أجلس في صباح مبكر للكتابة عن الحاج محمد مدبولي. وأنا لا أصدق نفسي. منذ أيام وفي صباح يوم السبت. حيث تخلو الشوارع من الناس. وتأخذ القاهرة إجازة من القاهرة. وأنا لا أستريح نفسيا لإجازة السبت. لأننا نحصل عليها في اليوم الذي يحصل عليها فيه عدونا الرئيسي والجوهري. لكن ما باليد حيلة. كنت في طريقي إلى مسجد السيدة نفيسة. لحضور جنازة الحاج محمد مدبولي. وأنا أفضل الجنازات عن العزاءات. سرادق العزاء فيه من الواجب الاجتماعي العام أكثر من الوداع الحميم لمن مات. كلا الأمرين محزن، فالموت هو الموت في النهاية ونحن أبناء مصر ربما لا نلتقي لفترات طويلة إلا في طوابير الجنازات، أو سرادقات العزاء. نلتقي ثم نفترق. نتذكر آخر لقاء، فنكتشف في لحظة الذكرى أنه كان بمناسبة موت عزيز، ونفترق على موعد جديد، لكن هذا الموعد يتأجل ويتأجل إلى أن يتم ويأتي الاكتشاف المؤلم، أنه موت جديد، ولا حياة بين الموتين. ليس هذا بغريب على شعب يقدس الموت أكثر من حبه للحياة. أنا أذكر 28 سبتمبر سنة 70 باعتباره يوم وفاة عبد الناصر، وأذكر 28 أكتوبر سنة 73 باعتباره ذكرى وفاة طه حسين، وأذكر 28 أكتوبر سنة 1995 باعتباره تاريخ وفاة أبي. لكن لو سألتني عن تاريخ ميلاد كل منهم تتوه مني الأرقام. وتهرب مني الذكرى، مع أن الميلاد حياة، والموت نهاية، لكننا نتشبث بالنهايات بعد أن تاهت منا البدايات. يكتب هذا الكلام مصري مازالت أهم آثار بلاده ثلاثة من الأهرامات، كانت من العجائب السبع للعالم القديم. إنها الأهرامات التي تقاوم النسيان، وتتحدى الفناء، وهي قبل النهاية وبعد البداية مجرد قبور، وليست قلاعاً لتحدي الزمن، بل بنيت أساساً ليدفن بداخل كل منها فرعون.
مايو 69
كنا قد طبعنا كتبنا الأولى على نفقتنا الخاصة، لأن كاتباً جسوراً، هو سمير أحمد ندا قادنا في هذا الطريق، وأصبحت لديَّ نسخ روايتي الأولى «الحداد». وكان من الطبيعي - بعد طباعتها - أن أبدأ رحلتي، من أجل توزيعها، من خلال كشك الحاج مدبولي. وهكذا عرفت طريقي إليه مبكراً جداً، ذهبت إليه يوم الجمعة، قبل التوجه للقاء نجيب محفوظ. في مقهى ريش الكائن بشارع طلعت حرب، الذي مازلنا نسميه سليمان باشا، مع أن طلعت حرب أحد الذين أسسوا اقتصاد مصر الحديث، وهو مصري أباً عن جد، لكن سليمان باشا الفرنساوي. كان أحد الأجانب الذين التحقوا بخدمة الأسرة العلوية، وشاركوا في تدريبات الجيش المصري. يبدو أن الأسماء القديمة مازالت لها قوة وجاذبية لدى الجمهور العادي أكثر من الأسماء الجديدة. أصل المشكلة وجوهرها أن القديم مرتبط بمصر المحتلة، والجديد جزء من محاولة النهوض المصري في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن مرض الحنين للماضي يشد العامة إلى الماضي البعيد، ويبعدهم عن الماضي القريب.
رحب بي الحاج محمد مدبولي، أخذ نسخ الرواية من يدي، وضعها في مكان مميز على الفرشة. لم تكن هناك مكتبة، مجرد كشك في ميدان سليمان باشا. كان موزع كتب وصحف فقط، لم يكن يفكر أن يكون ناشراً. كان يرى أن الاكتفاء بالتوزيع لا يقل أهمية عن الكتابة والطباعة والنشر، لأن المرحلة الأخيرة هي التي تحمل الكتاب للقارئ وتوصله إليه، وهذا الكشك كان كل عالمه. يضع فوق أحد أرففه الداخلية: أجندة فيها تليفونات المثقفين المصريين والعرب الذين يتعامل معهم. وإيصالات وفواتير.
