"الفلسطينيون المنسيون " عنوان كتاب ل (ايلان بابيه) الذي عرف أكثر من خلال كتابه "التطهير العرقي".
تذكرت الكتاب وأنا أفكر في الكتابة عن الأديب حنا أبو حنا الذي نعت ب " أستاذ الشعراء " ، وسبب نطق هذه العبارة ، في حفل أقامته مؤسسة الأسوار لتكريمه ، سبب للمرحوم حنا ابراهيم مشكلة مع رفاقه في الحزب الشيوعي ( راكاح ) نجم عنها فصله ، وكان أبو حنا نفسه فصل أيضا من الحزب ، لأنه أراد المشاركة في مؤتمر اعترض الحزب على عقده ، لاختلاف الحزب مع الجهة المنظمة للمؤتمر ولمكان عقده ، وكان اميل حبيبي الذي شارك في اتخاذ قرار الفصل ترك الحزب في فترة لاحقة ، ما دفع توفيق زياد إلى كتابة قصيدة " المرتد " التي ظهرت في ديوانه " أنا من هذي المدينة".
الصورة التي تشكلت في العالم العربي لأدباء المقاومة ، من خلال نصوصهم الإبداعية ، كانت إيجابية عموما ، والأربعة المذكورون درسوا حين درس أدب المقاومة ، وإن بنسب متفاوتة ، فقد شاع اسما حبيبي وزياد أكتر.
قياسا على عنوان كتاب ( بابيه ) يمكن الكتابة عن " الأدباء المنسيين " في فلسطين التاريخية ، ومنهم أبو حنا وابراهيم ، علما بأن لهما دورا تأسيسيا كبيرا ، ويخيل إلي أن الأسماء التي لمعت ، مثل درويش والقاسم وحبيبي وزياد ، قد غطت على بقية الأسماء ، وقد يكون هناك سبب آخر يعود إلى أنهما حين فصلا من الحزب لم يجدا في العالم العربي من يحفل بنتاجهما ، فالأحزاب الشيوعية كانت تشكل حلقة مترابطة يدعم بعضها بعضا وكان أدباؤها يحتفلون بنتاج رفاقهم فيكتبون عنه ويعيدون نشره ، وأن صحف الحزب التي أسهمت في نشر الأدب في فلسطين وفي خارجها غالبا ما عزفت عن نشر كتابات كتاب اختلف الحزب معهم ، وعلاوة على ما سبق فإن أكثر نتاجهما الأدبي ظل توزيعه مقتصرا على فلسطين.
وعلى الرغم من أن حنا أبو حنا حصل على جائزة فلسطين عن سيرته " ظل الغيمة " ، ومن أنه حصل لاحقا على جائزة محمود درويش ، إلا أن نتاجه لم يحتفل به احتفالا لافتا ، وليس أدل على ذلك من عدم الالتفات إلى الجزأين الثاني والثالث وهما " مهر البومة " و " خميرة الرماد " اللذين صدرا ، في العام ٢٠٠٤ ، في حيفا ، ولم يعد نشرهما في طبعات متتالية ولم يحتفل بهما احتفالا يليق بكاتب نال الجائزتين المذكورتين.
حنا أبو حنا كاتب من الكتاب المؤسسين للأدب الفلسطيني المقاوم في فلسطين ، وقد كتب دارسو هذا الأدب ، ومنهم غسان كنفاني وعبد الرحمن ياغي ، عنه ، وأقر محمود درويش بأنه تعلم منه " ترابية القصيدة " ، ولكن حنا لم يصدر قبل العام ٢٠٠٠ الكثير من نتاجه ، ف ١٣ كتابا من كتبه ال ٢١ صدرت في الألفية الجديدة.
تعرفت إلى أبو حنا في منتصف ٩٠ ق ٢٠ حين شارك في مؤتمر عقدته جامعة النجاح عن الشاعر عبد الرحيم محمود ، والتقيت به ثانية ، في العام ٢٠٠٦ في مؤتمر جامعة بيت لحم ، ويومها أهداني سيرته الذاتية وديوانه " عراف الكرمل " وكتابيه " أوراق خضراء " و " فستق أدبي " ، وعندما كرمني نادي حيفا الثقافي قبل سنتين حضر ، وكان في الحادية والتسعين من عمره ، وألقى بألق وذهن صاف يغبط عليهما ، مداخلة عما قلته عن ظاهرة الحذف والتغيير في أشعار درويش.
مؤخرا أتيت على ذكر أبو حنا وأنا أكتب عن حنا ابراهيم ، وقد وجب أن أعود إلى ملاحظاتي التي دونتها على سيرة أبو حنا ، لأفيد منها ولأوثق بعض المعلومات ، وقد تساءلت عن سبب عدم كتابتي عنها ، فسيرته وسيرة ابراهيم تأتيان على علاقتهما بالحزب وسبب فصلهما منه ، وتفضيان في هذا الجانب إلى بعضهما ، فسيرتهما مهمتان جدا لدارس الأدب في فلسطين بين ١٩٤٨ و ١٩٦٧ من حيث موضوعاته وشكله الفني وعلاقته بالأدب العربي والأدب الفلسطيني قبل النكبة ، وأيضا لدراسة المجتمع العربي هناك ، والأهم أنهما تلقيان الضوء على ملامح شخصيات فلسطينية سياسية وأدبية وفكرية من أبرزها اميل حبيبي واميل توما وصليبا خميس وغيرهم.
