لايزال صدى صوت الأفندي يتردد في أذنيّ ، وقد تربّع فوق كرسيهِ الخيزران القديم ، يهرش كعب قدمهِ فرِحا نشوانا ، وهو يحكي لي حكايته المُعادة لعشراتِ المرّاتِ ، والتي استجلى منها حكمتهِ المشحونة بالتوريةِ : ماتَ العليل وماء اللّفت له دواء ، يغيب الأفندي في ضحكتهِ التي تناثرت نهنهتها فيما يُشبه البكاء ، يستغرق الرجل ما يستغرق قبل أن يتوجّه إليّ متسائلا عن مدى فهمي للقصة ، يقول الأفندي ، أن حكيما كان له صبي يُعلمه الحكمة ، فغضب عليه ودسّ له السّم ، وفي أثناء معاناته للموتِ ، طلب من أمه أن تذهب للحكيم وتحفظ كُلّ حرفٍ يقوله، طلبت منه دواء لابنها المختصر ، فوجدته أسيفا على شباب صبيهِ ، وقال لها متحسرا : مات العليل " وماء اللّفت" له دواء .
عادت فاخبرته ، فطلب منها على الفورِ إناء به ماء " اللّفت " المخلل ، فما إن شربه ، حتى قامَ من فورهِ.
كنتُ في صغري أعاني آلاما مبرحةً في عيني ، جرّبت معها أمي الكثير من الأدوية ، بدأتها بالوصفاتِ الشعبية كعادة الفقراءِ من أهلِ الطّينِ ،تردد أمي على صويحباتها في الدّربِ ليلَ نهار ، فتبدي هذه رأيا ، وتعطي تلك مشورة ، وتبوح ثالثة بحكمةٍ مجرّبة سمعتها نفعت، كانت الوالدة على الرغم من حيرتها ، تتردّد ألفَ مرةٍ في تجريبِ الدواء ، فلعلّ فيهِ من المخاطرِ ما فيهِ ، ولكن آلامي المستمرة لم تترك لها في القوسِ منزع، جلست الوالدة كاسفة البال كعادتها أمام البيتِ ، اقتربت منها الخالة سليمة ، وقالت بثقةٍ ودون تردد : إنّ الحل الوحيد لعينِ ابنك المسكين هذا ، أن تجربي معه حجر الطرفة..
استغربت الوالدة وزادت حيرتها ، لكنّها حرّكت رأسها في هدوءٍ ؛ دلالة على القبولِ ، ذهبت سليمة في الحالِ ، وعادت وبين يديها محارة كبيرة ، لم أرى مثيلا لها في حياتي ، وحجر لامع يميل لونه إلى الخُضرةِ ، نادت الخالة سليمة عليّ فجئت إليها متسوحشا لمرأى أشياءها الغريبة ، فكت المنديل عن عيني ، قبل أن يدق الباب وتدخل امرأة في عقدها الثالث ، كانت من جيرانِ الدّربِ ، تحمل فوق كتفها ابنا صغيرا ، عاري إلا مما يستر منتصف جسده العلوي ، نظرت إلى وهي تفترش الأرض بعفويةٍ : بسيطة .. ألف سلامة عليك..