ومن كثرة الكتب والعمل وسط الكتب، بدأت «تناغشه» فكرة النشر، مع أنه كان حذراً، مثل سلوك كل أبناء حضارة الزراعة، حيث تتراجع القدرة على المغامرة. كان يرى أن التوزيع يضمن له عائداً مضموناً، وأن النشر ربما كان مغامرة، غير مأمونة العواقب، فضلاً عن تركيزه المستمر على أن الموزع ربما كان أهم حلقات إنتاج الكتاب. لكن الحاج محمد مدبولي بعد ذلك تحول للنشر، أصبح ناشراً.
مساء 28 سبتمبر سنة 1970
كنت أقف معه بجوار الكشك، وكان يقف معنا شخص لم أكن أعرفه. كان يرتدي بدلة سوداء وقميصاً أبيض ونظارة بيضاء لا تراها - الزجاج والإطار معاً - عند النظرة الأولى، وكان الراديو المصري الذي كان سيد الأذن في ذلك الوقت - لم يكن التليفزيون قد أصبح منافساً له - وترتيل القرآن الكريم كان مستمراً. سمعت يومها تجليات تلاوة للشيخ محمد رفعت لقصار السور. يبدو أنه كان يرتلها في مسجد وحوله من يستمعون له، ويبدون إعجابهم بصوته ويطلبون منه الإعادة أكثر من مرة، وهو التراث الجميل للشيخ رفعت الذي لم نستمع له بعد هذه المناسبة. هذه التلاوة القرآنية في غير وقتها جعلت الناس تتساءل عن السبب. كان جرح النكسة ينزف. وكان قلب مصر حفرة مليئة بالدماء.
في لحظة خاطفة أعلن عن رحيل جمال عبد الناصر. حتى هذه اللحظة مازلت أسمع في أذني صوت ما فعله الحاج مدبولي كأنه يحدث الآن، ضرب جبهته بكلوة يده اليمنى، وأسند رأسه للكشك. لكن الأستاذ الذي كان واقفاً رفض سلوك مدبولي، وحزني الذي بلا حدود، وحاول «عقلنة» الموقف، عندما قال إن الموت علينا حق، وإن عبد الناصر بشر. كان هذا الأستاذ بعد أن تعرفت عليه هو الدكتور جمال حمدان، الذي لم يكن قد دخل شرنقة عزلته، ولم يكن قد خاصم المجتمع المصري. لكن رد فعل الحاج مدبولي، على الخبر «الصاعق» شكل بذرة صلة إنسانية بيني وبينه.
أحاول وضع الموقف في سياقه الإنساني، مدبولي يداوم على وصف نفسه من يومها بأنه واحد من «جنود جيش عبد الناصر». كان موقفه من عبد الناصر يلخصه على النحو التالي، إن عبد الناصر صعيدي، وهو صعيدي. إنهما جاءا من الصعيد، والصعيد عصبية مهمة في بلد مازالت الناس تصنف نفسها: «بحاروة أو صعايدة»، مع أن مدبولي مولود في الجيزة، ولكن والده كان من أبناء سوهاج. وعبد الناصر مولود في قرية الضهرية بغيط العنب، إحدي ضواحي الإسكندرية، ووالده ينتمي إلى قرية بني مر في صعيد مصر. ثم إن عبدالناصر، في نظر الحاج مدبولي رجل «شرب من ثدي أمه»، رفع رأس مصر عاليا، وأنه كان يشعر بالفقراء وآلامهم. كان إحساس مدبولي بفقراء المصريين يعلو على «التنظير»، ويسبق الفرز الطبقي. كانت مسألة طبيعية في وجدانه، وظل طول حياته يتناول وجبة الطعام الرئيسية، حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر، وسط العاملين معه في المكتبة. يرسل في طلب الطعام لهم جميعاً، ويجلس معهم ويوزع عليهم الأكل ويطلب لهم الشاي، ومن يدخن يعزم عليه بالسجائر.
بعد ذلك سينشر مدبولي كتاباً يهاجم عبد الناصر، وسيندم كثيراً على هذه الفعلة التي ما كانت يجب أن تكون. أيضاً عندما عرض مسلسل عن الصعيد في التلفزيون المصري، كان الحاج مدبولي يستأذن ويدخل إلى المخزن ليشاهده، لأنه كانت هناك «لزمة» تتردد بين كل مشهد وآخر. ومع الأسف ضاعت من ذاكرتي بيانات هذا المسلسل، لكن «اللزمة» كانت من كلمتين: «هراس جاي». طبعاً الحاج مدبولي لم يقرأ مسرحية كاتب العبث واللامعقول صامويل بيكيت: «في انتظار جودو». ولكنه كان ينظر لمجئ هراس كأنه المخلص. إنه مرة أخرى المخلص الذي يمكن أن يأتي من الجنوب. من صعيد مصر تحديداً. كان الدكتور لويس عوض، وهو صعيدي من إحدى قرى المنيا، يقول لي دائماً وأبداً. إن صعيد مصر هو مخزن الرجولة، وإن هذا الصعيد يمثل المجتمع الواقي الذي حفظ روح مصر وضميرها وعاداتها وتقاليدها في مواجهة كل الغزاة والمحتلين الذين حاولوا احتلال مصر. كان لديه يقين أن أي احتلال أجنبي لمصر. توقف عند الدلتا، ولم يصل إلى الصعيد. بل لم يكن يعترف بحملة ديزييه، التي وصلت إلى مشارف قنا، في زمن الحملة الفرنسية على مصر. عندما كنت أتكلم عن هذه الحملة معه، كان يقول لي لا تردد فولكلور المؤرخين.