خذ مثلا ما كتبه عن حبيبي أديبا وسياسيا . إنه شهادة أديب في أديب عرفه وعمل معه في " الاتحاد " وكان رفيقا له في الحزب لعقدين وأكثر ، وهنا أشير إلى أن كليهما انتمى إلى عصبة التحرر الوطني وأسهم في نشاطها .
كافر سبت:
عندما قرأت سيرة حنا لم تكن رواية عارف الحسيني "كافر سبت" ( ٢٠١٢ ) صدرت ، وعندما عدت إلى السيرة بعد قراءة رواية الحسيني ، قرأت قصة طريفة حدثت مع حنا في القدس أوردها في " مهر البومة " ، وكان دونها في مفكرته في صيف ١٩٤٦ ، تأتي على حكاية " شاباس غوي " - أي كافر سبت - فقد كان يسير في الشارع مع ثلاثة أصدقاء والتقوا بيهودي متدين طلب منهم خدمة جليلة تتمثل في الذهاب معه إلى بيته فقد " دخل السبت ولم نفتح مفتاح النور الكهربائي في البيت ولا يحق لي دينيا أن أفعل ذلك الآن " واستغرب حنا الأمر وقال لليهودي:
" - لا نفهم . نزلت الدرج من البيت وجئت إلى الشارع ثم ستعود معنا ليحرك أحدنا زر الكهرباء ؟ هل كل ذلك الجهد مسموح وتحريك الزر ممنوع ؟" ( ص ٦٤).
ولا تخلو السيرة من طرائف تبعث على الابتسام ومثلها الرواية ، ولا أعرف إن كان الحسيني قرأ السيرة ، ولكني متأكد من أنه كتب عن تجارب مر بها كما كتب حنا عن تجاربه.
( شاباس غوي ) ترد في رواية الحسيني ( غوي شبات ) . (ص١٣١) ، ومرة كتبت إن تشابه التجربة تؤدي إلى تشابه الكتابة.
الجمعة والسبت
٣٠ و ٣١ / ١٠ / ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2699786250274927
تذكرت الكتاب وأنا أفكر في الكتابة عن الأديب حنا أبو حنا الذي نعت ب " أستاذ الشعراء " ، وسبب نطق هذه العبارة ، في حفل أقامته مؤسسة الأسوار لتكريمه ، سبب للمرحوم حنا ابراهيم مشكلة مع رفاقه في الحزب الشيوعي ( راكاح ) نجم عنها فصله ، وكان أبو حنا نفسه فصل أيضا من الحزب ، لأنه أراد المشاركة في مؤتمر اعترض الحزب على عقده ، لاختلاف الحزب مع الجهة المنظمة للمؤتمر ولمكان عقده ، وكان اميل حبيبي الذي شارك في اتخاذ قرار الفصل ترك الحزب في فترة لاحقة ، ما دفع توفيق زياد إلى كتابة قصيدة " المرتد " التي ظهرت في ديوانه " أنا من هذي المدينة".
الصورة التي تشكلت في العالم العربي لأدباء المقاومة ، من خلال نصوصهم الإبداعية ، كانت إيجابية عموما ، والأربعة المذكورون درسوا حين درس أدب المقاومة ، وإن بنسب متفاوتة ، فقد شاع اسما حبيبي وزياد أكتر.
قياسا على عنوان كتاب ( بابيه ) يمكن الكتابة عن " الأدباء المنسيين " في فلسطين التاريخية ، ومنهم أبو حنا وابراهيم ، علما بأن لهما دورا تأسيسيا كبيرا ، ويخيل إلي أن الأسماء التي لمعت ، مثل درويش والقاسم وحبيبي وزياد ، قد غطت على بقية الأسماء ، وقد يكون هناك سبب آخر يعود إلى أنهما حين فصلا من الحزب لم يجدا في العالم العربي من يحفل بنتاجهما ، فالأحزاب الشيوعية كانت تشكل حلقة مترابطة يدعم بعضها بعضا وكان أدباؤها يحتفلون بنتاج رفاقهم فيكتبون عنه ويعيدون نشره ، وأن صحف الحزب التي أسهمت في نشر الأدب في فلسطين وفي خارجها غالبا ما عزفت عن نشر كتابات كتاب اختلف الحزب معهم ، وعلاوة على ما سبق فإن أكثر نتاجهما الأدبي ظل توزيعه مقتصرا على فلسطين.
