مزمل الباقر - قليلاً من الرقابة يا حكومة الثورة

أنا : يا حبيب .. داير لي بنزين .. ما بتعرف ليك زول عندو ؟
هو : أيوه عندي .. داير كم؟
أنا : عربتي صغيرة داير لي أربعة جالون(1) ؟
هو : بأربعة ؟!!
أنا ( بتعجب) : كيف يعني بأربعة ؟!
هو : يعني الجالون بمليون !!!
أنا : يا زول .. مليون عديل كدا وفي الطرمبة ب128 !!!!!!
هو : دا ليك انت والله !!
دار هذا الحوار القصير بيني وبين سائق الركشة ( تسمى في مصر التك تك )، عقب عودتي من تمرين السباحة في يومه الأول. وأفضى بنا هذا الحوار إلى تخفيض سعر الجالون في السوق الموازي ( السوق الأسود ) إلى 800 جنيه بديلاً عن المليون . شكرته وأنا أهم بالنزول وأوضحت له أنني لن أقبل بهذا العرض وسوف أستقل المواصلات العامة حتى تحل هذه الأزمة، وأتمكن من الوقوف في صف بنزين يجعلني أعبي سيارتي بكل سهولة وفي زمن أقصر. وظل سائق الركشة ينادي علي ويعرض تخفيضاً تلو التخفيض وأنا أواصل شكري ورفضي للعرض. قد لا يعلم سائق تلك ( الركشة ) أنني كنت أتحدث إليه بغرض السمر أكثر من الشراء، فلقد أخذت عهداً علي نفسي بأن لا أشارك في الإستغلال.
صائدي الأزمات :
كما أن هنالك صائدي الجوائز هنالك أيضاً صائدي الأزمات – إن جاز لي هذا التعبير – سائق (الركشة) ينتمي لهذه المنظومة بشكل أو بآخر ، فهو كان سيحضر لي ما طلبت من سائق آخر ، وذلك السائق يفعل ذلك دائماً فهو يقف في صف البنزين ليملأ ( ركشته ) ليفرغ حمولتها في مكان ما ثم يعود مجدداً لفعل ذات الشئ حتى تنتهي آخر قطرة في تلك الطلمبة ، وبالمثل هنالك سائقي دراجات بخارية و كذلك سائقي سيارات يفعلون نفس الشئ . وعامل الطلمبة قد يكون شريكاً أصيلاً في هذا الفساد. وبعد ذلك أو خلاله تتم عملية البيع لضحية أو لوسيط آخر يبيع ما إشترى لضحية أخرى بسعر أعلى وهكذا دواليك.
نفس هذا الإستغلال لجوحة المواطنين لسلعة الوقود يحدث مع سلعة الغاز وكذلك الخبز ولعلها مع حوجة الدواء أيضاً .
لعلها أزمة مفتعلة:
صديق خالي الأكبر موظف بمصفاة الجيلي أطلعه بأن هذه الأزمة مفتعلة حيث أن حصة ولاية الخرطوم من المحروقات تكفي لحوجة جميع مواطني الولاية ولكن من يخلقون هذه الأزمة هي الجهات التي تربط مكان الإنتاج بمكان الإستهلاك هم الذين يخلقون هذه الأزمة وأشار بأصابع الإتهام لبعض لجان المقاومة (1) في إحدى المناطق حيث يستلمون حصة البنزين ويقومون بتوزيعها كما يشاءون متجافين العدالة في التوزيع على الطلمبات التي تتواجد في منطقة سيطرتهم. ولم يذكر موظف المصفاة او لعله لا يعلم أن لجان المقاومة أصبحت مخترقة فهنالك أفراد ينتمون للنظام البائد ( نظام الأخوان المسلمين في السودان : يونيو1989 – أغسطس2019 ) ) إضافة لأفراد وجهات بعينها كانت تقتات من الأزمات التي خنقت مراراً نظام المخلوع عمر البشير وهي تواصل ما بدأته في عهد حكومة ثورة 19 ديسمبر المجيدة
تعاطي الحكومة الإنتقالية مع هذه الأزمة :
تعاملت الحكومة الإنتقالية في السودان مع هذه الأزمة بأن ألزمت الطلمبات التي تستلم حصة محروقات أن لا تتوقف عن العمل حتى تنفذ كل الحصة فتحايلت عدد من هذه الطلمبات بأن تظاهرت بأن الوقود قد نفذ فور أن أعلنت الساعة عن الحادية عشرة والنصف ليلاً فتفرق شمل صفوف السيارات - التي تمتد لكيلومترات بعيدة داخل الأحياء – من أمام واجهة الطلمبة. لتستأنف الأخيرة عملها في الغد بنفس الصفوف الطويلة أو عبر السوق الأسود بالوسائط من سائقي ( الركشات ) ، الدراجات البخارية أو السيارات.
تحرير الأسعار ليس الحل :
بالأمس وبالأمس الأول دارت شائعات في مجتمعات المدينة عن تحرير أسعار الوقود ليصبح سعر الجالون ( يعادل الجالون حوالي 4.5 لتر بالنظام الإنجليزي ) ليصبح 300 جنيه بدلاً عن 128 جنيه بل أن المانشيت الرئيسي لعدد من صحف الأمس صرحت بأن هنالك تحرير لأسعار الوقود لينتقل حديث المدينة ليصبح خبراً بالصحف.
في إعتقادي الشخصي أن تحرير أسعار المحروقات لن يحل هذه الأزمة لأن سعر الخبز عندما أصبح بجنيهين عوضاً عن جنيه لم يحل أزمة الرغيف بل تفاقمت أكثر ليصبح سعر رغيف الخبز في بعض المناطق بعشر جنيهات وتضاعف الصفوف أمام المخابز . لذلك لن يجدي نفعاً تحرير سعر المحروقات
الرقابة هي الحل :
وكذلك الرقابة الذاتية غير مجدية لأن عامل الطلمبة يمنح أجراً زهيداً من الراتب الذي لا يسد رمقه في وجود السوق المسعور الذي تغيب عنه التسعيرة . فيكمل حوجة أسرته بأن يبيع البنزين أو الجازولين ( الجاز ) في السوق الموازي ( السوق الأسود ) بعلم صاحب الطلمبة نفسه أو من ورائه فالأمر سيان .
لذلك لابد من وجود رقابة من قبل السلطة الإنتقالية لما يحدث في الطلمبات وبالمثل في المخابز وكذلك في الأسواق عبر موظفي دولة مهمتهم التخفي والتوجه لتلك البؤر الفاسدة وغيرها كمشترين أو زبائن – إن شئت – للإمساك بخناق هذا الفساد عبر الأفراد المتواطئين فيه، ومن ثم تقديمهم لمحاكمات علنية تنفذ فيها عقوبة رادعة حتى يتعظ غيرهم من صائدي الأزمات فيكفون عن إستغلالهم لحوجة المواطنين.
مزمل الباقر
الخرطوم في 12 أكتوبر 2020م
(1) ) الجالون كم لتر
موقع محتويات الإلكتروني عبر الرابط
(2) لجان المقاومة السودانية – ويكبيديا


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...