كانوا ثلاثة
في فترة الكشك كانوا ثلاثة من الأشقاء، محمد وأحمد وسيد، أحمد تولى إدارة مكتبة لندن التي لم تعمر طويلاً، ثم مرض وتوفاه الله مبكراً، وأولاده أسسوا مكتبة مدبولي الصغير. خلال فترة مكتبة مدبولي فرع لندن فكر الحاج مدبولي - لأول وآخر مرة - أن يستبدل جلبابه ببدلة. وسألني عن المحل الذي أشترى منه بدلى «السفاري» وعندما عرفت سبب السؤال، نصحته بالإبقاء على الجلباب الذي أصبح جزءاً من شخصيته أيامها. خلال تردده على لندن، أكد لي سلوكه قدرة المصري على مواجهة الصعاب وقهرها. كان مدبولي يحضر أوراق التأشيرات من السفارة البريطانية، وتكتب له بالإنجليزية ويضعها في قلب الجواز قبل التوجه إلى المطار. أما سيد أصغرهم، فقد كان «غاوي فن» يحب التمثيل، وكان له صديق فنان توقف عن التمثيل أيضاً، هو حمدي حافظ. وقد ظهر سيد في فيلم أو فيلمين، وسبق الحاج محمد في الموت، وأصبح أولاده يمتلكون مكتبة مدبولي بالمهندسين، القريبة من مقهى العمدة وفندق أطلس. وأذكر أن سيد تزوج من ابنة شقيقة الفنان فريد شوقي. وفي يوم الزفاف طلب مني الحاج مدبولي أن أذهب معهم، وعندما قلت له إنني لا أحب هذه المناسبات الاجتماعية، قال لي أنت عزوة بالنسبة لنا، ثم إن فريد شوقي «راجل مثقف»، ولابد وأن نذهب إليه «متسلحين» بالثقافة. كانت فيللا فريد شوقي أمام مسجد، أصر فريد شوقي أن يسميه مسجد فريد شوقي.
الكشك
بجوار كشك مدبولي، رأيت مثقفي مصر والوطن العربي، لم أر نجيب محفوظ الذي كان يحضر مبكراً جداً، لكن مدبولي قال لي إن نجيب محفوظ كان يأخذ منه كل الصحف والمجلات الصادرة دون تمييز. عرفت من نجيب محفوظ أنه كان يترك الصحف في مقهى ريش بعد قراءتها، لأنه لم يكن من ضمن اهتماماته الاحتفاظ بالصحف. أما الكتب التي كان يحصل عليها فقد كانت في معظمها مترجمة، لتلك الأسماء التي سادت في بعض الفترات. لكني رأيت عند كشك مدبولي يوسف إدريس ولويس عوض وعصمت سيف الدولة. كان ينتحي جانباً بالضيف وتجري بينهما معاملات. قال لي مدبولي شارحاً الأمر بعد ذلك: «إنهم ينشرون كتبهم في بيروت. كانت «كامب ديفيد» على الأبواب، وقد حدثت بوادر هجرة الأقلام والمؤلفات إلى بيروت. كان لويس عوض يأتي ماشياً على قدميه برابطة عنقه المبرومة في إهمال. ها هو لويس عوض صاحب مقولة: «أن القاهرة تكتب، وبيروت تنشر وبغداد تقرأ» يأتي إلى هنا. ينزل من تاكسي في الميدان. أما يوسف إدريس فقد كان يركن سيارته المرسيدس الصفراء، في قلب الميدان، ويتشاجر مع رجال المرور ويفرض عليهم ما يريده. أما الدكتور عصمت سيف الدولة، فلم يحضر وحده أبداً، دائماً حوله التلاميذ والأصدقاء.
لكن الكشك أصبح علامة، لدرجة أن المثقف الذي ربما وجد الكتاب الذي يريده بجوار بيته، لا يشتريه إلا من عند مدبولي. ومدبولي كان سعيداً بذلك، كان يقول لي إن الكتاب واحد ولكن الشراء من عندي «غية» عند الناس.