ثم اتخذت لنفسها مجلسا في زاويةٍ معتمة ، ومدّت يدها إلى فتحةِ جلبابها الباهت ، واخرجت صدرها الكبير المترهل ، لم أرى في حياتي ثديا بهذا العظم ، فقد جاهدت المرأة طويلا حتى انتزعته من بينِ ملابسها ، افلتته وتركته يتدلى فوق بطنها ،اقترب سليمة منها ، وهي تحدِّق في ثديها كأنّما تحدِّق في ضرعِ بقرةٍ حلوب ، ناولتها المحارة الكبيرة في صمتٍ ، لتبدأ المرأة الشابة عملها ، فتحلب ثديها ، كان صوت لبنه يشخب ناصع البياض يثير فضولي ، وينسيني آلامي المبرحة منذ الأمسِ ، وبعد قليلٍ ردّت المحارة إليها ، لتبدأ سليمة بدورها في حكِّ المحارة بالحجرِ الأخضرِ ، تحكّ جوانبه وحوافه برفقٍ وهوادةٍ ، وبعد هنيةٍ دفعت المحارة بمحتوياتها للوالدةِ ، التي اخذت رأسي بين ذراعيها ، وأنامتني فوق حجرها وهي تبسمل وتستعيذ باللهِ من الشيطانِ الرّجيم ، طالبة المدد منه سبحانه ، ثم بدأت تقطر الخليط في عيني المُصابة ، في حقيقة الأمر اذيعُ عليكم سرا اكتمه منذ أمدٍّ ، لا يمكنني وصف حالتي ساعتئذٍ ، فبمجردِ أن لامس الخليط الأغبر عيني ، بدأت أشعر بلهيبٍ وحرارةٍ لا يقوى على تحملها أحد من العالمين ، انتزعت رأسي عنوة من بين يدي الوالدة ، وطفقت اهرش عيني بكلتا يديّ ، افركها مرة ، واخمشها أخرى، وانثر عليها من ماءِ الزير ما استطع ، وصرخاتي تدوي بين الجدرانِ الكئيبةِ ، وعيون القوم تتبعني في حيرةٍ وترقب ، كانت سليمة تحذرني وهي تصيح : حذار .. لقد افسدت مفعول الخلطة ، وضاع أثر حجر الطرفة هباء منثورا .
حاولت ثنيي عن مقصدي ، ولكن هيهات بعدما شبّ في عيني الحريق ، راقبت الوالدة كُلّ ما جرى ، وهي لا تُحرِّك ساكنا ، فهي أدرى الناس بعلتي وتعرف مقدار ألمي ، فلا تعارض ما أقوم بهِ ، أخيرا هدأت فورة الخليط وثورته في عيني ، التي أصبح لونها شبيه الدم ، مررت طرف جلبابي فوقها وأنا ادع الله ألا يضيع ما تبقى من نور عيني .
عاودت غسيلها ثانية وثالثة بالماءِ البارد ، حتى زال الألم تماما ، وأخذ الاحتقان في الاختفاءِ ، وبعد أيامٍ قلائل انصرف عن عيني ألمها ، بعد أن لازمني ليلَ نهار ..
ظلّ المشهد عالقا بمخيلتي طويلا ، استرجعت كلّما مددت يدي اقطر وصفة الطبيب فيها ، وصورة المرأة ذات الأثداء الكبار ، والمحارة الكبيرة ، وسليمة تكّ الحجر الأخضر فيها ، وشعور الخليط الحارق .
عادت فاخبرته ، فطلب منها على الفورِ إناء به ماء " اللّفت " المخلل ، فما إن شربه ، حتى قامَ من فورهِ.
كنتُ في صغري أعاني آلاما مبرحةً في عيني ، جرّبت معها أمي الكثير من الأدوية ، بدأتها بالوصفاتِ الشعبية كعادة الفقراءِ من أهلِ الطّينِ ،تردد أمي على صويحباتها في الدّربِ ليلَ نهار ، فتبدي هذه رأيا ، وتعطي تلك مشورة ، وتبوح ثالثة بحكمةٍ مجرّبة سمعتها نفعت، كانت الوالدة على الرغم من حيرتها ، تتردّد ألفَ مرةٍ في تجريبِ الدواء ، فلعلّ فيهِ من المخاطرِ ما فيهِ ، ولكن آلامي المستمرة لم تترك لها في القوسِ منزع، جلست الوالدة كاسفة البال كعادتها أمام البيتِ ، اقتربت منها الخالة سليمة ، وقالت بثقةٍ ودون تردد : إنّ الحل الوحيد لعينِ ابنك المسكين هذا ، أن تجربي معه حجر الطرفة..
