها، والحبكة الروائية لها، لكنها قطعا ستختلف في اسلوب المعالجة واستحضار الصور لتوصيف أفكار كتابها، لأن كل واحد منكم سيكتبها وفق ما مخزّن في ذاكرته من صور استقاها من التجربة التي مرت به وعاش دقائقها، ولا يمكن لتفاصيل تجربة مهما صغر حجمها أن يتشابه وقعها على اثنين من الناس بالدرجة نفسها، فما يبدو عندي ذا أهمية وشأن، قد يبدو عندك تافها ولا يستحق الالتفات إليه، ووقع اللحظة المعاشة في ابهارها ومفاجأتها عندي ليست مثلها عندك، فلا فرحها ولا حزنها، ولا حنقها ولا استكانتها، ولا غضبها ولا هدؤها تتشابه دراجاتها بيننا.
ومادامت ولادة أي ابداع روائي لا يمكن لها أن تجعل صاحبها يقترب من جحري، لأن جحور الروائيين أُنشِأت على مقاساتهم، وكل روائي سيترك حال دخوله الجحر رائحة قلمه مختلطة بتراب ذلك الجحر، والوعي بطبعه منجذب لرائحة الوعي الذي يشابهه، فسيعاف أي روائي رائحة قلم الروائي الآخر لأنه عُبّئ بغيرها.
وكل الذي مرّ يُوجب علينا أن ننحني لكل قلم روائي جديد، مكتفين بشم عطر حبره الذي سيختلط بتراب جحره ويترك بصمته عليه، ولو حدث خوف من ولادة مبدع جديد، سيُعدّ نرجسية مقيتة، تفعل فعلها في عزل الروائي وتجفف حبر قلمه، فيغدو مثل جذع يابس جميل من خارجه ومنخور من داخله، ومثل هذا الروائي لو وِجِدَ لبقي طيلة عمره قابعا تحت معطف غوغول، لأنه أدلج قلمه على أن كل الروائح تشبه رائحة المعطف الذي يحتمي خلفه.
- لكن بعد أن خرجنا من تحت ذاك المعطف، أبقينا على تلّة المعطف، أم ذهب كل واحد منا يحفر جحره في جانب منها؟.
ولتقريب الأمر وفهمه لنتخيل التالي:
لو انك أجلست روائيَين أمامك وقرأت لهما رواية من تأليفك، ثم طلبت منهما أن يكتباها كل وفق المذهب الذي ينتمي له قلمه، فأنك ستستلم بالنهاية ثلاث روايات تتشابه في: محورها العام، وثيمتها، والحبكة الروائية لها، لكنها قطعا ستختلف في اسلوب المعالجة واستحضار الصور لتوصيف أفكار كتابها، لأن كل واحد منكم سيكتبها وفق ما مخزّن في ذاكرته من صور استقاها من التجربة التي مرت به وعاش دقائقها، ولا يمكن لتفاصيل تجربة مهما صغر حجمها أن يتشابه وقعها على اثنين من الناس بالدرجة نفسها، فما يبدو عندي ذا أهمية وشأن، قد يبدو عندك تافها ولا يستحق الالتفات إليه، ووقع اللحظة المعاشة في ابهارها ومفاجأتها عندي ليست مثلها عندك، فلا فرحها ولا حزنها، ولا حنقها ولا استكانتها، ولا غضبها ولا هدؤها تتشابه دراجاتها بيننا.
ومادامت ولادة أي ابداع روائي لا يمكن لها أن تجعل صاحبها يقترب من جحري، لأن جحور الروائيين أُنشِأت على مقاساتهم، وكل روائي سيترك حال دخوله الجحر رائحة قلمه مختلطة بتراب ذلك الجحر، والوعي بطبعه منجذب لرائحة الوعي الذي يشابهه، فسيعاف أي روائي رائحة قلم الروائي الآخر لأنه عُبّئ بغيرها.
وكل الذي مرّ يُوجب علينا أن ننحني لكل قلم روائي جديد، مكتفين بشم عطر حبره الذي سيختلط بتراب جحره ويترك بصمته عليه، ولو حدث خوف من ولادة مبدع جديد، سيُعدّ نرجسية مقيتة، تفعل فعلها في عزل الروائي وتجفف حبر قلمه، فيغدو مثل جذع يابس جميل من خارجه ومنخور من داخله، ومثل هذا الروائي لو وِجِدَ لبقي طيلة عمره قابعا تحت معطف غوغول، لأنه أدلج قلمه على أن كل الروائح تشبه رائحة المعطف الذي يحتمي خلفه.