لكن الكشك أصبح معلمه الأول والأخير، منحه سر الصنعة، وقفته بجوار الكشك منذ السادسة صباحاً. كان حريصاً على هذا الموعد عندما كان يبيع الصحف. حتى الثانية بعد منتصف الليل، جعلته يدرك سر الأسرار في موقف الناس من الكتب. يعرف المطلوب من هذه الكتب، ومن هم الكتاب الذين تحدث حالة من الإقبال عليهم أكثر من غيرهم. إن إدراك ذائقة مستهلك الكتاب مسألة ليست سهلة، وقد عرفها بشكل مباشر، بعيداً عن قياسات الرأي العام. كثيراً ما قال لي سره: المكتبة لابد وأن تكون مفتوحة في أي وقت حتى لو كان الحضور خفيفاً. كما كان من عاداته، عندما يصله زبون يسأل عن كتاب غير موجود عنده. يحضر أحد العاملين، يطلب منه تدوين بيانات الكتاب ويرجو الزبون العودة بعد ساعة أو ساعتين، وخلالها يكون قد أحضر له طلبه، وجعل بيانات الكتاب ضمن أولوياته. وهذه الوقفة ميزته عن غيره من الناشرين، عندما تحول من بيع الكتب إلى نشرها. الناشرون غيره يتعاملون مع المجهول، لا يعرفون أي شيء عما يريد القارئ، ولكن مدبولي عرف ذلك بالوقفة في الشارع ساعات طويلة.
المكتبة
في أواخر السبعينيات كانت اتفاقية «كامب ديفيد» قد وقعت. وكان المطلب الإسرائيلي الأول بعد توقيعها، توزيع الصحف الإسرائيلية في الأسواق المصرية. كان معظمها صحفاً عبرية، وهي من اللغات نادرة الوجود في مصر، وصحيفة واحدة بالإنجليزية، وثلاث صحف بالعربية. وقد رفض الحاج مدبولي توزيعها، علاوة على رفضه نشر كتب بعينها. وهنا بدأت المضايقات من قبل الدولة، وفوجئ ذات صباح بقرار من محافظ القاهرة اللواء سعد مأمون برفع كشكه. كنت أعرف المحافظ منذ فترة خدمتي بالقوات المسلحة. ولذلك ذهبت مع الحاج مدبولي له. وأذكر أنه قال لمدبولي إنه يحلم ذات يوم أن يتكلم عمن تكلموا معه من أجل مدبولي. كان قد اتصل به كثيرون، أذكر منهم أنيس منصور. لم يقل لنا المحافظ يومها إن هناك تعليمات عليا برفع الكشك، ولكن «اللبيب بالإشارة يفهم» وليس كل ما يعرف يقال. ولكننا خرجنا من اللقاء ولدينا يقين، أن الكشك لن يعود لمكانه، والباقي تفاصيل صغيرة. يومها تصرف مدبولي باتجاه أن تكون له مكتبة. وهكذا انطبق عليه قول ابن اياس: «اشتدي يا أزمة تنفرجي». فقد تمكن مدبولي من شراء مكتبة بشارع طلعت حرب «سليمان باشا» مواجهة لمقهى ريش. لتشهد ميلاد مكتبة مدبولي. كان سعيداً أنه في مواجهة المقهى الذي يجتمع فيه المثقفون. ولكن عندما لاحت أمامه فرصة للعودة إلى ميدان سليمان باشا في مكتبة تتصدر الميدان وليس مجرد كشك. باع المكتبة المواجهة لريش لدار الكتاب العراقي. وأصبحت له مكتبة في الميدان. سرعان ما اشترى بدروم العمارة وحوله لمخزن. وشقة في الدور الأول بعد الأرضي، أصبحت مكتباً له واستراحة ومعرضا للكتب.
لقد حاول مدبولي ابتداء من منتصف تسعينيات القرن الماضي أن يحول مكتبته إلى مؤسسة، وأصبح لديه مسئول عن النشر. وقد رأيته أكثر من مرة عندما يحضر له المؤلفون وهو يشير إلى مدخل العمارة، ويطلب من المؤلف أن يتفاوض مع مسئول النشر في المكتبة. كان أول مسئول هو إبراهيم فريح ثم أصبح رءوف عشم. أيضاً يشير إلى المسئولين عن الكتب لمن يسأل عن كتاب، وأشهرهم: حسن، وحمدي، وإبراهيم، وعنتر. لقد ترك ثلاثة أبناء ذكور: محمود وعمرو وأحمد. وابنة رأيتها يوم الدفن منهارة، تبكي بحرقة حقيقية. والمهمة التي تنتظر الأبناء ثقيلة. لأن الاستمرار في ما بدأه مدبولي مسألة صعبة, ليست سهلة على الإطلاق, ولا أحب مصادرة المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى.