استغربت الوالدة وزادت حيرتها ، لكنّها حرّكت رأسها في هدوءٍ ؛ دلالة على القبولِ ، ذهبت سليمة في الحالِ ، وعادت وبين يديها محارة كبيرة ، لم أرى مثيلا لها في حياتي ، وحجر لامع يميل لونه إلى الخُضرةِ ، نادت الخالة سليمة عليّ فجئت إليها متسوحشا لمرأى أشياءها الغريبة ، فكت المنديل عن عيني ، قبل أن يدق الباب وتدخل امرأة في عقدها الثالث ، كانت من جيرانِ الدّربِ ، تحمل فوق كتفها ابنا صغيرا ، عاري إلا مما يستر منتصف جسده العلوي ، نظرت إلى وهي تفترش الأرض بعفويةٍ : بسيطة .. ألف سلامة عليك..
ثم اتخذت لنفسها مجلسا في زاويةٍ معتمة ، ومدّت يدها إلى فتحةِ جلبابها الباهت ، واخرجت صدرها الكبير المترهل ، لم أرى في حياتي ثديا بهذا العظم ، فقد جاهدت المرأة طويلا حتى انتزعته من بينِ ملابسها ، افلتته وتركته يتدلى فوق بطنها ،اقترب سليمة منها ، وهي تحدِّق في ثديها كأنّما تحدِّق في ضرعِ بقرةٍ حلوب ، ناولتها المحارة الكبيرة في صمتٍ ، لتبدأ المرأة الشابة عملها ، فتحلب ثديها ، كان صوت لبنه يشخب ناصع البياض يثير فضولي ، وينسيني آلامي المبرحة منذ الأمسِ ، وبعد قليلٍ ردّت المحارة إليها ، لتبدأ سليمة بدورها في حكِّ المحارة بالحجرِ الأخضرِ ، تحكّ جوانبه وحوافه برفقٍ وهوادةٍ ، وبعد هنيةٍ دفعت المحارة بمحتوياتها للوالدةِ ، التي اخذت رأسي بين ذراعيها ، وأنامتني فوق حجرها وهي تبسمل وتستعيذ باللهِ من الشيطانِ الرّجيم ، طالبة المدد منه سبحانه ، ثم بدأت تقطر الخليط في عيني المُصابة ، في حقيقة الأمر اذيعُ عليكم سرا اكتمه منذ أمدٍّ ، لا يمكنني وصف حالتي ساعتئذٍ ، فبمجردِ أن لامس الخليط الأغبر عيني ، بدأت أشعر بلهيبٍ وحرارةٍ لا يقوى على تحملها أحد من العالمين ، انتزعت رأسي عنوة من بين يدي الوالدة ، وطفقت اهرش عيني بكلتا يديّ ، افركها مرة ، واخمشها أخرى، وانثر عليها من ماءِ الزير ما استطع ، وصرخاتي تدوي بين الجدرانِ الكئيبةِ ، وعيون القوم تتبعني في حيرةٍ وترقب ، كانت سليمة تحذرني وهي تصيح : حذار .. لقد افسدت مفعول الخلطة ، وضاع أثر حجر الطرفة هباء منثورا .
حاولت ثنيي عن مقصدي ، ولكن هيهات بعدما شبّ في عيني الحريق ، راقبت الوالدة كُلّ ما جرى ، وهي لا تُحرِّك ساكنا ، فهي أدرى الناس بعلتي وتعرف مقدار ألمي ، فلا تعارض ما أقوم بهِ ، أخيرا هدأت فورة الخليط وثورته في عيني ، التي أصبح لونها شبيه الدم ، مررت طرف جلبابي فوقها وأنا ادع الله ألا يضيع ما تبقى من نور عيني .
عاودت غسيلها ثانية وثالثة بالماءِ البارد ، حتى زال الألم تماما ، وأخذ الاحتقان في الاختفاءِ ، وبعد أيامٍ قلائل انصرف عن عيني ألمها ، بعد أن لازمني ليلَ نهار ..
ظلّ المشهد عالقا بمخيلتي طويلا ، استرجعت كلّما مددت يدي اقطر وصفة الطبيب فيها ، وصورة المرأة ذات الأثداء الكبار ، والمحارة الكبيرة ، وسليمة تكّ الحجر الأخضر فيها ، وشعور الخليط الحارق .