علي السوداني - الجمعة في حسن عجمي

أما لمّة الأدباء من يوم الجمعة في مقهى ومنفس حسن عجمي برصافة بغداد العباسية ، فهي لا تشبه لمّتهم في أيام أخر، اذ يأتونك من كرخها ورصافتها ودرابينها باكرين عند نحو عاشرتها وهؤلاء جلّهم من أدباء فحول لا تسكر ، فأن كرعتها فلا تتتعتع وان سهرت فندمانها لا تتصعلك ولا تتسكع ولا تهيم في البتاويين والأندلس والطيران والرشيد والميدان حتى مطلع الفجر ، ولا تتشمم كما قطط باب الحاتي، وهذا سر تبكير اندلاقهم صوب المقهى بنشاط مبين خال من عطر العرق ومبصلة باجة أخير الليل ومثومة جاجيك أبي مايكل الطيب .
من هؤلاء كان موسى كريدي ويوسف الحيدري وداوود البصري وطراد الكبيسي وحاتم الصكر وخالد علي مصطفى المسموع هرجه البديع من مبتدأ الباص الأحمر رقم أربعة حتى باب كعك السيد بصنفيه المسمسم والدهين، وآل المطلبي من مثل مالك وغالب وعمار، وعبد الخالق الركابي وأحمد خلف وخيري منصور وعبد الستار ناصر وحسين الجاف وفهد الأسدي وخضير عبد الأمير وسامي محمد ومحمد شاكر السبع والأخوة مجيد ومحمد مبارك وشفيق القيماقجي وياسين طه حافظ وحسب الشيخ جعفر وسامي مهدي وماجد السامرائي وثامر فاضل والترجمانان المجيدان غانم محمود ويوسف عبد المسيح ثروت، والثالث الستيني المتأخر أبو عيون الزرق حسين حسن ، وشاعر ناصري حميم مهذب اسمه قيس لفتة مراد الذي مات وفي حلقه غصة من بيت شعر هجّاء منظوم على بحر الطرفة الموجعة، هو وفق ذاكرتي ومسموعاتي الواقعة في باب الطريف والظريف " تسافل الشعر حتى صار ينظمه، قيس بن لفتة وعناية الحسيناوي "، وجلاس غاوون منهم المحامي محمود العبطة ورجل اسمه أبو صلاح قال غير مرة أنه مرافق حام للزعيم عبد الكريم قاسم وهذا يتنافس مع بائع الجرائد الجوال قاسم في معركة جمع الصحف المقروءة التي يخلفها الزبائن، فبائعها الفقير قاسم يريد بيعها ثانية الى زبائن جدد في المقهى أو في الجوار، وأبو صلاح يحملها الى الدار فيقرأ والعائلة ما يقرئون ويفرش بقيتها تحت صينية ومواعين المثرود والمهروس والمعصوف والسمين الدهين المبهّر الذي لو أنزلته على معدة بكر لصاحت هل من مزيد .

هذه اللمة المبروكة ومقترباتها من الفتيان الثمانينيين وأوائل التسعينيين النجب، ينتهي هرجها ومرجها وجدلها عند أعتاب الثانية حيث الموعد المبجل مع الزوجات الطيبات على صينية يوم الجمعة. في هذا الوقت تخسر المقهى رصانة ورزانة وشيباَ وشيخوخة وحكمة خمسينية وستينية يجري ترميمها بمشهد سبعيني لصوت الشعر فيه طغيان وألق من رعد عبد القادر وخزعل الماجدي وزاهر الجيزاني وسلام كاظم وكمال سبتي وعقيل علي وكزار حنتوش وحميد قاسم وآخرين الذاكرة تعلمهم ولو بعد حين وآن .

أما فتيان الثمانينيات ومطالع التسعينيات وأوشال السبعينيات، فلهم من قادمات المكاتيب كثرة ومن تلافيف المخ وفرة . ولزيد الحلي القاعد لنا ولذاكرتنا " ركبة ونص " وحتى لا تكون فتنة وزعل ودم، نقول: انما كتبنا هذا وهذه مما شاهدناه وسمعناه من دفتر الثمانينيات حتى ساعة هجيجنا والعيال من بغداد بما حملت، ونزولنا في عمان بما كتبت، خريف العام الف وتسعمائة وأربعة وتسعون والغلط والسهو مرجوع للطرفين كما كانت تشير حروف الكارتونة المصلوبة المدندلة فوق تاج دكان العجوزكاغد بنت تسواهن بذاك الصوب .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...