لم ننته بعد
كنت قد حذرت نفسي قبل البدء في الكتابة ألا أوهم نفسي أنني أكتب عن الحاج محمد مدبولي. وأنا في حقيقة الأمر إنما أكتب عن نفسي, ألا أقع في فخ نزيف «الأنا», هذا ما نمارسه بكل ضراوة, أن نجلس لنكتب عن الآخرين, ولكننا في حقيقة الأمر نكتب عن أنفسنا. نبهني لذلك الخطر أو تلك الغواية, المجلد الذي أصدرته هيئة الكتاب في زمن الدكتور سمير سرحان, عن يوسف إدريس بعد رحيله, وكانت مسئولة عنه اعتدال عثمان أعادها الله من غربتها, والناقد والباحث حسن سرور. كان المجلد الذي يقع في أكثر من ألف صفحة من القطع الكبير, وفيه مارسنا جميعاً تلك الجريمة, عندما أصبح يوسف إدريس شماعة للكتابة عن أنفسنا, والحكي عن ذواتنا, وإبراز فصائلنا, ووضع ورق التوت على عيوبنا.
ترى هل نجحت في مقاومة هذه الغواية أم فشلت؟! شرعية الإجابة عن هذا التساؤل لا يملكها غير القارئ, هذا إن قرأ.
يوسف القعيد
مجلة العربي مارس 2009
مايو 69
كنا قد طبعنا كتبنا الأولى على نفقتنا الخاصة، لأن كاتباً جسوراً، هو سمير أحمد ندا قادنا في هذا الطريق، وأصبحت لديَّ نسخ روايتي الأولى «الحداد». وكان من الطبيعي - بعد طباعتها - أن أبدأ رحلتي، من أجل توزيعها، من خلال كشك الحاج مدبولي. وهكذا عرفت طريقي إليه مبكراً جداً، ذهبت إليه يوم الجمعة، قبل التوجه للقاء نجيب محفوظ. في مقهى ريش الكائن بشارع طلعت حرب، الذي مازلنا نسميه سليمان باشا، مع أن طلعت حرب أحد الذين أسسوا اقتصاد مصر الحديث، وهو مصري أباً عن جد، لكن سليمان باشا الفرنساوي. كان أحد الأجانب الذين التحقوا بخدمة الأسرة العلوية، وشاركوا في تدريبات الجيش المصري. يبدو أن الأسماء القديمة مازالت لها قوة وجاذبية لدى الجمهور العادي أكثر من الأسماء الجديدة. أصل المشكلة وجوهرها أن القديم مرتبط بمصر المحتلة، والجديد جزء من محاولة النهوض المصري في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن مرض الحنين للماضي يشد العامة إلى الماضي البعيد، ويبعدهم عن الماضي القريب.
رحب بي الحاج محمد مدبولي، أخذ نسخ الرواية من يدي، وضعها في مكان مميز على الفرشة. لم تكن هناك مكتبة، مجرد كشك في ميدان سليمان باشا. كان موزع كتب وصحف فقط، لم يكن يفكر أن يكون ناشراً. كان يرى أن الاكتفاء بالتوزيع لا يقل أهمية عن الكتابة والطباعة والنشر، لأن المرحلة الأخيرة هي التي تحمل الكتاب للقارئ وتوصله إليه، وهذا الكشك كان كل عالمه. يضع فوق أحد أرففه الداخلية: أجندة فيها تليفونات المثقفين المصريين والعرب الذين يتعامل معهم. وإيصالات وفواتير.
ومن كثرة الكتب والعمل وسط الكتب، بدأت «تناغشه» فكرة النشر، مع أنه كان حذراً، مثل سلوك كل أبناء حضارة الزراعة، حيث تتراجع القدرة على المغامرة. كان يرى أن التوزيع يضمن له عائداً مضموناً، وأن النشر ربما كان مغامرة، غير مأمونة العواقب، فضلاً عن تركيزه المستمر على أن الموزع ربما كان أهم حلقات إنتاج الكتاب. لكن الحاج محمد مدبولي بعد ذلك تحول للنشر، أصبح ناشراً.
مساء 28 سبتمبر سنة 1970
كنت أقف معه بجوار الكشك، وكان يقف معنا شخص لم أكن أعرفه. كان يرتدي بدلة سوداء وقميصاً أبيض ونظارة بيضاء لا تراها - الزجاج والإطار معاً - عند النظرة الأولى، وكان الراديو المصري الذي كان سيد الأذن في ذلك الوقت - لم يكن التليفزيون قد أصبح منافساً له - وترتيل القرآن الكريم كان مستمراً. سمعت يومها تجليات تلاوة للشيخ محمد رفعت لقصار السور. يبدو أنه كان يرتلها في مسجد وحوله من يستمعون له، ويبدون إعجابهم بصوته ويطلبون منه الإعادة أكثر من مرة، وهو التراث الجميل للشيخ رفعت الذي لم نستمع له بعد هذه المناسبة. هذه التلاوة القرآنية في غير وقتها جعلت الناس تتساءل عن السبب. كان جرح النكسة ينزف. وكان قلب مصر حفرة مليئة بالدماء.