وعلى الرغم من أن حنا أبو حنا حصل على جائزة فلسطين عن سيرته " ظل الغيمة " ، ومن أنه حصل لاحقا على جائزة محمود درويش ، إلا أن نتاجه لم يحتفل به احتفالا لافتا ، وليس أدل على ذلك من عدم الالتفات إلى الجزأين الثاني والثالث وهما " مهر البومة " و " خميرة الرماد " اللذين صدرا ، في العام ٢٠٠٤ ، في حيفا ، ولم يعد نشرهما في طبعات متتالية ولم يحتفل بهما احتفالا يليق بكاتب نال الجائزتين المذكورتين.
حنا أبو حنا كاتب من الكتاب المؤسسين للأدب الفلسطيني المقاوم في فلسطين ، وقد كتب دارسو هذا الأدب ، ومنهم غسان كنفاني وعبد الرحمن ياغي ، عنه ، وأقر محمود درويش بأنه تعلم منه " ترابية القصيدة " ، ولكن حنا لم يصدر قبل العام ٢٠٠٠ الكثير من نتاجه ، ف ١٣ كتابا من كتبه ال ٢١ صدرت في الألفية الجديدة.
تعرفت إلى أبو حنا في منتصف ٩٠ ق ٢٠ حين شارك في مؤتمر عقدته جامعة النجاح عن الشاعر عبد الرحيم محمود ، والتقيت به ثانية ، في العام ٢٠٠٦ في مؤتمر جامعة بيت لحم ، ويومها أهداني سيرته الذاتية وديوانه " عراف الكرمل " وكتابيه " أوراق خضراء " و " فستق أدبي " ، وعندما كرمني نادي حيفا الثقافي قبل سنتين حضر ، وكان في الحادية والتسعين من عمره ، وألقى بألق وذهن صاف يغبط عليهما ، مداخلة عما قلته عن ظاهرة الحذف والتغيير في أشعار درويش.
مؤخرا أتيت على ذكر أبو حنا وأنا أكتب عن حنا ابراهيم ، وقد وجب أن أعود إلى ملاحظاتي التي دونتها على سيرة أبو حنا ، لأفيد منها ولأوثق بعض المعلومات ، وقد تساءلت عن سبب عدم كتابتي عنها ، فسيرته وسيرة ابراهيم تأتيان على علاقتهما بالحزب وسبب فصلهما منه ، وتفضيان في هذا الجانب إلى بعضهما ، فسيرتهما مهمتان جدا لدارس الأدب في فلسطين بين ١٩٤٨ و ١٩٦٧ من حيث موضوعاته وشكله الفني وعلاقته بالأدب العربي والأدب الفلسطيني قبل النكبة ، وأيضا لدراسة المجتمع العربي هناك ، والأهم أنهما تلقيان الضوء على ملامح شخصيات فلسطينية سياسية وأدبية وفكرية من أبرزها اميل حبيبي واميل توما وصليبا خميس وغيرهم.
خذ مثلا ما كتبه عن حبيبي أديبا وسياسيا . إنه شهادة أديب في أديب عرفه وعمل معه في " الاتحاد " وكان رفيقا له في الحزب لعقدين وأكثر ، وهنا أشير إلى أن كليهما انتمى إلى عصبة التحرر الوطني وأسهم في نشاطها .
كافر سبت:
عندما قرأت سيرة حنا لم تكن رواية عارف الحسيني "كافر سبت" ( ٢٠١٢ ) صدرت ، وعندما عدت إلى السيرة بعد قراءة رواية الحسيني ، قرأت قصة طريفة حدثت مع حنا في القدس أوردها في " مهر البومة " ، وكان دونها في مفكرته في صيف ١٩٤٦ ، تأتي على حكاية " شاباس غوي " - أي كافر سبت - فقد كان يسير في الشارع مع ثلاثة أصدقاء والتقوا بيهودي متدين طلب منهم خدمة جليلة تتمثل في الذهاب معه إلى بيته فقد " دخل السبت ولم نفتح مفتاح النور الكهربائي في البيت ولا يحق لي دينيا أن أفعل ذلك الآن " واستغرب حنا الأمر وقال لليهودي:
" - لا نفهم . نزلت الدرج من البيت وجئت إلى الشارع ثم ستعود معنا ليحرك أحدنا زر الكهرباء ؟ هل كل ذلك الجهد مسموح وتحريك الزر ممنوع ؟" ( ص ٦٤).
ولا تخلو السيرة من طرائف تبعث على الابتسام ومثلها الرواية ، ولا أعرف إن كان الحسيني قرأ السيرة ، ولكني متأكد من أنه كتب عن تجارب مر بها كما كتب حنا عن تجاربه.
( شاباس غوي ) ترد في رواية الحسيني ( غوي شبات ) . (ص١٣١) ، ومرة كتبت إن تشابه التجربة تؤدي إلى تشابه الكتابة.
الجمعة والسبت
٣٠ و ٣١ / ١٠ / ٢٠٢٠
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2699786250274927