في لحظة خاطفة أعلن عن رحيل جمال عبد الناصر. حتى هذه اللحظة مازلت أسمع في أذني صوت ما فعله الحاج مدبولي كأنه يحدث الآن، ضرب جبهته بكلوة يده اليمنى، وأسند رأسه للكشك. لكن الأستاذ الذي كان واقفاً رفض سلوك مدبولي، وحزني الذي بلا حدود، وحاول «عقلنة» الموقف، عندما قال إن الموت علينا حق، وإن عبد الناصر بشر. كان هذا الأستاذ بعد أن تعرفت عليه هو الدكتور جمال حمدان، الذي لم يكن قد دخل شرنقة عزلته، ولم يكن قد خاصم المجتمع المصري. لكن رد فعل الحاج مدبولي، على الخبر «الصاعق» شكل بذرة صلة إنسانية بيني وبينه.
أحاول وضع الموقف في سياقه الإنساني، مدبولي يداوم على وصف نفسه من يومها بأنه واحد من «جنود جيش عبد الناصر». كان موقفه من عبد الناصر يلخصه على النحو التالي، إن عبد الناصر صعيدي، وهو صعيدي. إنهما جاءا من الصعيد، والصعيد عصبية مهمة في بلد مازالت الناس تصنف نفسها: «بحاروة أو صعايدة»، مع أن مدبولي مولود في الجيزة، ولكن والده كان من أبناء سوهاج. وعبد الناصر مولود في قرية الضهرية بغيط العنب، إحدي ضواحي الإسكندرية، ووالده ينتمي إلى قرية بني مر في صعيد مصر. ثم إن عبدالناصر، في نظر الحاج مدبولي رجل «شرب من ثدي أمه»، رفع رأس مصر عاليا، وأنه كان يشعر بالفقراء وآلامهم. كان إحساس مدبولي بفقراء المصريين يعلو على «التنظير»، ويسبق الفرز الطبقي. كانت مسألة طبيعية في وجدانه، وظل طول حياته يتناول وجبة الطعام الرئيسية، حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر، وسط العاملين معه في المكتبة. يرسل في طلب الطعام لهم جميعاً، ويجلس معهم ويوزع عليهم الأكل ويطلب لهم الشاي، ومن يدخن يعزم عليه بالسجائر.
بعد ذلك سينشر مدبولي كتاباً يهاجم عبد الناصر، وسيندم كثيراً على هذه الفعلة التي ما كانت يجب أن تكون. أيضاً عندما عرض مسلسل عن الصعيد في التلفزيون المصري، كان الحاج مدبولي يستأذن ويدخل إلى المخزن ليشاهده، لأنه كانت هناك «لزمة» تتردد بين كل مشهد وآخر. ومع الأسف ضاعت من ذاكرتي بيانات هذا المسلسل، لكن «اللزمة» كانت من كلمتين: «هراس جاي». طبعاً الحاج مدبولي لم يقرأ مسرحية كاتب العبث واللامعقول صامويل بيكيت: «في انتظار جودو». ولكنه كان ينظر لمجئ هراس كأنه المخلص. إنه مرة أخرى المخلص الذي يمكن أن يأتي من الجنوب. من صعيد مصر تحديداً. كان الدكتور لويس عوض، وهو صعيدي من إحدى قرى المنيا، يقول لي دائماً وأبداً. إن صعيد مصر هو مخزن الرجولة، وإن هذا الصعيد يمثل المجتمع الواقي الذي حفظ روح مصر وضميرها وعاداتها وتقاليدها في مواجهة كل الغزاة والمحتلين الذين حاولوا احتلال مصر. كان لديه يقين أن أي احتلال أجنبي لمصر. توقف عند الدلتا، ولم يصل إلى الصعيد. بل لم يكن يعترف بحملة ديزييه، التي وصلت إلى مشارف قنا، في زمن الحملة الفرنسية على مصر. عندما كنت أتكلم عن هذه الحملة معه، كان يقول لي لا تردد فولكلور المؤرخين.
كانوا ثلاثة
في فترة الكشك كانوا ثلاثة من الأشقاء، محمد وأحمد وسيد، أحمد تولى إدارة مكتبة لندن التي لم تعمر طويلاً، ثم مرض وتوفاه الله مبكراً، وأولاده أسسوا مكتبة مدبولي الصغير. خلال فترة مكتبة مدبولي فرع لندن فكر الحاج مدبولي - لأول وآخر مرة - أن يستبدل جلبابه ببدلة. وسألني عن المحل الذي أشترى منه بدلى «السفاري» وعندما عرفت سبب السؤال، نصحته بالإبقاء على الجلباب الذي أصبح جزءاً من شخصيته أيامها. خلال تردده على لندن، أكد لي سلوكه قدرة المصري على مواجهة الصعاب وقهرها. كان مدبولي يحضر أوراق التأشيرات من السفارة البريطانية، وتكتب له بالإنجليزية ويضعها في قلب الجواز قبل التوجه إلى المطار. أما سيد أصغرهم، فقد كان «غاوي فن» يحب التمثيل، وكان له صديق فنان توقف عن التمثيل أيضاً، هو حمدي حافظ. وقد ظهر سيد في فيلم أو فيلمين، وسبق الحاج محمد في الموت، وأصبح أولاده يمتلكون مكتبة مدبولي بالمهندسين، القريبة من مقهى العمدة وفندق أطلس. وأذكر أن سيد تزوج من ابنة شقيقة الفنان فريد شوقي. وفي يوم الزفاف طلب مني الحاج مدبولي أن أذهب معهم، وعندما قلت له إنني لا أحب هذه المناسبات الاجتماعية، قال لي أنت عزوة بالنسبة لنا، ثم إن فريد شوقي «راجل مثقف»، ولابد وأن نذهب إليه «متسلحين» بالثقافة. كانت فيللا فريد شوقي أمام مسجد، أصر فريد شوقي أن يسميه مسجد فريد شوقي.
الكشك
بجوار كشك مدبولي، رأيت مثقفي مصر والوطن العربي، لم أر نجيب محفوظ الذي كان يحضر مبكراً جداً، لكن مدبولي قال لي إن نجيب محفوظ كان يأخذ منه كل الصحف والمجلات الصادرة دون تمييز. عرفت من نجيب محفوظ أنه كان يترك الصحف في مقهى ريش بعد قراءتها، لأنه لم يكن من ضمن اهتماماته الاحتفاظ بالصحف. أما الكتب التي كان يحصل عليها فقد كانت في معظمها مترجمة، لتلك الأسماء التي سادت في بعض الفترات. لكني رأيت عند كشك مدبولي يوسف إدريس ولويس عوض وعصمت سيف الدولة. كان ينتحي جانباً بالضيف وتجري بينهما معاملات. قال لي مدبولي شارحاً الأمر بعد ذلك: «إنهم ينشرون كتبهم في بيروت. كانت «كامب ديفيد» على الأبواب، وقد حدثت بوادر هجرة الأقلام والمؤلفات إلى بيروت. كان لويس عوض يأتي ماشياً على قدميه برابطة عنقه المبرومة في إهمال. ها هو لويس عوض صاحب مقولة: «أن القاهرة تكتب، وبيروت تنشر وبغداد تقرأ» يأتي إلى هنا. ينزل من تاكسي في الميدان. أما يوسف إدريس فقد كان يركن سيارته المرسيدس الصفراء، في قلب الميدان، ويتشاجر مع رجال المرور ويفرض عليهم ما يريده. أما الدكتور عصمت سيف الدولة، فلم يحضر وحده أبداً، دائماً حوله التلاميذ والأصدقاء.
لكن الكشك أصبح علامة، لدرجة أن المثقف الذي ربما وجد الكتاب الذي يريده بجوار بيته، لا يشتريه إلا من عند مدبولي. ومدبولي كان سعيداً بذلك، كان يقول لي إن الكتاب واحد ولكن الشراء من عندي «غية» عند الناس.
لكن الكشك أصبح معلمه الأول والأخير، منحه سر الصنعة، وقفته بجوار الكشك منذ السادسة صباحاً. كان حريصاً على هذا الموعد عندما كان يبيع الصحف. حتى الثانية بعد منتصف الليل، جعلته يدرك سر الأسرار في موقف الناس من الكتب. يعرف المطلوب من هذه الكتب، ومن هم الكتاب الذين تحدث حالة من الإقبال عليهم أكثر من غيرهم. إن إدراك ذائقة مستهلك الكتاب مسألة ليست سهلة، وقد عرفها بشكل مباشر، بعيداً عن قياسات الرأي العام. كثيراً ما قال لي سره: المكتبة لابد وأن تكون مفتوحة في أي وقت حتى لو كان الحضور خفيفاً. كما كان من عاداته، عندما يصله زبون يسأل عن كتاب غير موجود عنده. يحضر أحد العاملين، يطلب منه تدوين بيانات الكتاب ويرجو الزبون العودة بعد ساعة أو ساعتين، وخلالها يكون قد أحضر له طلبه، وجعل بيانات الكتاب ضمن أولوياته. وهذه الوقفة ميزته عن غيره من الناشرين، عندما تحول من بيع الكتب إلى نشرها. الناشرون غيره يتعاملون مع المجهول، لا يعرفون أي شيء عما يريد القارئ، ولكن مدبولي عرف ذلك بالوقفة في الشارع ساعات طويلة.
المكتبة
في أواخر السبعينيات كانت اتفاقية «كامب ديفيد» قد وقعت. وكان المطلب الإسرائيلي الأول بعد توقيعها، توزيع الصحف الإسرائيلية في الأسواق المصرية. كان معظمها صحفاً عبرية، وهي من اللغات نادرة الوجود في مصر، وصحيفة واحدة بالإنجليزية، وثلاث صحف بالعربية. وقد رفض الحاج مدبولي توزيعها، علاوة على رفضه نشر كتب بعينها. وهنا بدأت المضايقات من قبل الدولة، وفوجئ ذات صباح بقرار من محافظ القاهرة اللواء سعد مأمون برفع كشكه. كنت أعرف المحافظ منذ فترة خدمتي بالقوات المسلحة. ولذلك ذهبت مع الحاج مدبولي له. وأذكر أنه قال لمدبولي إنه يحلم ذات يوم أن يتكلم عمن تكلموا معه من أجل مدبولي. كان قد اتصل به كثيرون، أذكر منهم أنيس منصور. لم يقل لنا المحافظ يومها إن هناك تعليمات عليا برفع الكشك، ولكن «اللبيب بالإشارة يفهم» وليس كل ما يعرف يقال. ولكننا خرجنا من اللقاء ولدينا يقين، أن الكشك لن يعود لمكانه، والباقي تفاصيل صغيرة. يومها تصرف مدبولي باتجاه أن تكون له مكتبة. وهكذا انطبق عليه قول ابن اياس: «اشتدي يا أزمة تنفرجي». فقد تمكن مدبولي من شراء مكتبة بشارع طلعت حرب «سليمان باشا» مواجهة لمقهى ريش. لتشهد ميلاد مكتبة مدبولي. كان سعيداً أنه في مواجهة المقهى الذي يجتمع فيه المثقفون. ولكن عندما لاحت أمامه فرصة للعودة إلى ميدان سليمان باشا في مكتبة تتصدر الميدان وليس مجرد كشك. باع المكتبة المواجهة لريش لدار الكتاب العراقي. وأصبحت له مكتبة في الميدان. سرعان ما اشترى بدروم العمارة وحوله لمخزن. وشقة في الدور الأول بعد الأرضي، أصبحت مكتباً له واستراحة ومعرضا للكتب.
لقد حاول مدبولي ابتداء من منتصف تسعينيات القرن الماضي أن يحول مكتبته إلى مؤسسة، وأصبح لديه مسئول عن النشر. وقد رأيته أكثر من مرة عندما يحضر له المؤلفون وهو يشير إلى مدخل العمارة، ويطلب من المؤلف أن يتفاوض مع مسئول النشر في المكتبة. كان أول مسئول هو إبراهيم فريح ثم أصبح رءوف عشم. أيضاً يشير إلى المسئولين عن الكتب لمن يسأل عن كتاب، وأشهرهم: حسن، وحمدي، وإبراهيم، وعنتر. لقد ترك ثلاثة أبناء ذكور: محمود وعمرو وأحمد. وابنة رأيتها يوم الدفن منهارة، تبكي بحرقة حقيقية. والمهمة التي تنتظر الأبناء ثقيلة. لأن الاستمرار في ما بدأه مدبولي مسألة صعبة, ليست سهلة على الإطلاق, ولا أحب مصادرة المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى.
لم ننته بعد
كنت قد حذرت نفسي قبل البدء في الكتابة ألا أوهم نفسي أنني أكتب عن الحاج محمد مدبولي. وأنا في حقيقة الأمر إنما أكتب عن نفسي, ألا أقع في فخ نزيف «الأنا», هذا ما نمارسه بكل ضراوة, أن نجلس لنكتب عن الآخرين, ولكننا في حقيقة الأمر نكتب عن أنفسنا. نبهني لذلك الخطر أو تلك الغواية, المجلد الذي أصدرته هيئة الكتاب في زمن الدكتور سمير سرحان, عن يوسف إدريس بعد رحيله, وكانت مسئولة عنه اعتدال عثمان أعادها الله من غربتها, والناقد والباحث حسن سرور. كان المجلد الذي يقع في أكثر من ألف صفحة من القطع الكبير, وفيه مارسنا جميعاً تلك الجريمة, عندما أصبح يوسف إدريس شماعة للكتابة عن أنفسنا, والحكي عن ذواتنا, وإبراز فصائلنا, ووضع ورق التوت على عيوبنا.
ترى هل نجحت في مقاومة هذه الغواية أم فشلت؟! شرعية الإجابة عن هذا التساؤل لا يملكها غير القارئ, هذا إن قرأ.
يوسف القعيد
مجلة العربي مارس 2009